أصْوَاتُ الأكْثَرِيةِ لَيْسَتْ مِعْيَاراً في انْتِخَابِ الإمَامِ الْمَعْصُومْ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص87-89
2025-11-12
48
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[1].
ذكرنا سابقاً أنّ خلق السماوات والأرض، والمخلوقات السماويّة والأرضيّة. وخلق الإنسان، وإنزال القرآن، وإرسال النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم كلّ ذلك بالحقّ. والآيات القرآنيّة صريحة في أنّ النظام الكونيّ وهداية الإنسان نحو الكمال منزّهان من العبث، لذلك فإنّ أوامر الله ونواهيه هي بالحقّ أيضاً. وترمي إلى إطاعة الحقّ، إذ أنّ هذا الموضوع هو على طريق نفس تلك المبادئ التكوينيّة، ويؤيّد نظام الخلقة ومن المحال على الله سبحانه تعالى أن يأمر بالباطل، لأنّ الباطل يزلّ بالإنسان نفسه عن الطريق المستقيم، ويحرّكه في المسار المضادّ لطريق الكمال والسعادة. ونستخلص من ذلك أنّ الأوامر التشريعيّة لله ينبغي أن تكون دآئماً وفقاً لنظامه التكوينيّ لا معاكسة له، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}[2]، {وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ويَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[3]، لذلك، فإنّ الله لا يأمر بالباطل أو باتّباع الظلم والمعصية أو بالدعوة إلى اتّباع غير الحقّ أبداً.
فاتّباع أولي الأمر الذين وجبت إطاعتهم في الآية المباركة بلا قيد وشرط هو اتّباع للحقّ، وإلّا فإنّ هذا الأمر سيكون معاكساً للنظام الإلهيّ العامّ. ولذلك ينبغي أن يكون المقصودون في هذه الآية أشخاصاً معصومين يكون فعلهم حقّاً، وكذلك قولهم وسيرتهم وسنّتهم.
أنّ كثيراً من أهل السنّة بل غالبيّتهم، بل جميعهم يقولون بعدم وجوب العصمة في أولي الأمر. وإنّما يمكن انتخاب الإمام برأي الأغلبيّة أو ببيعة أهل الحلّ والعقد، وتجب إطاعته وفقاً لمفاد الآية المباركة. هذه النظرية تخالف أساس القرآن وتشريع الشريعة الحقّة وأساس الدين المبين؛ لأنّ للإمام حالات وملكات روحيّة لا يطّلع عليها إلّا علّام الغيوب المطّلع على السرائر والخفيّات؛ مثل العصمة، وطهارة الروح، وقداسة الباطن، والنزاهة المقترنة بذات الإمام. الحافظة له من كلّ قول أو فعل مخالف للحقّ، والمسدّدة له بإبعاده عن الأهواء والشهوات. ومثل العلم الذي لا يبقى- مع وجوده- شيء مجهول عليه. وكثير من الصفات الأخرى المعنويّة الدقيقة واللطيفة التي لا يلحظ لها أثر في الخارج إلّا مسائل جزئيّة منها، والحصول على تلك الملكات من هذه الظواهر الجزئيّة والترشّحات الخارجيّة عسير للغاية.
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وما يُعْلِنُونَ}[4]، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}[5].
[1]الآية 59، من السورة 4: النساء.
[2]الآية 4 من السورة 33: الأحزاب.
[3]الآية 6، من السورة 34: سبأ.
[4]الآية 69، من السورة 28: القصص
[5]الآية 124، من السورة 6: الأنعام.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة