الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ مِنْ كَلِماتِكَ بأَتَمِّها ، وَكُلُّ كَلِماتِكَ تامَّةٌ . اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ بِكلِماتِكَ كلِّهَا .
المؤلف:
السيد روح الله الموسوي
المصدر:
شرح دعاء السحر
الجزء والصفحة:
ص51-64
2025-03-06
122
لعلّك بعد انفتاح بصيرة قلبك وخروجك عن سجن طبعك ، والرجوع إلى ما سبق من الكلام ، في غنىً عن كشف حقيقة الكلمة والكلام ، وفهم روحهما ، وعلى بيّنة من ربّك في تخريج لباب المعاني عن قشورها ، وبعثها عن قبورها .
وقد تفطّنت ممّا تلي على أُذُن قلبك وأُملي على روحك وعقلك ، أنّ عوالم الوجود وإقليم الكون من الغيب والشهود ، كتاب وآيات ([1]) وكلام وكلمات ، وله أبواب مبوبة وفصول مفصّلة ومفاتيح يفتتح بها الأبواب ومخاتيم يختتم بها الكتاب ، ولكلّ مفتاح أبواب ، ولكلّ باب فصول ، ولكلّ فصل آيات ، ولكلّ آية كلمات ، ولكلّ كلمة حروف ، ولكلّ حرف زبر وبيّنات .
ففاتحة الكتاب التكويني الإلهي الذي صنّفه - تعالى جدّه - بيد قدرته الكاملة ، التي ([2]) فيها كلّ الكتاب بالوجود الجمعي الإلهي ، المنزّه عن الكثرة ، المقدّس عن الشين والكدورة ، بوجه هو عالم العقول المجرّدة والروحانيّين من الملائكة والتعيّن الأوّل للمشيئة ، وبوجه عبارة عن نفس المشيئة ، فإنّها مفتاح غيب الوجود ؛ وفي الزيارة الجامعة : « بِكُم فتحَ اللَّه » ([3]) لتوافق أفقهم عليهم السلام لُافق المشيئة ؛ كما قال اللَّه تعالى حكاية عن هذا المعنى : ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ([4]) . وهم عليهم السلام ، من جهة الولاية متّحدون : « أوّلنا محمّد ، أوسطنا محمّد ، آخرنا محمّد ، كلّنا محمّد ، كلّنا من نور واحد » ([5]) .
ولكون فاتحة الكتاب فيها كلّ الكتاب ، والفاتحة باعتبار الوجود الجمعي في «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» وهو في باء « بسم اللَّه » وهو في نقطة تحت الباء ؛ قال علي - عليه السلام - على ما نسب إليه : « أنا النقطة » ([6]). وورد : « بالباء ظَهَر الوجودُ وبالنقطة تميَّز العابدُ عن المعبود » ([7]) .
وخاتمة الكتاب الإلهي والتصنيف الربّاني عالم الطبيعة وسجلّ الكون بحسب قوس النزول ، وإلّا فالختم والفتح واحد ؛ فإنّ ما تنزّل من سماء الإلهية عرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون ([8]) . وهذا وجه خاتمية النبيّ المكرّم والرسول الهاشمي المعظّم الذي هو أوّل الوجود ، كما ورد : « نحن السابقون الآخرون » ([9]) .
وبين فاتحة الكتاب وخاتمته سور وأبواب وآيات وفصول .
فإن اعتبر الوجود المطلق والتصنيف الإلهي المنسق بمراتبه ومنازله كتاباً واحداً ، يكون كلّ عالم من العوالم الكلّية باباً وجزءاً من أبوابه وجزواته ، وكلّ عالم من العوالم الجزئية سورة وفصلًا ، وكلّ مرتبة من مراتب كلّ عالم أو كلّ جزء من أجزائه آية وكلمة . وكأنّ قوله تعالى : وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ إلى آخر الآيات ([10]) ، راجع إلى هذا الاعتبار .
وإن اعتبرت سلسلة الوجود كتباً متعدّدة وتصانيف متكثّرة ، يكون كلّ عالم كتاباً مستقلّاً له أبواب وآيات وكلمات ، باعتبار المراتب والأنواع والأفراد .
وكأنّ قوله تعالى : وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ([11]) بحسب هذا الاعتبار .
وإن جمعنا بين الاعتبارين يكون الوجود المطلق كتاباً له مجلّدات ، كلّ جلد كتاب له أبواب وفصول وآيات وبيّنات .
تبيين وتوضيح : في الكلمات التامّات الإلهية يجب عليك أن تعلم أنّ تمامية كلّ شيء بحسبه ، فتمامية العلم بأن يكون انكشافه للحقائق تامّاً لا يخلطه الجهل والسترة والحجاب ؛ وتمامية النور بأن لا يخلطه الظلمة والكدورة ، وبعبارة أخرى خلوصه عمّا يقابله ومحوضته في حيثيات نفسه وكمالاته .
وبذاك القياس يمكن لك أن تعرف تمامية الكلام والكلمة وأتمّيتهما ، وأنّ التمامية فيهما باعتبار وضوح الدلالة وعدم الإجمال والتشابه ، وبالأخرة خلوصهما عمّا عدا جنس الكلام والكلمة .
فهذا الكتاب الإلهي بعض كلماته تامّ وبعضها أتمّ وبعضها ناقص وبعضها أنقص ؛ والنقص والتمام فيه باعتبار المرآتية لعالم الغيب الإلهي والسرّ المكنون والكنز المخفيّ.
فكلّ ما كان تجلّي الحقّ في مرآة ذاته أتمّ كان على العالم الغيب أدلّ .
فعالم العقول المجرّدة والنفوس الإسفهبدية لتنزّهها عن ظلمة المادّة وتقدّسها عن كدورة الهيولى وخلوصها عن غبار تعيّن الماهية ، كلمات تامّات إلهية ، ولكن لكون كلّ واحد منها مرآة صفة واحدة أو اسم فارد إلهي ، ناقص ؛ كما قال :
« فمنهم ركّع لا يسجدون ومنهم سجّد لا يركعون » ([12]) .
والإنسان الكامل لكونه كوناً جامعاً ومرآةً تامّاً لجميع الأسماء والصفات الإلهية أتمُّ الكلمات الإلهية ، بل هو الكتاب الإلهي الذي فيه كلّ الكتب الإلهية ؛ كما قال مولانا أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين - صلوات اللَّه وسلامه عليه - :
وتزعم أنّك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي * بأحرفه يظهر المضمر ([13])
وقال اللَّه تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ([14]) . وهذا بحسب القوس النزولي ؛ ويدلّ على الكينونة السابقة قبل عالم الطبيعة ، كما هو المحقّق عندهم ([15]) .
والردّ من أعلى علّيين إلى أسفل السافلين لا يمكن إلّا بالعبور على المنازل المتوسّطة ، فمن الحضرة الواحدية والعين الثابت في العلم الإلهي تنزّل إلى عالم المشيئة ، ومنه إلى عالم العقول والروحانيين من الملائكة المقرّبين ، ومنه إلى عالم الملكوت العليا من النفوس الكلّية ، ومنه إلى البرازخ وعالم المثال ، ومنها إلى عالم الطبيعة بمراتبه ، إلى أسفل السافلين الذي هو عالم الهيولى وهو الأرض الأولى ؛ وباعتبار هو الأرض السابعة والطبقة النازلة ، وهذا غاية نزول الإنسان ، ثمّ تدرّج في السير من الهيولى التي هي مقبض القوس إلى أن دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ([16]) .
فالإنسان الكامل جميع سلسلة الوجود وبه يتمّ الدائرة ؛ و هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ([17]) وهو الكتاب الكلّي الإلهي ، والاعتبارات الثلاثة تأتي فيه أيضاً ؛ فإن اعتبر كتاباً واحداً كان سرّه وروحه وعقله ونفسه وخياله وطبعه أبواباً وسوراً ومراتب ، كلّ واحد منها آيات وكلمات إلهية ؛ وإن اعتبر كتباً متعدّدة كان كلّ واحد منها كتاباً مستقلًاّ له أبواب وفصول ؛ وإن جمع بين الاعتبارين كان كتاباً ذا مجلّدات وقرآناً ذا سور وآيات ، فهو بالوجود التفريقي وباعتبار التكثّر « فرقان » ، كما ورد أنّ عليّاً - عليه السلام - فيصل بين الحقّ والباطل ([18]) ، وباعتبار الوجود الجمعي « قرآن » .
تمثيل.. اعلم أنّ الإنسان الكامل هو مثل اللَّه الأعلى وآيته الكبرى ، وكتابه المستبين والنبأ العظيم ، وهو مخلوق على صورته ومنشأ بيدي قدرته وخليفة اللَّه على خليقته ومفتاح باب معرفته ، من عرفه فقد عرف اللَّه وهو بكلّ صفة من صفاته وتجلٍّ من تجلّياته آية من آيات اللَّه ، ومن الأمثال العليا على معرفة بارئه معرفة كلامه .
فليعلم أنّ الكلام عبارة عن تعيّن الهواء الخارج من باطن الإنسان بالسير إلى منازل المخارج والعبور عن مراحل السرّ إلى الخارج والظهور من عالم الغيب إلى الشهادة ، الكاشف عمّا في ضمير المتكلّم وسرّه وعن بطون مقصده وأمره ، فإنشاء المتكلّم للكلام وإيجاده له وإنزاله من عالم الغيب إلى الشهادة ومن سماء السرّ إلى العلن لتعلّق الحبّ الذاتي على إبراز كمالاته الباطنة وإظهار ملكاته الكامنة ، فقبل التكلّم والإنشاء كانت كمالاته في مرتبة الخفاء ، فأحبّ إظهارها وعشق إعلانها ، فأوجد وأنشأ لكي يعرف قدره وشأنه .
وأنت إذا كنت ذا قلب متنوّر بالأنوار الإلهية وذا روح مستضيء بالأشعّة الروحانية ، وأضاء زيت قلبك ولو لم تمسسه نار التعاليم الخارجية ، وكنت مستكفياً بالنور الباطني الذي يسعى بين يديك لانكشف لك سرّ الكتاب الإلهي ، بشرط الطهارة اللازمة في مسّ الكتاب الإلهي ، ولعرفت في مرآة المثل الأعلى والآية الكبرى حقيقة الكلام الإلهي وغاية تكلّمه تعالى ، وأنّ مراتب الوجود وعوالم الغيب والشهود كلام إلهي خارج بالهواء الذي هو المرتبة العمائية عن مرتبة الهويّة الغيبية ، نازل عن السماء الإلهية ، للحبّ الذاتي على إظهار كماله والتجلّي بأسمائه وصفاته لكي يعرف شأنه . كما في الحديث القدسي : « كنت كنزاً مخفيّاً ، فأحببت أن اعرف ، فخلقت الخلق لكي اعرف » ([19]) .
وعن علي عليه الصلاة والسلام : « لقد تجلّى اللَّه لعباده في كلامه ، ولكن لا يبصرون » ([20]) .
وعنه عليه السلام : « إنّما يقول لما أراد كونه : كن ، فيكون ؛ لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع ، وإنّما كلامه سبحانه فعله » ([21]) .
وقال أهل المعرفة : تكلّمه عبارة عن تجلّي الحقّ الحاصل من تعلّقي الإرادة والقدرة لإظهار ما في الغيب وإيجاده ([22]) .
بشارة : في نقل كلام صدر المتألّهين
قال صدر الحكماء المتألّهين وشيخ العرفاء الكاملين قدّس سرّه ([23]) في « الأسفار » :
« اعلم أيّها المسكين ، أنّ هذا القرآن انزل من الحقّ إلى الخلق مع ألف حجاب ، لأجل ضعفاء عيون القلوب وأخافيش أبصار البصائر ، فلو فرض أنّ باء « بسم اللَّه » مع عظمته التي كانت له في اللوح نزل إلى العرش لذاب واضمحل ، فكيف إلى السماء الدنيا ، وفي قوله تعالى : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ([24]) إشارة إلى هذا المعنى » ([25]) انتهى ما أردنا من كلامه ، رفع اللَّه علوّ مقامه .
وهذا كلام صادر عن معدن العلم والمعرفة مأخوذ عن مشكاة الوحي والنبوّة .
وأنا أقول : إنّ الكتاب التكويني الإلهي والقرآن الناطق الربّاني أيضاً نازل من عالم الغيب والخزينة المكنونة الإلهية مع سبعين ألف حجاب لحمل هذا الكتاب التدويني الإلهي ، وخلاص النفوس المنكوسة المسجونة ، عن سجن الطبيعة وجِهِنّامها ، وهداية غرباء هذه الديار الموحشة ، إلى أوطانها ، وإلّا فإن تجلّى هذا الكتاب المقدّس والمكتوب السبحاني الأقدس بإشارة من إشاراته وتغمّز من غمزاته برفع بعض الحجب النورية على السماوات والأرضين لاحترقت أركانها أو على ملائكة المقرّبين لاندكّت إنّيّاتها ، ونعم ما قيل :
احمد ار بگشايد آن پرّ جليل * تا ابد مدهوش ماند جبرئيل ([26]) فهذا الكتاب التكويني الإلهي وأوليائه الذين كلّهم كتب سماوية ، نازلون من لدن حكيم عليم وحاملون للقرآن التدويني ، ولم يكن أحد حاملًا له بظاهره وباطنه إلّا هؤلاء الأولياء المرضيّين ، كما ورد من طريقهم عليهم السلام :
فمن طريق « الكافي » عن أبي جعفر - عليه السلام - أنّه قال : « ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلِّه ظاهره وباطنه ، غير الأوصياء عليهم السلام » ([27]) .
ومن طريق « الكافي » أيضاً عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلَّه كما انزل إلّا كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله اللَّه تعالى إلّا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة من بعده عليهم السلام » ([28]) .
ومنه أيضاً عن أبي عبد اللَّه عليه السلام ، أنّه قال : « وعندنا - واللَّه - علم الكتاب كلِّه » ([29]) .
كلمة نورية : في الإشارة إلى تطبيق الكتابين
اعلم أنّه كما أنّ للكتاب التدويني الإلهي بطوناً سبعة باعتبار وسبعين بطناً بوجه لا يعلمها إلّا اللَّه والراسخون في العلم ، ولا يمسّها إلّا المطهّرون من الأحداث المعنوية والأخلاق الرذيلة السيّئة والمتحلّون بالفضائل العلمية والعملية ، وكلّ من تنزّهه وتقدّسه أكثر يكون تجلّي القرآن عليه أكثر وحظّه من حقائقه أوفر ، كذلك الكتب التكوينية الإلهية الأنفسية والآفاقية حذواً بالحذو ونعلًا بالنعل ، فإنّ لها بطوناً سبعة أو سبعين لا يعلم تأويلها وتفسيرها إلّا المتنزّهون عن أرجاس عالم الطبع وأحداثها ، ولا يمسّها إلّا المطهّرون ؛ فإنّها نازلة من الربّ الرحيم .
فجاهد أيّها المسكين في سبيل ربّك وطهّر قلبك واخرج عن حيطة الشيطان ، وارقَ واقرأ كتاب ربّك ورتّله ترتيلًا ولا تقف على قشره ، ولا تتوهّمن أنّ الكتاب السماوي والقرآن النازل الربّاني لا يكون إلّا هذا القشر والصورة ، فإنّ الوقوف على الصورة والعكوف على عالم الطبيعة وعدم التجاوز إلى اللبّ والباطن اخترام وهلاك وأصل أصول الجهالات واسّ أساس إنكار النبوّات والولايات .
فإنّ أوّل من وقف على الظاهر وعمي قلبه عن حظّ الباطن هو الشيطان اللعين ؛ حيث نظر إلى ظاهر آدم عليه السلام فاشتبه عليه الأمر وقال : خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ([30]) و أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ([31]) فإنّ النار خير من الطين ، ولم يتفطّن بباطن آدم عليه السلام . والنظر إلى ظاهره فحسب بلا نظر إلى مقام نورانيته وروحانيته خروج عن مذهب البرهان ، ويجعل قياسه مغالطيّاً عليلًا ، كما ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام .
فمن طريق « الكافي » عن عيسى بن عبداللَّه القرشي قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبداللَّه عليه السلام فقال له : « يا أبا حنيفة ، بلغني أنّك تقيس ؟ » قال :
نعم . قال : « لا تقس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس ، حين قال : خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * ، فقاس ما بين النار والطين ؛ ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر » ([32]) .
ومن هذا الخطاء والغلط والنظر إلى الظاهر وسدّ أبواب البواطن إنكار الناس للأنبياء والمرسلين بملاحظة أنّهم - عليهم السلام - [ كانوا ] يمشون في الأسواق ويأكلون ويشربون مثلهم ([33]) ، كما قال تعالى حكاية عنهم : قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ([34]) . تتميم مقال لإيضاح حال : في الإشارة إلى الجمع بين الظاهر والباطن
لا يذهبنَّ بنور عقلك الشيطان ولا يلتبس عليك الأمر حتّى تقع في الخذلان ، فإنّ الشيطان يوسوس في صدور الناس باختلاط الحقّ بالباطل والصحيح بالسقيم العاطل ، فربما يخرجك من الطريق المستقيم بظاهر صحيح وباطن سقيم فيقول : إنّ العلوم الظاهرية والأخذ بظاهر الكتب السماوية ليس بشيء وخروج عن الحقّ ؛ والعبارات القالبية والمناسك الصورية مجعولة للعوامّ كالأنعام وأهل الصورة وأصحاب القشور ، وأمّا أصحاب القلوب والمعارف وأهل الأسرار والعوارف فليس لهم إلّا الأذكار القلبية والخواطر السرّية التي هي بواطن المناسك ونهايتها وروح العبادات وغايتها ؛ وربما ينشد لك ويقول :
علم رسمي سر به سر قيل است وقال * نه از أو كيفيتى حاصل نه حال
علم نبود غير علم عاشقى * ما بقي تلبيس إبليس شقى ([35])
إلى غير ذلك من التلبيسات والتسويلات . فاستعذ باللَّه منه وقل له : أيّها اللعين ، هذه كلمة حقّ تريد بها الباطل ؛ فإنّ الظاهر المطعون هو الظاهر المنفصل عن الباطن والصورة المنعزلة عن المعنى ؛ فإنّه ليس بكتاب ولا قرآن . وأمّا الصورة المربوطة بالمعنى ، والعلن الموصول بالسرّ ، فهو المتّبع على لسان اللَّه ورسوله وأوليائه عليهم السلام ؛ كيف وعلم ظواهر الكتاب والسنّة من أجلّ العلوم قدراً وأرفعها منزلة ، وهو أساس الأعمال الظاهرية والتكاليف الإلهية والنواميس الشرعية والشرائع الإلهية والحكمة العملية ، التي هي الطريق المستقيم إلى الأسرار الربوبية والأنوار الغيبية والتجلّيات الإلهية ؛ ولولا الظاهر لما وصل سالك إلى كماله ولا مجاهد إلى مآله .
فالعارف الكامل : من حفظ المراتب ويكون ذا العينين وصاحب المقامين والنشأتين ، وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه ، وقرأ ظاهر الكتاب وباطنه وتدبّر في صورته ومعناه وتفسيره وتأويله ؛ فإنّ الظاهر بلا باطن والصورة بلا معنىً كالجسد بلا روح والدنيا بلا آخرة ، كما أنّ الباطن لا يمكن تحصيله إلّا عن طريق الظاهر ؛ فإنّ « الدنيا مزرعة الآخرة » ([36]) ، فمن تمسّك بالظاهر ووقف على بابه قصر وعطل ، ويردّه الآيات ([37]) والروايات ([38]) المتكاثرة الدالّة على تحسين التدبّر في آيات اللَّه والتفكّر في كتبه ، والتعريض والاعتراض بالواقف على قشرهما . ومن سلك طريق الباطن بلا نظر إلى الظاهر ضلّ وأضلّ عن الطريق المستقيم ؛ ومن أخذ بالظاهر وتمسّك به للوصول إلى الحقائق ونظر في المرآة لرؤية جمال المحبوب فقد هدي إلى الصراط المستقيم وتلا الكتاب حقّ تلاوته ، وليس ممّن أعرض عن ذكر ربّه . واللَّه العالم بحقيقة كتابه وعنده علم الكتاب .
[1] قوله : « كتاب وآيات . . . » إلى آخره . لا يخفى أنّ لسلسلة الوجود اعتبارين آخرين : أحدهما - اعتبار الكثرة في الوحدة ، والثاني - اعتبار الوحدة في الكثرة . فهي بالاعتبار الأوّل كلمة واحدة هي كلمة « كن » الوجودي ، وأشار إليها بقوله تعالى : إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، ( أ ) وفي خطبة يوم الفطر عن أمير المؤمنين عليه السلام : « الذي بكلمته قامت السماوات السبع وقرّت الأرضون السبع ، وثبتت الجبال الرواسي وجرت الرياح اللواقح ، وسار في جوّ السماء السحاب وقامت على حدودها البحار ، فتبارك اللَّه ربّ العالمين » . ( ب ) وبالاعتبار الثاني كلمات وكتاب ، كما أشار إليه في هذه الفقرة من الدعاء ؛ فتدبّر . [ منه عفي عنه ]
أ - يس ( 36 ) : 82 .
ب - مصباح المتهجّد : 459 ؛ الفقيه 1 : 326 / 1486 ؛ بحار الأنوار 88 : 30 / 5 .
[2] صفة فاتحة الكتاب . [ منه قدس سره ]
[3] الفقيه 2 : 374 / 1625 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 276 .
[4] النجم ( 53 ) : 8 - 9 .
[5] بحار الأنوار 26 : 16 / 2 ؛ مشارق أنوار اليقين : 160 ؛ شرح الأسماء ، السبزواري : 52 .
[6] مشارق أنوار اليقين : 21 ؛ شرح الأسماء ، السبزواري : 52 ؛ تفسير بيان السعادة 1 : 29 .
[7] تقدّم تخريجه في الصفحة 27 تحت الرقم 1 .
[8] اقتباس عن الآية 5 من سورة السجدة ( 32 ) .
[9] بصائر الدرجات : 83 / 10 ؛ بحار الأنوار 24 : 4 / 11 ؛ كنز العمّال 12 : 159 / 34475 .
[10] الروم ( 30 ) : 20 - 25 .
[11] الأنعام ( 6 ) : 59 .
[12] نهج البلاغة : 41 ، الخطبة الأولى . فيه : « منهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون » .
[13] ديوان اشعار منسوب به حضرت أمير المؤمنين علي عليه السلام : 62 .
[14] التين ( 95 ) : 4 - 5 .
[15] شرح فصوص الحكم ، القيصري : 89 ؛ الحكمة المتعالية 8 : 331 - 332 و 353 - 378 ، و 9 : 195 .
[16] النجم ( 53 ) : 8 - 9 .
[17] الحديد ( 57 ) : 3 .
[18] راجع بحار الأنوار 36 : 264 / 85 ؛ 38 : 30 / 3 ، 32 / 10 . وفيها : فاروق بين الحق والباطل .
[19] مفاتيح الغيب ، صدر المتألّهين : 293 ؛ كلمات مكنونه : 33 ؛ بحار الأنوار 84 : 199 و 344 ؛ شرح الأسماء ، السبزواري : 126 .
[20] شرح الأسماء ، السبزواري : 437 ؛ وقد اسند في بحار الأنوار 89 : 107 / 2 وسائر المنابع إلى الصادق عليه السلام ، وفي نهج البلاغة : 204 ، الخطبة 147 : « فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه » .
[21] نهج البلاغة : 274 ، الخطبة 186 ؛ بحار الأنوار 4 : 254 / 8 .
[22] شرح فصوص الحكم ، القيصري : 45 .
[23] محمّد بن إبراهيم الشيرازي ( - 1050 ق ) المعروف بصدر المتألّهين والمولى الصدرا . من أعظم الحكماء الإسلاميين . كان واسع العلم بالمدارس الفلسفية الإسلامية المنوّعة ، فضلًا عن تبحّره في الكلام والحكمة والعرفان ، متمكّناً من تدقيق وتحليل معضلات هذا الفنّ تمكّناً تامّاً . تعلّم مقدّمات العلوم فرحل إلى أصفهان وحضر دروس الشيخ بهاء الدين العاملي والميرالداماد . ثمّ ذهب إلى جبال قم وانعكف إلى العبادة والرياضة لمدّة خمسة عشر عاماً ؛ فكان كتابه العظيم « الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية » نتاج خلواته طي هذه الحقبة . فقرّر مباني مدرسته المعروفة بالحكمة المتعالية في كتابه هذا ، وبالغ في بسطه وتحريره . وله أيضاً : « الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية » ، « أسرار الآيات وأنوار البيّنات » ، « مفاتيح الغيب » و « شرح على الأصول من الكافي » .
راجع روضات الجنّات 4 : 117 - 119 ؛ هدية العارفين 2 : 279 .
[24] الحشر ( 59 ) : 21 .
[25] الحكمة المتعالية 7 : 30 - 31 .
[26] مثنوى معنوي : 721 ، دفتر چهارم ، بيت 3800 .
[27] الكافي 1 : 228 / 2 .
[28] الكافي 1 : 228 / 1 .
[29] الكافي 1 : 229 / 5 .
[30] الأعراف ( 7 ) : 12 .
[31] ص ( 38 ) : 76 .
[32] الكافي 1 : 58 / 20 .
[33] ونعم ما قال المثنوي المعنوي :
جمله عالم زين سبب گمراه شد * كم كسى ز ابدال حق آگاه شد
همسرى با أنبيا بگذاشتند * أوليا را مثل خود پنداشتند
گفته اينك ما بشر ايشان بشر * ما وايشان بستهء خوابيم وخور
اين ندانستند ايشان از عمى * هست فرقى در ميان بىمنتها
مثنوى معنوي ، دفتر أوّل : 16 / 264 .
[34] يس ( 36 ) : 15 .
[35] كلّيات شيخ بهائي ، مثنوى نان وحلوا : 120 ؛ الكشكول ، شيخ بهائي 1 : 209 .
[36] عوالي اللآلي 1 : 267 / 66 ؛ إحياء علوم الدين 4 : 31 .
[37] راجع : النساء ( 4 ) : 82 ؛ محمّد ( 47 ) : 24 .
[38] راجع وسائل الشيعة 6 : 170 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 3 ؛ مستدرك الوسائل 4 : 237 ، كتاب الصلاة ، أبواب القراءة القرآن ، الباب 3 .