صلح الحديبية لقطات لم يسلط عليها الضوء
المؤلف:
الفيض الكاشاني
المصدر:
تفسير الصافي
الجزء والصفحة:
ج5، ص33 - 37
2025-10-12
331
قال تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]
في المجمع عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لما نزلت هذه الآية لقد نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها .
والقمي عن الصادق ( عليه السلام ) قال سبب نزول هذه السورة وهذا الفتح العظيم إن الله عز وجل أمر رسوله في النوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج فخرجوا فلما نزل ذي الحليفة أحرموا بالعمرة وساقوا البدن وساق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستة وستين بدنة وأشعرها عند إحرامه وأحرموا من ذا الحليفة ملبين بالعمرة وقد ساق من ساق منهم الهدي مشعرات مجللات فلما بلغ قريشا ذلك بعثوا خالد بن الوليد في مأتي فارس كمينا ليستقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان يعارضه على الجبال فلما كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذن بلال فصلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالناس فقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم فإنهم لا يقطعون صلاتهم ولكن يجئ الان لهم صلاة أخرى أحب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا إليهم فنزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بصلاة الخوف في قوله عز وجل {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102] الآية وهذه الآية في سورة النساء وقد كتبنا خبر صلاة الخوف فيها فلما كان في اليوم الثاني نزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحديبية وهي على طرف الحرم وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله ) يستنفر الاعراب في طريقه معه فلم يتبعه أحد ويقولون أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم أنه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبدا فلما نزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحديبية خرجت قريش يحلفون باللات والعزى لا يدعون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يدخل مكة وفيهم عين تطرف فبعث إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني لم آت لحرب وإنما جئت لا قضي مناسكي وانحر بدني واخلي بينكم وبين لحمانها فبعثوا عروة بن مسعود الثقفي وكان عاقلا لبيبا وهو الذي أنزل الله فيه {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] فلما أقبل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عظم ذلك وقال يا محمد تركت قومك وقد ضربوا الأبنية وأخرجوا العود والمطافيل يحلفون باللات والعزى لا يدعوك تدخل مكة وحرمهم وفيهم عين تطرف أفتريد أن تبير أهلك وقومك يا محمد فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما جئت لحرب وإنما جئت لا قضي مناسكي وأنحر بدني واخلي بينكم وبين لحمانها فقال عروة والله ما رأيت كاليوم أحدا صد كما صددت.
فرجع إلى قريش فأخبرهم فقالت قريش والله لئن دخل محمد مكة وتسامعت به العرب لنذلن ولتجترئن علينا العرب فبعثوا حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو فلما نظر إليهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال ويح قريش قد نهكتهم الحرب الا خلوا بيني وبين العرب فان أك صادقا فإنما أجر الملك إليهم مع النبوة وإن أك كاذبا كفتهم ذؤبان العرب لا يسألني اليوم امرء من قريش خطة ليس لله فيها سخط إلا أجبتهم إليه فلما وافوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قالوا يا محمد الا ترجع عنا عامك هذا إلى أن ننظر إلى ما يصير أمرك وأمر العرب فإن العرب قد تسامعت بمسيرك فإذا دخلت بلادنا وحرمنا استذلتنا العرب واجترأت علينا ونخلي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك وتنصرف عنا فأجابهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى ذلك وقالوا له ترد إلينا كل من جاءك من رجالنا ولا نرد إليك كل من جاءنا من رجالك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه ولكن على أن المسلمين بمكة لا يؤذون في إظهارهم الاسلام ولا يكرهون ولا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الإسلام فقبلوا ذلك فلما أجابهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الصلح أنكر عامة أصحابه وأشد ما كان انكارا عمر فقال يا رسول الله ألسنا على الحق وعدونا على الباطل فقال نعم قال فنعطي الذلة في ديننا فقال إن الله عز وجل قد وعدني ولن يخلفني قال ولو أن معي أربعين رجلا لخالفته ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم بالصلح فقال عمر يا رسول الله ألم تقل لنا أن ندخل المسجد الحرام ونحلق مع المحلقين فقال أمن عامنا هذا وعدتك قلت لك إن الله عز وجل قد وعدني ان أفتح مكة وأطوف وأسعى واحلق مع المحلقين فلما أكثروا عليه قال لهم إن لم تقبلوا الصلح فحاربوهم فمروا نحو قريش وهم مستعدون للحرب وحملوا عليهم فانهزم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هزيمة قبيحة ومروا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال يا علي خذ السيف واستقبل قريشا فأخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سيفه وحمل على قريش فلما نظروا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تراجعوا ثم قالوا يا علي بدا لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) فيما أعطانا فقال لا وتراجع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مستحيين وأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألستم أصحابي يوم بدر إذ أنزل الله عز وجل فيكم {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] ألستم أصحابي يوم أحد إذ تصعدون ولا تلون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ألستم أصحابي يوم كذا ألستم أصحابي يوم كذا فاعتذروا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وندموا على ما كان منهم وقالوا الله أعلم ورسوله فاصنع ما بدا لك.
ورجع حفص بن الأحنف وسهيل ابن عمرو إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالا يا محمد قد أجابت قريش إلى ما اشترط من إظهار الاسلام وان لا يكره أحد على دينه فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالمكتب ودعا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال له اكتب فكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل ابن عمرو لا نعرف الرحمن اكتب كما كان يكتب آباؤك باسمك اللهم.
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اكتب باسمك اللهم فإنه اسم من أسماء الله ثم اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد سول الله ( صلى الله عليه وآله ) والملا من قريش فقال سهيل بن عمرو ولو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله أتأنف من نسبك يا محمد فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنا رسول الله وإن لم تقروا.
ثم قال امح يا علي واكتب محمد بن عبد الله فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ما امحوا اسمك من النبوة أبدا فمحاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيده ثم كتب هذا ما اصطلح به محمد بن عبد الله والملا من قريش وسهيل بن عمرو واصطلحوا على وضع الحرب بينهم عشر سنين على أن يكف بعضنا عن بعض وعلى أنه لا اسلال ولا اغلال وان بيننا وبينهم غيبة مكفوفة وان من أحب ان يدخل في عهد محمد ( صلى الله عليه وآله ) وعقده فعل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل وأنه من أتى محمدا بغير إذن وليه رده إليه وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) لم ترده إليه وأن يكون الاسلام ظاهرا بمكة ولا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعيروأن محمدا يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه ثم يدخل علينا في العام القابل مكة فيقيم فيها ثلاثة أيام ولا يدخل عليها بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب.
وكتب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يا علي إنك أبيت أن تمحو اسمي من النبوة فوالذي بعثني بالحق نبيا لتجيبن أبنائهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد فلما كان يوم صفين ورضوا بالحكمين كتب هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان فقال عمرو بن العاص لو علمنا إنك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ما حاربناك ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) صدق الله ورسوله أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك.
قال فلما كتبوا الكتاب قامت خزاعة فقالت نحن في عهد محمد رسول الله وعقده وقامت بنو بكر فقالت نحن في عهد قريش وعقدها وكتبوا نسختين نسخة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله ) ونسخة عند سهيل بن عمرو ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبروهم وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأصحابه انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم فامتنعوا وقالوا كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة فاغتم لذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وشكا ذلك إلى أم سلمة فقالت يا رسول الله انحر أنت واحلق فنحر القوم على حيث يقين وشك وارتياب فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تعظيما للبدن رحم الله المحلقين وقال قوم لم يسوقوا البدن يا رسول الله والمقصرين لان من لم يسق هديا لم يجب عليه الحلق فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثانيا رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي فقالوا يا رسول الله والمقصرين فقال رحم الله المقصرين ثم رحل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نحو المدينة إلى التنعيم ونزل تحت الشجرة فجاء أصحابه الذين أنكروا عليه الصلح واعتذروا وأظهروا الندامة على ما كان منهم وسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يستغفر لهم فنزلت آية الرضوان .
أقول : هذه القصة مذكورة في روضة الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) بزيادة ونقصان من أرادها رجع إليه .
الاكثر قراءة في قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة