الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
الشهوة والعفاف في القرآن
المؤلف: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
المصدر: الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة: ج2/ ص179-186
2024-12-25
47
تنويه :
«الشهوة» في اللغة لها مفهوم عام يطلق على جميع اشكال الرغبات النفسانية والميل إلى التمتع واللّذة المادية وأحياناً تطلق كلمة الشهوة على العلاقة الشديدة بأمرٍ من الامور المادية.
إن مفهوم الشهوة مضافاً إلى المفهوم العام يطلق أيضاً على خصوص «الشهوة الجنسية» ، وأما في القرآن الكريم فنلاحظ أنّ مفردة «الشهوة» استعملت بالمعنى العام وبالمعنى الخاص ، وفي هذا البحث فإنّ مقصودنا من هذه الكلمة هو المعنى الخاص لأن تأثيراتها المخربة والمدمرة أكثر من سائر أشكال الرغبات الجسدية الاخرى.
«الشهوة» تقع في مقابل «العِفة» والعفة أيضاً لها مفهوم عام ومفهوم خاصّ ، فاما المفهوم العام هو ضبط النفس في مقابل الرغبات والميول النفسانية والأفراط في اتباعها ، واما المفهوم الخاصّ فهو ضبط النفس في مقابل متطلبات الغريزة الجنسية والتحلل الأخلاقي.
«العفة» تعتبر من الفضائل الأخلاقية المهمة الّتي تساهم في ترشيد وتكامل المجتمعات البشرية بعكس الشهوة الّتي تقع في مقابلها والّتي يوجب اتباعها سقوط الفرد أخلاقياً وانحطاط المجتمع في حركته الحضارية.
إن التحقيقات التاريخية تشير إلى أنّ المجتمعات الّتي كانت تتمتع بمقدار كافٍ من العفة كانت تتمتع بطاقات وقدرات حضارية وإنسانية وتعيش حالة من التقدّم والتكامل على المستوى الفردي والاجتماعي وتعيش الأمن والهدوء والاستقرار في مستويات عالية ، ولكن وبعكس ذلك الأشخاص أو المجتمعات الّتي كانت غارقة في مستنقع الشهوات فإنّها فقدت طاقاتها البنّاءة وقواها الحيوية وبالتالي أضحت مستسلمة لتداعيات قوى الإنحراف والسقوط الحضاري.
وطبقاً لنظر الحقوقيين فإنّ «الشهوة الجنسية» تعتبر دعامة رئيسية في التورط في الجريمة والعدوان إلى درجة أنّه قيل : إنّ في كلّ جريمة هناك عنصر «الشهوة الجنسية» ، ولعلّ هذا التعبير مبالغٌ فيه ، ولكن الحقيقة أنّ طغيان «الغريزة الجنسية» وطلب الشهوة يعتبر منشأً ومصدراً للكثير من الجرائم والانحرافات الفردية والاجتماعية ، فقد سفكت بسببها الكثير من الدماء واتلفت الكثير من الأموال والثروات ، وتم تسريب الكثير من الأسرار المهمة للحكومات والدول بواسطة النساء الجاسوسات من خلال استخدامهن لعنصر الجمال والجاذبية الجنسية ، وبالتالي كانت هذه الغريزة هي السبب في التورط في الفضائح الأخلاقية على مستوى الشخصيات والدول.
ومن خلال الآيات والروايات الشريفة ، يمكننا أن نستوحي هذه الحقيقة ، وهي أنّ «الشهوة الجنسية» تعتبر إحدى الوسائل والأدوات المهمة للشيطان ، ونجد في القرآن الكريم اشارات متعددة لمفهوم العفة والشهوة في موارد مختلفة ، وفيما يلي بعض الآيات الكريمة الّتي تستنطق هذا المفهوم القرآني :
1 ـ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً)([1])
2 ـ (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)([2]).
3 ـ (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ* أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)([3]).
4 ـ (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ* وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ* قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ* قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ* قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ* فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)([4]).
5 ـ (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)([5]).
6 ـ (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ* وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ* وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)([6]).
تفسير واستنتاج :
آثار اتباع الشهوات في التاريخ البشري
«الآية الاولى» بعد أن تذكر أسماء بعض الأنبياء الإلهيين وتستعرض صفاتهم الكريمة وخصالهم الحميدة تقول : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)([7]).
وهنا تستثني الآية المذكورة فوراً بعض الأشخاص الّذين يحملون صفات متميزة وتقول : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً)([8]).
والجدير بالذكر أنّ الآية محل البحث تتحدّث عن اتباع «الشهوات» بعد مسألة إضاعة الصلاة وتتبعها حالة الضلال والغي ، ويمكن أن نستوحي من هذه العبارة انها تشير من جهة إلى أنّ الصلاة تعد عاملاً مهماً في الحدّ من طغيان الشهوات وبالتالي العمل على تقويم سلوك الإنسان في طريق الحقّ والانفتاح على الله بعيداً عن اشكال الإنحراف الأخلاقي وافرازات الأهواء النفسانية ، وكما جاء في الآية 45 من سورة العنكبوت : (... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) ومن جهة اخرى تشير الآية إلى أنّ عاقبة «اتباع الشهوة» هي الضلال والانحراف ، كما نجد ذلك في الآية 10 من سورة الروم : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ).
أجل أنّ عاقبة هؤلاء هي الضلالة والزيغ وما يستتبع ذلك من النتائج الوخيمة ، أي الغضب الإلهي والعقاب الاليم في الآخرة.
ومعلوم أنّ «الشهوات» في الآية محل البحث لها مفهوم واسع ولا تنحصر في «الشهوة الجنسية» ، بل تستوعب في مفهومها كلّ أشكال الميول النفسانية والنوازع الدنيوية والأهواء الشيطانية ، وطبعاً فإنّ الأشخاص الّذين تابوا من بعد ذلك واستدركوا تورطهم في الذنوب بالعمل الصالح وتحركوا على مستوى تقوية إيمانهم القلبي الّذي تعرض للاهتزاز بسبب الولوغ في الخطيئة فإنّ عاقبتهم أنّهم سيكونون من أهل الجنّة بعد تطهير قلوبهم من الآثار السلبية لاضاعة الصلاة واتباع الشهوات.
«الآية الثانية» وضمن بيان التقابل بين «الرجوع إلى الله» و«اتباع الشهوات» ، والإشارة إلى أنّ هذين المفهومين لا يلتقيان في الإنسان في جهة واحدة بل يسيران به في جهتين مختلفتين تقول : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)([9]).
أجل فالأشخاص الّذين غرقوا في وحول الخطايا والشهوات يريدون أن يورطوا الآخرين في الخطيئة وممارسة الاثم ليكونوا من أمثالهم ويتلوثوا بالذنوب ، في حين أنّ الله تعالى يريد للناس الطهر والنقاء القلبي بتركهم الشهوات وبعودتهم إلى الله ، وبالتالي لينالوا المعرفة والصفاء والتقوى والسعادة الدائمة ، ويقول الأعاظم من المفسّرين أنّ المراد من «الميل العظيم» هو هتك الحدود الإلهية والتلوث بأنواع الذنوب والخطايا ، والبعض منهم يرى أنّ المقصود منها هو نكاح المحارم وأمثال ذلك الّتي ورد النهي عنها في الآية السابقة والّتي هي في الواقع أحد مصاديق المفهوم أعلاه.
والجدير بالذكر أنّ اتباع الشهوات الوارد في الآية الكريمة يمكن أن يكون له مفهوم عام ، وكذلك يمكن أن يكون إشارة إلى الشهوة الجنسية بالخصوص ، لأن هذه الآية وردت بعد آيات تحدثت عن حرمة نكاح المحارم والنساء المحصنات والجواري والبغايا من الجواري ، وعلى أي حال فإنّ هذه الآية تقرر حقيقة مهمة في هذا المجال ، وهي أن طريق «اتباع الشهوات» تتقاطع تماماً مع طريق «الانفتاح على الله».
الآيات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة من الآيات محل البحث تتحدّث عن قصة قوم لوط وتورطهم في إنحراف أخلاقي في دائرة الغريزة الجنسية ، فالشهوة هنا امتزجت مع انحرافات جنسية كثيرة على طول التاريخ ، وفي كلّ آية من هذه الآيات الكريمة هناك نكتة خاصّة تشير إليها الآية القرآنية حيث نستعرضها ونشير إلى هذا المضمون الكامن فيها :
«الآية الثالثة» تتحدّث عن النبي لوط وتستعرض خطابه لقومه في اطار التوبيخ الشديد حيث تقول : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ)([10]).
«الفاحشة» كلمة تطلق على كلّ عمل قبيح جداً ، رغم أنّ المتعارف في المفهوم منها هو «الفحشاء الجنسي» ، والآية الكريمة تشير إلى أنّ هذه الفاحشة قد بدأت من قوم لوط وأنّ إتيان المذكر أو ما يعبر عنه باللواط لم يكن قبل ذلك متداولاً في المجتمعات البشرية.
ويستمر لوط في التحدث مع قومه بلسان الذم والتقريع ويقول : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ...)([11]).
في هذه الآية نجد انها تشير إلى أحد العلل والأسباب لتحريم «اللواط» ألا وهو ظاهرة انقطاع النسل ، لأنّه لو تصورنا سريان هذا السلوك المنحرف إلى جميع أفراد المجتمع فإنّ هناك خطر انقطاع النسل البشري ، وسوف تعيش الإنسانية حالة التهديد بالفناء والاندثار.
بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ جملة «وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ» المذكورة في الآية أعلاه هي إشارة إلى عمل السرقة وقطع الطريق الّذي كان يمارسه قوم لوط ، وبعض ذهب انها إشارة إلى التعرض الجنسي للآخرين وللمارة الّذين كانوا يمرون في طريقهم.
«نادي» من مادّة «ندى» بمعنى المجلس العام أو مجلس التفريح والترفيه حيث يتنادى الناس فيه وينادي بعضهم الآخر في مثل هذه المجالس.
وبالرغم من أنّ القرآن الكريم لم يذكر أنّ قوم لوط في مجالسهم الترفيهية هذه ما ذا كانوا يرتكبون من منكرات اخرى ، ولكن من الواضح أنّ أعمالهم الاخرى كانت متناغمة مع عملهم الشنيع هذا ، وقد ورد في الروايات الشريفة أنّهم كانوا يخلعون ملابسهم أمام الآخرين ويمارسون حالة التعري والتلفظ بالألفاظ الموهنة والركيكة ويتحدّثون بالكلمات القبيحة في ما بينهم ويقومون بأعمال وقحة وممارسات قبيحة يخجل القلم عن ذكرها.
قوم لوط هؤلاء كانوا قد غرقوا في مستنقع الشهوة إلى درجة أنّهم أخذوا يستهزئون بالقيم الأخلاقية والمثل الإنسانية ، ولهذا السبب فعند ما سمعوا كلام لوط تعجبوا من ذلك وأنكروا عليه هذا التوبيخ والذنب لأفعالهم وقالوا له كما تقول الآية : (... فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)([12]).
وبهذا فإنّهم استهزؤا بعذاب الله وسخروا من كلام النبي لوط.
وفي «الآية الرابعة» من الآيات محل البحث نجد إشارة إلى جانب آخر من قصة قوم لوط حيث تتحرك الآية لبيان حادثة الضيوف الإلهيين الّذين نزلوا بمهمة انزال العذاب في قوم لوط وجاءوا على شكل شباب ذي وجوهٍ مليحة وجميلة إلى النبي لوط (عليه السلام) الّذي لم يكن يعرفهم ، ولهذا أبدى خوفه وانزعاجه لهذه الضيافة لما يعلم من سوء نية قومه اتجاه الغلمان والشبان فتقول الآية (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ)([13]).
وفي هذه الاثناء تسامع قوم لوط بالخبر فأرادوا السوء بهؤلاء الضيوف الكرام : (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ...)([14]).
فلمّا رأى لوط ذلك منهم تألم بشدة لهذا الموقف المخزي من قومه تجاه ضيوفه وأراد التخلص منهم بشتى الطرق ، ومنها انه عرض على هؤلاء الأشرار وبايثار عجيب بناته ليتم الحجّة عليهم ويكفوا عن ممارساتهم الشنيعة : (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ)([15]).
إن هؤلاء الأشرار أجابوه بمنتهى الوقاحة (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ)([16]).
أي انك تعلم إننا لا نحب مقاربة النساء وتعلم انحرافنا عن هذا المسلك الطبيعي في إشباع الغريزة.
وعند ما رأى لوط هذه الوقاحة من قومه وتملكه اليأس من إصلاحهم أو دفعهم عن ضيوفه نادى من صميم قلبه ووجوده : (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)([17]).
أي يا ليتني كنت امتلك القوّة لأُريكم جزاء عملكم الشنيع هذا أو أنّ لي عشيرة واتباع أقوياء يعينونني على دفعكم عن ضيوفي ..
وتتحرك الآيات في هذا السياق لتبين أنّ هؤلاء الضيوف الكرام اخبروا لوطاً بأنّهم رسل الله لإنزال العذاب على قومه وأنّهم مانعوه عن إيذاء قومه وعن أي تحرك عدواني اتجاهه واتجاه ضيوفه ، وأخبروه أنّ العذاب نازل على قومه حتماً غداً صباحاً ، وسوف لا يفلت أحد منهم من هذا العذاب الإليم والعقاب المخيف حيث ستنقلب مدينتهم رأساً على عقب وتمطر السماء عليهم حجارةً من سجيل ، وحين ذاك امروا لوطاً بالخروج مع أهلهِ من هذه القرية باستثناء زوجته الّتي كانت مداهنة مع الأشرار ويتركوا مدينتهم إلى حيث ينجوا بأنفسهم من العذاب الإلهي.
«الآية الخامسة» من الآيات محل البحث وضمن الإشارة إلى إنزال العذاب الإلهي على قوم لوط بسبب أعمالهم الشنيعة تقول : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)([18]).
وهكذا تم اهلاك هؤلاء القوم الظالمين وإنقاذ آل لوط من هذا العذاب الإلهي المقيم وطبعاً باستثناء زوجته الخائنة الّتي شملها العذاب مع قوم لوط.
وبالطبع كما ذكر في هذه الآية كان يمثل قسماً من العذاب الإلهي على هؤلاء الأشرار ، لأن القرآن الكريم يقول في آية اخرى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها ...)([19]).
أي أنّ الزلزلة الّتي أصابتهم لم تدع لهم بناءاً ولا أرضاً إلّا قلبته رأساً على عقب ثمّ يقول : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)([20]).
هذا المطر من الحجارة يمكن أن يكون قسماً من الشهب المتناثرة في الفضاء حيث نزلت هذه الشهب والنيازك بأمر من الله على اطلال هذه المدينة وأجساد أهلها المتناثرة.
وهناك احتمال آخر في معنى هذه الجملة ، وهو أنّ كلمة «حاصب» تعني العاصفة من الرمل حيث تنقل الرياح العاتية في الصحراء كثبان الرمل من منطقة إلى اخرى فتظهر في منطقة من الصحراء تلال من الرمل لم تكن موجودة قبل ذلك ، بل تتكون فجأة من خلال مطر من الرمال والحجارة الّتي تحملها العاصفة الرملية بحيث تدفن معها قرى كاملة ، وأحياناً تدفن تحتها قافلة من القوافل التجارية الّتي تجوب الصحراء.
والجدير بالذكر أنّ هذه العواصف الرملية أو أمطار الحجارة قد تحدث بين الفينة والاخرى في عالم الطبيعة ، ولكن هذه المرة حدثت هذه العاصفة الرملية بأمر من الله تعالى بوقتٍ مخصوص ومكان معين كما أخبر بذلك ملائكة الله الّذين ارسلوا إلى نبي لوط (عليه السلام).
ويوجد احتمال آخر في هذا الصدد ، وهو انه من الممكن أن تكون الزلزلة الشديدة قد أصابت هذه المدن والقرى ودمرتها عن آخرها ثمّ نزل عليهم مطر الحجارة السماوية ، ثمّ حلت بهم العاصفة الرملية لتمحوا آثارهم وتفني ما تبقى من وجودهم ، وهذا العذاب الإلهي بهذه المراحل الثلاثة الشديدة يبين غضب الله تعالى على هؤلاء القوم الظالمين.
«الآية السادسة» والأخيرة في هذه الآيات وضمن الإشارة الموجزة إلى قصة قوم لوط من بدايتها إلى منتهاها تقول : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ)([21]).
أجل ، فإنكم تأتون الذكور لاشباع غريزتكم الجنسية دون النساء ، ولذلك فأنتم منحرفون عن السبيل القويم لأنكم تركتم القوانين والمقررات الطبيعية والسنن الإلهية لاشباع الغريزة وسلكتم مسلك الإنحراف والزيغ الّذي من شأنه أن يؤدي إلى انقطاع النسل واشاعة أنواع المفاسد الاجتماعية والأمراض التناسلية ، ورغم أن مرض «الايدز» الموحش يعتبر أحد الأمراض العصرية الّذي اكتشف مؤخراً ، ولكن لا يبعد أن يكون هذا المرض موجوداً من ذلك الزمان أيضاً وقد اصيب به بعض هؤلاء الأشرار من قوم لوط ، ولهذا السبب فإنّ الله تعالى بحكمته ورحمته قد دفن أجسادهم تحت كثبان الرمل والحجارة ليكون ذلك عبرة للآخرين من جهة ، ونعمة للناس من جهة اخرى لمنع انتشار وسراية هذا المرض إلى أنحاء اخرى من المعمورة.
وعلى أي حال فإنّ هؤلاء القوم المجرمين كانوا على درجة من الوقاحة وعدم الحياء بحيث أنّهم مضافاً إلى عدم اصغائهم لكلمات لوط (عليه السلام) ، أرادوا إخراجه مع أهله من مدينتهم بتهمة الطهر والنقاء حيث تتحدّث الآية القرآنية في هذا السياق عن موقفهم المخزي هذا وتقول : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ)([22]).
ولكن الله تعالى يحكي لنا عاقبة قوم لوط هؤلاء ومصير نبيّهم الكريم حيث يقول : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ* وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)([23]).
أجل ، إن هؤلاء كانوا قد غرقوا في وحول الخطيئة وتلوثوا بأدران الإثم إلى درجة أنّهم كانوا يعتبرون أنّ الطهر والنقاء من الإثم والذنب اثماً وخطيئة بحد ذاته ، ولهذا كانوا يرون إنزال العقوبة على الأبرياء والطاهرين من الناس بتهمة الطهر وعدم التلوث بالمعاصي ويحكمون عليهم بالنفي إلى مناطق بعيدة ويخرجوهم من بيوتهم ولكن العذاب الإلهي كان لهم بالمرصاد ، وقد حلّ بهم قبل أن يطبقوا أحكامهم المزرية على لوط وأهله.
إن القسم المهم من هذه الآيات وضمن بيان العاقبة المخزية لاتباع الأهواء والشهوات بالمعنى والمفهوم العام والخاصّ يشير إلى أنّ هذا العمل الشنيع يعد منبعاً للكثير من الذنوب والممارسات الخاطئة الّتي تورث الفرد والمجتمع الانحطاط والسقوط الأخلاقي والاجتماعي وتذُم وتُشنع على من يمارسون هذه الخطيئة.
[1] سورة مريم ، الآية 59 و 60.
[2] سورة النساء ، الآية 27.
[3] سورة العنكبوت ، الآية 28 و 29.
[4] سورة هود ، الآية 77 ـ 83.
[5] سورة القمر ، الآية 33 و 34.
[6] سورة الأعراف ، الآية 80 ـ 84.
[7] سورة مريم ، الآية 59.
[8] سورة مريم ، الآية 60.
[9] سورة النساء ، الآية 27.
[10] سورة العنكبوت ، الآية 28.
[11] سورة العنكبوت ، الآية 29.
[12] سورة العنكبوت ، الآية 29.
[13] سورة هود ، الآية 77.
[14] سورة هود ، الآية 78.
[15] سورة هود ، الآية 78.
[16] سورة هود ، الآية 79.
[17] سورة هود ، الآية 80.
[18] سورة القمر ، الآية 33 و 34.
[19] سورة هود ، الآية 82.
[20] سورة هود ، الآية 82.
[21] سورة الأعراف ، الآية 80.
[22] سورة الأعراف ، الآية 82.
[23] سورة الأعراف ، الآية 83 و 84.