البيروقراطية البورجوازية
المؤلف:
أ. د. عبد العظيم رمضان
المصدر:
تاريخ أوربا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوربية الى الحرب الباردة
الجزء والصفحة:
ج1 ص 43 ــ 45
2025-12-06
29
ننتقل الآن إلى جناح آخر من أجنحة البورجوازية الأوروبية وهو جناح البيروقراطية. وقد نشأ هذا الجناح مثل زميله القانوني مع تزايد نشاط البورجوازية التجارية والصناعية. ذلك أنه على الرغم من أن التجار والصناع أصبحوا يؤلفون طبقة حيوية منتجة، فإن السيطرة على جهاز الدولة الإداري كانت لطبقتي النبلاء ورجال الدين. ولذلك كان لابد للبورجوازية أن تحاول الوصول إلى المراكز الحكومية لتخدم مصالحها وترعى شئونها. ويذكر بعض المؤرخين أن هذه الطبقة قد تميزت بفهم غريب لدور الوظائف، فكانت تستولى عليها شيئا فشيئا وتمد جذورها في كل ركن من أركان الحكومة حتى كادت تصبح الطبقة الوحيدة التي تقتسم الوظائف الصغيرة منها والكبيرة.
ولقد كانت طريقة شراء الوظائف، وسيلة استطاع بها قسم كبير من البورجوازيين الوصول إلى الوظائف، وكانت حاجة الملك إلى المال تدفعه إلى قبول هذه الطريقة. وكان باستطاعة الموظف أن يبيع وظيفته بدوره، ثم تطور التوظيف فأصبح وراثيا، وبذلك نشأت طبقة بورجوازية من الموظفين. ولم تلبث هذه الطبقة من الموظفين الإداريين الوارثين أن أخذت تكسب الكثير من الامتيازات وتشترى ألقاب النبل، فسموا بنبلاء الرداء.
وبطبيعة الحال فلما كانت الوظائف تشترى بالمال، فقد كان هم الموظف أن يكسب من وظيفته بقدر ما يستطيع على حساب الشعب، وكان التنافس بين البورجوازيين على الوظائف كبيرا، فقد كان البورجوازي عندما يحصل قدرا من المال، يبحث عن وظيفة تؤمن له ولأولاده العيش الرغد. وكانت الوظيفة الأكثر ربحا يتزاحم عليها الأثرياء من البورجوازيين لأنها مورد للرزق مضمون.
وقد استعانت الملكية بالبيروقراطية البورجوازية في مواجهة النبلاء والرقابة عليهم. وخير مثال على ذلك لويس الرابع عشر، الذي كان كل موظفي قصره وحكومته من البورجوازيين الذين تمرسوا بالحكم وعرفوا وسائل الوصول إلى الوظائف واستغلالها، وكانت في أيديهم أهم مراكز الدولة طيلة مدة حكمه.
وكان لويس الرابع عشر مضطرا إلى التعاون مع هذه الطبقة بسبب حاجته إلى المال، وكانت هذه الطبقة تعرف جيدا كيف توجد له المال اللازم لحروبه وبلاطه، كما أنها كانت تعرف كيف تجمع له الضرائب، وكيف تضع قوانينها وتقوم بتنفيذها، وكان بيدها سلطة التفتيش على الصناعة والتجارة وكل موارد الدولة.
وكان صاحب الفضل في تدعيم الحكومة المركزية الرئيسية بهذه البيروقراطية البورجوازية هو ريشيليو، الذي كان وزيرا في عهد لويس الثالث عشر، وأصبح رئيسا لمجلس الملك، وبقى حوالي 18 سنة يهيمن على شئون فرنسا . وكانت سياسة ريشيليو تقوم على تقوية سلطة التاج المركزية في وجه النبلاء الإقطاعيين، ولذلك فقد أعاد تنظيم الإدارة على أساس دعم سلطان الحكومة المركزية في الشئون المحلية، وأوجد نظام المأمورين أو مفتش الملك Intendant للتفتيش على شئون القضاء والمالية والأمن والأقاليم، والإشراف على الحكام المحليين والمجالس المحلية والبرلمانات القديمة القضائية. وقد أدى نظام المأمورين هذا أعظم الخدمات للملكية من حيث تركيز السلطة في يد الحكومة المركزية.
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة