سقيفة بني ساعدة
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص705-711
2025-12-17
31
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون على أن موقف عمر بن الخطاب من وفاة النبي ( ص ) قد انتهى بحضور أبي بكر وقراءته الآية على الناس ، وقد خرجا معا من البيت الذي كان النبي جثة هامدة فيه وتركاه لأهله ونسائه ، اما إلى اين ذهبا واين اجتمعا وبما ذا كانا يخططان فكتب التاريخ والسيرة لم تكشف على وجه التحقيق شيئا من ذلك .
ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار موقف أبي بكر وعمر وأنصارهما من علي وتصميمهما على صرف الانظار عنه لكثرة الشواهد على ذلك لم يعد لنا بديل عن القول بأنهما خرجا من البيت الذي فيه جثمان النبي لانهاء امر البيعة لأبي بكر ، وان موقف الأنصار في سقيفة بني ساعدة كان ردا على موقف شيوخ المهاجرين ، ذلك ان الأنصار بعد ان تأكدوا بأن أكثر المهاجرين قد اجتمعوا على ابعاد علي عنها أرادوا ان يبرزوا كطرف آخر لأنهم لا يرون لغير علي ( ع ) فضلا وميزة عليهم لأحد من الناس ، لذلك اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة على اختيار سعد بن عبادة الأنصاري .
ويؤيد ذلك ما جاء في شرح النهج من رواية الزبير بن بكار ، حيث قال : لما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفا إلى مسجد رسول اللّه فلما كان آخر النهار اجتمع قوم من المهاجرين وقوم من الأنصار وتعاقبوا فيما بينهم ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا معشر الأنصار انكم وان كنتم اولي فضل ونصر وسابقة ولكن ليس فيكم كأبي بكر وعمر وعلي وأبي عبيدة ، فقال زيد بن أرقم : انا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن ، وان منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة ، ومن امر اللّه رسوله ان يقرأه السلام ، وان يأخذ عنه القرآن كأبي بن كعب وفينا من يجيء يوم القيامة إمام العلماء معاذ بن جبل ، وفينا من امضى رسول اللّه شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت ، وانا لنعلم ان بين من سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لا ينازعه فيه أحد وهو علي بن أبي طالب .
فكلمة زيد بن أرقم الأخيرة وهو من سادة الأنصار صريحة في أن موقف الأنصار من الخلافة لم يكن لولا انهم علموا بأن أكثر المهاجرين ، قد اتفقوا على ابعاد علي عنها ، وهذا مما يرجح ان موقفهم في سقيفة بني ساعدة كان ردا على موقف المهاجرين واتفاقهم على ابعاد علي عنها .
ومجمل الحديث عن سقيفة بني ساعدة وما انتهت إليه كما يروي ذلك ابن هشام عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب ، أنه قال لما توفي رسول اللّه خالفنا الأنصار واجتمعوا مع اشرافهم في سقيفة بني ساعدة ، وكان قد تخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى اخواننا هؤلاء الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان ، فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم ، وهما معن بن عدي وعويم بن ساعدة ، وكانا من المتحمسين لأبي بكر كما جاء في شرح النهج عن الواقدي .
وتنص رواية الواقدي على أن معن بن عدي كان يسوق أبا بكر وعمر ومن معهما سوقا إلى السقيفة قبل ان تتم البيعة لسعد فيها .
اما رواية عمر بن الخطاب فتقول ان الرجلين قالا : فلا عليكما ان لا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا امركم ، قال عمر بن الخطاب فقلت لهما : واللّه لنأتينهم ، فانطلقنا حتى اتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت من هذا : قيل هو سعد بن عبادة .
ولما جلسنا نشهد خطيبهم فأثنى على اللّه بما هو أهله ، ثم قال : اما بعد فنحن أنصار اللّه وكتيبة الاسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا ، وقد دفت دافة من قومكم[1] وإذا هم يريدون ان يجتازونا من أصلنا ويغصبونا الأمر ومضى عمر بن الخطاب يقول : فلما سكت خطيبهم أردت ان أتكلم وكنت قد زورت[2] في نفسي مقالة قد أعجبتني أريد ان أقولها بين يدي أبي بكر ، وكنت إداري منه بعض الحد .
فقال أبو بكر على رسلك يا عمر فكرهت ان أغضبه ، فتكلم وكان اعلم مني وأوقر فو اللّه ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته أو مثلها أو أفضل منها حتى سكت ، ومضى يقول إن أبا بكر قال يخاطب الأنصار : ان ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضينا لكم أحد الرجلين فبايعوا أيهما شئتم واخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ، ولم اكره شيئا مما قاله غيرها ، وكان واللّه ان اقدّم فتضرب عنقي أحب إلي ان أتأمر على قوم فيهم أبو بكر .
ومضى عمر بن الخطاب يقول : فقال قائل من الأنصار : انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير ، يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف ، فقلت ابسط يدك يا أبا بكر سط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، وبايعه الأنصار .
وتقف رواية عمر بن الخطاب عند هذا الحد ، ولم تذكر الا فقرتين أو ثلاثا من خطاب أبي بكر ، كما وانها لم تتعرض لموقف الحباب بن المنذر بكامله ، ولا للحوار الذي دار بين بشير بن سعد والحباب بن المنذر الخزرجي ، ولا لاحتجاج عمر بن الخطاب على الحباب .
وجاء في تاريخ ابن خلدون وشرح النهج ج / 1 ص 128 ان أبا بكر وعمر بن الخطاب وأبا عبيدة ، لما علموا باجتماع الأنصار توجهوا إلى سقيفة بني ساعدة حيث الأنصار قد أرادوها لزعيمهم سعد بن عبادة ، فقال أبو بكر : نحن أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس بأمره ولا ننازع في ذلك ، وأنتم لكم حق السابقة والنصرة فنحن الأمراء وأنتم الوزراء .
وتكلم بعده الحباب بن المنذر فأشاد بالأنصار ومواقفهم وجهادهم ودعاهم إلى التماسك والترابط وعدم التنازل عن حقهم في خلافة الرسول ، ولا أقل من أن تكون الأمارة مشتركة بين المهاجرين وبينهم من كل فريق أمير .
ووقف عمر بن الخطاب ليرد عليه ، فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد واللّه لا ترضى العرب ان تؤمركم ونبيها من غيركم ، ولا تمنع العرب ان تولي امرها من كانت النبوة منهم ، من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته .
وعاد الحباب ليتكلم مرة ثانية ولكن بغير اللهجة التي تكلم بها أولا ، فقال مخاطبا الأنصار املكوا أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم فأجلوهم من هذه البلاد وأنتم أحق بهذا الأمر فإنه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين .
وأضاف يقول : انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، واللّه ان شئتم لنعيدها جذعة ، فقال له عمر اذن يقتلك اللّه ، ورد عليه الحباب بالمثل ، وهنا جاء دور أبي عبيدة كوسيط بين الطرفين في هذا النزاع الذي أشرفت نهايته أن تكون لمصلحة أبي بكر ، فقال يا معشر الأنصار : أنتم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل .
وبهذا الأسلوب الهادئ ظهرت بوادر التفكك بين هذا الحي من الأنصار ، فقام بشير بن سعد الخزرجي وقال : يا معشر الأنصار الا ان محمدا من قريش وقومه أولى به ، وأيم اللّه لا يراني اللّه انازعهم هذا الأمر .
وهنا استغل أبو بكر الفرصة وقال للناس بايعوا أحد الرجلين عمر بن الخطاب وأبا عبيدة .
وانتفض عمر وأبو عبيدة وكأنهما كارهان لهذا الأمر وقالا معاذ اللّه واللّه لأنت أفضل المهاجرين وخليفة رسول اللّه على الصلاة ابسط يدك فبسطها دون تردد وكأنهم على اتفاق على هذا الأسلوب ، وبايعاه واسرع إليه بشير بن سعد ، وبالطبع كانت الأوس تكره استخلاف سعد وتود ان يتولاها غيره ، فلما بايعه عمر وأبو عبيدة وبشير بن سعد دعا أسيد بن حظير قومه من الأوس ان يسرعوا إلى البيعة لتكون لهم اليد الأولى عند الخليفة فأسرعوا وتسابق الناس إلى بيعته حتى كادوا ان يطئوا سعدا بأرجلهم ، وخرجوا يزفونه إلى المسجد وعلي وبنو هاشم وجماعة من المهاجرين وبعض الأنصار لا يعلمون مما جرى شيئا لانصرافهم إلى تجهيز الرسول إلى مقره الأخير .
ويبدو مما أورده ابن هشام في سيرته من حديث عمر عن السقيفة وما تم فيها ان اجتماع الأنصار كان ردا على اتفاق جماعة من المهاجرين على الاستيلاء عليها كما ذكرنا .
كما تشير إلى ذلك مقالة خطيب الأنصار ، وقد دفت دافة من قومكم وإذا هم يريدون ان يجتازونا من أصلنا ، وكما يظهر أيضا من مقالة زيد بن أرقم لعبد الرحمن بن عوف ، انه لو طلبها علي لم ينازعه فيها أحد .
ومعنى ذلك ان الأنصار كانوا ملتزمين من جانبهم بحق علي لولا المعارضة ، وبعد ان طلبها غيرهم وجدوا أنفسهم أحق بها من أولئك الذين أرادوها لأنفسهم .
والشيء الثاني الذي يؤيد ما ذكرناه هو ان دخول أبي بكر وعمر وأبي عبيدة إلى السقيفة وقول أبي بكر بعد ذلك الحوار الطويل بايعوا أحد الرجلين ، واسراع عمر إلى بيعته بمجرد ان قال ذلك ، كل ذلك يكشف عن انهم كانوا على اتفاق سابق بينهم على أن يتداولوها ثلاثتهم على التعاقب ، وتشير إلى ذلك مقالة عمر بن الخطاب حينما طعنه أبو لؤلؤة لو كان أبو عبيدة حيا ما عدوته .
على أن بيعة أبي بكر على النحو الذي تمت عليه لا تعدو أن تكون تعيينا من عمر بن الخطاب لأبي بكر حينما سمع بشير بن سعد يعترف بها للمهاجرين ، مع العلم ان بشير بن سعد لم يعين أحدا منهم ، فأقدم عمر على بيعة أبي بكر وكأن الأمر يعنيه وحده متجاهلا مئات المهاجرين وبني هاشم وعلى رأسهم علي بن أبي طالب الذين لم يعلموا بشيء مما جرى الا بعد ابرامه والأغرب من كل ذلك ان عمر بن الخطاب قد تذرع لتقديمه عليه بأنه خليفة رسول اللّه على الصلاة كما جاء في شرح النهج من رواية الطبري ، مع العلم بأن ذلك لم يثبت تاريخيا كما ذكرنا .
ولو افترضناه فإمامة المصلين كان يتعاطاها عامة المسلمين ، وكان النبي ( ص ) يحثهم عليها ويرغبهم بها ولم يشترط فيها شيئا أكثر من أن يكون مستورا وغير متجاهر في المنكرات والمعاصي ، وعند عامة أهل السنة يكفيه ان يكون متجاهرا بالاسلام .
لقد ربط عمر بن الخطاب بين صلاة أبي بكر بالناس وبين استخلافه بعد الرسول وتوليه مقاليد السلطة وتجاهل ما قاله النبي ( ص ) لعلي يوم الدار : أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ، وقوله يوم الأحزاب حينما برز لعمرو بن ود العامري برز الايمان كله إلى الشرك كله ، وقوله في خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللّه رسوله ويحبه اللّه ورسوله ، وقوله في غزوة تبوك : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، ولا ينبغي لي ان اذهب إلا وأنت خليفتي : وحديث المباهلة ، وقوله في غدير خم : على حشد يزيد عن مائة الف كما جاء في أكثر الروايات من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وحديث الثقلين وغير ذلك من أقواله الكثيرة في مختلف المناسبات التي اتفق عليها الرواة من السنة والشيعة لقد تجاهلها ولم يجد فيها ما يشير ولو إلى اخذ رأيه في الخلافة فضلا عن استخلافه ووجد في اقدام أبي بكر على الصلاة بالناس في مرض النبي بدون رأيه على أحقيته في خلافة المسلمين من بعده وصدق اللّه حيث يقول :
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً .
[1] الدافة هم قوم يسيرون سيرا معقولا وفي ذلك دلالة على أن حركة الأنصار كانت ردا على تكتل جماعة من المهاجرين واتفاقهم على الاستيلاء على السلطة .
[2] زورت مقالة اي أعددت وهيأت .
الاكثر قراءة في شهادة النبي وآخر الأيام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة