وسائل الرقابة الإدارية
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 267-271
2025-11-15
55
إذا كانت الرقابة تعني عملية التحقق من مدى إنجاز الأهداف والكشف عن مقومات تحقيقها بالعمل على تقليل الانحرافات، أي عملية تقييم ما تم إنجازه من أعمال على أساس المعدلات الموضوعة سلفاً فأن التساؤل يكون عن الوسائل التي يمكن استخدامها للقيام بالرقابة، أي طرق إجراء الرقابة. فقد اختلف فقهاء الإدارة العامة في تعداد هذه الوسائل، فمنهم من يرجعها الى ثلاث، ومنهم من يحصرها في أربع ، ومنهم من يردها الى ست، ومنهم من يجعلها ثمان (1) ويؤكد فقهاء الإدارة العامة انه يجب ان يترك لكل منظمة اختيار الوسيلة الملائمة والمناسبة لها من حيث تنظيمها وطبيعة نشاطها فليس نظام الرقابة كما يقول - مارشال ديموك - نظام يوضع في مكان بعيد عن العمل ليفيد في موقف افتراضي، بل لابد ان يخدم كل وحدة عاملة عند كل مستوى من مستويات التنسيق ولا بد ان تتاح فرصة لجميع الذين يهتمون ببرنامج الرقابة أن يناقشوه ويتفهموه قبل ان يدخل مرحلة التطبيق، وعلى هذا يكون لصالح العمل ان تعمل القيادات على إشراك العاملين بشأن تحديد وسائل الرقابة وإتاحة الفرصة لهم بإبداء وجهات نظرهم بشأنها حتى تكون الرقابة موضع قبول عند تطبيقها ودخولها حيز التنفيذ (2) ، وأهم هذه الوسائل او الطرق تأثيراً وأغلبها إستعمالا هي:
أولاً: التقارير الإدارية Reports
وهي التي يتم وضعها لتقدير كفاءة الأعمال الإدارية وبيان سيرها، وتعتبر من أهم وسائل الرقابة لما تتسم به من الوضوح والدقة وإعطاء صورة صادقة عن مجريات العمل في المنظمة للمختصين بإجراء الرقابة والرؤساء الإداريين. ويتطلب ذلك وجود بيانات محددة عن العمل الإداري، وأن توضع على أساس قبولها لوحدات القياس، وأن تكون واضحة حتى يمكن خلالها الوقوف على مدى تنفيذ البرامج وفقاً لما ينتهي اليه التقرير من حيث الكم والنوع والزمن المحدد للتنفيذ وأوجه الانحرافات وتحديد المسؤول عنها (3). إن أهم هذه التقارير تلك التي يقوم بإعدادها العاملون في المستويات التنفيذية لما تتسم به من الواقعية والمطابقة لحقيقة الأمور وتصل هذه التقارير عادة بشكل منتظم وبصفة دورية الى رؤساء كل وحدة إدارية حتى يتم رفع مضمونها بدون تحريف الى الرؤساء المختصين بالرقابة والقيادات العليا في التنظيم، ثم يقوم الاخيرون بعملية تقييم شاملة لسير العمل وتحقيق البرامج وأوضاع العاملين ليتم في النهاية اتخاذ القرارات أو التوجيهات التي تلزم لإصلاح ما يكون قد أسفرت عنه الرقابة من انحرافات(4).
ثانياً: الملاحظة والتفتيش Observation &Inspection
وتعني الملاحظة قيام المسؤول الاداري بملاحظة المرؤوسين أثنا العمل وطرق ادائه والنتائج التي توصلوا اليها، ولازالت الملاحظة تعتبر من الاساليب القوية التي يستخدمها الاداريون في اجراء الرقابة شريطة ان يجعل المسؤول الاداري من ملاحظته قيمة في التأثير على حسن سير العمل واجادته وان يعمل على اظهار اوجه الانحرافات او الاخطاء ونقاط الضعف ويقترح الحلول بشأنها، ومن أمثلة هذا الوسائل في الرقابة مراجعة الحسابات ومراجعة طرق الاداء والسياسات والخطط ويعني التفتيش فحص سلامة الاعمال الادارية من الناحية الشكلية أو الموضوعية وفقا للبرامج المعدة ثم يتم توزيع النتائج في احصائيات وتقارير خصيصا لهذا الغرض، ويجري التفتيش عن طريق الانتقال الى مواقع العمل لفحص السجلات والوثائق والمستندات الرسمية وغير ذلك من الاوراق لمعرفة مجريات العمل ومدى تحقق الاداء والانجازات واوجه سلامتها ومواطن الخلل والكشف عن اسبابه وتحديد المسؤول عنه، وللتفتيش صور متعددة، فمن حيث الوقت قد يكون دورياً (سنويا، فصليا شهريا .. الخ) أو مفاجئاً، ومن حيث الموضوع قد يكون ماليا او فنيا، ومن حيث النطاق قد يكون كليا أو جزئيا (5).
ومن حيث الجهة المختصة بأجراء التفتيش فقد تكون داخلية اي من ذات المنظمة، وقد تكون خارجية مركزية تعمل على نطاق الدولة كلها كالجهاز المركزي للحاسبات أو النيابة العامة في مصر (6) ديوان الرقابة المالية أو هيئة النزاهة في العراق. أو كما تسمى في الغرب Watchdog Agencies، أو على نطاق وزارة أو جهة ادارية مثل (مكتب المفتش العام).
ويوصي كتاب الادارة العامة بوجوب اعداد برامج معده مسبقا لعملية التفتيش حتى يحقق اهدافه ويمكن تلافي تكرار الإنحراف، وأن توضع ضوابط موضوعية يجري على أساسها التفتيش فلا تتدخل فيها العوامل الشخصية، وأن يواجه الموظفون بالنتائج التي اسفر عنها التفتيش من اوجه الاهمال والقصور حتى يمكن تجنبها، وتنتهي عملية التفتيش برفع نتائجها الى الجهات الأعلى في المنظمة لاعتمادها واتخاذ ما يلزم من اجراءات وقرارات بشأن الاصلاح) (7).
3.الشكاوى Claims
تتيح الانظمة الادارية للأفراد أو الموظفين حق الشكوى او التظلم أو البلاغ ضد عمل معين تم اتخاذه بشكل مخالف للقانون، ويعد هذا الاسلوب في الرقابة نقطة انطلاق لتحريك النظام الرقابي حيث يتم رفع هذه الشكاوى الى السلطات الرئاسية، كما تعتبر وسيلة الشكوى بمثابة رقابة شعبية على جهة الادارة، لذلك تعمل أجهزة الادارة على تخصيص مكاتب للشكاوى لتلقي التظلمات والبلاغات، ويكاد يكون هذا الاسلوب هو الشائع في الوزارات والادارات المحلية. ويلاحظ ان نجاح مكاتب الشكاوى في تحقيق اهدافها الرقابية ترتبط بجدية النظرة الى هذه الشكاوى، اذ يجب ان يمتنع المواطنون عن تقديم البلاغات الكاذبة او الكيدية حتى لا يضيع وقت السلطات العليا في امور لا تقوم على اساس صحيح، أو تقوم على أساس كيدي(8). ومن أجل إضفاء صبغة من الجدارة على هذه الشكاوى، لا يجب أن تكون العملية نظيفة فحسب بل سريعة وفعالة، ويجب على المدعي أن يملك الحق في الحصول على المعلومات حول قضيته، فعلى سبيل المثال، تم انجاز دمج الاراضي في ولاية ( أوتار براديش) الهندية بالقليل من الفساد، بسبب وجود قناة مفتوحة يساهم فيها المتضررون اضافة الى وجود عامل زمني محدد وشكاوى عادلة وسريعة، وقد لا يميل الناس الى تقديم شكاواهم على المسؤولين اذا خافوا انتقامهم، فقد اجاب الناس في (تنزانيا) على سؤال بهذا الشأن بأنهم يعتقدون أنهم اذا ما قدموا شكاوى ضد مسؤول كبير فسيتم الكشف عن هويتهم للمشتكى عليه، الذي يقوم بدوره بتهديدهم ومضايقتهم (9).
وتمارس هذه الوسيلة في العراق، حيث يستطيع الفرد أو الموظف تقديم الشكوى الى المسؤول الإداري مباشرة أو عن طريق مكاتب الشكاوى، وعلى المسؤول أن يبت فيها أو يحيلها الى المسؤول الأعلى، وهناك وسيلة أخرى للشكوى، حيث يوضع صندوق للشكاوى في استعلامات الوزارات أو المؤسسات الفرعية، ومن الناحية العملية لم تكن هذه الوسيلة فعالة فقد اصبح صندوق الشكاوى مجرد جزء من (ديكور) مبنى الوزارات أو المؤسسات، لأنه تحول بمرور الزمن وبسبب عدم الجدية في الرقابة الى إجراء شكلي روتيني لا يقدم ولا يؤخر، وكذلك الحال مع هواتف الشكاوى التي تخصصها الوزارات والدوائر الفرعية والجهات الرقابية المستقلة فقد أصبحت إسقاط فرض ليس إلا ، ولو كان الأمر غير ذلك لكانت صناديق وهواتف الشكاوى الطريق الأسرع والأمن في حل الكثير من المشاكل.
وفي السنوات الأخيرة وبعد انتشار خدمة شبكة المعلومات الدولية (الأنترنيت) تم تخصيص بريد الكتروني لكل جهة من الجهات المذكورة يسمى الخط الساخن Hotline لتلقي الشكاوى من المواطنين، إلا أنه لم يختلف عن سابقاته في انه إجراء روتيني شكلي، أو تقدم من خلاله شكاوى كيدية أو غير جدية، نظراً لعدم معرفة المرسل في كثير من الأحيان، لذلك فرضت بعض الجهات الإدارية تقديم ادلة مقنعة أو اعطاء معلومات كاملة عن شخصية المرسل (10) .
وهذا معمول به في الكثير من الدول، ففي بريطانيا يتعامل عدد من المجتمعات المحلية مع خطوط ساخنة ضد الاحتيال، وفي مكسيكو اوجد برنامج تحديث الادارة الحكومية نظاما مشابها من الخطوط الساخنة للأعمال التي تتعرض للمضايقة من قيل المفتشين، ولكن هذه الطريقة قد تنجح في حالة الحفاظ على هوية المشتكين، او في حالة عدم وجود خوف من الانتقام، وحين لا تتوفر الهواتف في المناطق الريفية او الاحياء الفقيرة في المدن، يصبح من الواجب البحث عن وسائل اتصال اخرى أ اي ان الخطوط الساخنة يحب ان تتعدى مفهوم الرمزية، وعلى المسؤولين الحكوميين ومكاتب التحقيق ووكالات المراقبة ان تتابع الشكاوى بشكل مكشوف وفي الوقت نفسه اذا كانت الشكاوى مقدمة ضد افراد فيجب اعطائهم الحق في الدفاع عن انفسهم في حالة الاتهامات الفردية، الا أن وجود مكاتب التحقيق وغيرها من وسائل معالجة الشكاوى لن يكتب لها النجاح اذا بقي الناس غير راغبين في تقديم الشكوى، وقد تم ايجاد طريقة لتشجيعهم على ذلك، وهي قانون حماية المخبرين الذي يحمي ويكافئ الافراد الذين يرغبون في تقديم الشكاوى من داخل المؤسسات (11).
4 - الموازنة Budget)) (12)
تعتبر الموازنة من أهم الوسائل التي تستخدمها السلطات الادارية لأجراء الرقابة فهي فضلا عن اعتبارها أداة تخطيط تعتبر أداة رقابة لرسمها الحدود التي لا يجوز تجاوزها في الإنفاق، الأمر الذي يمكن السلطات من القيام بقياس مدى التقدم وتقييم النجاح في المنظمة(13). فالموازنة الجيدة تقوم بضبط عمليات الإنفاق الحكومي وترشيدها وفقاً للإجراءات الشكلية والموضوعية حيث يستدل من خلالها على وجود نقص أو فائض في عمليات الإنفاق وبالتالي على قصور في العمل الإداري وإجراءاته (14)
وتسجل الموازنة المعلومات المالية كما هي في لحظة معينة والتي غالبا ما تكون نهاية السنة المالية، وتعتبر الموازنة في غاية الأهمية من حيث المعلومات التي تحتويها ويطلق عليها أحياناً (التقرير المالي الأساسي)(15).
وتوجد عدة أنواع من الموازنات مثل: موازنة المصروفات والإيرادات وهي أكثر الأنواع شيوعاً فهي توضح التقدير التقريبي لما سيتحقق من إيراد وما يتوقع من إنفاق والموازنة النقدية وهي الكشف الذي يتضمن التنبؤات بالمقبوضات والمصروفات النقدية، وموازنة الإنفاق الرأسمالي ، وموازنة الملاك.. الخ (16). إلا أن أهم الموازنات التي تخضع للرقابة الدقيقة هي ( الموازنة التقديرية للشراء) كونها الأكثر تعرضاً للتلاعب أو الفساد بسبب علاقتها المباشرة مع أكثر من طرف ( البائع أو المجهز أو المورد المصرف، لجان استدراج العروض، لجان التحليل والدراسة لجان التسلم... الخ) وكثرة الإجراءات التي تسهل الالتفاف عليها من خلال رفع أسعار المواد المشتراة أو عدم مطابقتها للمواصفات.. الخ(17). ونرى من جانبنا أن كثرة الإجراءات الخاصة بالشراء وتعقيدها تؤدي الى الفساد، كما هو حال التمسك الحرفي بالتعليمات أو الرقابة المادية الصارمة التي تعتمد على المعايير الروتينية، لذلك يجب إيجاد آلية بسيطة وواضحة لجميع الأطراف، وتقليل عدد العاملين على عمليات الشراء لأن ذلك يعني تعرض عدد قليل للإغراء بدلاً من العدد الكبير لأنه كلما زاد العدد زادت معه نسبة إحتمال الخطأ. وفي الوقت نفسه أن لا تكون الآلية سهلة الاختراق أو الالتفاف عليها.
__________
1-أنظر د. محمد رفعت عبد الوهاب ود إبراهيم عبد العزيز شيحا أصول الإدارة العامة دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1998، ص395
2- أنظر: د. سامي جمال الدين الإدارة والتنظيم الإداري، الإسكندرية، مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، 2004، ص 287 - 288
3- أنظر د. موسى اللوزي، التنمية الإدارية، ط 2 عمان دار وائل للنشر 2002، ص129.
4- أنظر د. محمد رفعت عبد الوهاب و د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، مصدر سابق، ص 397.
5- أنظر د. موسى اللوزي، التنمية الإدارية، ط 2 عمان دار وائل للنشر 2002، ص129
6- أنظر : 5151 Corruption and Integrity, op.cit,p 4.
7- أنظر : Jeremy Pope ,op,cit,p43
8- للمزيد عن هذه المكاتب في مصر أنظر د. محمد رفعت عبد الوهاب ود إبراهيم عبد العزيز شيحا أصول الإدارة العامة دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1998، ص399
9- أنظر سوزان و روز أكرمان الفساد والحكم، ترجمة فؤاد سروجي، ط1، الأهلية للنشر، عمان، 2003 ، ص 305 وما بعدها.
10- مثال ذلك: تعميم مكتب المفتش العام في وزارة النفط رقم 1220 في 2008/4/10 الذي أكد أن نسبة % 40 من هذه الشكاوى لا تحمل الدليل أو المسند القانوني، وتضمن عدم الاخذ بالبلاغات والشكاوى التي تفتقر الى الادلة او الخالية من اسم وعنوان او رقم هاتف مقدم البلاغ للاستفسار منه عن المعلومات الواردة فيه الا اذا كان البلاغ عن أمر خطير يستوجب الأمر التحري عن حقيقته.
11- أنظر سوزان و روز أكرمان الفساد والحكم، ترجمة فؤاد سروجي، ط1، الأهلية للنشر، عمان، 2003، ص 307 وما بعدها.
12- للمزيد عن أهمية الموازنة في مكافحة الفساد أنظر : Jeremy Pope,op,cit, p62
13- انظر:د. محمد رفعت عبد الوهاب و د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، مصدر سابق، ص 400.
14- د. موسى اللوزي, مصدر سابق ص130.
15- للمزيد من التفصيل انظر: د. محمد يونس خان و د. هشام صالح غرايبة، الإدارة المالية، مركز الكتب الاردني، عمان، 1986، ص 22
16- للمزيد :أنظر د شوقي ناجي جواد وأياد محمود الرحيم ورضا عبد الرزاق وهيب مبادئ الإدارة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هيئة المعاهد الفنية دار الكتب للطباعة والنشر جامعة الموصل 1991 ص206 وما بعدها.
17- للمزيد :أنظر حمد راشد الغدير إدارة الشراء والتخزين، ط2، دار زهران للنشر، عمان، الأردن، 2000، ص 234 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة