الثقوب السوداء والجسيمات الأولية
المؤلف:
برايان غرين
المصدر:
الكون الأنيق
الجزء والصفحة:
ص351
2025-06-21
366
من الصعب لأول وهلة أن نتخيل شيئين يختلفان أحدهما عن الآخر بشكل حاد أكثر من اختلاف الثقوب السوداء والجسيمات الأولية. وعادةً ما نتصور الثقوب السوداء على أنها أعظم الأجرام السماوية ضخامة، بينما الجسيمات الأولية أكثر مكونات المادة ضآلة. غير أن أبحاث عدد من الفيزيائيين في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين قد بينت أن الثقوب السوداء والجسيمات الأولية قد لا تكون مختلفة بهذا الشكل بعضها عن بعض كما نتصور. كان من هؤلاء الفيزيائيين دیمتریوس کریستودولو وويرنر إسرائيل، وريتشارد برایس وبراندون کارتر وروي ،كير ودافيد ،روبنسون ،وهوكنغ وبنروز . وجد هؤلاء الفيزيائيون أدلة مقنعة بشكل متزايد لما أوجزه جون ويلر في العبارة: "ليس للثقوب السوداء شعر " . كان ويللر يعني بهذه العبارة أن كل الثقوب السوداء متشابهة ما عدا في بعض الصفات المميزة. فما هي تلك الصفات المميزة؟ ومن الطبيعي أن تكون كتلة الثقب الأسود هي إحدى تلك الصفات، فما الصفات الأخرى؟ كشفت الأبحاث أنها الشحنات الكهربية وشحنات بعض القوى الأخرى التي قد يحملها الثقب الأسود، وكذلك معدل الحركة المغزلية فيه. هذا هو الوضع، فأي ثقبين أسودين لهما نفس الكتلة ونفس شحنات القوى ونفس الحركة المغزلية سيكونان تامي التناظر وليس للثقوب السوداء "تسريحة شعر جميلة - أي ليس لها مميزات ذاتية - التي تميز بعضها عن البعض الآخر، ولا بد من أن ينبهنا هذا إلى شيء هام ولنسترجع أن هذه الصفات بالضبط - الكتلة وشحنات القوى والحركة المغزلية - هي التي تميز الجسيمات الأولية بعضها عن بعض. وقد أدى هذا التشابه في المميزات المحددة ببعض الفيزيائيين على مر السنين للاعتقاد الغريب بأن الثقوب السوداء قد تكون بالفعل جسيمات أولية عملاقة. وفي الحقيقة، ووفقاً لنظرية آينشتاين، لا يوجد حد أدنى لكتلة الثقب الأسود. فإذا سحقنا وضغطنا قطعة من المادة لها أي كتلة إلى حجم صغير بما فيه الكفاية، فإن التطبيق المباشر للنسبية العامة يبين أنها ستصبح ثقباً أسود. (وكلما قلت الكتلة اضطررنا لضغطها إلى حجم أصغر). وهكذا يمكن أن نتخيل تجربة ذهنية نبدأ فيها بكتل من المادة متناهية الصغر وسحقناها لتصبح ثقوباً سوداء في غاية الضالة، ثم قارنا خواص هذه الثقوب السوداء بخواص الجسيمات الأولية. وتقودنا مقولة ويلر عن عدم وجود الشعر لاستنتاج أن الثقوب السوداء ذات الكتلة متناهية الصغر، والتي تكونت بهذه الطريقة، ستبدو مشابهة جداً للجسيمات الأولية، وسيشبه الجميع كتلاً ضئيلة للغاية تتميز كلية بكتلتها وشحنات قواها وحركتها المغزلية. لكن هنا مطب، فالثقوب السوداء المرصودة فلكياً ذات الكتل الأكبر كثيراً من الشمس هي من الضخامة والثقل بحيث تصبح ميكانيكا الكم غير مناسبة، وما نحتاجه هو استخدام معادلات النسبية العامة لفهم خواصها. (ونحن هنا نناقش البنية العامة للثقب الأسود وليس نقطة الانهيار المركزية المفردة داخل الثقب الأسود، والذي يتطلب حجمه الضئيل وضعاً كمياً بكل تأكيد). وفي محاولاتنا للحصول على ثقوب سوداء أصغر فأصغر فإننا سنصل إلى نقطة عندما تكون تلك الثقوب صغيرة وخفيفة لدرجة أن ميكانيكا الكم يمكن تطبيقها. ويحدث ذلك عندما تصل الكتلة الكلية للثقب الأسود إلى كتلة بلانك تقريباً أو أقل من ذلك. من وجهة نظر فيزياء الجسيمات الأولية تعتبر كتلة بلانك هائلة مئات بضع مليارات المليارات أكبر من كتلة البروتون. أما من وجهة نظر الثقوب السوداء فإن كتلة بلانك، والتي تساوي متوسط كتلة حبة واحدة من الرمل، ضئيلة جداً). وهكذا، فإن الفيزيائيين الذين تصوروا أن الثقوب السوداء الضئيلة والجسيمات الأولية قد تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعضها ببعض قد اصطدموا مباشرة بعدم التوافق بين النسبية العامة - اللب النظري للثقوب السوداء – وميكانيكا الكم. وفي الماضي، أربك عدم التوافق هذا كل التقدم في ذلك الاتجاه المثير.
الاكثر قراءة في ميكانيكا الكم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة