تأسف أبي بكر عند موته على تسعة أمور
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص 271-274
2025-10-26
29
يقول المسعودي: ولما احتَضَرَ أبُو بَكْرٍ قالَ: مَا آسَى عَلى شَيءٍ إلَّا عَلَى ثَلَاثٍ فَعَلْتها، وَدَدْتُ أنِّي تَرَكْتُها، وثَلَاثٍ تَرَكْتُها وَدَدْتُ أنّي فَعَلْتُها، وثَلَاثٍ أنّي سَألْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه [و آله] سلّم عَنْهَا، فَأمَّا الثَّلَاثُ التي فَعَلْتها ووَدَدْتُ أنّي تَرَكْتها، فَوَدَدْتُ أنّي لم أكُنْ فَتَّشتُ بَيْتَ فَاطِمَةَ، وذَكَرَ في ذَلِكَ كَلَاماً كثيرا[1].
وقد أورد هذه الرواية علاوة على المسعودي، الطبري في تأريخه، وابن قتيبة في (الإمامة والسياسة)، وابن عبد ربّه في (العقد الفريد)[2].
وقد أوردها العلّامة الأميني في (الغدير) إضافة إلى هذه المصادر، عن أبي عبيد في كتاب (الأموال)، ص 13، ويقول: الاسناد صحيح، رجاله كلّهم ثقات، أربعةٌ منهم من رجال الصحاح الستّ[3].
ومن الأمور التي كان أبو بكر يتأسّف منها، قتله الفجأة السُّلَمي حرقاً بالنار، وبيان ذلك كما ورد في (الكامل في التاريخ) لابن الأثير الجزري انّ الفجأة السُّلمي، واسمه إياس بن عبد ياليل جاء إلى أبي بكر فقال له: أعنِّي بالسلاح أقاتلُ به أهل الردّة.
فأعطاه سلاحاً وأمرّه إمرةً، فخالف إلى المسلمين وخرج حتى نزل بالجواء ... فبلغ ذلك أبا بكر فأرسل إلى طُرَيْفة بن حاجز فأمره أن يجمع له ويسير إليه، فاسر وبُعث به إلى أبي بكر، فلمّا قدم أمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلّى المدينة، ثم رُمي فيها مقموطاً. وكان أبو بكر يقول عند موته: ... ووددتُ أنّى لم أكن حرقت الفجاة السلمي، وأنّي كنتُ قتلته سريحاً، أو خلّيته نجيحاً.
وقد أورد خطبة أبي بكر بعض المعاصرين من العامّة، مثل فريد وجدي في (دائرة المعارف)، وأحمد أمين المصري في كتبه، وعدّوها أساساً لحريّته، وحاولوا اظهار حكومة أبي بكر على انّها حكومة ديمقراطيّة تدعو إلى الحريّة.
ولقد أثبتنا في بحوثٍ ماضية، وسنُثبت في بحوث مفصّلة قادمة إن شاء الله تعالى، أنّ اسلوب الحكومة الاسلاميّة قائم على أساس الحق لا على آراء آحاد الناس أو مجموعهم، ولا على أساس الأكثريّة والأقليّة، فالنصوص القرآنية الصريحة والسنّة الصحيحة لرسول الله، والسيرة المتّبعة للأئمة الطاهرين عليهم السلام، ونهج الصحابة ذوي البصيرة والتابعين ذوي الدراية، تؤكّد كلها انّ مناط التبعيّة يجب أن يكون للواقعيّة والحق، سواءً كان موافقاً لأراء الأكثريّة أم لا، وعلى تجنّب اتّباع الآراء التي تخالف الحقيقة والواقع، سواءً كان العالم كله يتبنّاها أم لا. وهذا أكبر موضع للإختلاف بين الشيعة والسنّة، وجميع مسائل الاختلاف تدور على هذا المحور وترجع إلى هذا الأساس.
فالشيعة ينادون منذ صدر الاسلام إلى الآن ويحتجّون ويأتون بالأدلّة على وجوب اتّباع الحق لا آراء الناس، وانّ الإمامة بالتعيين والنصّ لا بالانتخاب، وعلى الناس ان يتبعوا الحق، وان الإمام بالحق يجب أن يُعين من قبل الله تعالى، تماماً كما انّ رسول الله يجب أن يأتي من قبل الله، وكما انّ الناس لا يمتلكون الحق في انتخاب النبيّ.
والشيعة يُثبتون انّ الرسالة والإمامة ليس بينهما تفاوت من جهة الحكومة والولاية على الناس، أشبه بشجرتين تنموان من أصل واحد، أو بطفلين يرضعان من ثدي واحد.
امّا العامّة فيقولون انّ الإمامة حكومة ظاهريّة، وانّ اتّباع الشخص الجاهل المخطئ أمرٌ لا إشكال فيه. وبالطبع فإنّ أبا بكر- وفقاً لهذا المنطق- يجب أن يُعدّ رمزاً للحريّة، كما انّ المتظاهرين بالتجديد من أهل السنّة يميليون إلى هذا الرأي.
وبالطبع فانّ هناك اليوم مفهوماً واسعاً ورائجاً عن الحريّة لا يتنافى أبداً مع المؤامرات الية وعدم إطلاع بني هاشم والكثير من المهاجرين والأنصار للبيعة، ومع كسر ضلع الزهراء عليها السلام بنت رسول الله، ومع صرف النظر عن إقامة الحدّ على خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة ذلك المؤمن الملتزم لافْتتانه بجمال زوجته، ثم بنى بها في نفس الليلة!! وكثير من المخالفات الواضحة الاخرى التي لا يعتبرها مناصر والمدرسة الغربيّة مخالفةً للحريّة، فيعدّون الغاية تبرّر الوسيلة.
غير انّ الشيعة تقطع أساس هذا المنطق وذيله، وتهدم هذا البنيان، وتُثبت ضعف هذا التفكير ووهنه بالبراهين العقلية والفلسفيّة، ناهيك عن الأدلّة النقلية.
وكما رأينا أخيراً في رواية أبي أيّوب الأنصاري انّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعمّار: "فَإن سَلَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَادِياً وسَلَكَ عَلي وَادِياً، فَاسْلُك وَادِيَ عليّ عليه السَّلامُ وخَلِّ عَنِ النَّاسِ".
وما أروع ما يُبرهن رسول الله على هذه العبارات بهذه الجملة فيقول: "إنَّ عَليّاً لَا يَرُدُّكَ عَن هُدَى ولَا يَدُلُّكَ إلى رَدَى".
اي انه يجب اتّباع على لأنّه متحقّق بالحق، ولو خالفه العالم أجمع[4]. هذا هو منطق الشيعة، الذي هو منطق الإسلام!
[1] (مروج الذهب)، ج 2، ص 308؛ وأورده (تاريخ الطبري)، ج 2، ص 219 بهذا اللفظ: فوددتُ أنّي لم أكشف بيتَ فاطمة عن شيءٍ وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب ... الخ.
[2] (الإمامة والسياسة)، ج 1، ص 18، و(العقد الفريد)، ج 2، ص 254.
[3] (الغدير)، ج 7، ص 170 و171.
[4] وقد نُقلت هذه الرواية في هذا الكتاب في المجلس الثاني عشر ضمن الروايات الدالّة علي أفضليّته أمير المؤمنين، عن (غاية المرام)، عن الموفّق بن أحمد الخوارزمي.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة