تسمية بغداد بالزوراء
قال البكري في معجمه ( 2 / 705 ) : « الزوراء بفتح أوله ، ممدود . وهو اسم يقع على عدة مواضع ، فمنها الزوراء بالمدينة ، التي زاد عليها عثمان النداء الثالث يوم الجمعة لما كثر الناس . . والزوراء : موضع آخر في ديار بني أسد . . والزوراء أيضاً رصافة هشام بالشام وكانت للنعمان بن جبلة . . والزوراء : دار بالحيرة . . هدمها أبو جعفر المنصور . . وروى أبو عمر الزاهد عن العطافي عن رجاله قال : تذاكروا عند الصادق الزوراء ، فقالوا : الزوراء : بغداد . فقال الصادق : ليس الزوراء بغداد ، ولكن الزوراء الري » . والري الآن حي من طهران .
أقول : الزوراء التي بالمدينة بيت لعثمان عند السوق منحرف البناء أمرهم أن يصعدوا على سطحه ويؤذنوا قبل الأذان ليتهيأ الناس . ( صحيح بخاري : 1 / 219 ، ومسلم : 7 / 59 ، وابن ماجة : 1 / 359 ، وعمدة القاري : 6 / 161 ، وابن أبي شيبة : 6 / 54 ) .
وفي معجم البلدان : 3 / 155 : « زوراء : تأنيث الأزور وهو المائل . . ومنه سميت القوس الزوراء لميلها ، وبه سميت دجلة بغداد الزوراء . . قال الأزهري : سميت الزوراء لازورار في قبلتها . . وقال غيره : الزوراء مدينة أبي جعفر المنصور وهي في الجانب الغربي ، وهو أصح مما ذهب إليه الأزهري بإجماع أهل السير ، قالوا : إنما سميت الزوراء لأنه لما عمرها جعل الأبواب الداخلة مزورة عن الأبواب الخارجة ، أي ليست على سمتها » .
وفي مجموع النووي : 1 / 122 : « وفي بغداد أربع لغات : إحداها بدالين مهملتين . والثانية بإهمال الأولى وإعجام الثانية . والثالثة بغدان بالنون . والرابعة مغدان . ومعناها بالعربية عطية الصنم وقيل بستان الضم . وسماها أبو جعفر المنصور مدينة السلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السلام : ويقال لها الزوراء أيضاً » .
وقال المجلسي في بحار الأنوار : 5 / 279 : « والزوراء : بغداد » .
وتقدم في رواية أمالي الطوسي / 199 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال للناس : إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة ، فلما أتى موضعاً من أرضها قال : ما هذه الأرض ؟ قيل أرض بحرا . فقال : أرض سباخ جنبوا » .
وهذا يدل على أن الزوراء اسم لمحلة قرب بغداد وبراثا ، وأن أرض بحرا قسم من أرض الزوراء ، وأن براثا تقع إلى يمينها ، للآتي من النهروان .
وما ذكره البكري عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) رواه في الكافي ( 8 / 177 ) : « عن معاوية بن وهب قال تمثل أبو عبد الله ( عليه السلام ) ببيت شعر لابن أبي عقب :
وينحر في الزوراء منهم لدى الضحى * ثمانون ألفاً مثلما تنحر البدن
ثم قال لي : تعرف الزوراء ؟ قال قلت : جعلت فداك يقولون إنها بغداد قال : لا ، ثم قال ( عليه السلام ) : دخلت الري ؟ قلت نعم ، قال : أتيت سوق الدواب ؟ قلت نعم ، قال : رأيت الجبل الأسود عن يمين الطريق ؟ تلك الزوراء يقتل فيها ثمانون ألفاً منهم ثمانون رجلاً من ولد فلان كلهم يصلح للخلافة ! قلت : ومن يقتلهم جعلت فداك ؟ قال : يقتلهم أولاد العجم » .
فهذا الحديث عن زوراء أخرى قرب الري ، تقع فيها معركة يقتل فيها ثمانون ألفاً ، منهم ثمانون شخصاً من ولد العباس ، أو ولد أبي سفيان أو غيرهما . وقد وقعت معارك عديدة في الري وقتل فيها ألوف في ثورة أبي مسلم الخراساني ، ثم في معارك المأمون والأمين ، ثم في الأحداث الكثيرة بعدها .
فهو إخبار عن حدث يقع بعد عصر الإمام الصادق ( عليه السلام ) وليس فيه أي إشارة إلى اتصاله بعصر ظهور المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أو كونه علامة له .
وفي غيبة النعماني / 148 ، بسنده عن عبد الله بن ضمرة ، عن كعب الأحبار أنه قال : « ومن نسل علي القائم المهدي الذي يبدل الأرض غير الأرض ، وبه يحتج عيسى بن مريم ( عليه السلام ) على نصارى الروم والصين . إن القائم المهدي من نسل علي ، أشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخلقاً وسمتاً وهيبة ، يعطيه الله عز وجل ما أعطى الأنبياء ( عليهم السلام ) ويزيده ويفضله . إن القائم من ولد علي له غيبة كغيبة يوسف ورجعة كرجعة عيسى بن مريم ، ثم يظهر بعد غيبته مع طلوع النجم الأحمر ، وخراب الزوراء وهي الري ، وخسف المزورة وهي بغداد ، وخروج السفياني ، وحرب ولد العباس مع فتيان أرمينية وأذربيجان ، تلك حرب يقتل فيها ألوف وألوف كل يقبض على سيف محلى تخفق عليه رايات سود . تلك حرب يشوبها الموت الأحمر والطاعون الأغبر . . .
ثم ذكر حديثاً عن علي ( عليه السلام ) جاء فيه : « إن لبني العباس يوماً كيوم الطموح ، ولهم فيه صرخة كصرخة الحبلى ، الويل لشيعة ولد العباس من الحرب التي سنح بين نهاوند والدينور ، تلك حرب صعاليك شيعة علي ، يقدمهم رجل من همدان اسمه على اسم النبي ، منعوت موصوف باعتدال الخلق وحسن الخلق ونضارة اللون ، له في صوته ضجاج ، وفي أشفاره وطف ، وفي عنقه سطع ، أفرق الشعر ، مفلج الثنايا ، على فرسه كبدر تمام إذا تجلى عنه الظلام ، يسير بعصابة خير عصابة آوت وتقربت ودانت لله بدين . تلك الأبطال من العرب الذين يلقحون حرب الكريهة ، والدبرة يومئذ على الأعداء . إن للعدو يومذاك الصيلم والإستئصال » .
أقول : يبدو أن النعماني ( رحمه الله ) قبل حديث عبد الله بن ضمرة عن كعب ، وحديث عمرو بن سعد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولكنهما لا يصحان . فمضافاً إلى الإشكالات على متنه ، فإن راويه عبد الله بن ضمرة السلولي لم يوثق عندنا ، وحديثه مقطوع ، وكعب الأحبار لم يدرك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يسند حديثه إليه . كما أن كعباً ليس ثقة عندنا ، وقد كان مع معاوية ضد علي ( عليه السلام ) فلا ينسجم الحديث مع مذهبه !
نعم يحتمل أن يكون الحديث عن أبي بن كعب ( رحمه الله ) ونسب إلى كعب لأن عبد الله بن ضمرة يروي عنهما ، لكن الاحتمال لا يكفي ( راجع : معجم السيد الخوئي : 11 / 240 ، وعلل الدارقطني : 11 / 44 وثقات العجلي : 1 / 129 ، وتاريخ بخاري : 5 / 122 ) .
وأما حديث عمرو بن سعد فلم يوثقه أحد ، وفي بقية رجاله وفي متنه إشكال ، ثم هو يتحدث عن خراب بغداد في أحداث ستقع « سنة إظهار غيبة المتغيب من ولدي » ولا بد أن يكون المقصود به معركة الإمام المهدي ( عليه السلام ) مع الظالمين .
رد روايات خسف بغداد وخرابها
شاع بين الناس إلى عصرنا أن بغداد سوف يخسف بها وتُزول ، حتى يمرَّ المارُّ فيقول هنا كانت بغداد ! وبعد تتبعي لروايات خراب بغداد اطمأنيت بأنها من وضع رواة بني أمية ، لأن العباسيين أنهوا الأمويين وحلت بغداد محل الشام ، فزعم أتباع الأمويين أن السفياني سينتقم لبني أمية ويدمر بغداد .
فقد رووا عن جرير بن عبد الله البجلي قال : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل ، تجبى إليها كنوز الأرض يخسف بها ، فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة » ( ملاحم ابن المنادي / 43 ، وتذكرة القرطبي : 2 / 681 و 697 ، وجامع السيوطي : 4 / 772 ، وموضوعات ابن الجوزي : 2 / 61 ) .
ورووا عن أبي الأسود الدؤلي عن علي ( عليه السلام ) أنه قال : « سمعت حبيبي محمداً ( صلى الله عليه وآله ) يقول : سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة ، يشيد فيها بالخشب والآجر والجص والذهب ، يسكنها شرار خلق الله وجبابرة أمتي ، أما إن هلاكها على يد السفياني ، كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها » ( تاريخ بغداد : 1 / 38 ) .
و « قُطْرَبَّل . . كلمة أعجمية اسم قرية بين بغداد وعكبرا ، ينسب إليها الخمر ، وما زالت متنزهاً للبطالين وحانة للخمارين » . ( معجم البلدان : 4 / 371 ) .
وقد عقد الخطيب البغدادي في تاريخه ( 1 / 54 ) « باب ذكر أحاديث رويت في الثلب لبغداد والطعن على أهليها ، وبيان فسادها وعللها وشرح أحوال رواتها وناقليها » .
وضعَّفَ هذه الأحاديث لوجود مجاهيل ووضاعين في أسانيدها . وكذلك فعل ابن الجوزي في كتابه : الموضوعات ( 2 / 60 ) بتفصيل ، وأورد ستة عشر طريقاً لحديث جرير بن عبد الله البجلي ، وضعفها .
ونلاحظ أن في روايات خسف بغداد رواة يهوداً التقوا مع حلفائهم الأمويين في التبشير بزوال بغداد ، فقد روى الخطيب ( 1 / 67 ) « عن أبي يعقوب الإسرائيلي وكان قد قرأ الكتب أنه قيل له : ما بال بغداد لا تكاد تُرى فيها إلا مستعجلاً ؟ فقال : لأنها قطعة من بابل فهي تبلبل بأهلها . . . قال أبو الحسين بن المنادي : فنظرنا ما في كلام هذا الإسرائيلي فإذا هو كلام لا يصح في المعتبر » .
ومثل هذا الحديث يضع يدنا على العقدة اليهودية من بابل ، التي ما زالت تعيش في نفوسهم من يوم غزاهم نبوخذ نصر البابلي ، فهم يحلمون بتدمير بابل وبغداد !
أحاديث جيش السفياني في بغداد
أصل دخول جيش السفياني إلى العراق قطعي ، فهو من علامات ظهور الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ، وقد رواه السنة والشيعة ، كالبخاري : 2 / 159 ، وفي : 3 / 19 ، وقد جزأ حديثه وعنونه بعناوين بعيدة ! وفضح عمله الحاكم ( 4 / 520 ) ومسلم ( 8 / 166 ) .
راجع : الجمع بين الصحيحين : 4 / 238 و / 245 ، وابن شيبة : 15 / 43 وأحمد : 6 / 316 ، وأبا داود : 4 / 107 ، وتهذيب ابن عساكر : 3 / 450 ، وجامع الأصول : 10 / 179 ، وجمع الفوائد : 1 / 55 ، والمسند الجامع : 20 / 795 ، وابن ماجة : 2 / 1350 ، والنسائي : 5 / 207 ، والطبراني الكبير : 23 / 202 ، و : 24 / 75 ، والحاكم : 4 / 429 ، وصححه على شرط الشيخين ، وعبد الرزاق : 11 / 371 .
وقال السيوطي في الدر المنثور : 5 / 240 : « وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ قال : هو جيش السفياني ، قال : من أين أخذ ؟ قال : من تحت أرجلهم » .
وفي تفسير الطبري : 22 / 72 ، عن حذيفة برواية طويلة جاء فيها : « قال رسول الله وذكر فتنة بين أهل المشرق والمغرب : فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك حتى ينزل دمشق ، فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة ، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة ، ويقتلون بها ثلاث مائة كبش من بني العباس ، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام . . الخ . » . والكشاف : 3 / 467 ، وتذكرة القرطبي : 2 / 693 ، وتفسيره : 14 / 314 ، والبحر المحيط : 7 / 293 ، ونوادر الأخبار / 257 ، والاستيعاب : 3 / 928 .
وفي الفتن لابن حماد : 1 / 329 ، « عن علي رضي الله عنه قال : إذا نزل جيش في طلب الذين خرجوا إلى مكة ، فنزلوا البيداء خسف بهم ويباد بهم ، وهو قوله عز وجل : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ . من تحت أقدامهم » .
والذي أعتقده أن حديث دخول جيش السفياني إلى الحجاز والعراق صحيح في أصله بل متواتر بالمعنى ، لكن الرواة الأمويين زادوا عليه سيطرة السفياني على العراق وتدميره بغداد ! لكن لا تجد ذلك في روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) .
بل تجد فيها أن جيش السفياني يكون منتدباً لمهمة حفظ الأمن في المدينة وفي العراق وتكون مدته قصيرة لأنه قبل ظهور الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ببضعة شهور .
وذكرت أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) أن جيشه في العراق يصيب أناساً من شيعة آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، كما ذكرت سيطرته على المدينة المنورة وقتله أفراداً وحبسه بني هاشم ، ثم يتجه إلى مكة فيخسف به . ولم تذكر أنه يدمر بغداد ولا يحتل العراق !
ففي تفسير العياشي : 1 / 65 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد ( عليهما السلام ) وشيعتهم فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصيب أناساً من شيعة آل محمد ( عليهما السلام ) قتلاً وصلباً ، ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويهرب المهدي والمنصور منها ، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم ، لا يترك منهم أحد إلا أخذ وحبس ، ويخرج الجيش في طلب الرجلين ، ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب ، حتى يقدم مكة » .
وفي الإختصاص / 255 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أيضاً : « ثم لا يكون همه إلا الإقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين . ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألف رجل ، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً ، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوى المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم ، وخرج رجل من موالي أهل الكوفة ، فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة » .
وبهذا يتضح أن ما ورد في تدمير بغداد وزوالها على يد السفياني ، وأفاعيله الواسعة في العراق ، من إضافات الرواة الأمويين .
ومما يؤيد ذلك أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أخبر بأن المهدي ( عليه السلام ) سيدمر الشام في معركته مع السفياني واليهود ، ففي معاني الأخبار / 406 ، عن عباية الأسدي ، قال : « سمعت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو مسجى وأنا قائم عليه يقول : لأبنينَّ بمصر منبراً ، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ، ولأخرجن اليهود والنصارى من كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه ! قال قلت له : يا أمير المؤمنين كأنك تخبرنا أنك تحيا بعد ما تموت ؟ ! فقال : هيهات يا عباية ، ذهبت في غير مذهب . يفعله رجل مني » .
فيبدو أن هذا الحديث أثار الأمويين ، فأضافوا إلى حديث السفياني الصحيح ، أنه سيدمر بغداد ويقتل أهل العراق !
صحة الأحاديث التي تذم الجبابرة في بغداد
قال العلامة الحلي في كشف اليقين / 80 ، في فصل إخبار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالمغيبات : « ومن ذلك إخباره بعمارة بغداد ، وملك بني العباس ، وذكر أحوالهم ، وأخذ المغول الملك منهم . رواه والدي ( رحمه الله ) وكان ذلك سبب سلامة أهل الحلة والكوفة والمشهدين الشريفين من القتل ، لأنه لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد ، وقبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلة إلى البطائح إلا القليل ، فكان من جملة القليل والدي ( رحمه الله ) ، والسيد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العز ، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت الإيلية ، وأنفذوا به شخصاً أعجمياً فأنفذ السلطان إليهم فرماناً مع شخصين : أحدهما يقال له فلكة والآخر يقال له علاء الدين ، وقال لهما إن كانت قلوبهم كما وردت به كتبهم فيحضرون إلينا ، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه ، فقال والدي ( رحمه الله ) : إن جئت وحدي كفى ؟ فقالا : نعم ، فأصعد معهما ، فلما حضر بين يديه ، وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة ، قال له : كيف أقدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم ! وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت عنه ؟ ! فقال له والدي : إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن إمامنا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أنه قال في بعض خطبه : الزوراء وما أدراك ما الزوراء أرض ذات أثل ، يشتد فيها البنيان ويكثر فيها السكان ، ويكون فيها قهارم وخزان ، يتخذها ولد العباس موطناً ، ولزخرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، ويكون بها الجور الجائر والخوف المخيف ، والأئمة الفجرة والقراء الفسقة والوزراء الخونة ، يخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه ، يكتفي الرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء ! فعند ذلك الغم الغميم والبكاء الطويل ، والويل والعويل لأهل الزوراء ، من سطوات الترك وما هم الترك ، قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجان المطرقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم ، جهوري الصوت قوي الصولة عالي الهمة ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ولا ترفع له راية إلا نكسها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر .
فلما وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم ، رجوناك فقصدناك ! فطيب قلوبهم وكتب لهم فرماناً باسم والدي ( رحمه الله ) يطيب فيه قلوب أهل الحلة وأعمالها »
ولم أجد مصدر هذا الحديث وسنده ، ووجدت قريباً منه في كفاية الأثر / 213 ، عن علقمة بن قيس قال : خطبنا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة فقال فيما قال في آخرها : « ألا وإني ظاعن عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، فارتقبوا الفتنة الأموية والمملكة الكسروية وإماتة ما أحياه الله وإحياء ما أماته الله ، واتخذوا صوامعكم بيوتكم ، وعضوا على مثل جمر الغضا ، فاذكروا الله ذكراً كثيراً ، فذكره أكبر لو كنتم تعلمون . ثم قال : وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيلة والفرات ، فلو رأيتموها مشيدة بالجص والآجر ، مزخرفة بالذهب والفضة واللازورد المستسقى ، والمرمر والرخام وأبواب العاج والأبنوس ، والخيم والقباب والشارات ، وقد عُليت بالساج والعرعر والصنوبر والخشب ، وشيدت بالقصور ، وتوالت عليها ملوك بني الشيصبان أربعة وعشرون ملكاً على عدد سني الملك الكديد ، فيهم السفاح والمقلاص والجموع والخدوع والمظفر والمؤنث والنظار والكبش والمهتور والعشار والمصطلم والمستصعب والعلام والرهباني والخليع والسيار والمسرف والكديد والأكتب والمترف والأكلب والوشيم والظلام والعيوق .
وتعمل القبة الغبراء ذات القلادة الحمراء ! في عقبها قائم الحق يسفر عن وجهه بين الأقاليم كالقمر المضئ بين الكواكب الدرية . ألا وإن لخروجه علامات عشراً : أولها طلوع الكوكب ذي الذنب ويقارب من الحاوي ، ويقع فيه هرج ومرج وشغب ، وتلك علامات الخصب ، ومن العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا انقضت العلامات العشر ، إذ ذاك يظهر القمر الأزهر ، وتمت كلمة الإخلاص لله على التوحيد » . وملاحم ابن طاووس / 136 ، ومناقب ابن شهرآشوب : 2 / 273 ، ومشارق البرسي / 164 ، قال : ومن ذلك ما ورد عنه في خطبة الافتخار ، وعنه إثبات الهداة : 1 / 598 و : 2 / 442 ، والبحار : 36 / 354 ، و : 41 / 318 و 329 ، و : 52 / 267 .
لكن اعتماد علماء الحلة على الحديث المتقدم يدل على أنه ثبت عندهم بسند صحيح ، وإن لم يصلنا مصدره ، في كثير من مصادرنا التي فقدناها .
ويظهر أن الأمويين رووا أجزاء من أحاديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وحذفوا منها ذم بني العباس وذكر المغول ، وأضافوا لها أن بغداد يخسف بها ، أو أنها تُدَمَّر على يد السفياني !
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة