البخل الذي محق قوم لوط
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص83-88.
2025-09-21
287
البخل الذي محق قوم لوط
قال تعالى : { لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الحجر: 48 - 51].
قال عليّ بن إبراهيم القميّ : العدلوة « 1 ».
وعنى بقوله تعالى : نَبِّئْ عِبادِي أي أخبرهم أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ * وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ « 2 » . أقول : فقد كتبنا خبرهم في سورة هود عليه السّلام « 3 ».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « إنّ سارة قالت لإبراهيم عليه السّلام : قد كبرت ، فلو دعوت اللّه أن يرزقك ولدا فتقرّ أعيننا ، فإنّ اللّه قد اتّخذك خليلا ، وهو مجيب دعوتك إن شاء اللّه ، فسأل إبراهيم عليه السّلام ربّه أن يرزقه غلاما عليما .
فأوحى اللّه إليه : إنّي واهب لك غلاما عليما ، ثمّ أبلوك فيه بالطاعة لي - قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : - فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ، ثمّ جاءته البشارة من اللّه بإسماعيل مرّة أخرى بعد ثلاث سنين » « 4 ».
وقال أبو بصير ، قلت لأبي جعفر عليه السّلام : أصلحك اللّه ، أكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتعوّذ من البخل ؟ قال : « نعم - يا أبا محمّد - في كلّ صباح ومساء ، ونحن نعوذ باللّه من البخل ، إنّ اللّه يقول في كتابه : {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وسأنبّئك عن عاقبة البخل ، إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية بخلاء أشحّاء على الطعام ، فأعقبهم اللّه داء لا دواء له في فروجهم ».
قلت : وما أعقبهم ؟ قال : « إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشام ومصر ، فكانت المارّة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلمّا أن كثر ذلك عليهم ، ضاقوا بهم ذرعا وبخلا ولؤما ، فدعاهم البخل إلى أن كان إذا نزل بهم الضّيف فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك ، وإنّما كانوا يفعلون ذلك بالضّيف حتى تنكل النازلة عنهم ، فشاع أمرهم في القرى ، وحذرتهم المارة ، فأورثهم البخل بلاء لا يدفعونه عن أنفسهم ، من غير شهوة لهم إلى ذلك « 5 » ، حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ، ويعطونهم عليه الجعل ، فأي داء أعدى من البخل ، ولا أضرّ عاقبة ولا أفحش عند اللّه ؟ ! ».
قال أبو بصير ، فقلت له : أصلحك اللّه ، هل كان أهل قرية لوط كلّهم هكذا مبتلين ؟ قال : « نعم ، إلّا أهل بيت من المسلمين ، أما تسمع لقوله :
{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الذاريات : 35، 36] ».
ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام : « إنّ لوطا لبث مع قومه ثلاثين سنة ، يدعوهم إلى اللّه ويحذّرهم عقابه - قال - وكانوا قوما لا يتنظّفون من الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، وكان لوط وآله يتنظّفون من الغائط ، ويتطهّرون من الجنابة ، وكان لوط ابن خالة إبراهيم ، وإبراهيم ابن خالة لوط عليهما السّلام ، وكانت امرأة إبراهيم عليه السّلام سارة أخت لوط عليه السّلام ، وكان إبراهيم ولوط عليهما السّلام نبيّين مرسلين منذرين ، وكان لوط عليه السّلام رجلا سخيّا كريما يقري الضيف إذا نزل به ويحذّره قومه - قال - فلمّا رأى قوم لوط ذلك ، قالوا : إنّا ننهاك عن العالمين ، لا تقر ضيفا نزل بك ، فإنّك إن فعلت فضحنا ضيفك ، وأخزيناك فيه . وكان لوط عليه السّلام إذا نزل به الضيف كتم أمره ، مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّ لوطا عليه السّلام كان فيهم لا عشيرة له - قال - وإنّ لوطا وإبراهيم عليهما السّلام يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط ، وكانت لإبراهيم ولوط عليهما السّلام منزلة من اللّه شريفة ، وإنّ اللّه تبارك وتعالى كان إذا همّ بعذاب قوم لوط ، أدركته فيهم مودّة إبراهيم عليه السّلام وخلّته ، ومحبّة لوط عليه السّلام ، فيراقبهم فيه فيؤخّر عذابهم ».
قال أبو جعفر عليه السّلام : « فلمّا اشتدّ أسف اللّه تعالى « 6 » على قوم لوط وقدّر عذابهم وقضاه ، أحب أن يعوّض إبراهيم عليه السّلام من عذاب قوم لوط بغلام حليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث اللّه رسلا إلى إبراهيم عليه السّلام يبشّرونه بإسماعيل ، فدخلوا عليه ليلا ، ففزع منهم ، وخاف أن يكونوا سرّاقا ، فلمّا أن رأته الرسل فزعا وجلا {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ } [هود : 69] ، قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ » قال أبو جعفر عليه السّلام : « والغلام العليم هو إسماعيل من هاجر ، فقال إبراهيم للرّسل : أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ فقال إبراهيم عليه السّلام للرسل : فَما خَطْبُكُمْ ؟ بعد البشارة قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ قوم لوط ، إنّهم كانوا قوما فاسقين ، لننذرهم عذاب ربّ العالمين ، قال أبو جعفر عليه السّلام : « فقال إبراهيم عليه السّلام للرسل : {إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ } [العنكبوت: 32] قال :
فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ يقول : من عذاب اللّه ، لتنذر قومك العذاب فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ - يا لوط - إذا مضى من يومك هذا سبعة أيّام بلياليها بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ [ إذا مضى نصف الليل ] « 7 » {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: 81].
قال أبو جعفر عليه السّلام : « فقضوا إلى لوط ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ - قال أبو جعفر عليه السّلام - فلمّا كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر ، قدّم اللّه رسلا إلى إبراهيم عليه السّلام يبشرونه بإسحاق ، ويعزّونه بهلاك قوم لوط ، وذلك قول اللّه في سورة هود : {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } [هود : 69] يعني ذكيّا مشويّا نضيجا {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ} [هود: 70، 71] - قال أبو جعفر عليه السّلام - إنّما عنى امرأة إبراهيم عليه السّلام سارة قائمة فبشّروها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] إلى قوله : {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود : 73] ».
قال أبو جعفر عليه السّلام : « فلمّا أن جاءت البشارة بإسحاق ذهب عنه الرّوع ، وأقبل يناجي ربّه في قوم لوط ، ويسأله كشف العذاب عنهم ، قال اللّه :
{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود : 76].
بعد طلوع الشمس من يومك هذا ، محتوم غير مردود » « 8 ».
وقال صفوان الجمّال ، صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام فأطرق ، ثمّ قال : « اللهم لا تقنطني من رحمتك ، ثم جهر ، فقال : {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56] « 9 ».
وقال علي بن إبراهيم : وقوله تعالى : وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أي أعلمناه أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ يعني قوم لوط مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ وقوله :
لَعَمْرُكَ أي وحياتك يا محمّد إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فهذه فضيلة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على الأنبياء « 10 ».
____________
( 1 ) تفسير القمي : ج 1 ، ص 377 .
( 2 ) تفسير القمي : ج 1 ، ص 377 .
( 3 ) تقدم في الحديث من تفسير الآيات ( 69 - 83 ) من سورة هود .
( 4 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 244 ، ح 25 .
( 5 ) في « ط ، س » : في شهوة بهم إليه ، وما أثبتناه من بحار الأنوار ج 12 ، ص 147 ، ح 1 ، علل الشرائع : ص 549 ، ح 4 .
( 6 ) أي غضبه .
( 7) أثبتناه من علل الشرايع : ص 549 ، ح 4 ، وبحار الأنوار : ج 12 ، ص 149 ، ح 1.
( 8 ) تفسير العياشي : ج 2 ، ص 244 ، ح 26 .
( 9 ) تفسير العياشي : ج 2 ، ص 244 ، ح 27 .
( 10 ) تفسير القمي : ج 1 ، ص 377 .
الاكثر قراءة في قصة النبي لوط وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة