غزوة بدر الثانية
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص443-446
2025-11-16
31
لقد جاء في طبقات ابن سعد انها كانت في أول ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا من الهجرة .
وفي تاريخ الطبري وأبي الفداء وسيرة ابن هشام والبداية والنهاية انها كانت في شعبان وسماها المؤرخون بغزوة بدر الموعد ، لأن أبا سفيان حينما خرج من أحد نادى في المسلمين ان موعدنا معكم بدر في العام القادم ، وهو يريد بذلك أن ينتقم لقتلى بدر في المكان الذي قتلوا فيه ، وفي الموعد المذكور نذر النبي ( ص ) أصحابه إلى لقاء قريش وخرج في ألف وخمسمائة من المقاتلين واستخلف على المدينة عبد اللّه بن رواحة ، واعطى لواءه لعلي ( ع ) ، وسار النبي بمن معه حتى انتهى إلى بدر وأقام فيها ثمانية أيام ، وقيل إنها كانت مركزا يجتمع فيها العرب في كل عام يبيعون ويشترون ، وقد اخرج المسلمون معهم بضائع باعوها حيث صادف تجمع العرب فربح الدرهم درهما وأقاموا بها ثمانية أيام ورجعوا وتخلف أبو سفيان عن الموعد .
وموضع التساؤل في أن المسلمين كما جاء في كتب التاريخ كانوا قد خرجوا لملاقاة أبي سفيان حيث تهددهم بالحرب في ذلك المكان ، فقد خرجوا إذن لحرب مرتقبة مع قريش واتباعها من العرب ، ومع ذلك فكيف يخرجون بأمتعتهم للتجارة في تلك الأيام التي يجتمع فيها الاعراب في كل عام يبيعون ويشترون كما تنص على ذلك بعض المؤلفات في السيرة وكيف يخرج النبي ( ص ) لحرب قريش في أيام تجمع الاعراب من مختلف النواحي للبيع والشراء وأكثرهم لا يزالون على الشرك ، ومن غير البعيد لو وقع قتال في هذه الحالات ان ينحاز أكثرهم مع المشركين ، وبذلك يتعرض المسلمون لأشد المخاطر على أموالهم وأنفسهم ، وكل هذه الاحتمالات لا بد وان يضعها النبي في الحساب ويتحاشاها .
والذي ارجحه ان الغزوة لم تكن في الموعد الذي تجتمع فيه الاعراب للبيع والشراء ولم يحمل المسلمون معهم في تلك الغزوة من أموالهم وبضائعهم شيئا ، بل كانت كسائر غزواته لرد كيد المعتدين والمشركين .
والذي حدث فيها ان النبي ( ص ) خرج في ألف وخمسمائة أو أقل من ذلك أو أكثر على اختلاف الروايات وكان أبو سفيان كارها للخروج ومتخوفا من ملاقاة النبي ( ص ) في ذلك المكان ووضع في حسابه انه سيلتقي بقوم موتورين وقد استفادوا من معركة أحد دروسا ربما توفر لهم النصر على قريش واحلافها ، ومع ذلك فقد التقى بنعيم بن مسعود الأشجعي في مكة قبل خروجه وكان معتمرا فيها ، فقال له : يا نعيم كيف تركت محمدا في يثرب قال تركته على تعبئة لغزوكم ، فقال له أبو سفيان يا نعيم ان هذا عام جدب ولا يصلح لنا إلا عام ترعى فيه الإبل ونشرب فيه اللبن ، وقد جاء أوان موعد محمد ، فالحق بالمدينة وثبطهم واعلمهم انا في جمع كثير لا طاقة لهم بنا لكي يأتي الخلف من قبلهم ، ولك مني عشرة فرائض اضعها لك في يد سهيل بن عمرو وهو يضمنها لك ، فجاء إلى سهيل بن عمرو وقال له يا أبا يزيد : أتضمن هذه الفرائض لكي اذهب إلى محمد ومن معه فأثبطه عن الخروج في هذا الموعد ، فقال له نعم اني ضامن لذلك فخرج نعيم حتى قدم المدينة فوجد الناس يتجهزون فاندس بينهم ، وقال ليس هذا برأي : ألم يخرج محمد بنفسه إلى أحد وقد قتل أصحابه فيها ، ومضى يخوف المسلمين من نتائج هذه الغزوة ويصور لهم مخاطرها حتى تخوف الكثير منهم وتردد جماعة في الخروج مع الرسول ( ص ) ، ولما بلغ رسول اللّه ان جماعة قد ترددوا في الخروج جمعهم وحثهم على الخروج ، وقال : والذي نفسي بيده لو لم يخرج معي أحد لخرجت وحدي ، ولما وجده المسلمون مصمما على الخروج خرجوا معه كما ذكرنا .
ولكن الواقدي وكاتبه ابن سعد صاحب الطبقات يؤكدان ان المسلمين قد اخرجوا معهم بضائع وأموالا باعوها في بدر حيث يجتمع الناس في ذلك الموعد من كل عام .
واما أبو سفيان فلما يئس من تراجع النبي ( ص ) خرج من مكة في الفين من المشركين ومضى حتى انتهى إلى مر الظهران ، وفي رواية ثانية إلى مكان يدعى عسفان بعد مسيرة يومين من مكة ، وكان متخوفا من لقاء المسلمين واضعا في حسابه معركة بدر الكبرى ونتائجها التي أودت بحياة الاشراف من قريش ففضل الرجوع إلى متابعة المسيرة المحفوفة بتلك المخاطر ، فجمع أصحابه ونادى فيهم ان هذا العام عام جدب لا يصلح لنا الخروج في مثله ، ولا يصلح لكم إلا عام خصيب ترعون فيه انعامكم وتشربون البانها وإني أرى الرجوع إلى مكة خيرا لنا فاستجاب له أكثر من كان معه ، فرجع بهم إلى مكة فسماهم أهل مكة جيش السويق ، يعنون بذلك انهم خرجوا لشرب السويق لا للحرب .
ويدعي المؤلفون في السيرة انه خلال الأيام التي كان النبي ينتظر فيها أبا سفيان في بدر اتاه مخشي بن عمرو الضمري وكان قد وادعه النبي ( ص ) في بعض غزواته ، فقال له يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء ، فأحس النبي منه الاستغراب والسخرية ، فقال له نعم : يا أخا بني ضمرة وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ، ثم جالدناك حتى يحكم اللّه بيننا وبينك ، فقال لا واللّه يا محمد : ما لنا بذلك من حاجة .
ولولا ان النبي أحس منه الاستهزاء والسخرية ، لم يكن ليقابله بهذا الأسلوب لأنه لم يكن داعية حرب ، بل كان موادعا لا يقوم على منابذة أحد وحربه الا إذا اضطرته الظروف لذلك ، وكان مع ذلك لين الطبع كريم النفس قد بلغ الغاية من النبل والاخلاق الكريمة حتى انزل اللّه فيه :
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
ولما يئس النبي من ملاقاة قريش وعلم برجوعهم إلى مكة رجع بمن معه إلى المدينة مستريحا إلى هذا النصر الذي أعاد للمسلمين شيئا من هيبتهم التي فقدوها في معركتهم مع المشركين في أحد ، ومضى النبي ينظم أمور المسلمين حسبما يوحى إليه تنظيما دقيقا يتناول يوم ذاك عدة ألوف من المسلمين ، وهو على ثقة بأن ذلك النظام الذي يستمده من وحي السماء سيصبح بعد ذلك دستورا ونظاما لمئات الملايين من البشر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وجاء في بعض المؤلفات في السيرة ان الآيات التالية نزلت على رسول اللّه ( ص ) بمناسبة هذه الغزوة .
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[1].
[1] لقد جاء في أكثر التفاسير ان الآية : الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ تعني نعيم بن مسعود الذي استأجره أبو سفيان لتثبيط عزائم المسلمين عن تلك الغزوة .
الاكثر قراءة في حاله بعد الهجرة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة