أوّل مَن صنّف في الصحيح
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 130 ـ 131
2025-05-14
535
أوّل مَن صَنَّف الصَّحيح الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجُعفيُّ البُخاريُّ، وبعده أبو الحسين مسلم بن الحجَّاج الإمامُ القُشَيرِيُّ النَّيْسَابوريُّ.
ومسلم مع أنَّهُ أخذ عن البخاري، واستفاد منه، شاركه في أكثر شيوخه، وكتابهما أصحُّ كتب بعد كتابِ الله تعالى باتّفاق العلماء.
وأمّا قول الشافعي الإمام: "ما أعلم في الأرض كتابًا في العلم أكثر صوابًا من كتاب مالك"؛ فإنّما قاله قبل وجود كتابَي البخاري ومسلم (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اعترض عليه الشيخ علاء الدين مُغُلْطاي في كتابه "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق 6/ ب - 1/ 7 - النسخة الأزهرية) بأنّ مالكًا أوّل مَن صنّف في الصحيح وتلاه أحمد بن حنبل وتلاه الدارمي قال: "وليس لقائل أن يقول: لعلّه أراد الصحيح المجرّد؛ لأنّ كتاب مالك فيه البلاغ والمقطوع والمنقطع والفقه وغير ذلك، لوجود مثل ذلك في كتاب البخاري" انتهى، ونقله ابن حجر في "نُكته على ابن الصلاح" (1/ 276 - 279) وأورد رد العراقي في "التقييد والإيضاح" (ص 25)، وقال: "وقد أجاب شيخنا عمّا يتعلق بالموطأ بما نصّه: "أنّ مالكًا لم يفرد الصحيح بل أدخل في كتابه المرسل والمنقطع… " إلى آخر كلامه، ثم علّق ابن حجر قائلًا: "وكأنّ شيخنا لم يستوفِ النظر في كلام مُغُلْطاي". وإلا فظاهر قوله مقبول بالنسبة إلى ما ذكره في البخاري من الأحاديث المعلّقة وبعضها ليس على شرطه بل وفي بعضها ما لا يصحّ كما سيأتي التنبيه عليه عند ذكر تقسيم التعليق، فقد مزج الصحيح بما ليس منه كما فعل مالك. وكأن مُغُلْطاي خشي أن يجاب عن اعتراضه بما أجاب به شيخنا من التفرقة فبادر إلى الجواب عنه، لكن الصواب في الجواب عن هذه المسألة أن يقال: ما الذي أراده المؤلف بقوله: أول من صنّف الصحيح. هل أراد الصحيح من حيث هو؟ أو أراد الصحيح المعهود الذي فرغ من تعريفه؟ الظاهر أنّه لم يرد إلا المعهود، وحينئذٍ فلا يرد عليه ما ذكره في "الموطأ" وغيره؛ لأنّ "الموطأ" وإن كان عند مَن يرى الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وأقوال الصحابة صحيحًا؛ فليس ذلك على شرط الصحّة المعتبرة عند أهل الحديث، والفرق بين ما فيه من المقطوع والمنقطع وبين ما في البخاري من ذلك واضح؛ لأنَّ الذي في "الموطأ" من ذلك، هو مسموع لمالك كذلك في الغالب، وهو حجّة عنده وعند من تبعه. والذي في البخاري من ذلك قد حذف البخاري أسانيدها عمدًا، ليخرجها عن موضوع الكتاب، وإنّما يسوقها في تراجم الأبواب تنبيهًا واستشهادًا واستئناسًا وتفسيرًا لبعض الآيات. وكأنَّهُ أراد أن يكون كتابه جامعًا لأبواب الفقه وغير ذلك من المعاني التي قصد جمعه فيها، وقد بيّنت في كتاب "تغليق التعليق" كثيرًا من الأحاديث التي يعلّقها البخاريّ في الصحيح فيحذف إسنادها أو بعضها، وتوجد موصولة عنده في موضع آخر من تصانيفه التي هي خارج الصحيح. والحاصل من هذا: أنّ أوّل من صنّف في الصحيح يصدق على مالك باعتبار انتفائه وانتقاده للرجال، فكتابه أصحّ من الكتب المصنّفة في هذا الفنّ من أهل عصره وما قاربه، كمصنّفات سعيد بن أبي عروبة، وحمّاد بن سلمة، والثوريّ، وابن إسحاق، ومعمر، وابن جريج، وابن المبارك، وعبد الرزّاق، وغيرهم، ولهذا قال الشافعي: "ما بعد كتاب الله (عزّ وجلّ) أصحّ من كتاب مالك". فكتابه صحيح عنده وعند من تبعه ممّن يحتجّ بالمرسل والموقوف. وأمّا أوّل من صنّف الصحيح المعتبر عند أئمّة الحديث الموصوف بالاتّصال وغير ذلك من الأوصاف؛ فأوّل مَن جمعه البخاريُّ ثم مسلمٌ، كما جزم به ابن الصّلاح".
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند أهل السنّة والجماعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة