التناقض في الحكم المدني والقصور في الأسباب فيه
المؤلف:
هند جبار حسين ساجت
المصدر:
اثر التناقض على صلاحية احكام القضاء المدني
الجزء والصفحة:
ص 43-47
2025-11-15
52
يقصد بالتسبيب بيان الأسباب التي دعت المحكمة إلى الأخذ برأي دون آخر وإبراز الحجج القانونية والواقعية التي حملتها إلى الاعتماد على هذا الرأي ودحض الدفوع التي أوردها الخصوم والمؤثرة والمجدية في النزاع وبيان أسباب الرفض والتعديل وذكر المادة القانونية إن أمكن في حكمها، وبمعنى آخر وجوب شمول الأحكام على الأسباب الواضحة والكافية التي تسوغ صدورها (1).
والتسبيب ركن شكلي في الحكم فضلاً عن ضرورة أن تستند حيثيات الحكم إلى أحد الأسباب المبينة في القانون، ولأهمية التسبيب فقد أوجبت النظم القانونية المختلفة على القضاة تسبيب أحكامهم بل أن بعضها أعطى أهمية متميزة لموضوع التسبيب عندما نص على تسبيب الأحكام في صلب دساتيرها كما هو الحال في المادة (111) من الدستور الإيطالي لسنة 1947 (2).
في حين اكتفت غالبية التشريعات بالنص على ضرورة التسبيب في قوانين المرافعات كما هو الحال في المادة (455) من قانون المرافعات الفرنسي لسنة 1975 التي تؤكد على أن الأحكام يجب أن تكون مسببة بل أن المادة (495/ من 1 ) من ذات القانون أوجبت على القاضي التسبيب حتى في الأوامر على العرائض.
أما قانون المرافعات المدنية العراقي فقد نصت المادة (159) منه على أنه: " 1. يجب أن تكون الأحكام مشتملة على الأسباب التي بنيت عليها وأن تستند إلى أحد أسباب الحكم المبينة في القانون، 2. على المحكمة أن تذكر في حكمها الأوجه التي حملتها على قبول أو رد الادعاءات والدفوع التي أوردها الخصوم والمواد القانونية التي استندت إليها " (3).
وإذا كان التسبيب من شروط صحة الأحكام، فإن القصور في الأسباب يعتبر عيباً في الحكم المدني ويؤدي إلى إمكانية الطعن فيه توصلاً لإبطاله تأسيساً على هذا السبب، والقصور في التسبيب لا يعني الانعدام الكلي للأسباب التي بني عليها الحكم بل أن الأسباب موجودة ولكنها غير كافية، والقصور في التسبيب على نوعين:
الأول: القصور في الأسباب الواقعية:
ويقصد بالأسباب الواقعية: " الوقائع ووسائل الدفاع والأدلة التي يستند إليها الحكم في تقرير وجود الواقعة الأساسية (4).
ويترتب على هذا القصور بطلان الحكم كما تذهب إلى ذلك العبارة الأخيرة المادة (178) من قانون المرافعات المصري التي جاء فيها : " والقصور في أسباب الحكم الواقعية أو النقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم وكذا عدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه بطلان الحكم " (5).
أما قانون المرافعات العراقي فإنه لم يرد فيه نص مماثل للنص المصري، ولكن المادة (159) من قانون المرافعات المدنية العراقي نصت على وجوب أن تكون أسباب الحكم مستندة إلى أحد الأسباب المبينة في القانون وعلى وجوب ذكر الأوجه التي حملت المحكمة على قبول أو رد الادعاءات والدفوع التي أوردها الخصوم.
ومن التطبيقات القضائية الصادرة من محكمة التمييز في العراق في هذا الصدد: " وجد أن الطعن التمييزي واقع ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه مبتسراً بشكل لا يتفق مع متطلبات المادة (162) من قانون المرافعات المدنية حيث لم تقف المحكمة منه على ماهية الدعوى وموجز ادعاءات الخصوم ودفوعهم وما استندوا إليه من وقائع قانونية وما بني عليه من علل وأسباب.
الثاني: القصور في الأسباب القانونية
ويقصد بها " السند القانوني الذي يصدر القاضي الحكم تطبيقاً له بعد تكيفه للوقائع وبحثه عن الوقائع اللازمة لتطبيق هذه القاعدة القانونية (6).
وهذا القصور لا يترتب عليه فسخ الحكم أو نقضه كما في القصور في الأسباب الواقعية إذا كان الحكم صحيحاً من حيث النتيجة التي توصل إليها القاضي، فلا يعيب الحكم خطوه في ذكر رقم النص القانوني الواجب التطبيق متى كان المفهوم من وقائع الدعوى أن النص المقصود هو النص الصحيح، وأن اعتماد الحكم المطعون فيه في بعض أسبابه على نص قانوني ملغي لا يعيبه ولا يستوجب نقضه إذا كان يسوغه نص آخر، ولا يعيبه أيضاً ذكر مادة غير منطبقة على واقعة الدعوى ".
ونلتمس من التطبيقات القضائية لمحكمة التمييز العراقية وجوب ذكر نص المادة القانونية وبخاصة في دعاوى التفريق وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية (7) ، ودعاوى التخلية وفقاً لأحكام قانون إيجار العقار (8).
ويعود السبب في ذلك إلى أن أسباب التفريق والتخلية محددة في القانون على سبيل الحصر، ويذكر محكمة الموضوع النص القانوني الذي طبقته تتمكن محكمة التمييز من التحقق من توافر الأسباب التي حددها القانون.
وبشأن دعاوى التفريق قضت محكمة التمييز العراقية بأن: " لدى التدقيق والمداولة وجد أن المحكمة قضت بالتفريق بين المدعية وزوجها المفقود قبل إجراء التحقيقات المطلوبة فيها، ذلك أنها لم تتحقق من كون المفقود دخل بزوجته من عدمه، ولم تسأل الشهود عن ذلك لما له من أهمية، لأن التفريق يختلف في الحالتين، كما كان عليها مفاتحة الجهة العسكرية المختصة لتأييد استمرار فقدان المفقود حتى الوقت الحاضر هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن التفريق وبعد تحقق شروطه لهذه الحالة يكون طلاقاً رجعياً وليس كما وصفته المحكمة بائناً بينونة صغرى، حيث يمكن للمفقود إذا ما عاد أن يراجع زوجته خلال مدة العدة التي مداها أربعة أشهر وعشرة أيام استناداً لأحكام المادة (43 / رابعاً) من قانون الأحوال الشخصية رقم (158) لسنة 1959، لذا قرر نقضه وإعادة الإضبارة إلى محكمتها لاتباع ما تقدم (9).
كما قضت محكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية بما يأتي: " لدى عطف النظر إلى الحكم المميز وجد أنه غير صحيح ومخالفاً للقانون، لأن المحكمة لم تتبع ما ورد بقرار النقض السابق، حيث لا يجوز للمؤجر طلب تخلية العقار المشمول بأحكام قانون إيجار العقار إلا في حالة تحقق أحد أسباب التخلية الواردة فيه حصراً لأن أحكام قانون إيجار العقار من النظام العام (10).
إن ما تقدم لا يعني الجمع بين فكرة التناقض في الحكم المدعي والقصور في الأسباب الواردة فيه، وإنما يتعين التفرقة بينهما وذلك في إطار التسبيب.
فوجه التشابه بينهما يبدو في عيوب كلها تشترك من حيث أنها تتصل بأسباب موجود بالفعل، ولكنها لا تؤدي إلى تحقيق النتيجة المطلوبة منها، سيما في إيجاد أساس قانوني للحكم، مما يجعل الحكم معدوماً من حيث الأساس القانوني الذي يقوم عليه، ولهذا الغرض يشترك معنى الانعدام الكلي للأسباب مع القصور فيها، فضلاً عن صعوبة ممارسة محكمة التمييز لمهمتها في مراقبة الأحكام كما أنها تعد مخالفة قانونية للنصوص التي توجب الالتزام بالتسبيب (11).
وإذا كان التناقض في الأسباب يشبه غياب الأسباب من حيث الأثر ، فإن التناقض في الأسباب يختلف عن القصور في الأسباب، من حيث أن القصور في الأسباب يتعلق بأسباب موجودة بالفعل مما يجعل الحكم صحيحاً من الناحية الشكلية، فوجود الأسباب غير المتناقضة مهما كانت درجة القصور فيها يؤدي إلى كون الحكم صحيحاً من الناحية الشكلية، كما لا يمكن النعي عليه بمخالفته للالتزام القانوني بالتسبيب الذي نصت عليه المادة (159) من قانون المرافعات المدنية العراقي.
أما عن موقف القضاء العراقي من المسألة موضوع الدراسة قضت محكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية بأنه: " لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية لذا قرر قبوله شكلاً، ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه غير صحيح ومخالف للقانون، لصدوره قبل استكمال التحقيقات اللازمة لحسم الدعوى، حيث أن محكمة الموضوع قد أغفلت ما تقدم ولم تذكر في حكمها خلاصة الدعوى وموجز ادعاءات الخصوم ودفوعهم وما استندت إليه من وقائع وحجج قانونية، كما لم تذكر في حكمها الأوجه التي حملتها على قبول أو رد الادعاءات والدفوع التي أوردها الخصوم والمواد القانونية التي استندت إليها عملاً بأحكام المادتين (159، 162) من قانون المرافعات المدنية لذا قرر نقضه وإعادة الإضبارة إلى محكمتها" (12).
خلاصة ما تقدم أن القصور في التسبيب يتعلق بأسباب موجودة بالفعل، تكفي لصحة الحكم من الناحية الشكلية فقط، أما من الناحية الموضوعية فهي لا تكفي لحمل الحكم المدني على أساس قانوني صحيح، أما التناقض في الأسباب يتحقق في كل مرة تتناقض فيها الأسباب في ذاتها أو مع المنطوق، بحيث تتهادم هذه الأسباب ويسقط بعضها بعضاً، ولا يمكن معرفة أي الأمرين قصدته المحكمة في حكمها .
_____________
1- نبيل حميد البياتي، تسبيب الأحكام الجزائية في القانون العراقي دراسة مقارنة رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد العراق 1999، ص 20 وما بعدها.
2- نجلاء توفيق فليح، تسبيب الأحكام المدنية (دراسة مقارنة ) ، ج 1، بحث منشور في مجلة الرافدين للحقوق، تصدرها عائلية كلية القانون في جامعة الموصل، ع ،14 ،العراق، 2002، ص 33، 34
3- المادة (159) من قانون أصول المرافعات المدنية العراقي رقم 83 الصادر عام 1969 وتعديلاته.
4- وجدي راغب النظرية العامة للعمل القضائي في المرافعات، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2005، ص 376.
5- المادة (178) من قانون أصول المرافعات المدنية المصري رقم 13 لسنة 1968 والمعدل في التعديل الأخير لعام 2020 .
6- إبراهيم نجيب سعد، القانون القضائي الخاص، ج 2، طبعة رابعة منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 2009 ، ص 252
7- قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 وتعديلاته.
8- قانون إيجار العقار العراقي رقم (87) لسنة 1979 وتعديلاته.
9- قرار محكمة التمييز ذي الرقم 6691 / شخصية / 2001 في 2001/9/20، منشور في مجلة العدالة، العدد الرابع (تشرين الأول، تشرين الثاني كانون الأول)، 2002، ص 70.
10- القرار ذي الرقم 603 / ت ب / 1999 في 1999/8/5، غير منشور.
11- قائد هادي الشمري تسبيب الأحكام المدنية رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة النهرين، العراق، 2002 ، ص 226
12- قرار محكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية المرقم 4 / ت ب / 2003، في 2003/1/18.
الاكثر قراءة في القانون المدني
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة