في امْتِيَازَاتِ الْعِبَادِ المُصْطَفِينَ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص49-51
2025-10-02
325
قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: {عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً}[1].
يمتلك الإنسان أعضاء وجوارح مختلفة، كما يمتلك غرائز وصفات متفاوتة، كالغضب وكالرغبة في الطعام، والدفاع عن النفس، وحبّ الجاه وسائر اللذائذ، وغريزة الإنتقام والعبوديّة والإيثار وغير ذلك.
ومن البين انّه يجب ان يستخدم كلّ واحد منها في محله المناسب، ويصرفه بقدرٍ معيّن، والّا أصبح ذلك باعثاً على ضرره وهلاكه، والسبب في ذلك عدم استخدامه لقوى العقل والإدراك.
فلو أحبّ شخصٌ ما- مثلًا- عند تناول طعامه أن يتمتّع بشكل كامل وبلا حدّ معيّن بلذائذ الأطعمة، فانّه سيموت نتيجة الإفراط في الأكل والشرب؛ ولو انّ شخصاً لم يتبع عقله في إعمال غريزته الجنسيّة، فانّه سيتهاوى في أحضان الموت بسبب الإفراط فيهلك.
انّ احدى الغرائز في الانسان هي حبّ الله والوصول إلى كمال الاطمئنان، والفوز بلقاء الله والوصول إلى مقام عزّه؛ وما لم يصل الإنسان إلى هذه الغاية فانّه لن يهدأ ولن يستقرّ.
ويحتاج الانسان من أجل الوصول إلى هذا المقام إلى مجاهدة النفس الأمّارة، أي إلى أن يكون مراقباً لنفسه كلّ لحظة لئلّا يرتكب أي عمل مخالف لرضا الله تعالى، ولكي يكون عمله صالحا حسناً؛ فالإخلاص في العمل الصالح هو الوسيلة الوحيدة لإدراك المقصود؛ {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}[2].
فيُعرض في كلّ خطوةٍ يخطوها عن نزوات النفس وتزيين إبليس، ويتوكّل على الله ويُوكل قلبه اليه، ويبعد الخواطر الشيطانية عن ضميره، ويُسكّن نفسه المضطربة الجيّاشة بذكر الله تعالى.
ويحتاج هذا العمل إلى مجاهدة النفس، والوصول إلى منزل الإخلاص ليصبح من المخلصين، فلا يحسب له هدفاً في جميع الامور من العبادات وغيرها الّا الله تعالى، ويكون عمله خالصاً لوجهه الكريم.
وذلك لأنّ قلب الإنسان لا يخلو من هجوم الأفكار والخيالات الواردة على القلب، حتى حال السكون والإستراحة، إذ يهجم سيل الخواطر على قلب الإنسان بدون اختياره، ولا تكفّ هذه الخواطر عنه حتى حال نومه.
ولذلك ينبغي على الانسان من أجل تسكين القلب وتهدئته، أن يقاوم هجوم الخواطر بذكر الله والمجاهدة القويّة للنفس، وأن يحفظ قلبه عن أن تتصرّف فيه، وأن يكفّ نفسه عن نواياه الشخصيّة كلّ لحظة، فيرجّح اختيار الباري ورضاه على اختياره ورضاه.
[1] الآية 26 إلى 28، من السورة 72: الجنّ.
[2] ذيل الآية 110، من السورة 18: الكهف.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة