النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) والجماعة الصالحة
المؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
المصدر: أعلام الهداية
الجزء والصفحة: ج 9، ص141-154
11-1-2023
2660
بعد أن عرفنا موقف الإمام موسى ( عليه السّلام ) من الرشيد ، بقي أن نعرف نشاطه ولا سيّما فيما يخصّ الجماعة الصالحة حيث كان الإمام ( عليه السّلام ) قد قطع أشواطا في منهجه التربوي في مراحل سابقة ، فلا بد أن يواصل بناءه في هذه المرحلة ، لتعميق ما أسس له سابقا ، ولتوجيه الطاقات باتجاه الأهداف الكبرى التي كان يسعى لها الأئمة ( عليهم السّلام ) من تأصيل الامتداد الشيعي في وسط الأمة ، وامتلاكه القدرة على مواجهة التحدّيات والوقوف أمام عمليات الإبادة التي بدأ الخلفاء بالتخطيط لها كلما شعروا بتوسيع دائرة أتباع الأئمة ( عليهم السّلام ) وقد لاحظنا هارون يصرّح بأنه لو أعطى الإمام عطاءه اللائق به لم يأمن أن يشهر الإمام ضدّه مائة ألف سيف لا زالة ملكه .
ونطالع نشاط الإمام ( عليه السّلام ) في عدة مجالات :
المجال السياسي :
قام الإمام موسى ( عليه السّلام ) بعدة خطوات تربوية مع شيعته في هذا المجال .
الخطوة الأولى : تأكيد الانتماء السياسي لخطّ أهل البيت :
إنّ خطّ أهل البيت ( عليهم السّلام ) ومنهجهم هو خط الرفض للظلم والظالمين ، ولقد تشدد ( عليه السّلام ) على محبيه وشيعته وحرّم عليهم الانفتاح أو التعاون مع السلطات العباسية الظالمة ، وأخذ يعمّق في نفوسهم النزاهة والدقة في رفض الظلم ، ليمتلكوا وعيا سياسيا يحصّنهم من الانجراف مع التيار الحاكم أو الاستجابة لمخططات الاحتواء بشكل وآخر .
إنّ موقفه ( عليه السّلام ) مع صفوان الجمّال يكشف دقّة المنهج التربوي عند الإمام مع شيعته في هذه المرحلة وتصعيد الإمام ( عليه السّلام ) لمستوى المواجهة مع الجهاز الحاكم من جهة وحرصه على تفتيت دعائم الحكم القائم حيث أخذ الرشيد يحصي على أهل البيت ( عليهم السّلام ) وشيعتهم أنفاسهم ويخطط لابادتهم .
دخل صفوان بن مهران الأسدي على الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) فقال له :
« يا صفوان ، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا » . قال : جعلت فداك ، أي شيء هو ؟
قال ( عليه السّلام ) : اكراؤك جمالك من هذا الرجل ، يعني هارون الرشيد !
قال : واللّه ما أكريته أشرا ولا بطرا ، ولا للصيد ، ولا للهو ، ولكن لهذا الطريق - يعني طريق مكة - ولا أتولّاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني .
قال ( عليه السّلام ) : يا صفوان أيقع كراك عليهم ؟ قال : نعم جعلت فداك .
قال ( عليه السّلام ) : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك ؟ قال : نعم .
قال ( عليه السّلام ) : من أحب بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم فهو وارد للنار .
وقام صفوان في الوقت فباع جماله وأعرض عن مهنته فبلغ ذلك هارون فأرسل خلفه ، فلما مثل عنده قال له - وهو يتميّز من الغيظ - : يا صفوان ! بلغني أنك بعت جمالك ، قال : نعم قال : ولم ؟ قال : أنا شيخ كبير ، وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال .
قال : هيهات هيهات ! ! اني لاعلم من أشار عليك بهذا ، أشار عليك موسى بن جعفر .
قال : ما لي ولموسى بن جعفر . قال : دع عنك هذا ، فو اللّه لولا حسن صحبتك لقتلتك »[1].
الخطوة الثانية : التأكيد على مبدأ التقية :
ومن الخطوات التي خطاها الإمام موسى ( عليه السّلام ) مع شيعته هو التشديد على أهمية الالتزام بالتقية كقيمة تحصينية ، تحافظ على الوجود الشيعي وتقيه من الضربات الخارجية .
روى معمّر بن خلاد قال : سألت أبا الحسن موسى ( عليه السّلام ) عن القيام للولاة ، فقال ( عليه السّلام ) : قال أبو جعفر ( عليه السّلام ) : « التقية ديني ودين آبائي ، ولا ايمان لمن لا تقية له »[2].
وحدّث درست بن أبي منصور ، قال : كنت عند أبي الحسن موسى ( عليه السّلام ) وعنده الكميت بن زيد ، فقال له الإمام ( عليه السّلام ) : « أنت الذي تقول :
فالآن صرت إلى أمية * والأمور إلى مصائر
فقال الكميت : قد قلت ذلك ، واللّه ما رجعت عن ايماني ، واني لكم لموال ولعدوكم لقال ، ولكن قد قلته على التقية فقال ( عليه السّلام ) : « انّ التقية لتجوز على شرب الخمر »[3].
الخطوة الثالثة : النفوذ في الجهاز الحاكم
ونشط الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) عن طريق أصحابه ، بالنفوذ والاندساس في مواقع السلطة ، فقد تصدّر أصحاب الإمام ( عليه السّلام ) مواقع سياسية مهمّة في الحكومة العبّاسية ، وكان الإمام ( عليه السّلام ) يثني ويثمن عمل هؤلاء ، لكن كان يشترط التعاون وقضاء حوائج المؤمنين والّا فإنه ينتفي غرض المهمة .
وإليك قائمة بأسماء أصحاب الإمام ( عليه السّلام ) الذين شغلوا مواقع مهمّة في السلطة العبّاسية ، وكانوا من أعاظم العلماء وأجلّائهم منهم :
1 - علي بن يقطين : نشأ يقطين بالكوفة وكان يبيع الابزار وكان يقول بالإمامة ، وقد اتّصل بأبي العباس السفاح والمنصور والمهدي ، ولمّا انتقل يقطين إلى دار الحق قام ولده علي مقامه فاتّصل اتصالا وثيقا بالعبّاسيين ، وتولّى المناصب المهمّة في الدولة وكان عونا للمؤمنين ، وقام بتزويج عدد منهم وكان يعيل قسما كبيرا منهم .
فقد حدّث سليمان كاتبه فقال : أحصيت لعلي من يحجّ عنه في عام واحد مائة وخمسين رجلا أقلّ من أعطاه منهم سبعمائة درهم وأكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم وزوّج ثلاثة أو أربعة من أولاد الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) وانفق أموالا ضخمة في وجوه البرّ والإحسان . وتقلّد أعلى منصب في أيام المهدي ومن بعده عيّنه هارون وزيرا له[4] وكان على اتّصال سرّي ودائم مع الإمام ( عليه السّلام ) .
2 - حفص بن غياث الكوفي ، ولي القضاء ببغداد الشرقية من قبل هارون ثم تولّى قضاء الكوفة وتوفي سنة ( 194 ه )[5] « 2 » .
3 - عبد اللّه بن سنان بن طريف ، كان خازنا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد[6].
4 - الفضل بن سليمان الكاتب البغدادي ، كان يكتب للمنصور والمهدي[7].
5 - محمد بن إسماعيل بن بزيع من صلحاء الطائفة ومن عيونها وأحد رواة حديث الإمام موسى ( عليه السّلام ) كان ، مولى للمنصور وأحد وزراء الدولة العبّاسية[8].
6 - الحسن بن راشد مولى بني العبّاس : كان وزيرا للمهدي وموسى الهادي وهارون الرشيد[9].
لقد كان هؤلاء بعض أصحاب الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) ورواة حديثه .
ومن هنا نستطيع أن نقدّر مدى حنكة الإمام ( عليه السّلام ) وتخطيطه للمحافظة على المواقع المهمة لأبناء الجماعة الصالحة في جهاز السلطة من اقرار فضلاء صحابته على قبولهم ولاية الحاكم الجائر فإنّهم أعلم بهذا الخط وشؤونه من عامة المؤمنين .
المجال التربوي :
إنّ وصايا الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) وتوجيهاته لشيعته تلاحظ حاجة الواقع الموجود لاكمال بناء هذه الجماعة الصالحة باتّجاه الأهداف النهائية التي رسمها أهل البيت ( عليهم السّلام ) لها .
ومن هنا نجد الإمام ( عليه السّلام ) يتابع شيعته ويشرف على تكامل بناء هذه الجماعة وأفرادها فيقوم بتطبيق ما يدعو اليه عمليا لتشكل خطواته نموذجا ومنارا يهتدي به أبناء مدرسته . ولهذا المجال يمكن أن نستشهد بعدّة أمثلة :
المثال الأول : « موقفه ( عليه السّلام ) من علي بن يقطين عندما أراد أحد المؤمنين أن يدخل على علي بن يقطين ولم يأذن له لنلاحظ تعبير الإمام ( بأخيك ) ليؤكد أن وجودك يا علي في هذا المنصب هو لخدمة هؤلاء لا لشيء ومن هنا أذن له الإمام بالبقاء بل أمره بالبقاء عندما أراد أن يعتزل من هذا الموقع .
عن محمد بن علي الصوفي قال : استأذن إبراهيم الجمّال - رضي اللّه عنه - على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه .
فحجّ علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى ابن جعفر ( عليه السّلام ) فحجبه .
فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : يا سيدي ما ذنبي ؟ فقال ( عليه السّلام ) :
حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال وقد أبى اللّه أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمّال .
فقلت : سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة ؟
فقال ( عليه السّلام ) : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيبا هناك مسرّجا .
قال : فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة .
فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين
فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ؟ !
فقال علي بن يقطين : يا هذا إنّ أمري عظيم وآلى عليه أن يأذن له ، فلمّا دخل قال : يا إبراهيم إنّ المولى ( عليه السّلام ) أبى أن يقبلني أو تغفر لي ، فقال :
يغفر اللّه لك .
فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع إبراهيم من ذلك فآلى عليه ثانيا ففعل .
فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول : اللّهم اشهد ، ثم انصرف وركب النجيب ، وأناخه في ليلته بباب المولى موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله »[10].
المثال الثاني : حرص الإمام موسى ( عليه السّلام ) على قضاء حوائج المؤمنين واهتم بها وهو في أحلك الظروف وأشدّها قساوة ، فقد حثّ الشيعة على التمسك بهذا المبدأ الأخلاقي ، بل أمر بعض الخواص بالبقاء في جهاز السلطة الظالمة لأجل قضاء حوائج المؤمنين .
من هنا ندرك مستوى اهتمامه ومدى سعيه لتحقيق هذا المبدأ في فكر وسلوك أبناء الجماعة الصالحة .
عن محمد بن سالم قال : « لمّا حمل سيدي موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي ، فقال له : يا سيدي قد كتب لي صك إلى الفضل بن يونس تسأله أن يروح أمري .
قال : فركب إليه أبو الحسن ( عليه السّلام ) فدخل عليه حاجبه فقال : يا سيدي ! أبو الحسن موسى بالباب فقال : فإن كنت صادقا فأنت حرّ ولك كذا وكذا !
فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتى خرج إليه : فوقع على قدميه يقبّلهما ثم سأله أن يدخل ، فدخل فقال له : اقض حاجة هشام بن إبراهيم » ، فقضاها[11].
المثال الثالث : تسديد الإمام ( عليه السّلام ) لمهمة علي بن يقطين ودعمه له :
روي عن علي بن يقطين : « أنه كتب إلى موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) : اختلف في المسح على الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت .
فكتب أبو الحسن ( عليه السّلام ) : الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا ، وتغسل وجهك ثلاثا ، وتخلّل شعر لحيتك ثلاثا ، وتغسل يديك ثلاثا ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنها وتغسل رجليك ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره ، فامتثل أمره وعمل عليه .
فقال الرشيد : أحبّ أن أستبرئ أمر علي بن يقطين ، فإنهم يقولون إنه رافضي ، والرافضة يخففون في الوضوء . فناطه بشيء من الشغل في الدار ، حتى دخل وقت الصلاة ، ووقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، وقد بعث اليه بالماء للوضوء فتوضّأ كما أمره موسى ( عليه السّلام ) .
فقام الرشيد وقال : كذب من زعم أنك رافضي .
فورد على علي بن يقطين كتاب موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) توضأ من الآن كما أمر اللّه : اغسل وجهك مرّة فريضة ، والآخرى اسباغا ، فاغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدّم رأسك ، وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما يخاف عليك »[12].
وعن ابن سنان « أنّ الرشيد حمل في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب .
فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى ابن جعفر ( عليه السّلام ) وانفذ في جملتها تلك الدراعة ، وأضاف إليها مالا كان أعدّه له على رسم له فيما يحمله اليه من خمس ماله .
فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن قبل المال والثياب ، وردّ الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين وكتب اليه : ان احتفظ بها ، ولا تخرجها عن يدك ، فسيكون لك بها شأن ، تحتاج إليها معه ، فارتاب علي بن يقطين بردّها عليه ، ولم يدر ما سبب ذلك ، فاحتفظ بالدراعة .
فلمّا كان بعد أيّام تغيّر علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته ، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن ( عليه السّلام ) ويقف على ما يحمله اليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك .
فسعى به إلى الرشيد فقال : انه يقول بإمامة موسى بن جعفر ، ويحمل خمس ماله في كل سنة وقد حمل اليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا .
فاستشاط الرشيد لذلك ، وغضب غضبا شديدا ، وقال لاكشفنّ عن هذه الحال فإن كان الأمر كما يقول أزهقت نفسه .
وأنفذ في الوقت باحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه ، قال له : ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها ؟
قال : هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم ، فيه طيب ، وقد احتفظت بها ، وقلّما أصبحت الّا وفتحت السفط ، فنظرت إليها تبركا بها ، وقبّلتها ورددتها إلى موضعها وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك .
فقال : أحضرها الساعة قال : نعم يا أمير المؤمنين ، واستدعى بعض خدمه ، وقال له : إمض إلى البيت الفلاني من الدار ، فخذ مفتاحه من خزانتي فافتحه وافتح الصندوق الفلاني ، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه .
فلم يلبث الغلام أن جاءه بالسفط مختوما فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه .
فلمّا فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها ، مطوية مدفونة في الطيب .
فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين : ارددها إلى مكانها فلن أصدق عليك بعدها ساعيا .
وأمر أن يتبع بجائزة سنية ، وتقدم بضرب الساعي ألف سوط ، فضرب نحوا من خمسمائة فمات في ذلك »[13].
المجال العلمي والفكري :
لقد كان عهد الصادقين ( عليهما السّلام ) عهد الانفراج النسبي لمدرسة أهل البيت ( عليهم السّلام ) حيث استطاعت أن تنشر علوم أهل البيت ( عليهم السّلام ) وتخرّج الأساتذة والعلماء المسؤولين والامناء على حفظ تراث هذا الخطّ الرسالي بين أبناء الأمة الإسلامية .
ومن هنا فقد تكاملت لابناء هذه المدرسة في عهدهما الأسس المتينة التي أرساها الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه واله ) والإمام علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) من بعده في المنهج والمحتوى والأسلوب .
وكان عصر الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) الذي استمر ثلاثة عقود أو ما يزيد عليها قليلا - استمرارا للمسيرة العلمية والثقافية التي حقّقها الصادقان ( عليهما السّلام ) حتى تخرج في عهده ( عليه السّلام ) عدد مهم من الفقهاء الرواة الذين أصبحوا بمستوى العطاء الذي قدمه الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) للأمة الإسلامية في حقلي النظرية والتطبيق معا - كما سيتضح ذلك فيما سوف نراه من تبلور كثير من القواعد الأصولية والفقهية في مجال الاجتهاد الفقهي في هذه المدرسة العملاقة .
ثمّ إنّ انتشار التشيع واتّساع حجم الولاء والانتماء لخط أهل البيت ( عليهم السّلام ) بالمعنى الخاص الذي يتميّز عن الخط العباسي بعد جهود الصادقين ( عليهما السّلام ) كان من نصيب عهد الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) .
واتساع القاعدة كان يتطلب توسّع نشاط القيادة في رعاية شؤون الاتباع وصيانة الجماعة الصالحة من أنواع المزالق والانحرافات والعقبات .
على أن كثرة السؤال عن قضايا الشريعة أصولا وفروعا لاتساع دائرة الانتماء ولتطور الزمن مع استعداد مدرسة أهل البيت ( عليهم السّلام ) للاستجابة للمستجدات ، كل هذا تطلب نشاطا أكبر وأوسع من القيادة المتمثلة في الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) بالرغم من حراجة الظرف بعد استشهاد الإمام الصادق ( عليه السّلام ) وعدم التوجيه العام حول إمامة موسى الكاظم ( عليه السّلام ) لكل أبناء الطائفة . . .
من هنا كان الإمام ( عليه السّلام ) بحاجة إلى توظيف عدد من أصحابه الاخصّاء به لادراة شؤون الجماعة الصالحة بتقبّل الوكالة عن الإمام والتحرك لجمع الأموال والحقوق التي رسم لها أهل البيت نظاما ومنهجا خاصا يكفل للجماعة الصالحة استمرار وجودها وتطورها واستحكام أسسها بنحو يجعلها قادرة على مواجهة التحديات المستمرة .
وهذا هو الذي كان يخشاه الخلفاء ، كل بمقدار نباهته وغوره إلى عمق هذا الخط . . حتى أثار هذا النشاط الواسع والخط التثقيفي المعمق حفيظة هارون الرشيد تجاه شخص الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) حيث كان يراه الندّ الحقيقي الذي يهدد سلطانه .
وكان هارون جرئيا في الاقدام على سجن الإمام وعزله عن قواعده .
ولكنّ أصحاب الإمام ( عليه السّلام ) كانوا على اتصال مستمر به وهو في قيد السجن .
وكان هذا التخطيط يعدّ تطورا واضحا في التعامل مع الأحداث واستغلالا للظروف الحرجة أحسن استغلال لا كمال المسيرة الربّانية إلى حيث الأهداف المبتغاة منها .
وقد تمثل العطاء العلمي والفكري للإمام الكاظم ( عليه السّلام ) في مجالات :
1 - الرواية
2 - التدريس
3 - المناظرة
4 - التأليف
كما تنوّعت مجالات الرواية والتأليف والمناظرة والتدريس إلى الحقول العلمية المختلفة ، كما يشهد لذلك تنوّع التراث الذي وصلنا عن الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) ، ونستطيع أن نلمس ذلك بكل وضوح من خلال مطالعة مسنده الذي يبلغ ثلاثة أجزاء فيما يقرب من ألف صفحة تقريبا .
وقد اشتمل على أنواع المعرفة العقائدية والتأريخية والتربوية والأخلاقية والأحكام الشرعية والأدعية والزيارات وما يرتبط بمجال توثيق الرجال وسائر ما يرتبط ببيان عصر الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) واحتجاجاته مع الحكام والمخالفين أو ما يرتبط بمدرسته العلمية المتمثّلة في المتخرجين من طلابه والنابهين من صحابته .
وقد بلغت بعض تأليفات أصحاب الإمام حجما هائلا مثل ما ألّفه هشام ابن الحكم وصفوان بن يحيى بيّاع السابري والحسن بن محمد بن سماعة الكندي حيث بلغت الكتب المؤلفة لكل منهم ثلاثين مؤلفا .
كما ألّف علي بن الحسن الطاطري أربعة عشر كتابا والحسن بن محبوب السراد ستة كتب وعبد اللّه بن جبلة سبعة كتب وعلي بن يقطين ثلاثة كتب . وهذا هو بعض النشاط العلمي لصحابة الإمام ( عليه السّلام )[14].
منهج الاستنباط والتفقه في الدين :
ونلتقي في تراث الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) بنصوص ترتبط بحرمة القول بغير علم وحجية الظواهر وحجية خبر الواحد ونصوص ترتبط بعلاج حالات التعارض بين الأحاديث ونصوص ترتبط بالمنع من القياس ونصوص ترتبط بأصالة البراءة ووجوب الموافقة القطعية في أطراف العلم الاجمالي والاستصحاب وعدم جواز الرجوع إلى الأصل قبل الفحص عن الدليل . . وهذه النصوص تشير إلى أن الإمام ( عليه السّلام ) كان بصدد ارساء قواعد ومنهج الاستنباط والتفقه في دين اللّه .
وإذا لاحظنا النصوص التي تقدّم لنا مجموعة مهمة من القواعد الفقهية إلى جانب غيرها من النصوص التي تتضمّن الأحكام الفقهية التي اثرت عنه ( عليه السّلام ) فإننا نستيقن بأن الإمام ( عليه السّلام ) كان يخطط لتكامل المدرسة الفقهية الاجتهادية ويربّي العلماء على منهجها بحيث يضمن للرسالة خلودها ولخط أهل البيت ( عليهم السّلام ) الدوام والحضور الفاعل في ميادين الحياة رغم كل التحديات[15].
[1] رجال النجاشي : 198 برقم 525 ، وكان من موالي بني أسد بالكوفة . والخبر من اختيار معرفة الرجال : 440 ح 828 .
[2] الوسائل : 16 / 204 رقم ح 21359 باب 24 كتاب الأمر والنهي .
[3] اختيار معرفة الرجال : 1 / 465 ، ح 364 .
[4] اختيار معرفة الرجال : 430 ح 805 و 433 ح 815 و 434 ، ح 819 و 820 و 437 ، ح 824 ، والفهرست لابن النديم : 328 .
[5] رجال النجاشي : 134 برقم 346 وفي الكشي : 390 ح 732 قال : هو عامّي وفي تنقيح المقال : 1 / 355 .
[6] اختيار معرفة الرجال : 411 ح 771 وفي النجاشي : 214 برقم 558 من موالي بني العباس ، وجامع الرواة : 1 / 487 .
[7] النجاشي : 306 رقم 837 .
[8] اختيار معرفة الرجال : 564 ح 1065 وفي رجال النجاشي : 330 برقم 893 .
[9] انظر ترجمته في فهرست أعلام الكشي : 26 في أخبار عديدة . وفي النجاشي : 38 برقم 76 وفي منهج المقال : 98 .
[10] بحار الأنوار : 48 / 85 ، ح 105 عن عيون المعجزات : 90 .
[11] اختيار معرفة الرجال : 500 ح 957 وكان الفضل من الشيعة فطلبتهم السلطة فاختفى وكتب كتابا على مذهب الرواندية العبّاسية باثبات الإمامة للعباس فدسّه إلى السلطان فآمنه واستعمله . بحار الأنوار :48 / 109 .
[12] الإرشاد : 2 / 227 - 229 وعنه في إعلام الورى : 2 / 21 ، 22 وكشف الغمة : 3 / 15 - 17 وفي الخرائج والجرائح : 1 / 335 ح 26 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 136 ح 11 .
[13] الإرشاد : 2 / 225 - 227 وعنه في إعلام الورى : 2 / 19 - 20 وكشف الغمة : 3 / 14 - 15 وفي الخرائج والجرائح : 1 / 334 ح 25 . عن الإرشاد في بحار الأنوار : 48 / 138 ، ح 12 .
[14] راجع الفهرست للشيخ الطوسي : 96 ، 103 ، 146 ، 155 ، 156 ، 258 .
[15] راجع : لمحات على القواعد الفقهية في الأحاديث الكاظمية في مجموعة الآثار للمؤتمر العالمي الثالث للإمام الرضا ( عليه السّلام ) ومسند الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) .