[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]
[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]
الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ.
132 - وَسَمِّ بِالْمُنْقَطِعِ الَّذِي سَقَطْ ... قَبْلَ الصَّحَابِيِّ بِهِ رَاوٍ فَقَطْ
133 - وَقِيلَ مَا لَمْ يَتَّصِلْ وَقَالَا ... بِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ لَا اسْتِعْمَالَا
134 - وَالْمُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... فَصَاعِدًا وَمِنْهُ قِسْمٌ ثَانِ
135 - حَذْفُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابِيِّ مَعَا ... وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا
[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ] (وَسَمِّ) أَيُّهَا الطَّالِبُ (بِالْمُنْقَطَعِ) عَلَى الْمَشْهُورِ (الَّذِي سَقَطَ) مِنْ رُوَاتِهِ (قَبْلَ الصَّحَابِيِّ بِهِ) أَيْ: بِسَنَدِهِ (رَاوٍ فَقَطْ) مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ بِذَلِكَ، بَلْ سَمَّوْا مَا يَهِمُّ فِيهِ الرَّاوِي كَـ " عَنْ رَجُلٍ " مُنْقَطِعًا، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي الْمُرْسَلِ، وَبَالَغَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَصْرِيُّ ابْنِ الصَّلَاحِ، فَسَمَّى السَّنَدَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى إِجَازَةٍ مُنْقَطِعًا، وَسَيَأْتِي رَدُّهُ فِي الْإِجَازَةِ.
وَكَذَا لَا انْحِصَارَ لَهُ فِي السَّقْطِ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، بَلْ لَوْ سَقَطَ مِنْ مَكَانَيْنِ أَوْ أَمَاكِنَ ؛ بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ كُلُّ سَقْطٍ مِنْهَا عَلَى رَاوٍ - لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُنْقَطِعًا، وَلَا فِي الْمَرْفُوعِ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَوْقُوفُ الصَّحَابَةِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوَاحِدِ الْمُعْضَلُ، وَبِمَا قَبْلَ الصَّحَابِيِّ الْمُرْسَلُ، وَلِذَا قَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِهِ: هُوَ غَيْرُ الْمُرْسَلِ، قَالَ: وَقَلَّمَا يُوجَدُ فِي الْحُفَّاظِ مَنْ يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا. كَذَا قَالَ. وَالَّذِي حَقَّقَهُ شَيْخُنَا أَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى التَّغَايُرِ - يَعْنِي كَمَا قُرِّرَ - لَكِنْ عِنْدَ إِطْلَاقِ الِاسْمِ، وَأَمَّا عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ الْمُشْتَقِّ فَإِنَّهُمْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى الْإِرْسَالِ فَيَقُولُونَ: أَرْسَلَهُ فُلَانٌ سَوَاءٌ كَانَ مُرْسَلًا أَوْ مُنْقَطِعًا.
قَالَ: (وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَمْ يُلَاحِظْ مَوَاقِعَ اسْتِعْمَالِهِمْ - يَعْنِي كَالْحَاكِمِ - عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُمْ لَا يُغَايِرُونَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا حَرَّرْنَاهُ، وَقَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَى النُّكْتَةِ فِي ذَلِكَ). انْتَهَى.
[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]
[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ] ثُمَّ بَيَّنَ الْحَاكِمُ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ، وَلَمْ يُفْصِحْ بِالْأَوَّلَيْنِ مِنْهُمَا، بَلْ ذَكَرَ مِثَالَيْنِ عُلِمَا مِنْهَا، فَأَوَّلُهَا: رِوَايَةُ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ.
وَثَانِيهِمَا: حَاصِلُهُ مَا أَتَى فِيهِ الْإِيهَامُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَعَ كَوْنِهِ مُسَمًّى فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، [وَعَكْسُهُ مَا يَكُونُ ظَاهِرُهُ الِاتِّصَالَ، فَيَجِيءُ رِوَايَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِانْقِطَاعِهِ]، وَلَكِنْ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ فِي كِلَيْهِمَا إِلَّا الْحَافِظُ الْمُتَبَحِّرُ، كَمَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا فِي النَّوْعِ قَبْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَالثَّالِثُ: مَا فِي سَنَدِهِ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى التَّابِعِيِّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْإِرْسَالِ رَاوٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الَّذِي فَوْقَهُ، وَذَكَرَ لَهُ مِثَالًا فِيهِ قَبْلَ التَّابِعِيِّ سَقْطٌ مِنْ مَوْضِعَيْنِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُرِ الْمُنْقَطِعَ فِي السَّاقِطِ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى التَّابِعِيِّ، بَلْ جَعْلَهُ نَوْعًا مِنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ.
وَإِذَا كَانَ يُسَمِّي مَا أُبْهِمَ فِيهِ مَنْ هُوَ فِي مَحَلِّ التَّابِعِيِّ مُنْقَطِعًا، فَبِالْأَحْرَى أَنْ يُسَمِّيَهُ كَذَلِكَ مَعَ إِسْقَاطِهِ، (وَقِيلَ) : إِنَّ الْمُنْقَطِعَ (مَا لَمْ يَتَّصِلْ) إِسْنَادُهُ، وَلَوْ كَانَ السَّاقِطُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الْمُرْسَلِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْخَطِيبِ ؛ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُنْقَطِعُ مِثْلُ الْمُرْسَلِ الَّذِي مَشَى فِيهِ عَلَى أَنَّهُ الْمُنْقَطِعُ الْإِسْنَادَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُرْسَلُ وَالْمُعْضَلُ وَالْمُعَلَّقُ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْمُنْقَطِعُ عِنْدِي كُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ؛ سَوَاءٌ كَانَ مَعْزُوًّا إِلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، أَوْ إِلَى غَيْرِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَى الصَّحَابِيِّ فَمَنْ دُونَهُ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ قَصَرَهُ الْبَرْدِيجِيُّ فَقَالَ: الْمُنْقَطِعُ هُوَ الْمُضَافُ إِلَى التَّابِعِيِّ فَمَنْ دُونَهُ قَوْلًا لَهُ أَوْ فِعْلًا. وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَقْطُوعِ.
وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ إِلْكِيَّا الْهَرَّاسِيِّ: إِنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ بِدُونِ إِسْنَادٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُصْطَلَحُ الْمُحَدِّثِينَ، وَرَدَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ.
قُلْتُ: وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِ مَنْ تَوَسَّعَ فِي الْمُرْسَلِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، كَمَا بَيَّنْتُهُ هُنَاكَ مَعَ رَدِّهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمُنْقَطِعِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ: (وَقَالَا) بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ - أَيِ: ابْنُ الصَّلَاحِ - (بِأَنَّهُ) أَيِ: الثَّانِي مِنْهَا، (الْأَقْرَبُ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ؛ فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ نَقِيضُ الِاتِّصَالِ، وَهُمَا فِي الْمَعَانِي كَهُمَا فِي الْأَجْسَامِ، فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَالْكُلِّ وَمَا بَيْنَهُمَا.
قَالَ: وَقَدْ صَارَ إِلَيْهِ طَوَائِفُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي كِفَايَتِهِ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ (لَا) أَنَّهُ الْأَكْثَرُ (اسْتِعْمَالَا) ، بَلْ أَغْلَبُ اسْتِعْمَالِهِمْ فِيهِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ حَسَبَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي رِوَايَةِ مَنْ دُونَ التَّابِعِينَ عَنِ الصَّحَابَةِ، مِثْلُ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَشُعْبَةَ عَنْ أَنَسٍ - يَعْنِي بِخِلَافِ الْمُرْسَلِ فَأَغْلَبُ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا أَضَافَهُ التَّابِعِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ.
تَتِمَّةٌ: قَدْ مَضَى فِي الْمُرْسَلِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْمُنْقَطِعِ إِذَا احْتَفَّ بِقَرِينَةٍ، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: مَنْ مَنَعَ قَبُولَ الْمُرْسَلِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَنْعًا لِقَبُولِ الْمُنْقَطِعَاتِ، وَمَنْ قَبِلَ الْمَرَاسِيلَ اخْتَلَفُوا. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]
[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]: (وَالْمُعْضَلُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ الْمُتَعَدِّي، يُقَالُ: أَعْضَلَهُ فَهُوَ مُعْضَلٌ وَعَضِيلٌ، كَمَا سُمِعَ فِي " أَعْقَدْتُ الْعَسَلَ "، فَهُوَ عَقِيدٌ بِمَعْنَى مُعْقَدٍ، وَأَعَلَّهُ الْمَرَضُ فَهُوَ عَلِيلٌ بِمَعْنَى مُعَلٍّ، وَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُتَعَدِّي، وَالْعَضِيلُ: الْمُسْتَغْلَقُ الشَّدِيدُ. فَفِي حَدِيثِ: «إِنَّ عَبْدًا قَالَ: يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ شَأْنِكَ، فَأَعْضَلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ، فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِ» ... الْحَدِيثَ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مِنَ الْعُضَالِ، الْأَمْرِ الشَّدِيدِ الَّذِي لَا يَقُومُ لَهُ صَاحِبُهُ). انْتَهَى.
فَكَأَنَّ الْمُحَدِّثَ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ أَعْضَلَهُ؛ حَيْثُ ضَيَّقَ الْمَجَالَ عَلَى مَنْ يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْرِفَةِ رُوَاتِهِ بِالتَّعْدِيلِ أَوِ الْجَرْحِ، وَشَدَّدَ عَلَيْهِ الْحَالَ، وَيَكُونُ ذَاكَ الْحَدِيثُ مُعْضَلًا لَهُ لِإِعْضَالِ الرَّاوِي لَهُ. هَذَا تَحْقِيقُهُ لُغَةً، وَبَيَانُ اسْتِعَارَتِهِ.
وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ: (السَّاقِطُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ إِسْنَادِهِ (اثْنَانِ فَصَاعِدًا) أَيْ: مَعَ التَّوَالِي، حَتَّى لَوْ سَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَوْضِعٍ كَانَ مُنْقَطِعًا، كَمَا سَلَفَ لَا مُعْضَلًا.
وَلِعَدَمِ التَّقَيُّدِ بِاثْنَيْنِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِينَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، مِنْ قَبِيلِ الْمُعْضَلِ مَعْنًى، كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ، وَسَوَاءٌ فِي سُقُوطِ اثْنَيْنِ هُنَا الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ، أَوِ اثْنَانِ بَعْدَهُمَا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، كُلُّ ذَلِكَ مَعَ التَّقْيِيدِ بِالرَّفْعِ الَّذِي اسْتَغْنَى عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ بِمَا يُفْهَمُ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي.
وَعُلِمَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنَ الْمُعَلَّقِ مِنْ وَجْهٍ، وَمُبَائِنٌ لِلْمَقْطُوعِ وَالْمَوْقُوفِ، وَكَذَا لِلْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ بِالنَّظَرِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ فِيهِمَا.
وَلَا يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ لَقَبٌ لِنَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ الْمُنْقَطِعِ، فَكُلُّ مُعْضَلٍ مُنْقَطِعٌ وَلَا عَكْسَ، إِلَّا بِالنَّظَرِ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الْمُنْقَطِعِ الَّذِي لَا يَحْصُرُهُ فِي سَقْطِ رَاوٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَخُصُّهُ بِالْمَرْفُوعِ.
وَقَوْلُ الْحَاكِمِ نَقْلًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّتِنَا: " الْمُعْضَلُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُرْسِلِ إِلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـأَكْثَرُ مِنْ رَجُلَيْنِ " - شَامِلٌ أَيْضًا لِأَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْنِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَرَّحَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: فَرُبَّمَا أَعْضَلَ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعُهُمُ... الْحَدِيثَ - إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ الَّذِي أَرْشَدَ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي أَوَاخِرِ الْمُرْسَلِ، مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، بَلْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ، وَعَزَاهُ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَهُوَ عَدَمُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْحُكْمِ قَبْلَ الْفَحْصِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ عَنِ الرَّاوِي مِنْ وَجْهٍ مُعْضَلًا، وَمِنْ آخَرَ مُتَّصِلًا، كَحَدِيثِ مَالِكٍ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ» ، فَهَذَا مُعْضَلٌ عَنْ مَالِكٍ ؛ لِكَوْنِهِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ لَكِنْ خَارِجَ (الْمُوَطَّأِ) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: وَكَذَلِكَ مَا يَرْوِيهِ مَنْ دُونَ تَابِعِ التَّابِعِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا ؛ يَعْنِي عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِخُصُوصِهِ لَوْ لَمْ نَعْلَمْ كَوْنَ السَّاقِطِ مِنْهُ اثْنَيْنِ لَمْ يَسُغِ التَّمْثِيلُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ عَلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُسَمِّي الْمُبْهَمَ مُنْقَطِعًا، أَوْ مُتَّصِلٌ فِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ: (بَلَغَنِي) يَقْتَضِي ثُبُوتَ مُبَلِّغٍ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا.
(وَمِنْهُ) أَيْ: وَمِنَ الْمُعْضَلِ، (قِسْمٌ ثَانِ): وَهُوَ (حَذْفُ النَّبِيِّ) ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ(وَالصَّحَابِيِّ) (مَعَا، وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا) أَيْ: عَلَى التَّابِعِيِّ؛ كَقَوْلِ الْأَعْمَشِ عَنِ الشَّعْبِيِّ: " يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا عَمِلْتُهُ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَتَنْطِقُ جَوَارِحُهُ أَوْ لِسَانُهُ؛ فَيَقُولُ لِجَوَارِحِهِ: أَبْعَدَكُنَّ اللَّهُ مَا خَاصَمْتُ إِلَّا فِيكُنَّ ". أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ.
وَقَالَ عَقِبَهُ: أَعْضَلَهُ الْأَعْمَشُ، وَهُوَ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ مُتَّصِلٌ مُسْنَدٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَسَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـفَضَحِكَ، فَقَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ مِمَّا ضَحِكْتُ؟ " قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي شَاهِدًا إِلَّا مِنِّي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، [وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ عَلَيْكَ شُهُودًا]، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي» ..." الْحَدِيثَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ حَسَنٌ؛ فَالِانْقِطَاعُ بِوَاحِدٍ مَعَ الْوَقْفِ صَدَقَ عَلَيْهِ الِانْقِطَاعُ بِاثْنَيْنِ: الصَّحَابِيِّ وَالرَّسُولِ، وَهُوَ بِاسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْإِعْضَالِ أَوْلَى... انْتَهَى.
وَلَا يَتَهَيَّأُ الْحُكْمُ لِكُلِّ مَا أُضِيفَ إِلَى التَّابِعِيِّ بِذَلِكَ، إِلَّا بَعْدَ تَبَيُّنِهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى، فَقَدْ يَكُونُ مَقْطُوعًا، ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ مُعْضَلًا، وَيَجِيءُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَنْ أَعْضَلَهُ مُتَّصِلًا ؛ كَحَدِيثِ خُلَيْدِ بْنِ دَعْلَجٍ عَنِ الْحَسَنِ: " أَخَذَ الْمُؤْمِنُ عَنِ اللَّهِ أَدَبًا حَسَنًا، إِذَا وُسِّعَ عَلَيْهِ وَسَّعَ، وَإِذَا قُتِّرَ عَلَيْهِ قَتَّرَ " فَهُوَ مَرْوِيٌّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الضَّالِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ بِهِ. ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ - كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا - التَّعْبِيرُ بِالْمُعْضَلِ فِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِيمَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ، بَلْ لِإِشْكَالٍ فِي مَعْنَاهُ، وَذَكَرَ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الدُّولَابِيُّ فِي الْكُنَى مِنْ طَرِيقِ خُلَيْدِ بْنِ دَعْلَجٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ: «مَنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا تَرَكَ مِنْ زَكَاتِهِ»، وَقَالَ: هَذَا مُعْضَلٌ، يَكَادُ يَكُونُ بَاطِلًا.
قَالَ شَيْخُنَا: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ، أَوْ يَكُونَ الْمُعَرَّفُ بِهِ - وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِسْنَادِ - بِفَتْحِ الضَّادِ، وَالْوَاقِعُ فِي كَلَامِ مَنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِكَسْرِهَا، وَيَعْنُونَ بِهِ الْمُسْتَغْلِقَ الشَّدِيدَ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ كَانَ مُتَعَيِّنًا.
تَتِمَّةٌ: قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرْتِيبِ النَّاظِمِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ أَنَّهَا فِي الرُّتْبَةِ كَذَلِكَ، وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِ الْجَوْزَجَانِيِّ: الْمُعْضَلُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمُنْقَطِعِ، وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمُرْسَلِ، وَهُوَ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. انْتَهَى.
وَمَحَلُّ الْأَوَّلِ فِي الْمُنْقَطِعِ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ يَكُونَانِ سَوَاءً.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة