القنوات المائية في قارة اوربا
المؤلف:
د. محمد خميس الزوكة
المصدر:
جغرافية النقل
الجزء والصفحة:
ص 161 ـ 167
2025-11-05
35
شقت القنوات المائية لاول مرة فى قارة أوربا خلال عهد الامبراطورية الرومانية ، ففي عهد الامبراطور دروسوس Drisus تم بناء قناة ملاحية تربط بين نهر الراين عند مدينة أرنهيم Arnhem ونهر ايسيل الذي يصب في خليج زويدر وشقت ثاني قناة مائية فى قارة أوربا داخل نطاق مصب نهر الراين حوالي عام 51 ميلادية ، وعرفت هذه القناة بعد ذلك باسم The Lek. الا أن أهم القنوات المائية الاوربية التي حفرت لتربط بين المجارى النهرية شق مجراها بعد ذلك بفترة زمنية طويلة وبالتحديد عام 797 ميلادية حين أمر الامبراطور شارلمان بشق قناة مائية تربط أراضي امبراطوريته بين نهر الراين والدانوب وبحيث تبدأ من نهر ريزات Rezat رافد نهر المين) وتنتهى عند نهر التموهل Altmuhl رافد الدانوب الا أن عمليات مد القناة تأجلت بعض الوقت نتيجة لبعض المشاكل السياسية ولعدم ملائمة سطح الارض ، بالاضافة الى بعض الصعوبات المناخية.
ونشطت عمليات حفر القنوات المائية شمالى المانيا في نطاق الاراضي السهلية بطيئة الانحدار خلال القرن الرابع عشر ، وتأتي قناة ستيكنتز Stocknitz في مقدمة هذه القنوات من حيث الاهمية ، وقد حفرها تجار ميناء لوبيك Lubeck المطل على البحر البلطى على نفقتهم الخاصة خلال الفترة الممتدة بين عامى 1391 - 1398 لتسهيل نقل الملح الصخرى المستخرج من منطقة Luneburg عن طريق قناة مائية خاصة تربط بين المنطقة المذكورة وميناء لوبيك بعيدا عن ميناء هامبورج مقر التجار المنافسين لهم في هذا المجال وجدير بالذكر أن مجرى قناة ستيكنتز القديمة هو نفس مجرى قناة الب / لوبيك Elb - Labek الحالية والتي تربط ميناء لوبيك بحوض نهر البو أدى تزايد الحاجة في أوربا الى نقل السلع والمنتجات عن طريق وسيلة نقل سهلة ، الى جانب اختراع نظام الأهوسة خلال القرن الخامس عشر الى حدوث تطور كبير فى مجال حفر القنوات واستخدامها في النقل على نطاق واسع خلال القرن الخامس عشر الذى شقت خلاله عدة قنوات مائية في الاراضي المنخفضة (هولندا وبلجيكا) .
وأدى تطور هندسة بناء الأهوسة على مجاري الانهار الى امكانية التغلب على الصعوبات التي تعترض استمرارية الملاحة في الانظمة النهرية داخل فرنسا ، فالمعروف أن الانهار الفرنسية تجري في مسارات متعددة منفصلة ، وتم شق أول قناة مائية طويلة فى فرنسا خلال الفترة الممتدة بين عامي 1666 - 1681 حيث تم شق مجرى قناة دي میدی The Canal du Midi بمحاذاة طريق روماني قديم ، ولتشكل امتدادا شرقيا لنهر الجارون حيث تمتد القناة بين تولوز على نهر الجارون وميناء ست على خليج ليون لذا بلغ طول مجراها 241كم شيد على هذه المسافة 65 هوبسا لتأمين حركة السفن العابرة خلال مناسيب السطح المختلفة ، وبذلك شكلت قناة دى ميدى حلقة اتصال ونقل مباشر بين خليجي بسكاى المحيط الاطلسي وليون (البحر المتوسط) ، أو بتعبير آخر أوجدت هذه القناة المائية طريقا سهلا للربط بين أكبر موانى فرنسا ونقصد بذلك ميناء بوردو في الغرب وميناء مرسيليا في الجنوب وللربط بين مجارى الانهار الشمالية والجنوبية رغم تعدد اتجاهات انهار الشمال اللوار) ، السين ، شيلد، موس، الراين) وتركز انهار الجنوب في حوضى الرون Rhone ، السون Saone تم حفر ثاني أهم القنوات المائية في فرنسا وهى قناة الوسط The Canal du Centre خلال الفترة الممتدة بين عامى 1784- 1790 ، ويمتد مجرى قناة الوسط المسافة طولها 114كم ليربط بشكل مباشر بين نهرى اللوار والسون ، ونظرا لتباين مناسيب السطح فى المسافة الفاصلة بين النهرين فقد تم بناء 63 هويسا على طول امتداد قناة الوسط التي اكتسبت أهميتها من ربطها بين أهم الاقاليم الاقتصادية والسكانية في فرنسا وهى حوض باريس ونطاق الرون / السون.
وفي النطاق الذي تشغله الاراضى الالمانية الحالية حفر عدد من القنوات المائية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ، وتشكل مجارى القنوات القديمة هذه أساس القنوات المائية الحالية التى تربط أساسا بين نهرى الفستولا والالب وكانت هناك محاولات قديمة لشق قنوات مائية في روسيا القيصرية فقد أدرك بيتر الاول قيصر روسيا أن عدم وجود قناة مائية تربط بين نهرى الدون والفولجا يشكل نقطة ضعف خطيرة فى نظم الاتصال بين أرجاء الامبراطورية الواسعة ، لذا أمر بحفر قناة مائية تربط بين النهرين عام 1698 ، وفشل المشروع لاندفاع المياه بشدة واغراقها المسافة أربعة كيلو مترات من مجرى القناة ، بالاضافة الى تدمير الأهوسة المقامة عليها وحقق بيتر الأول نجاحا كبيرا في مجال شق القنوات المائية عام 1722 عندما نجحت روسيا في ربط حوض نهر الفولجا بساحل البحر البلطي عن طريق شق قناة فيشني فولوكوك Vyshniy Volockok التي تربط بين نهر تفرزا Tverza رافد الفولجا) وساحل البحر البلطي عند بطرسبورج عبر نهر مستا Msta وبحيرتي المن Ilmen ولادوجا Ladoga .
ونشطت عمليات حفر القنوات المائية فى الجزر البريطانية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر اذ تمثل الفترة الممتدة بين عامي 1750 – 1850 العصر الذهبي لعمليات من القنوات والذي تم خلاله حفر كل القنوات المائية الموجودة في المملكة المتحدة نتيجة للتوسع في انشاء الخطوط الحديدية وخاصة أن بيئة الجزر البريطانية كانت أقل ملائمة من البيئة السهلية في وسط وشمالى القارة الاوربية حيث يغلب عليها الطبيعة الجبلية الوعرة ، مما يعنى وجود العديد من الصعوبات عند شق القنوات المائية ، بالاضافة الى قصر مجاربها وحاجتها الى الاهوسة وصعوبة ربط شرقي البلاد بغربها عن طريق قنوات مائية وهي أمور تعمل كلها على تضاؤل أهمية النقل بالقنوات المائية في المملكة المتحدة.
وكانت القنوات المائية فى بداية استخدامها في أغراض النقل محدودة العمق ، ضيقة المجرى لذا كانت الوحدات النهرية العاملة عليها صغيرة الحجم وذات قدرة محدودة على الحمل والجر ، الا أنه بعد الثورة الصناعية التي حدثت في أوربا خلال النصف الثانى من القرن الثامن عشر ازدادت الحاجة الى نقل الخامات والمنتجات المصنعة على حد سواء بوسيلة نقل سهلة ومنخفضة التكاليف ، لذا بدئ فى تعميق مجاري القنوات المائية وتوسيعها لتستوعب حجم الحركة الكبيرة وتتصدر أوربا قارات العالم من حيث كثافة شبكة القنوات المائية التي تجرى فى أراضيها وضخامة حجم الحركة عليها ، وعموما يمكن تحديد القنوات المائية الموجودة بالقارة فى شبكتين رئيسيتين الأولى في الغرب وترتبط أساسا بنهر الراين ، والثانية تمتد فى الشرق وترتبط بنهر الفولجا، ففي فرنسا أعرق الدول الاوربية فى مجال شق القنوات المائية واستخدامها في النقل نجد أن أنهارها العديدة التي تجرى فى اتجاهات متعددة ترتبط ببعضها البعض عن طريق شبكة جيدة من القنوات تربطها بنهر الراين لعل أهمها :
ـ قناة الراين / الرون انشئت عام 1834.
ـ قناة الراين / المارن انشئت عام 1853.
ـ القناة الشرقية أنشئت عام (1892).
ـ قناة الراين / السون أنشئت عام 1907.
وفي بافاريا بألمانيا أنشئت قناة لودفيج Ludwig Canal لتربط بين نهری المين رافد الراين والدانوب خلال الفترة الممتدة بين عامي 1836-01845 واتسمت القنوات المائية التي مدت فى قارة أوربا حتى القرن التاسع عشر بقدراتها المحدودة على النقل اذ كانت تعمل عليها وحدات نهرية ذات قدرة محدودة على النقل ، بالاضافة الى بطئها نتيجة لتكرار عمليات الشحن والتفريغ بحكم كثرة عدد الاهوسة ، فعلى سبيل المثال كان على الوحدات النهرية العاملة على قناة فيشنى فولوكون Vyshniy Valochok الممتدة بين نهر الفولجا وساحل البحر البلطي المرور عبر 40 هويسا ، 19 حوضا للتفريغ ، 27 سدا ، على ألا تتجاوز حمولتها سبعين طنا ، وفي فرنسا لازالت أبعاد قنواتها المائية كما هى منذ انشائها ، لذا لا تتجاوز حمولة الوحدات النهرية العاملة عليها 300 طن مترى ، كما تتسم حركة النقل بالبطه فى بعض قنواتها وخاصة في حالة تعدد الاعمال الصناعية والاهوسة ، فعلى سبيل المثال يوجد على قناة الراين - الرون التي أنشئت عام 1834 والبالغ طولها 320 كيلو مترا حوالي 164 هويسا ومع التطور التكنولوجي الحديث وتزايد الحاجة الى قنوات مائية بمواصفات جيدة تمكنها من نقل حمولات كبيرة وبسرعة معقولة فقد تم شق مجرى جديد لقناة الراين - الرون وعليها 24 هويسا فقط عام 1985، ومكن التطور الذي حققه الانسان في مجالات ترويض الأنهار وهندسة بناء الأهوسة وتعديل مواصفات مجاري الانهار بما يتفق وحاجة الملاحة النهرية من السيطرة على نهر الراين ، وتدرج التحكم في حركة الوحدات النهرية الصاعدة في مجرى النهر حتى مدينة بازل السويسرية وخاصة بعد تزايد الحاجة الى القنوات المائية لاستخدامها فى النقل ، لذلك أنشئ في قارة أوربا عدة قنوات مائية بمواصفات دقيقة منذ نهاية القرن التاسع عشر هذه القنوات هي :
ـ قناة ايمز The Ems Canal ، انشئت عام 1899 لتربط بين نهرى الراين وايمز.
ـ قناة أودر - هافل .The Oder-Havel C انشئت عام 1914 لتربط بين نهري الأودر وهافل رافد الالب ، وتعرف هذه القناة أحيانا باسم قناة فنن Winon .
ـ قناة الوسط The Mittelland Canal انشئت عام 1938 ، وهي تبدأ من قناة ايمز ويمتد مجراها صوب الشرق مخترقا النطاق السهلي الممتد شمالي المانيا لينتهي عند نهر الالب بالقرب من مدينة برندنبورج .Brandenburg
وحفرت مجارالقنوات الثلاث السابق الاشارة اليها بحيث تستوعب الوحدات النهرية ذات الحمولات الكبيرة (الف طن مترى) ، بالاضافة الى مجموعة القنوات المائية العديدة التي شقت في أراضي هولندا.
وبعد السيطرة الكاملة على مائية نهر موساوي خلال الفترة الممتدة بين عامي (1933 - 1937) أصبح من اليسير تحرك الوحدات النهرية من موسكو العاصمة والوصول الى أي من البحار الخمسة السابق الاشارة اليها عن طريق نهر الفولجا الذي يشكل الشريان الرئيسي لشبكة النقل النهري في روسيا الاوربية.
ومع تزايد الحاجة الى قنوات مائية بمواصفات تتفق وحاجة الوحدات النهرية الحديثة ذات الحمولات الكبيرة بدئ فى تطوير بعض القنوات المائية الاوربية منها قناة لودفيج التي انشئت خلال الفترة الممتدة بين عامي (1836 - 1845) لتربط بين نهرى الراين والدانوب والتي هجرت منذ عام 1945 ، فقد تم الانتهاء من شق مجرى جديد لهده القناة تتشكل شريد يربط بين انهار الراين، المين ، الدانوب ، وتربط حوص الدانوب بشبكة المجاري المائية فى كل من شمالي بوهيميا وبولندا والمانيا حيث يوجد المنفذ البحري الكبير ممثلا فى ميناء هامبورج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
(1) Craya, E., Op. Cit, p. 216.
(2) Robinson, H., Economic Geography, London, 1968, p. 263.
الاكثر قراءة في الجيومورفولوجيا
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة