الطواف
المؤلف:
السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي
المصدر:
غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع (الغُنية)
الجزء والصفحة:
ص 170-176
2025-05-07
447
الطواف على ضربين : مفروض ومسنون ، فالمفروض ثلاثة : طواف المتعة ، وطواف الزيارة ، وهو طواف الحج ، وطواف النساء.
والمسنون : ما عدا ما ذكرناه مما يتطوع به المكلف ، وقد روي أنه يستحب أن يطوف مدة مقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا ، أو ثلاثمائة وأربعة وستين شوطا (1)، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) كان يطوف في كل يوم وليلة عشرة أسابيع.
أما طواف المتعة فوقته للمختار من حين يدخل المتمتع مكة إلى أن تغيب الشمس من يوم التروية ، وللمضطر إلى أن يبقى من غروب الشمس ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها ، فمن فاته مختارا بطل حجه متمتعا ، وكان عليه قضاؤه من قابل إن كان فرضا ، وصار ما هو فيه حجة مفردة ، ولم يجز عنه طواف الحج ، بدليل إجماع الطائفة ، وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه ، لأنه لا خلاف في براءة ذمة من طاف طواف المتعة ، وليس على قول من يقول : يجزي عن ذلك طواف الحج دليل ، وأيضا قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (3) فأمر تعالى بإتمامهما جميعا ، ولكل واحد منهما أفعال مخصوصة ، فوجب بالظاهر تكميلها.
ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله عليه السلام : من جمع الحج إلى العمرة ، فعليه طوافان (4) ، وبما روي عن علي عليه السلام أنه طاف طوافين ، وسعى سعيين ، لحجته وعمرته ، وقال : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطاف طوافين وسعى سعيين لحجته وعمرته (5) ومن فاته طواف المتعة مضطرا قضاه بعد فراغه من مناسك الحج ، ولا شيء عليه ، بدليل نفي الحرج في الدين.
وأما طواف الزيارة فركن من أركان الحج ، من تركه متعمدا فلا حج له بلا خلاف ، ومن تركه ناسيا قضاه وقت ذكره ، فإن لم يذكره حتى عاد إلى بلده ، لزمه قضاؤه من قابل بنفسه ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، فإن لم يستطع استناب من يطوفه ، بدليل الإجماع المشار إليه وقوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (6).
ووقته للمتمتع من حيث يحلق رأسه من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق ، إلا أن يكون هناك ضرورة ، من كبر أو مرض أو خوف حيض أو عذر ، فيجوز تقديمه على ذلك ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة ، وأول وقته للقارن والمفرد من حين دخولهما مكة ، وإن كان ذلك قبل الموقفين ، بدليل ما قدمناه.
وأما طواف النساء فوقته من حين الفراغ من سعي الحج إلى آخر أيام التشريق ، فمن تركه متعمدا أو ناسيا حتى عاد إلى أهله لم يفسد حجه ، لكنه لا يحل له النساء حتى يطوف ، أو يطاف عنه ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، وأيضا فلا خلاف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل هذا الطواف ، والمخالف يسميه طواف الصدر ، وقد قال عليه السلام : خذوا عني مناسككم (7) ، وقد روي من طرقهم أيضا عليه السلام قال : من حج هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف (8) ، وظاهر الأمر الوجوب.
والواجب في الطواف النية ، ومقارنتها ، واستمرار حكمها ، والطهارة من الحدث والنجس ، وستر العورة ، والبداءة بالحجر الأسود ، والختام به ، وأن يكون سبعة أشواط ، وأن يكون البيت عن يسار الطائف ، وأن يكون خارج الحجر ، وأن يكون بين البيت والمقام ، فمن ترك شيئا من ذلك لم يجزه الطواف ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وطريقة الاحتياط ، واليقين لبراءة الذمة ، لأنه لا خلاف في براءة الذمة منه إذا فعل على الوجه الذي ذكرناه ، وليس على براءتها منه إذا فعل على خلافه دليل.
والمستحب استلام الحجر الأسود ، والدعاء إذا أراد الطواف ، كما قدمناه وأن يقول إذا وصل في الطواف إلى باب الكعبة:
سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة ، اللهم صل على محمد وآله وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع علي من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم.
وأن يقول إذا حاذى المقام مشيرا إليه.
السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك المطهرين من الأنام ، السلام على إبراهيم الخليل ، الداعي إلى البيت الحرام ، مسمع من في الأصلاب والأرحام ، السلام على أنبياء الله وملائكته الكرام.
وأن يستلم الركن الشامي إذا وصل إليه ويقول ـ وهو مستقبل له ـ:
السلام عليك يا رسول الله السلام عليك غير مقلو ولا مهجور ، اللهم صل على محمد وآله وافتح علي أبواب رحمتك.
وأن يقول إذا استقبل الميزاب:
اللهم أعتقني من النار وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم والجن والإنس وأدخلني الجنة برحمتك.
وأن يستلم الركن الغربي مستقبلا له ويقول:
اللهم رب إبراهيم وإسماعيل اللذين أمرتهما أن يرفعا أركان بيتك ويطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود وهما يسألانك أن تتقبل منهما فتقبل مني إنك أنت السميع العليم وتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
وأن يقول بين الركن الغربي واليماني:
اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني واعف عني وارزقني واحفظني ووفقني.
وأن يقول إذا وصل إلى المستجار ، وهو دون الركن اليماني بقليل:
اللهم هذا مقام من أساء واقترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي اجترم ، مقام المستغيث المستجير بك من النار ، مقام من لا يدفع عن نفسه ضرا ولا يجر إليها نفعا ، مقام من لاذ ببيتك الحرام راغبا راهبا واستعاذ بك من عذاب يوم لا ينفع فيه شفاعة الشافعين إلا من أذنت له يا رب العالمين.
وأن يستلم الركن اليماني ويعانقه ويقول:
يا سيدي إلى من يطلب العبد إلا إلى مولاه ، ولمن يرجو العبد إلا سيده أسألك أن تصلي على محمد وآله الطاهرين ، وأن تقبل مناسكي وتنجح حوائجي ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، آمنت بما جاء به ، واتبعت النور الذي أنزل معه ، اللهم تب علي حتى أتوب ، واعصمني حتى لا أعود ، أتوب إلى الله ـ ثلاثا ـ اللهم إني تائب إليك مما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت وسهوت عنه وأحصيته علما ، نادم على ما مضى عازم على أن لا أعود إلى مثله أبدا ، فاقبل توبتي واعف عني واغفر لي ما بيني وبينك وتحمل عني جرائر خلقك بجودك وكرمك وسعة رحمتك يا أرحم الراحمين.
وأن يستلم الحجر الأسود ، ويقبله إذا عاد إليه ويقول:
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين وعجل فرجهم يا رب العالمين! وأهلك أعدائهم أجمعين ، اللهم تب علي توبة نصوحا واعصمني فيما بقي من عمري ، وارزقني من رزقك الحلال الطيب ، وأدخلني برحمتك الجنة ، وأعذني من النار بعفوك.
ويصنع مثل ذلك في كل شوط حتى يكمل سبعة ، ويستحب أن يقف على المستجار في الشوط السابع ، ويلصق بطنه وخده به ، ويبسط يديه على البيت ويقول:
اللهم رب البيت العتيق واللطف الرفيق صل على محمد وآله المنتجبين ، والطف لي في الدين والدنيا يا رب العالمين! اللهم هذا مقام العائذ بكرمك ، اللائذ ببيتك وحرمك ، رب إن البيت بيتك ، والعبد عبدك ، فاجعل قراي مغفرتك ، وهب لي ما بيني وبينك ، وارض عني خلقك.
ويتعلق بأستار الكعبة ويقول:
اللهم بك استجرت فأجرني ، وبك استغثت فأغثني! يا رسول الله يا أمير المؤمنين يا فاطمة بنت رسول الله يا حسن يا حسين ـ ويسمي الأئمة إلى آخرهم ـ بالله ربي أستغيث ، وبكم إليه تشفعت ، أنتم عمدتي ، وإياكم أقدم بين يدي حوائجي ، فكونوا شفعائي إلى الله في إجابة دعائي وتبليغي في الدين والدنيا مناي اللهم ارحم بهم عبرتي ، واغفر بشفاعتهم خطيئتي ، واقبل مناسكي ، واغفر لي ولوالدي ، واحفظني في نفسي وأهلي وجميع إخواني ، وأشركهم في صالح دعائي ، إنك على كل شيء قدير.
ويستحب أن يقول في الطواف:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء ، كما يمشى به على جدد الأرض ، وأسألك بكل اسم عظمته ، وكتاب أنزلته ، ورسول ارتضيته ، وإمام اجتبيته ومؤمن ارتضيته ، وعمل قبلته ، أن تقبل توبتي ، وتغفر خطيئتي ، وتجاوز عن زلتي ، وتشكر سعيي في مرضاتك ، وتضاعف ثوابي على طاعتك ، وتوسع علي من رزقك الحلال ، إنك على كل شيء قدير.
وأن يقرأ (إنا أنزلناه) ، ولا يجوز قطع الطواف إلا لصلاة فريضة ، أو لضرورة ، وإن قطعه للصلاة ، بنى على ما طاف ولو كان شوطا واحدا ، وإن قطعه لضرورة أو سهو بنى على ما طاف إن كان أكثر من النصف ، وإن كان أقل منه استأنفه ، ويستأنفه إن قطعه مختارا على كل حال ، ويستأنفه إن شك وهو طائف فلم يدر كم طاف ، ولا يحصل له شيء جملة ، أو شك بين ستة وسبعة ، بالإجماع المذكور وطريقة الاحتياط.
فإن شك بين سبعة وثمانية ، قطعه ولا شيء عليه ، وهذا حكمه لو ذكر وهو في بعض الثامن أنه طاف سبعة ، فإن ذكر بعد أن تممه أضاف إليه ستة أخرى ، وصار له طوافان ، ولزمه لكل طواف ركعتان ، وقد دللنا على وجوب هاتين الركعتين في كتاب الصلاة ، ولا يجوز له الطواف راكبا إلا لضرورة ، بدليل الإجماع وطريقة الاحتياط.
___________________
(1+2) الوسائل : 9 ، ب 6 و 7 من أبواب الطواف.
(3) البقرة : 196.
(4) لم نجد النص في المجامع الحديثية ومسانيد القوم نعم قريب منه ما نقله البيهقي في سننه : 5 ـ 108 ونقله الشيخ في الخلاف كتاب الحج ، المسألة 148 كما في المتن.
(5) لاحظ سنن الدار قطني 2 ـ 263 برقم 130 ـ 132 ، والبحر الزخار : 2 ـ 378.
(6) الحج : 78.
(7) سنن البيهقي : 5 ـ 125 كتاب الحج باب الإيضاع في وادي محسر ، والبحر الزخار : 2 ـ 338 و 346 ومسند أحمد بن حنبل : 3 ـ 318 وفيه : (خذوا مناسككم) وعوالي اللئالي : 1 ـ 215 و 4 ـ 36. ونقله الشيخ في الخلاف ، كتاب الحج ، المسألة 134.
(8) جامع الأصول : 4 ـ 42 طواف الوداع ، ومسند أحمد بن حنبل : 3 ـ 417.
الاكثر قراءة في الطواف والسعي والتقصير
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة