تجهيز النبي "ص" ودفنه
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص711-714
2025-12-17
28
يكاد يكون من المتفق عليه بين المؤرخين والمحدثين ان عليا ( ع ) مذ ان دب المرض في جسم النبي كان منصرفا هو والهاشميين وبعض المهاجرين والأنصار إلى تمريض النبي وتجهيزه بعد وفاته واستقبال المعزين والوافدين ، ولم يعلم بما كان يجري لإقصائه عن الخلافة ، وحتى لو كان يعلم بتلك التدابير التي اتخذها القوم لم يكن ليترك النبي ( ص ) مسجى في بيته جثة هامدة وينصرف للمطالبة بحقه في حين ان كل ما تم لم يكن منتظرا بتلك السرعة الخاطفة .
ومن المؤكد انه لم يعلم هو وجماعته من الهاشميين وبعض المهاجرين والأنصار الا بعد ان خرج الناس من السقيفة يزفون أبا بكر إلى المسجد ويهتفون باسمه وكلما التقوا بأحد جروه إلى المسجد وامروه بالبيعة ، فأصيب الناس في بادئ الأمر بمثل الدهشة التي اصابتهم ساعة وفاة الرسول ( ص ) .
وجاء في سيرة ابن هشام وغيرها انه لما بويع أبو بكر اقبل الناس على جهاز الرسول وتولى تجهيزه علي بن أبي طالب والعباس وولداه الفضل وقثم بن العباس وأسامة بن زيد ، وكان قد رجع من الجرف بمن معه من الجيش المرابط هناك ، وكان شقران مولى رسول اللّه قد اسنده إلى صدره والعباس وأولاده يقلبونه معه واسامة يصب الماء عليه وعلي يغسله وعليه قميصه يغسله من وراء الثياب لا يفضي بيده إليه وهو يقول : بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيا وميتا .
وقال الشيخ المفيد : فلما أراد أمير المؤمنين تغسيل النبي استدعى الفضل بن العباس وامره ان يناوله الماء ، فلما فرغ من غسله وتحنيطه تقدم وصلى عليه وحده ولم يشرك معه أحدا في الصلاة عليه ، والمسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه ، واين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين وقال لهم ان رسول اللّه إمامنا حيا وميتا ، فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلون عليه بغير امام وينصرفون ، وان اللّه لم يقبض نبيا في مكان الا وقد ارتضاه لرمسه فيه ، واني لدافنه في حجرته التي قبض فيها فلم يعارض أحد في ذلك .
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب انه لما صلى عليه علي وبنو هاشم وخرجوا دخل المهاجرون ثم الأنصار ثم بقية الناس يصلون عليه بدون امام .
ولما فرغوا من الصلاة عليه انفذ العباس إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح ، وانفذ إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة فقيل له احفر لرسول اللّه فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس والفضل وأسامة بن زيد ليباشروا دفنه فنادت الأنصار من وراء البيت يا علي نذكرك اللّه وحقنا اليوم من رسول اللّه ان يذهب ، ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول اللّه ، فقال : ليدخل أوس بن خولى وكان بدريا فاضلا من بني عوف ، فلما دخل قال له علي انزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول اللّه على يديه ودلاه في حفرته ، فلما وضعه في حفرته ، قال له اخرج فخرج ونزل علي ( ع ) فكشف عن وجه رسول اللّه ووضع خده على الأرض ووجهه إلى القبلة ، ثم وضع عليه اللبن واهال عليه التراب ورفع قبره عن وجه الأرض مقدار شبر واحد وقيل أكثر من ذلك بقليل .
واختلفت الروايات في اليوم الذي دفن فيه وأكثرها انه كان في الثاني لوفاته ، وفي بعضها ان دفنه كان في آخر ساعة من يوم الثلاثاء .
وجاءت فاطمة ( ع ) إلى القبر ساعة دفنه ، وقالت اطابت نفوسكم ان تحثوا التراب على رسول اللّه ، واخذت من تراب القبر ووضعته على عينيها وأنشأت تقول :
ما ذا على من شم تربة احمد * ان لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا
وغاب في ذلك اليوم عن دنيا الناس وجه ما عرف التاريخ وجها أكرم منه ولا رجلا اعطى البشرية ما أعطاه وترك لها ما ترك ، ولا رجلا حمل إلى العالم مثل تلك الرسالة معجزة الدهور والعصور ، واستطاع ان يهز العالم من أقصاه إلى أقصاه منذ الف وأربعمائة من السنين حتى يومنا هذا وسيبقى ما بقي التاريخ الرجل الأول في تاريخ الانسانية الذي يهز الجبابرة والطغاة وملوك الدنيا وحكامها الأشداء .
وستبقى سيرته مصدرا غنيا بمعاني التضحيات في سبيل الحق والعدل والعقيدة والمثل العليا ، وشريعته معجزة الانسان الأولى ما بقيت على وجه الأرض أديان وشرائع واناسين .
واللّه سبحانه هو المسؤول ان يتقبل عملي هذا ويثيبني عليه بثواب العاملين والمجاهدين في سبيله وهو أكرم مسؤول .
الاكثر قراءة في شهادة النبي وآخر الأيام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة