علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الاحتجاج بالحديث في اللغة والنحو
المؤلف:
الشيخ الدكتور صبحي الصالح
المصدر:
علوم الحديث ومصطلحه
الجزء والصفحة:
ص 325 ــ 333
2025-10-09
38
الفَصْلُ الرَّابِعُ: الاِحْتِجَاجُ بِالحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ:
تَحَرُّجُ الأَئِمَّةِ مِنْ رِوَايَةِ الحَدِيثِ:
إذا كان إمام كالأصمعي يتجنّب رواية الحديث حتّى «لَمْ يَرْفَعْ مِنْهُ إِلّا أَحَادِيثَ يَسِيرَةً»(1)، فذلك يعني أنّ الخوف من الكذب على رسول - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - أدركه كما أدرك الرعيل الأول من الرواة العلماء، فاختاروا لأنفسهم السلامة في دينهم ورعًا واحتياطًا، ولا ريب أنّهم في رواية الشعر كانوا أسلم منهم في رواية الحديث، مع أنّ الورع لم يكن يزايلهم قط في رواية غير الحديث: فشعبة بن الحجّاج مثلاً من أكبر أئمّة الحديث، ويكاد يكون شغله الوحيد رواية السُنَّةِ للناس، ولكنّه يميل أحيانًا إلى تزجية الوقت برواية شيء من الشعر، فيتناشد منه الكثير ذات يوم مع أبي زيد سعيد بن أوس، ويعجب لهذا بعض أصحاب الحديث فلا يملكون إلّا أن يقولوا لشعبة: «"يَا أَبَا بَسْطَامٍ، نَقْطَعُ إِلَيْكَ ظَهْرَ الإِبِلِ لَنَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - فَتَدَعُنَا وَتُقْبِلُ عَلَى الأَشْعَارِ! "لَكِنَّ شُعْبَةَ يُجِيبُهُمْ فِي غَضَبٍ شَدِيدٍ: "يَا هَؤُلاَءِ، أَنَا أَعْلَمُ بالأَصْلَح لِي، أَنَا، وَالذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، فِي هَذَا أَسْلَمُ مِنِّي فِي ذَاكَ"» (2).
وإنّما كان الرواة في إقبالهم على الأشعار أسلم منهم في انكبابهم على الأحاديث؛ لأنّهم - عند رواية السُنَّةِ - تغلب عليهم صفة «التحديث» التي تستدعي التحقيق والتدقيق، فيعنون بألفاظ المتون (3) عنايتهم بسلسلة الأسانيد، وهم في رواية الأشعار أيضًا يفضلون الدقّة البالغة والحذر الشديد، ويتأثرون من غير أن يشعروا بصفة «التحديث» إلا أنّهم لا يستسلمون أمامها استسلامًا مطلقًا، فإنّ لهم في الأعاريض لمندوحة عن الكذب، كما قال الصحابي عمران بن حصين عندما قدم البصرة وأكثر فيها من رواية الأشعار بدلاً من الأحاديث، مع أنّه كان يقسم: إنّه لو شاء لحدّث عن رسول الله - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - يومين متتابعين (4)!.
الاِحْتِجَاجُ بِالحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ:
أفلا تعجب - بعد هذا كلّه - كيف احتجّ معظم النحاة المتقدّمين برواية الأشعار، ورفضوا الاحتجاج بالحديث؟ ألا تأخذك الدهشة وأنت تراهم يقبلون على الروافد الصغيرة ويتركون النبع مهجورًا؟.
لا نقول: إنّ رواة الأخبار الأوّلين كانوا كذّابين أو وضّاعين، بل لا نقول: إنّهم جميعًا في رواية الأشعار كانوا متساهلين، وما نظنّ إلا أنّهم حاولوا ما وسعهم الأمر أن يكونوا في كلّ ما يَرْوُونَ صادقين حذرين محتاطين، ولكن حزم أهل الحديث لم يكن يدركهم إِذَا أَرْسَلُوا مُسْنَدًا، أَوْ أَسْنَدُوا مُرْسَلاً، أو قطعوا موصولاً، أو وصلوا مقطوعًا، أو أدخلوا رواية في رواية، فإنّ لهم عذرهم على كلّ حال، وإنّما يتمثّل هذا العذر في أخذ معظمهم أخبار الأدب وشواهد النحو واللغة من رجال لم يشهدوا العصر الجاهليّ، فلا عليهم إذا سقطت بعض حلقات الإسناد، ولا ضير - حين تسقط هذه الحلقات - في سد الفجوات، وملء الفراغات، وتدليس التسوية (5) تعويضًا لشخص بآخر يعاصره، وترميمًا لسلسلة الإسناد حتّى تخلو من الانقطاع!.
ولا نقول مع ذلك: كان رواة الأشعار وضّاعين، ولا متساهلين، ولا متعمّدين للتمويه والتدليس، فقد أَخَذَهُمْ من عدوى أهل الحديث ما أَخَذَهُمْ، وقد كان في تهرّبهم نفسه من رواية الحديث أوضح دليل على تأثّرهم بمصطلحات المحدّثين، وخوفهم من عصا المؤدّب الذي لا يرحم، ومن شبحه الغالي في الرصانة، المبالي في الحذر، الذي يريد ليكون تلامذته كلّهم في كلّ ما يَرْوُونَ من شؤون الدنيا أو أصول الدين أصدق الناس لهجة، وأصرحهم وجهًا، وأخلصهم حديثًا.
لكنّا نعجب مرّة أخرى للنحاة الأوّلين: كيف طَوَّعَتْ لهم أنفسهم أن يهجروا حديث الرسول وهم يحتجّون، ويلتمسون الشواهد لما يُبَوِّبُونَ وَيُفَصِّلُونَ، مع أنّهم كانوا يعلمون علم اليقين أنّ شروط المحدّثين في المشافهة والإسناد تضمن لهم أصدق الأخبار وأقومها قِيلاً! يفسر بعض الباحثين المعاصرين هذا الموقف العجيب أدقّ تفسير وأوفاه حين يقول: «ولكن ذلك - أيّ الاحتجاج بالحديث - لم يقع كما ينبغي، لانصراف اللغويّين والنحويّين المتقدّمين الى ثقافة ما يزودهم به رواة الأشعار خاصة، انصرافًا استغرق جهودهم، فلم يبقَ فيهم لرواية الحديث ودرايته بقيّة، فتعقّلوا لعدم احتجاجهم بالحديث بعلل، كلّها وارد بصورة أقوى على ما احتجّوا به هم أنفسهم من شعر ونثر»(6).
لِمَاذَا مَنَعُوا الاِحْتِجَاجَ بِالحَدِيثِ؟
وأقوى ما تَعَلَّلَ به مانعو الاحتجاج بالحديث أنّهم لم يثقوا بأنّ تلك المرويات المتعدّدة المتكاثرة كلّها من لفظ النبي - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - أفصح العرب قاطبة، و«إنّما ترك العلماء ذلك - كما يقول أبو حيّان الأندلسي - لعدم وثوقهم أنّ ذلك لفظ الرسول - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ -، إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكليّة» (7).
ويفسّر أبو حيّان موقف المانعين بأمرين: أحدهما تجويز الرواة نقل القصّة الواحدة بألفاظ مختلفة مع أنّ النبي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لم ينطق بتلك الألفاظ جميعًا، وإنّما أتى أولئك الرواة بالمرادف ولم يأتوا باللفظ النبوي الفصيح (8)، والآخر وقوع كثير من اللحن فيما روي من الحديث «لأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الرُّوَاةِ كَانُوا غَيْر عَرَبٍ بِالطَّبْعِ، وَلاَ يَعْلَمُونَ لِسَانَ العَرَبِ بِصِنَاعَةِ النَّحْوِ، فَوَقَعَ اللَّحْنُ فِي كَلاَمِهِمْ وَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ»(9).
الرد على المانعين:
والحق أنّ تجويز الرواية بالمعنى قد أحيط - عِنْدَ المُجَوِّزِينَ - بشروط لم تتوافر إلّا في الصحابة والتابعين وكبار أئمّة الفقهاء والرواة ممّن كانت لغتهم سليقة، وَجِبِلَّتِهِمْ عربيّة، فلو غَيَّرَ أَحَدُهُمْ - وهو العربيّ المطبوع - لفظًا بلفظ آخر مرادف له، لكان على النحاة تفضيله على غيره من كلام العرب؛ لأنّ تقلّب صاحبه في البيئات العربيّة الفصحى لا يسمح قط بالتردّد في قبوله والأخذ به، لذلك قال أحمد بن حنبل في الشافعي: «إِنَّ كَلاَمَهُ فِي اللُّغَةِ حُجَّةٌ» (10).
هذا على فرض رواية أولئك الأسلاف الصالحين على المعنى، وعلى فرض تساهلهم جميعًا في الحديث المرفوع كتساهلهم في غيره، ثم على فرض الإجماع على إباحة الرواية بالمعنى إطلاقًا للجميع في عصر الرواية والتدوين، ولكن الواقع خلاف هذا من كلّ وجه: فالرعيل الأول من الرواة كانوا يتشدّدون في الرواية باللفظ والنصّ، ولا يتساهلون حتّى بالواو والفاء، وَكَانَ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِهِمْ - كَمَا قَالَ الأَعْمَشُ -: «أَنْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِي الحَدِيثِ وَاوًا، أَوْ أَلِفًا، أَوْ دَالاً» (11)، وما أكثر الأمثلة التي تشير إلى تردّد الراوي بين لفظين حرص الراوي نفسه على التصريح بكلّ منهما مخافة أن يلفظ بغير لفظ النبي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -! (12).
ومن الأئمّة من تشدّد في منع الرواية بالمعنى في الحديث المرفوع إلى النبي، وإنّما كانوا يتساهلون في الموقوف على الصحابي، والمقطوع عند التابعي؛ لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ التحفّظ الكامل ينبغي أن يكون في حديث رسول الله نفسه، لما له من مكانة في التشريع (13).
وقد رأينا كيف منع بعض المحقّقين من العلماء غير الصحابة من رواية الحديث بالمعنى، وإن استوفوا مراد الرسول - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - لدى تبديل لفظه بمرادفه، وعقلوا هذا بأنّ الإباحة لو أطلقت لما كان أحد على ثقة من الأخذ بالحديث(14)، ولا ريب أنّ فرص الرواية على المعنى - بعد هذا التشدّد كلّه، وهذا التضييق من كلّ جانب - أمست قليلة بل نادرة الوقوع، وأنّ هذا الضرب من الرواية - على فرض وقوعه - كان مقصورًا بعد عصر التدوين على العالم بالنحو والصرف العارف بمدلولات الألفاظ ومقاصدها، القادر على أداء الحديث خاليًا من اللحن فإنّ النبي - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - لم يكن يلحن، فمن روى عنه شيئًا ولحن فيه كذب عليه، وتبوّأ مقعده من النار (15).
وإنّ طائفة غير يسيرة من الأحاديث التي فيها ما يشبه اللحن لتفسّر - في نظرنا أحيانًا كثيرة - بتحرّج الرواة واحتياطهم في التحمّل والأداء، فكان بعضهم - لشدّة أمانته - يلحن كما يلحن الراوي ما دام اللفظ الذي يرويه لا يحيل المعنى ولا يفسده (16)، ومن هاهنا نادى أهل التحقيق بوجوب رد الحديث إلى الصواب، إذا كان راويه قد خالف موجب الإعراب! (17) فمن ذلك أَنَّ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ الحُلْوَانِيِّ قَالَ: «مَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي، عَنْ عَفَّانَ لَحْنًا فَأَعْرِبُوهُ، فَإِنَّ عَفَّانَ كَانَ لاَ يَلْحَنُ» وَقَالَ عَفَّانُ: «مَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ لَحْنًا فَأَعْرِبُوهُ، فَإِنَّ حَمَّادًا كَانَ لاَ يَلْحَنُ» وَقَالَ حَمَّادٌ: «مَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي عَنْ قَتَادَةَ لَحْنًا فَأَعْرِبُوهُ، فَإِنَّ قَتَادَةَ كَانَ لاَ يَلْحَنُ» (18).
خلاصة البحث:
وإنّ هذه المقاييس التى أخذ بها المحدّثون أنفسهم لدى رواية المتون - إلى جانب ما التزموه من دقّة بالغة لدى رواية الأسانيد - لتؤكّد تأكيدًا قاطعًا أنّ مانعي الاحتجاج بالحديث من اللغويّين والنحويّين المتقدّمين ارتكبوا خطأ جسيمًا حين تَعَلَّلُوا بأن مرويّات الحديث لا تؤنس الثقة بأنّها من لفظ النبيّ العربيّ الكريم: فإنّ هؤلاء المانعين أنفسهم عرفوا - كما عرف المجيزون - «أَنَّ مَا فِي رِوَايَاتِ الحَدِيثِ مِنْ ضَبْطِ وَدِقَّةٍ وَتَحَرٍّ لاَ يَتَحَلَّى بِبَعْضِهِ كُلُّ مَا يَحْتَجُّ بِهِ النُحَّاةُ وَاللُّغَوِيُّونَ مِنْ كَلاَمِ العَرَبِ» (19).
على أنّا نلتمس بعض العذر للمتقدّمين من أولئك اللغويّين والنحويّين - إن لم نعلّل بما تعلّلوا به من الريبة في الحديث - فنرى «شُحَّ المَوْرِدِ» (20) وندرة الرواية، وقلّة التصنيف، من أقوى الأسباب التي حملت القوم على «انْتِجَاعِ الجَدْبِ فِي غَيْرِ الحَدِيثِ وَالخَصْبُ مُحِيطٌ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ» (21). فيما صحّت يومئذٍ روايته عن رسول الله - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ -.
وفي ضوء هذا التفسير، يمكننا أن نفهم سرّ الامتناع عن الاحتجاج بالحديث، الذي عَزَوْهُ إلى واضعي النحو الأوّلين أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من الأئمة البصريّين، والكسائي والفرّاء وعلي بن مبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمّة الكوفييّن (22).
كما أنّا في ضوء هذا التفسير نفسه، يمكننا أن نفهم سِرَّ احتجاج المتأخّرين من اللغويّين بأحاديث الرسول في معجماتهم التي اشتملت على أنقى الألفاظ وأفصحها مصحوبة بشروحها وشواهدها، كما في "تهذيب" الأزهريّ، و"صحاح" الجوهري، و"مقاييس" ابن فارس، و"فائق" الزمخشري، وكما في مسائل كبار النحويّين كابن خروف وابن جنّي وابن بري والسهيليّ، حتّى قال ابن الطيّب من أصحاب هذا المذهب (23): «لا نعلم أحدًا من علماء العربيّة خالف في هذه المسألة ما أبداه الشيخ أبو حيّان (- 745 هـ) في "شرح التسهيل"، وأبو الحسن [ابن] الضائع (- 680 هـ) في "شرح الجمل"، وتابعهما على ذلك الجلال السيوطيّ (- 911 هـ)».
«وأغلب الظنّ - كما يقول الأستاذ سعيد الأفغانيّ -: أنّ من لم يستشهد بالحديث من المتقدّمين لو تأخّر به الزمن إلى العهد الذي راجت فيه بين الناس ثمرات علماء الحديث من رواية ودراية لقصروا احتجاجهم عليه بعد القرآن الكريم، ولمّا التفتوا قط إلى الأشعار والأخبار التي لا تلبث أن يطوّقها الشك إذا وزنت بموازين فنّ الحديث العلميّة الدقيقة» (24).
وبهذا المذهب المنطقيّ السليم لا نملك إلّا أن نردَّ قضيّة الاحتجاج إلى معيار لا يخطئ أبدًا: وهو معيار الفصاحة والصفاء والسلامة من الفساد، فلا يحتجّ في الحديث ولا في غيره بمن لابس الضعف لغته، وخالطت العجمة كلامه، وتسرّبت الركّة إلى لفظه مهما يَسْمُ مقامه. وكان هذا المعيار الدقيق كفيلاً - لو عرفه اللغويّون المتقدّمون في وقت مبكّر - بإرساء قواعد اللغة وأصول النحو على دعائم ثابتة قويّة، وبقطف ثمار تلك الأصول في نتاج نحويّ غنيّ بالشواهد كنتاج ابن مالك وابن هشام، من رجال النحو المتأخّرين وأئمّته الأعلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر " مراتب النحويّين " (لأبي الطيّب اللغوي): الورقة 74 (عن "مصادر الشعر الجاهليّ": ص 260).
(2) قارن " الطبقات الكبرى ": 7 / ق 2 - 38 بـ " نزهة الألباء ": ص 89، 90.
(3) راجع ما أوضحناه عن رواية الحديث باللفظ ص 80 وما بعدها.
(4) " الطبقات الكبرى ": 4 / ق 2 - 26.
(5) ارجع إلى بحث المدلّس، واقرأ منه بوجه خاص ما يتعلّق بتدليس التسوية: ص 172.
(6) " أصول النحو " للأستاذ سعيد الأفغاني: ص 41.
(7) ذكره السيوطي في " الاقتراح ": ص 16. وقارن بـ " كشف الظنون ": ص 405 - 407.
(8) مثّل لذلك أبو حيّان بحديث: "زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ"، فهو في رواية أخرى: "ملّكتكها بما معك من القرآن" وفي الثالثة: "خذها بما معك من القرآن" وفي الرابعة: "أمكنّاكها بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ".
(9) قارن بالاقتراح 21.
(10) المصدر نفسه 24.
(11) الكفاية 178، وقارن بما أوضحناه ص 80 ــ 82.
(12) كما في حديث سعد بن أبي وقاص: وقال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» - أَوْ كَبِيرٌ -، فالراوي لشكّه يثبت اللفظ بالثاء المثلثّة والراء الموحدة. (انظر " دليل الفالحين ": 1/ 46). ومثله حديث أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري الذي أوّله قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «الطَّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ». فإنّ فيه بعد ذلك «وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ». فقد شكّ الراوي هل العبارتان كلتاهما تملآن - بالتثنية - أم تعدّان عبارة واحدة (تَمْلأُ) بالإفراد، فأثبت الراوي اللفظين ورعًا واحتياطًا (" دليل الفالحين ": 1/ 130).
(13) كما نقل البيهقي في "مدخله" عن مالك. وانظر "الباعث الحثيث": ص 158.
(14) راجع ص 84.
(15) قارن بـ "اختصار علوم الحديث" (لابن كثير): ص 192.
(16) الكفاية 186. وقد روي هذا عن محمد بن سيرين.
(17) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب 6 / 103.
(18) انظر كتاب (ألف باء) للبلوي 1 / 44.
(19) "أصول النحو": ص 47.
(20) هذه عبارة الأستاذ سعيد الأفغاني في " أصول النحو ": ص 45 وهي عبارة دقيقة تصور الواقع النفسي للرعيل الأوّل من الرواة.
(21) المصدر السابق: ص 45.
(22) " الاقتراح ": ص 21.
(23) بحث (الاستشهاد بالحديث) للسيد محمد الخضر حسين في "مجلة مجمع اللغة العربية": 3/ 199.
(24) "أصول النحو": ص 49.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
