مشكلة قلة الموارد المائية
المؤلف:
د. كاظم عبادي حمادي
المصدر:
الثروة الحيوانية في الوطن العربي
الجزء والصفحة:
ص 231 ـ 237
2025-11-20
39
تتسم الموارد المائية في المنطقة العربية بالندرة سواء بصورة مطلقة من حيث تدني متوسط نصيب وحدة المساحة، أو نصيب الفرد من المياه، أو بصورة نسبية مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم كما تتسم بسوء توزيعها جغرافيا وصعوبة استغلال المتاح منها في كثير من المناطق، وفضلا عن ذلك تتفاقم هذه الندرة على جميع المستويات بمرور الزمن في حين تعادل مساحة الوطن العربي 10.8% من مساحة اليابسة، ويعادل عدد سكانه 4.9% من إجمالي سكان العالم، فإنه يحتوي على 0.7% فقط من إجمالي المياه السطحية الجارية في العالم، ويتلقي 2.1% فقط من إجمالي أمطار اليابسة، ويترتب على ذلك أن متوسط نصيب الهكتار الواحد من المياه السطحية الجارية في الوطن العربي مقارنا بنظرائه على المستوي العالمي يبلغ 1:15 ومن حيث متوسط الهطول المطري السنوي تبلغ هذه النسبة 1:5 يضاف الي ذلك أن شطرا لا بأس به من الموارد المائية المتاحة يتعرض إما للفقد أو لتدهور النوعية لأسباب عديدة.
هناك خمسة مصادر للمياه في الوطن العربي، ثلاثة منها تقليدية وهي الأمطار، والمياه السطحية والمياه الجوفية، واثنان غير تقليديين هما مياه التحلية، ومياه التنقية إعادة الاستخدام وباستثناء الأمطار، يبلغ اجمالي الموارد المائية العربية في الوضع الراهن 257.5 مليار متر مكعب تشمل موارد تقليدية قدرها 245.6 مليار متر مكعب بنسبة 95.4% وموارد غير تقليدية قدرها 11.9 مليار متر مكعب، تعادل 4.6% من اجمالي الموارد المائية ، وتشكل الموارد المائية السطحية الشطر الأكبر من إجمالي الموارد المائية، إذ تقدر بنحو 257 مليار متر مكعب في عام 2014 ، تمثل 81 % من الإجمالي مياه سطحية ، وتمثل المياه الجوفية منها 14% أما بالنسبة للموارد غير التقليدية فتمثل كلا من موارد إعادة الاستخدام وموارد التحلية 4 % ، 1 % على الترتيب من إجمالي الموارد المائية في الوطن العربي، وعلى المستوي الإقليمي، يستحوذ الإقليم الأوسط على نحو 40% من اجمالي الموارد المائية، بينما يستحوذ اقليم المشرق، وإقليم المغرب العربي، وإقليم شبه الجزيرة العربية بنسب 31% و 23% ، 6% على التوالي من إجمالي الموارد المائية العربية يوجد تباين واضح في توزيع الموارد المائية المتاحة بين الدول العربية، فبينما تشكل الموارد المائية السطحية، الجزء الأكبر من الموارد المائية بالنسبة لكل من أقاليم المشرق العربي والأوسط والمغرب العربي، فإنها لا تشكل نفس الدرجة من الأهمية بالنسبة لإقليم شبه الجزيرة العربية الذي يعتمد بشكل رئيسي على الموارد المائية الجوفية الي جانب التحلية إذ يستحوذ هذا الإقليم على نحو 82.7% من جملة الموارد المائية الناتجة عن التحلية في الوطن العربي، وفي حين يعتبر إعادة الاستخدام مصدرا مهما للموارد المائية في إقليم المشرق العربي والإقليم الأوسط لا سيما في سوريا والعراق، فإنه يعتبر مصدرا هامشيا بالنسبة للإقليمين الآخرين.
يقل متوسط نصيب الفرد من الموارد المائية على مستوي الوطن العربي عن خط الفقر المائي المحدد عالميا بنحو 1000 متر مكعب سنويا، ومع ذلك فإنه يزيد عنه في عدد قليل من الدول العربية وهي سوريا والعراق ولبنان والصومال والمغرب وموريتانيا ويقل عن 500 متر مكعب في دول كالأردن وفلسطين وجيبوتي وتونس ودول شبه الجزيرة العربية باستثناء سلطنة عمان، ويتراوح بين 500 ـ 1000 متر مكعب في بقية الدول العربية ، وتشير الدراسات على أن نصيب الفرد العربي من المياه على وجه العموم، يعتبر أدنى نصيب للفرد في العالم، حيث تراجع من (3300م) سنوياً، في عام 1960 إلى 1250 م 3 سنوياً في عام 2000، ومن المتوقع أن يصل في عام 2030 إلى أقل من (600 م) سنوياً، بسبب تزايد السكان العرب في الدول المتشاطئة مع دول الجوار، أو التي تخترقها الأنهار من الجوار الإقليمي وتعاني الدول العربية من قلة المياه منذ عام 1970 وسوف تستمر في السنوات المقبلة وذلك لأسباب كثيرة في مقدمتها جفاف المناخ اذ تقع حوالي 95% من الاراضي العربية في مناطق جافة او شبه جافة كما يوضحها الجدول ( 20 ) ، بالإضافة الى تحكم بعض دول الجوار بكميات المياه الداخلة الى حدود الوطن العربي بالإضافة الى سوء استخدام المياه وخاصة في مجال الري الزراعي وجهل المزارع العربي بالتقنيات الحديثة في مجال الزراعة والري والتسميد وغيرها من العمليات الزراعية المتعلقة بالمياه العربية مما خلق ما يسمى بالأزمة المائية وتعرف الأزمة المائية بأنها خلل في التوازن بين الموارد المائية المتجددة والمتاحة والطلب المتزايد عليها والذي يتمثل بظهور عجز في الميزان المائي يتزايد باستمرار ويؤدي إلى إعاقة التنمية وهذا العجز هو الحالة التي يفوق حجم الاحتياجات المائية فيها كمية الموارد المائية المتجددة والمتاحة.
ويطلق على هذا العجز تسمية (الفجوة المائية) ، والتي تحدث عندما يصل العجز المائي إلى درجة تؤدي إلى أضرار اقتصادية واجتماعية تهدد بنية القطاع الزراعي في الدولة فإنه يكون قد وصل إلى ما يسمى بالأزمة المائية وتعاني المنطقة العربية من نقص في الموارد المائية، مما يمهد إلى حدوث صراع أو قيام تعاون إقليمي يراعي حاجات هذه الشعوب من المياه ، وهناك ثلاثة محددات تفرض نفسها على قضية الأمن المائي العربي وهي :-
أ- أن غالبية دول المشرق العربي ووسطه تعاني من أزمة مائية متزايدة وبدرجات مختلفة.
ب ـ ان غالبية الأنهار العربية (دجلة الفرات النيل) تنبع من خارجه مما يعني بأنها عرضة لتحكم قوى أجنبية بكميات المياه الداخلة الى حدود الوطن العربي والتي يسهل التحكم بكمياتها.
ج ـ ارتباط المشروعات التركية والصهيونية بالهيمنة على مصادر المياه مع ازدياد اعداد المهاجرين بنسبة لا تتفق مع موارد المياه التي تحصل عليها من الدول العربة المجاورة وهي التي تسعى الى تحقيق واحد م اهدافها التي جاءت من اجلها وفيما يتعلق بالأبعاد الجيوسياسية للأزمة المائية العربية هناك البعد الجغرافي حيث تتحكم دول الجوار العربي بنسبة ما يقارب 85% من الموارد المائية العربية ، أما البعد السياسي فيمكن إجماله في النقاط التالية : -
1- غياب المعاهدات والاتفاقيات الدولية الناظمة لاستغلال واستخدام المياه بشكل قانون يراعي حقوق الدول المائية وبسبب ضعف الزامية القانون الدولي.
2 ـ نظرا لطبيعة العلاقات التي تسود بين دول الإقليم فإن العامل المائي وحاجته وندرته أصبح مرتبطا بالبعد السياسي، إذ أضحى يوظف في خدمة الأغراض والأهداف والنفوذ والسيطرة والمنافع والمصالح المختلفة.
3- ترتبط دول الجوار الجغرافي مع الدول العربية بعلاقات استعمارية مثل (الكيان الصهيوني) ورغبتها في استغلال هذا العامل كعنصر ضغط سياسي وحرمان الدول العربية من مياهها الدولية ، فيما تسود العلاقات بين العراق وسوريا مع تركيا نوع من الجفاء والتوجس بحكم الميراث التاريخي والعلاقات الأمنية والاستراتيجية ، وتبعاً لذلك فان غالبية الدول العربية تقع ضمن الحزام الصحراوي الذي يلف المنطقة الاستوائية ، و الذي يعد من أكثر مناطق العالم جفافاً ، وزاد من المشكلة تصاعداً ازدياد الطلب على المياه، وضعف كفاءة استخدامها ، والاستخفاف بأهميتها ، وقد اشارت بعض الدراسات العالمية إلى أن غالبية الدول العربية تعاني من نقص حاد في المياه حيث يقدر العجز المائي الحاصل بنحو (162.3) مليار م3 ، وخاصة دول الخليج العربي التي تعاني من نقص مستمر في الموارد المائية لعدم وجود المياه السطحية فيها واعتمادها على المياه الجوفية بصورة عامة أو استخدام طريقة اعادة تكرير المياه المستخدمة او تحلية مياه البحر وهذا يكلفها اقتصاديا وقد قامت منظمة الامم المتحدة بتقديرات اعداد السكان في العالم وخاصة الذين يعانون من ازمة المياه فأوجدت بأن معظمهم يتركز في مناطق شمال افريقيا والمنطقة الغربية من قارة آسيا ، وبهذا فان هذه الدول هي الدول العربية ، لذلك قام الخبراء المشاركون في مؤتمر الخليج الخامس للمياه المنعقد في آذار / 2001 الى دعوة دول الخليج إلى بلورة رؤية مستقبلية للمياه وصياغة سياسة مائية شاملة بعيدة المدى لمواجهة العجز المزايد في مياه المنطقة الخليجية.
ومن المعروف أن دول الخليج تعتمد على مصدرين للمياه، وهما المياه الجوفية وتحلية مياه البحر، وهما يشكلان المصدر الرئيسي للمياه في الخليج الذي يستهلك قطاعه الزراعي من هذه المياه بحدود (85%)، ومن المتوقع أن يصل نقص المياه في دول الخليج العربي بحلول 2015 إلى (47) مليار م، ولكن سيكون المتوفر وقت ذاك (21.5) مليار (م) وهو ما يعني تفاقم عجز المياه في هذه الدول مستقبلاً ، ويؤدي الى وضع معظم سكان الوطن العربي تحت خط الفقر وخصوصاً دول الخليج العربي ودول الشرق أوسطية مما يبرز خطورة هذه المشكلة في المستقبل القريب وخلاصة ذلك لقد أصبحت مسألة المياه العربية مسألة استراتيجية ، تتطلب من الحكومات العربية وضع خطة قومية شاملة لمواجهة أي خرق سياسي لهذه المسألة الذي يفضي إلى عجز مائي قد يصيب قتل الشعب العربي في آية لحظة ويؤثر على توفير الأمن الغذائي أمام من يريد محاربتنا في لقمة عيشنا وفي قطرة الماء التي يشربها السكان وتسقي المحاصيل الزراعية وتروي الثروة الحيوانية.
وللأسف أن كثير من الحكومات العربية الحالية لا تعير اهمية للمسألة الأمنية القومية ومنها الأمن المائي اهتمامه الكافي إلا عندما يقع في أسوأ نتائجها ويذيق الشعب العربي مرارتها ، وتعد هذه المشكلة واحدة من المشاكل الاساسية التي تواجه القطاع الزراعي عامة ومنه قطاع الثروة الحيوانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) World Bank - World Resource Report - 1997 - pp. 300-303.
(1) التقرير السنوي لأوضاع الأمن الغذائي العربي الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية الصادر في 2012/4/2.
(2) عدنان بيلونة - الأمن المائي العربي - مجلة الفكر السياسي.
الاكثر قراءة في جغرافية المياه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة