1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

القانون العام

القانون الدستوري و النظم السياسية

القانون الاداري و القضاء الاداري

القانون الاداري

القضاء الاداري

القانون المالي

المجموعة الجنائية

قانون العقوبات

قانون العقوبات العام

قانون العقوبات الخاص

قانون اصول المحاكمات الجزائية

الطب العدلي

التحقيق الجنائي

القانون الدولي العام و المنظمات الدولية

القانون الدولي العام

المنظمات الدولية

القانون الخاص

قانون التنفيذ

القانون المدني

قانون المرافعات و الاثبات

قانون المرافعات

قانون الاثبات

قانون العمل

القانون الدولي الخاص

قانون الاحوال الشخصية

المجموعة التجارية

القانون التجاري

الاوراق التجارية

قانون الشركات

علوم قانونية أخرى

علم الاجرام و العقاب

تاريخ القانون

المتون القانونية

القانون : القانون العام : القانون الاداري و القضاء الاداري : القضاء الاداري :

أثر الاقتناع الذاتي للقاضي الإداري على سير المرفق العام

المؤلف:  زينب سعيد جاسم

المصدر:  مبدأ الاقتناع الذاتي للقاضي الإداري

الجزء والصفحة:  ص 113-120

2025-04-28

55

قد يتبادر إلى ذهن القارئ للوهلة الأولى بعد الاتصال بين القناعة التي تتولد وتكتمل في ذهن القاضي الإداري وبين أهم الأهداف التي تسعى الإدارة الى تحقيقها وهي الدوام والانتظام في سير المرفق العام، وما لهذه القناعة من تأثير مباشر على ديمومة استمرار المرفق العام من خلال ما يصدره القاضي الإداري من قرارات تخص الموظف العام.
بادئ ذي بدأ نقول إن المرفق العام يمثل النشاط الممارس من قبل الدولة أو من خلال الأشخاص العامة الأخرى، سواء أكان هذا النشاط يتم بصوره مباشرة أم بواسطة الأفراد أم الأشخاص المعنوية الخاصة، ويتم ذلك تحت إشرافها وتوجيهها من أجل أن يتم إشباع الحاجات ذات النفع العام محققةً الصالح العام (1).
ومن أجل أن يستمر هذا المرفق في رفد الحاجات الضرورية كان لابد من وضع مبادئ عدة تعمل على تأمين هذه الحاجات، ومن هذه المبادئ وأهمها هو دوام سير المرفق العام بانتظام واطراد، إذ غالباً ما يعمل الأفراد على تنظيم شؤونهم وفقاً لما تقدمة المرافق العامة من خدمات، وعند انقطاع هذه المرافق عن تقديم تلك الخدمات يحصل الارتباك والاضطراب في حياة الناس، كما لو انقطع مرفق الماء أو الكهرباء عن تقديم هذه الخدمات (2).
وتترتب على أهمية هذا المبدأ ومدى ارتباطه بتلبية حاجة الجمهور نتائج عدة أهمها تحريم إضراب الموظف العام، لذا سوف نستعرض ما تضمنته تشريعات دول المقارنة من مواقف ازاء إضراب الموظفين العموميين، إلا أنه قبل ذلك وجب أن يتم تعريف إضراب الموظف العام، إذ يعرف بأنه حصول الاتفاق بين أشخاص عدة لغرض الامتناع عن العمل لسبب ما بشكل مؤقت، فإذا كان الاتجاه السائد ومن حيث الأصل اعطاء الشرعية للإضراب، لأنه يمثل وسيلة فعالة يلجأ إليها الموظف العام لغرض الحصول على حقه، إلا أن هذا الأمر يجب أن يكون في نطاق محدود جداً ووفق ما يقرره القانون ويسمح به (3)، كذلك قد يعرف الإضراب بأنه التوقف عن العمل في أحد المرافق العامة من قبل كل أو بعض الموظفين العموميين لأجل الضغط على جهة الإدارة لغرض اظهار الاستياء من بعض الأمور أو تحسين ظروف العمل (4) ، ومن أجل أن ينظم هذا الأمر سارعت التشريعات المختلفة في تنظيمه تنظيماً دقيقاً، فأشارت التشريعات الفرنسية إلى هذا الشأن وعلى قمة هذه التشريعات ما أوردته الدساتير الفرنسية المتعاقبة من تحريم عمل الإضراب بالنسبة للموظف العام وذلك قبل صدور الدستور الفرنسي لعام 1946 ، إذ بصدور هذا الدستور حدث تحول ملحوظ في هذا الجانب، فقد نصت مقدمة هذا الدستور على أن (حق الإضراب يُمارس في إطار القوانين التي تنظمه)، والأمر نفسه بينه دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958 المعدل وذلك في ديباجة هذا الدستور وإن كانت الإشارة عامة غير مخصصة، إذ قال (يعلن الشعب الفرنسي تمسكه بحقوق الإنسان ... وكما أكدت عليها وأكملتها ديباجة دستور 1946 .... )، وبالمحصلة وإن كان المشرع الدستوري الفرنسي اعترف بحق الإضراب إلا أنه اشترط أن يتم ممارسة هذا الحق وفق ضوابط وقوانين تعمل على تنظيمه، هذه الضوابط بينتها مدونة العمل الفرنسية لعام 1961 المعدلة عام 2016) وذلك في المادة (L2512/3) على أنه ( يحظر التوقف عن العمل الذي يؤثر بالتدريج المتعاقب أو بالتناوب المنسق على مختلف القطاعات أو الفئات المهنية لنفس المؤسسة أو المرفق أو المؤسسات أو المرافق المختلفة لنفس الشركة أو نفس المنظمة) (5).
على أن بعض القوانين الفرنسية حرمت الإضراب على بعض الفئات انطلاقاً ، من مبدأ الحفاظ على انتظام سير المرفق العام، وهذه الفئات المشمولة من الموظفين رأى المشرع أن طبيعة عملهم تحتم عليهم الاستمرار في العمل لذا خصهم ببعض القوانين التي تنظم عملهم، من هذه القوانين قانون قوى الأمن والمطافئ، وقانون مراقبي الملاحة الجوية الصادر عام 1987(6) ، في كل هذه القوانين وما سبق ذكره أراد المشرع الفرنسي القول أن الإضراب حق للموظف، ولكن يجب إن يمارس هذا الحق في إطار شروط وضوابط حددتها القوانين مع ملاحظة تحريم الأضراب لبعض فئات الموظفين العموميين، وذلك لطبيعة عملهم الذي يستلزم الاستمرار في العمل لتلبية حاجة الجمهور.
والمشرع الدستوري المصري ليس ببعيد عما أخذ به المشرع الفرنسي، إذ نص في دستور 2014 المعدل في المادة (15) منة على أن ( الإضراب السلمي حق ينظمه القانون)، عاضد هذا المبدأ الدستوري ما أشار إليه المشرع في قانون العقوبات المصري رقم (58) لسنة 1937 المعدل بالقانون رقم (141) لسنة 2021 في المادة (124) على أنه (إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنة .... ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم او امنهم في خطر .... )، فمن الواضح في إشارة المشرع المصري أنه أقر بأن الإضراب حق من الحقوق لا يمكن إنكاره إلا انه وضع له محددات تعمل على تحجيمه وجعله في أضيق نطاق ؛ كونه أراد أن يحافظ على أن تكون المرافق العامة دائمة العطاء وتحقق المقصود منها.
أما المشرع العراقي وما خطه بشأن موضوع الإضراب بالنسبة للموظف العام، فقد أشار المشرع الدستوري في دستور 2005 إلى إشارة عامة تنم عن إعطاء الضوء الأخضر في المطالبة بالحقوق سواء أكانت العامة أم الخاصة، فقال في المادة (38) على أنه (تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل)، فهنا أراد المشرع الدستوري لكل فرد استخدام حقه، ولكن استعمال هذا الحق يجب أن يكون وفق ضوابط تحدد بعدم الإضرار بالنظام العام والآداب العامة التي طالما حرص المشرع جل الحرص على الحفاظ عليها؛ لأنها تمثل الكيان العام الداخلي للدولة، فالحفاظ عليها يمثل الحفاظ على مصالح المجتمع ككل.
أما احاطة المشرع العراقي فيما شرعة من قوانين لأجل أن يعمل على استمرارية العطاء المقدم من قبل المرافق العامة لجموع الموطنين، فقد عمل على النص في بعض القوانين على تنظيم هذا الأمر منها قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل في المادة (4/ثانياً) على أنه ( التقيد بمواعيد العمل وعدم التغيب عنة إلا بأذن، وتخصيص جميع وقت الدوام الرسمي للعمل ) (7) ، في هذه المادة أراد المشرع أن يضفي الهيبة والاحترام لوقت العمل، فالمعنى المخالف لهذه المادة يعطي صورة واضحة إلى أن ترك العمل في أثناء الدوام الرسمي بأي شكل من الأشكال يؤدي إلى تعطيل ما يرجى من المرفق العام من العطاء لمختلف الخدمات، فهنا واضراب الموظف العام عن العمل أمران لا يتفقان خاصةً وإنّ الإضراب عادة لا يكون بأذن من قبل المرؤوسين، فغالباً ما تكون السمه الغالبة عليه هي التغيب عن العمل أثناء الدوام الرسمي، كذلك إشارة المادة (5/سابعاً) من نفس القانون ( يحظر على الموظف ما يأتي سابعاً: عدم الاستغلال الصحيح لساعات العمل ووسائل الانتاج بغية أنجاز الأعمال به أو الاهمال أو التهاون في العمل بما يؤدي إلى الحاق ضرر بالأنتاج أو الخدمات أو الممتلكات)، أيضاً هذه المادة أكدت على الموظف العام بعض الأمور عندما عملت على منعه من بعض التصرفات خاصةً تلك التي تعمل على ذهاب ساعات العمل دون الاستغلال الصحيح، وهذا الأمر ينطبق على الإضراب عندما ينقطع الموظف عن الدوام لساعات وربما أيام، وهذا الأمر قد يحسب من ضمن عدم الجدية في العمل.
وفي إشارة أخرى للمشرع العراقي في الفصل السادس من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل تحت عنوان الجرائم الماسة بسير العمل في المادة (364) قولة (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بأحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ترك عمله ولو بصوره الاستقالة او امتنع عمداً عن واجب من واجبات وظيفته أو عمله متى كان من شأن الترك او الامتناع ان يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر ... أو إذا عطل مرفقاً عاماً) (8) ، أيضاً جاء قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 بنفس المبادئ، عندما نصت المادة (162 /(اولاً) على أنه (إذا تم إنهاء إجراءات حل نزاع المصالح المستقبلية دون التوصل إلى اتفاق عندها يحق اللجوء الى الاضراب السلمي) (9)، كذلك أشارت المادة نفسها في الفقرة (سابعاً: لا يجوز للعمال ومنظماتهم النقابية الإضراب في المشاريع التي يهدد توقف العمل فيها الحياة او السلامة او الصحة العامة لجميع السكان او بعضهم يتبين أن هذا القانون أجاز وبشكل واضح الإضراب لغرض المطالبة بالحقوق، ولكن في الوقت نفسه بين عدم إجازة الاضراب وذلك في بعض المرافق العامة الحيوية، إذ بانقطاع العمل فيها تكون هنالك عرقلة واضحة في تلبية حاجات المواطنين.
ومن أشهر القضايا التي بينت تأثير قناعة القاضي الإداري على سير المرفق العام من خلال تحريم الإضراب أو إباحته ما صدر عن مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الشهير والمعروف بحكم (Dehaena)، إذ بين المجلس في هذا القرار أن الإضراب هو من الأعمال الجائزة للدفاع عن المصالح المهنية، ماعدا الاضراب السياسي الذي يكون ممنوعاً على الموظف العام، أيضاً لا يجب تعارض الاضراب وواجب ولاء الموظف لعملة، أما تنظيم الاضراب فأنه يعود للحكومة، في حين لو وقع الاضراب فأنه يجب اتخاذ بعض الإجراءات التي تمنع أي تصرف لا يتفق مع المصلحة العامة، وفي كل ذلك يجب اخضاع جميع التصرفات المرافقة للإضراب إلى رقابة القضاء (10)، كذلك هنالك قرار لمجلس الدولة الفرنسي أشار فيه إلى ضرورة استمرار عمل المرافق العامة في تلبية الحاجات حتى في ظل انتشار الأوبئة ولكن في نطاق أضيق، وهذا ما حصل عندما اجتاح فايروس كورونا- كوفيد19 فرنسا والعالم أجمع وهو القرار رقم (439674) الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 22 مارس 2020 الذي صدر بشأن تطبيق الحجر الشامل (11)، والواضح أن القضاء الإداري الفرنسي يحاول بجل جهده الحفاظ على الصالح العام من خلال الموازنة بين أن يستمر المرفق العام بتقديم الخدمات وبين الحفاظ على الصحة العامة.
أما التطبيق العملي للقضاء المصري بشأن إضراب الموظف العام، أن الدستور أباح الإضراب ولكن وفق ضوابط حددتها القوانين، إذ جاء في حيثيات احدى القرارات الصادرة عن مجلس الدولة المصري ممثلاً بالمحكمة الإدارية العليا قولها (ومن خلال تتبع نهج مجلس الدولة في هذا الخصوص فقد سار قضاء مجلس الدولة المصري إلى شرعية الحق في الإضراب، باعتباره أحد مظاهر حرية التعبير عن الرأي للدفاع عن المصالح المهنية ...، إن المشرع الدستوري قد أقر بالحق في الإضراب واعتبره أحد الحقوق الدستورية للعامل المصري ... بل أصبح الإضراب السلمي حقاً لجميع العاملين في الدولة سواء بالجهات الإدارية والهيئات العامة أم بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، بيد ان المشرع الدستوري لم يعتبر هذا الحق حقاً مطلقاً يمارسه العامل بلا قيود أو شروط .... ولما كان الثابت من الاوراق أن المخالفة المنسوبة للطاعنين والتي صدر الحكم المطعون فيه بمجازاتهم عنها بالفصل من الخدمة، تتحدد في أنهم قد أضربوا عن العمل بمكتب بريد أشمون خلال الفترة من 2014/2/23 حتى 2014/2/27 ، وكان الثابت أن هذا الإضراب الذي اشترك فيه الطاعنون إضراباً سلمياً ولم يخرج عن الإطار السلمي ... كما خلت الاوراق والتحقيقات من ثمة ما يفيد أنه قد ترتب على الإضراب الذي اشترك فيه الطاعنون تعطيل سير العمل بالمكتب، لأن الاضراب كان جزئياً وكان يوجد عدد من الموظفين لتسيير اعمال المكتب خلال أيام الاضراب والقضاء مجدداً ببراءة الطاعنين مما نسب اليهم ...) (12)، أراد القضاء الإداري المصري ان يبين في هذا القرار أن قناعة الهيئة القضائية كانت تصب في مصلحة الصالح العام عندما أصدرت مثل هذا القرار والذي يبين مدى الدقة والحجج التي استند إليها، إذ أوضح أن الإضراب لم يترتب عليه تعطيل لعمل المرفق العام حيث عمل الموظفون على جعل عملهم على شكل وجبات بالتناوب حفاظاً على ما يقدمونه من خدمات.
أما توجه القضاء الإداري في العراق بشأن حق الموظف العام في الاضراب، ومدى تعارض هذا الحق مع ضرورة سير المرفق العام بانتظام واستمرار ، فقد توج هذا الأمر في إحدى القرارات الصادرة عن مجلس الدولة ممثلاً بالمحكمة الإدارية العليا قولها لدى التدقيق والمداولة من الهيئة العامة في مجلس شورى الدولة .. ثبت لديها مخالفة الموظف (المعترض) لقيامه مع موظفين آخرين بالتظاهر داخل دائرته (شركة نفط ميسان) ... دون الحصول على اذن سابق من ادارة الشركة لذا يلزم استعمال حق الإضراب على نحو لا يتعارض مع أحكام القانون ومن مقتضى ذلك إخطار إدارة الشركة به ... كي تتخذ ما يلزم من احتياطات في العمل والمحافظة على الأمن، وعدم الإضرار في سير المرفق العام وحيث إن مجلس الانضباط قد راعى ما تقدم وقرر تصديق العقوبة التي فرضتها الإدارة بما ينسجم ودور المعترض في المخالفة ... )(13) ، هذا القرار أعطى صورة غير مبررة للبس الذي وقع فيه مجلس الدولة إذ إنه تارة يقول تظاهر، وتارة أخرى يقول إضراب، وشتان ما بين الأثنين إذ أن التظاهر يمثل المطالبة بالحقوق لعموم أفراد المجتمع وغالباً ما تكون المطالب إصلاحية شاملة، أما الإضراب فأنه يختص بفئة معينة تتوقف عن العمل لغرض الحصول على مطالبهم، وعليه كان لابد أن يحدد الأمر بعبارة الإضراب حتى يكون المعنى واضحاً ويتناسب مع ما نصت علية القوانين عندما اشارت الى مصطلح الإضراب بصورة واضحة.
كذلك في إشارة أخرى لمجلس الدولة العراقي، إذ جاء في حيثيات إحدى القرارات الصادرة عنه قوله (... ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أن المميز علية (المعترض) يطعن بالأمر الجامعي .... المتضمن معاقبته بعقوبة لفت النظر لعدم التزامه بواجبات الموظف الواردة في الفقرات (ثانياً، ثالثاً، رابعاً) من المادة (4) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 ... وحيث أن اللجنة التحقيقية توصلت إلى إن المعترض لم يلتزم بأداء واجباته المكلف بها في شعبة الرياضة الجامعية التي يعمل فيها . فبذلك يكون المعترض قد أخل بالتزامه القانوني من خلال عدم أدائه للواجبات التي يكلف بها مما يجعل العقوبة المفروضة بحقه مستندة إلى أسباب قانونية وواقعية وجاءت متناسبة مع الفعل المنسوب له .... ) (14) ، هذا القرار يعطي صورة واضحة بأن المحكمة الإدارية العليا أرادت من خلاله أن يلتزم الموظف بصوره تامه بأداء ما يلقى على عاتقة من مسؤوليات التي تؤدي بالمحصلة إلى أن يستمر المرفق العام بتقديم المزيد من الخدمات.
بقي أن نذكر أن هنالك بعض الاعتبارات الأخلاقية التي من الممكن أن تؤثر في سلوك الموظف العام بشكل كبير ومن ثم ينعكس هذا الأمر على حسن سير المرفق العام، وهذه الاعتبارات هي القيم الشخصية التي لها إسهام كبير في بناء القاعدة الاخلاقية للموظف، خاصة وأن العلاقة بين القيم والاخلاق علاقة وطيدة تبرز إلى الوجود من خلال المظاهر الآتية (الحياء الصبر، الحكمة، الصدق، الرحمة، الانضباط )، الخبرات السابقة التي تتمثل في ما اكتسبه الموظف من مهارات وذلك من خلال المواقف السلبية أو الإيجابية التي مر بها عندما كان في مقتبل العمر أو خلال المراحل المختلفة في العمل الوظيفي (15)، الدين والذي يعد من أهم ما يؤثر على سلوك الموظف الاخلاقي كونه يتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي تحقق سعادة الفرد والمجتمع، إذ تفرض نوعاً من الرقابة الذاتية وتهذيب السلوك وتطهير النفس مما يجعل سلوك الموظف مستقيماً وفي إطار أخلاقي منسجم مع القيم العليا، المصلحة العامة والتي تعتبر قانوناً اعلى يجب أن يخضع له الجميع باعتبارها تعد قيمة أخلاقية عليا
لدى العاملين في الوظيفة العامة توجه سلوكهم وأفعالهم نحو الأفضل، الضمير والذي يعتبر قوة كامنه في أعماق النفس الإنسانية يرشده نحو عمل الخير وتحذره من فعل الشر، إذ يشعر بضيق في انفاسه عند القدوم على فعل أعمال الشر، هذا الأمر متفاوت لدى الموظفين؛ إذ قد يكون مستوى الضمير لدى البعض ضعيفاً ومن ثم لا يعمل على نحو جيد(16).
وبعد استعراض موقف القوانين والقضاء بشأن اضراب الموظف العام، نخرج بمحصلة مفادها أن لقناعة القاضي الإداري تأثيراً كبيراً يتبين من خلال القرارات التي يصدرها القاضي الإداري سواء بفصل الموظف العام الذي يشارك في الاضراب من دون الحصول على اذن مسبق، أم تأييد ما يقوم به الموظف من عمل الإضراب وفي الاطار المسموح به.
وفي المحصلة النهائية يمكن القول إن قناعة القاضي الإداري لها من التأثير الكبير سواء على اطراف الدعوى فيما يتعلق بعبء الاثبات أم على استمرارية سير المرفق العام والذي يتأثر بشكل أو بأخر بهذه القناعة....
______________
1- د. زانا رؤوف حمه كريم - د. دانا عبد الكريم سعيد المبادئ العامة في القانون الاداري (الكتاب الأول)، ط 1، مكتبة يادكار، السليمانية، 2016، ص 157.
2- د. محمد جمال الذنيبات الوجيز في القانون الاداري، ط 2 ، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2011، ص 152.
3- د. طعيمه الجرف القانون الاداري، طه، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985، ص 316.
4- میثم غانم جبر، حق الاضراب بين الحظر والإباحة (دراسة مقارنة) ط 1 ، دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع، المنصورة، 2016، ص28.
5- ينظر : مدونة العمل الفرنسية، منشوره على الموقع https://www.legifrance.gouv تاريخ الزيارة 2021/9/15 ساعة am3:10.
6- میثم غانم جبر، مصدر سابق، ص33.
7- ينظر : قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل لسنة 2008، نشر في الوقائع العراقية في العدد (3356) بتاريخ 1991/6/3.
8- ينظر: قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1999 المعدل، نشر في الوقائع العراقية في العدد (1778) بتاريخ 1969/12/15.
9- ينظر: قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 ، نشر في الوقائع العراقية في العدد (4386) بتاريخ 2015/11/9 .
10- ينظر: حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 1950/7/7 ، اشار اليه د 0 كاوه ياسين سليم، التنظيم القانوني لحق الموظف العام في الاضراب، بحث منشور في كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية جامعة اربيل، العراق، المجلد 10، العدد 36 2021، ص139
11- ينظر قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 2020/3/22، اشار اليه د. حمید ،ابولاس، استمرارية المرفق العام في زمن كورونا ما بين اساس استمرارية المرفق العام والحماية القضائية، ط1، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، المغرب، 2020، ص 19.
12- ينظر : قرار المحكمة الادارية العليا المصرية رقم الطعن (27047 لسنة 61ق) في 2017/6/17، قرار منشور في موقع بوابة مصر للقانون والقضاء على الموقع www.laweg.net ، تاريخ الزيارة 2021/9/16 ساعة am8:30
13- ينظر : قرار المحكمة الادارية العليا رقم الطعن (177/ تمييز) في 2013/7/24 اشار اليه لفته هامل العجيلي من قضاء المحكمة الادارية العليا، دار السنهوري ،بيروت 2019، ص398 وما بعدها
14- ينظر : قرار المحكمة الادارية العليا رقم الطعن 646 / تمييز في 2019/7/11 مجموعة قرارات وفتاوى مجلس الدولة لعام 2019، ص 387- 388 .
15- د. عثمان سلمان غيلان اخلاقيات الوظيفة العامة، ط 1 ، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014، ص 80
16- د. عثمان سلمان غيلان، مصدر سابق، ص 81 وما بعدها.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي