مجلس الانضباط العام ودوره في مكافحة الفساد الإداري
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 361-365
2025-11-15
59
يعود الاصل التاريخي لمجلس الانضباط العام الى ما نص عليه قانون انضباط موظفي الدولة رقم 41 لسنة 1929 من ان تأليف المجلس يكون بقرار من مجلس الوزراء من رئيس وأربعة أعضاء ينتخبون من رؤساء الدوائر للنظر في الاعتراضات المرفوعة ضد القرارات الصادرة من اللجان الانضباطية، أما يخص قضايا الخدمة فقد نص القانون الأساسي في م/88 على ما يأتي: تشكل محاكم أو لجان خصوصية عند الاقتضاء للأمور الآتية:
- لحسم الاختلافات الواقعة بين الحكومة وموظفيها في ما يختص بخدماتهم.
ولما صدر قانون ديوان التدوين القانوني رقم 49 لسنة 1933 نص على أن يتولى الديوان وظيفة مجلس الانضباط العام المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة رقم 41 لسنة 1929 ويكون رئيس الديوان رئيسا للمجلس بحكم وظيفته والمدونون القانونيون أعضاء طبيعيين فيه، على أن يضاف إليه عضوان آخران من رؤساء الدوائر بقرار من مجلس الوزراء، وينعقد مجلس الانضباط العام من الرئيس وأربعة أعضاء على ان يكون اثنان منهم من الاعضاء المضافين وعندما صدر قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة 1936 تناول بالتفصيل اختصاصات مجلس الانضباط العام الانضباطية، لكنه فيما يتعلق بتشكيله احال إلى ما نص عليه قانون ديوان التدوين القانوني رقم 49 لسنة 1933.
وبموجب القانون رقم 12 لسنة 1942 قانون تعديل قانون الديوان والذي عدل م /6 الخاصة بتشكيل مجلس الانضباط العام، أصبح انعقاد المجلس من رئيس الديوان وعضوين ويجوز تعيين واحد أو أكثر من رؤساء الدوائر بقرار من مجلس الوزراء كأعضاء إضافيين ليحلوا محل الاعضاء الأصليين عند غيابهم. وعندما صدر قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 نصت المادة / 32 منه على أن يلغى قانون ديوان التدوين القانوني رقم 49 لسنة 1933 عدا المادة السادسة منه وهي المادة المتعلقة بتشكيل مجلس الانضباط العام وهذا يعني أن القانون أبقى على نفس التشكيل السابق له ثم صدر قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 1717 في 1981/12/21 حيث اعتبر مجلس الانضباط العام هيئة مستقلة عن مجلس شورى الدولة، فقد نص على تشكيل المجلس من رئيس وعضوين يسميهم وزير العدل، كما نص القرار على حذف الاشارة الواردة في قانون انضباط موظفي الدولة والخاصة بتأليف مجلس الانضباط وفق قانون ديوان التدوين القانوني رقم 49 لسنة 1932 وحذف عبارة ( عدا م (6) الواردة في م 32 من قانون مجلس شورى الدولة(1). وبصدور قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 106 لسنة 1989 أصبح مجلس الانضباط العام هيئة من هيئات مجلس شورى الدولة ويمارس جانبا من اختصاصاته في مجال القضاء الاداري وهذه الاختصاصات هي بموجب القوانين الآتية:
1. قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل.
يمارس مجلس الانضباط العام حاليا اختصاص النظر في الطعون المقدمة من الموظفين بشأن العقوبات الصادرة بحقهم وفقا للقانون أعلاه، فقد نصت م /15 من القانون على ما يأتي: يختص المجلس بما يأتي:
أولاً:- النظر في الاعتراضات المشار اليها في الفقرة / خامساً من م/ 11 من هذا القانون وله أن يقرر المصادقة على القرار أو تخفيض العقوبة أو الغاءها وفقا لأحكام هذا القانون.
أما الفقرة / خامسا من م/11/فقد نصت على ما يأتي: (للموظف المعاقب بإحدى العقوبات المنصوص عليها في الفقرة رابعا من هذه المادة الاعتراض على قرار فرض العقوبة امام مجلس الانضباط العام خلال ثلاثين يوما من تاريخ تبلغه بقرار فرض العقوبة) (2). وقد الغيت هاتان الفقرتان بموجب المادة / 4 من قانون التعديل الأول لقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 5 لسنة 2008 (3) ، وتم تعديل م /15 من القانون بموجب م 8 من قانون التعديل نفسه، حيث اصبح النص الجديد ما يأتي:
يختص المجلس بما يأتي أولاً- ( النظر في الاعتراضات على قرارات فرض العقوبات المنصوص عليها في م/8 من القانون بعد التظلم منها وفق ما منصوص عليها في الفقرة ثانيا من هذه المادة وله أن يقرر المصادقة على القرار أو تخفيض العقوبة أو الغاءها). وبذلك أصبح للموظف الحق في الطعن بأي من العقوبات الانضباطية المنصوص عليها في القانون، وللمجلس اختصاص النظر في الطعون الموجهة ضد قرارات فرض هذه العقوبات وبما أن بعض هذه العقوبات تفرض على مخالفات وظيفية قد تشكل صورة من صور الفساد الإداري التي يحكمها القانون الإداري أو تشكل جريمة يحكمها القانون الجنائي يحال الموظف الى المحاكم المختصة، فقد نص قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام في م/24 بعد تعديلها بموجب م/ 10 من قانون التعديل على ما يأتي: (إذا ظهر للوزير أو رئيس الدائرة أو الموظف المخول من الوزير أو مجلس الانضباط العام ان في فعل الموظف المحال إلى التحقيق أو في محتويات التهمة جرما نشأ من وظيفته أو ارتكبه بصفته الرسمية فتجب إحالته إلى المحاكم المختصة).
ونود الإشارة الى أن البند ثالثاً من م/10 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام النافذ قد نصت على أن: ( اذا رأت اللجنة أن فعل الموظف المحال عليها يشكل جريمة نشأت عن وظيفته أو ارتكبها بصفته الرسمية فيجب عليها أن توصي بإحالته إلى المحاكم المختصة). والتوصية تحال الى الجهة التي أمرت بتأليف اللجنة التحقيقية بموجب البند اولاً من م/10(4) ، وقد دأبت أكثر الدوائر الرسمية على تشكيل لجان تحقيقية دائمة لمدة ستة أشهر أو سنة ، بالطريقة المشار اليها في البند أعلاه، تكون مهمتها التحقيق مع الموظف المخالف بعد احالته اليها من الوزير أو رئيس الدائرة، وللجنة التحقيقية الحق في الاطلاع على الوثائق والمستمسكات المطلوبة (5) ، واستدعاء الشهود، والكشف على موقع العمل أو محل الحادث، وتصدر في النهاية توصياتها وترفعها الى رئيس الدائرة الذي له الحق في الموافقة عليها أو اعادتها الى اللجنة، إن دور اللجان التحقيقية في دوائر الدولة في مكافحة الفساد الإداري دور مهم وفعال، ذلك أنها الأقرب الى الموظف والحدث وتستطيع الكشف عن ملابسات واسباب ودوافع المخالفة او الجريمة اذا تبين لها ذلك، ولكن هذه اللجان قد تتأثر بالنمطية أو بالروتين أو بعوامل أخرى مثل الوساطة المحسوبية، المحاباة، أو التهديد كما هو الحال بعد تغيير النظام السياسي في 2003، حيث الانفلات الأمني والإرهاب وعدم الاستقرار السياسي، فكثيراً ما يتعرض أعضاء اللجان التحقيقية الى التهديد والعنف وخاصة من المتنفذين سياسياً أو حزبياً، وهذا بالطبع يؤثر على سير التحقيق، لذلك يجب منح ضمانات وحصانات لأعضاء اللجان التحقيقية أثناء ممارسة أعمالهم، وتطمينهم بعد ملاحقتهم من قبل المخالفين(6).
ينتهي دور اللجنة التحقيقية عند رفع توصياتها، حيث يكون القرار النهائي بيد رئيس الدائرة، وبذلك يبدأ دور رئيس الدائرة الذي يجب أن يكون قراره حاسماً وعادلاً في محاسبة المقصرين والمخالفين. ونود الإشارة الى أنه في مصر هناك (هيئة النيابة الإدارية) التي تأسست بموجب القانون رقم / 480 لسنة 1954، تتولى مكافحة الانحراف ومقاومة التسيب في مجال الوظيفة العامة، ترتبط بمجلس الوزراء، وتختص بأجراء التحقيقات الإدارية مع موظفي الدولة والعمال والمستخدمين، ثم أعيد تنظيمها بالقانون رقم 117 لسنة 1958، حيث نص على أنها هيئة مستقلة ملحقة برئاسة الجمهورية ومكونة من قسمين أحدهما للرقابة والثاني للتحقيق، ثم اصدر المشرع القانون رقم 54 لسنة 1964 بتنظيم الرقابة الإدارية الذي نص على أنها هيئة مستقلة. وأخيراً القانون رقم 12 لسنة 1989 الذي نص على أن النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل وتتولى فحص الشكاوى التي تحال اليها من الرؤوساء أو من اية جهة رسمية عن مخالفة القانون أو الإهمال في اداء واجبات الوظيفة، وتختص بإجراء التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية.....)، إن النيابة الإدارية لها دور بارز في محاربة الفساد واستئصال جذوره مستهدفة حماية المال العام وتحقيق وصول الخدمات العامة للمواطنين واكتشاف أوجه القصور في النظم والإجراءات الإدارية (7).
2- قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل :
يمارس مجلس الانضباط العام اختصاصه الآخر وهو النظر في دعاوى الموظفين المتعلقة بشؤون الخدمة المدنية بموجب م / 59 من قانون الخدمة المدنية، وتشمل هذه الدعوى قضايا التعيين والترفيع والترقية وقضايا الخدمة الأخرى، وبالتأكيد أن الموظف قد يتعرض الى حالات تعسف من قبل رؤسائه التي هي صورة من صور الفساد الإداري، لذلك يلجأ الى القضاء الإداري المتمثل بمجلس الانضباط العام للنظر في دعواه، وهنا يكون للمجلس دور في تفحص اوليات القضية المعروضة للتأكد من مشروعية القرار الصادر بحق الموظف الذي قد يشكل صورة من صور الفساد الإداري التي ذكرناها فيما تقدم، لذلك نرى أن يذكر مجلس الانضباط العام في قراراته أن القرار المتخذ بحق الموظف المعترض يعتبر صورة من صور الفساد الإداري اذا تبين له لذلك، ويكون المعيار في تحديد القرار الذي يعتبر من صور الفساد الإداري هو حالات التعسف واستغلال السلطة.
___________________
1- أنظر كاظم الجنابي، القضاء الإداري، محاضرات ألقيت على طلبة المرحلة الثالثة كلية القانون، جامعة بغداد، للعام الدراسي 1997 1998، ص 1 وما بعدها.
2- نصت الفقرة / رابعا على ما يأتي تكون العقوبات التي يفرضها الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة أو الموظف المخول باتة، باستثناء العقوبات الآتية: أ. التوبيخ . ب. إنقاص الراتب ... تنزيل . الراتب د. الفصل ... العزل).
3- نص هذا القانون في م 1 منه أن تحل تسمية (قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991) محل تسمية ( قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991) .
4- نصت هذه المادة على ما يأتي: أولاً: على الوزير أو رئيس الدائرة تأليف لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة على أن يكون أحدهم حاصـلا على شهادة جامعية أولية في القانون.
5- أنظر كاظم الجنابي، القضاء الإداري، محاضرات ألقيت على طلبة المرحلة الثالثة كلية القانون، جامعة بغداد، للعام الدراسي 1997 1998 ، ص 5.
6- نود الإشارة الى أن الباحث كان العضو القانوني في اللجنة التحقيقية في الدائرة التي يعمل فيها لمدة تزيد على عشر سنوات لذلك فأن الكثير من الملاحظات التي أوردناها هي من الواقع العملي.
7- أنظر ليلى جعفر، الدور الرقابي لهيئة النيابة الإدارية، قضايا معاصرة في الإدارة العامة، منشورات مركز دراسات و استشارات الإدارة العامة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2001، ص 7 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة