x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
واقع وجود الإنسان
المؤلف: الشيخ علي رضا بناهيان
المصدر: النظام التربوي الديني
الجزء والصفحة: ص 237 ــ 252
2024-09-22
162
يعني كيفية وجود الإنسان والغرض من خلقته، وكذلك على أساس (واقع الحياة الدنيا) وكيفية تصميمها. إن المحور الرئيس في حركة وجود الإنسان هو (مخالفة أهواء النفس). فلابد للإنسان أن يتدرب على التضحية من البداية. لقد انطوى وجود الإنسان على رغبات مختلفة لا يمكن أن ينالها جميعا. وكذلك دنيانا هذه قد ملئت بالآلام والمحن وكثيرا ما تنغص حياة الإنسان. وحتى عندما تعطي الإنسان شيئا وتلبي رغبته في مورد ما، فإنما ذلك مقدمة لسلب ذاك الشيء وإذاقة مرارة الحرمان للإنسان.
لم تصمم الدنيا بهذا الشكل، بسبب زيادة قيمة المرارة على الحلا. ومن جانب آخر لا يلتذ الله سبحانه بمعاناتنا، بل إن هذه المحن والمعاناة قد فرضت من أجل إنتاج القيمة المضافة وإحداث التغيير. إذ لابد ومن أجل إنتاج القيمة المضافة وإحداث التغيير أن ندع بعض ما نهواه ونشتهيه وإلا فإن اتجهنا إلى ما نرغب، فلا أحدثنا تغييرا ولا أنتجنا قيمة مضافة.
لماذا يجب التأكيد على العناء في هذا الدرب؟
إذا أردنا أن نزداد ثمنا وتكون حركتنا ذا قيمة وثمن على خلاف النباتات والحيوانات والملائكة، لابد أن تجذبنا رغبة إلى ما هو عكس اتجاه الله من جانب وتجذبنا رغبة أخرى إلى الله من جانب آخر.
كلما نخالف أهواءنا السطحية، فقد خطونا خطوة قيمة إلى الله سبحانه. وبما أن هذه المخالفة سوف تحدث دائما في حياتنا، ولابد أن تحدث فإذن نحن في معاناة مستمرة في هذه الحياة الدنيا وفي حركتنا إلى الله سبحانه.
لماذا يجب أن تؤكد على العناء في هذا الدرب؟ لأن الإنسان ولشدة حبه للراحة والدعة واللذة، يزعم انها سوف يصل إليها في هذه الدنيا، فيؤدي به هذا التوهم إلى غير صواب. فمن أجل أن لا يقع الإنسان في هذا الفخ، لابد أن يدخل عنصر العناء والألم في تفكيره ومنظومته الفكرية. فلا يجب أن نتحدث عن فوائد الالتفات إلى موضوع العناء والتسليم للعناء وقبوله وحسب، بل لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أضرار اهمال هذا الموضوع أيضا.
ما هي أخطار عدم توطين النفس على المعاناة؟ 1ـ القعود عن درب الحق الحافل بالمعاناة في المراحل النهائية
إن لم يحلّ أحد لنفسه قضية المعاناة في الدنيا، ولم ينطلق في حركته من موضوع العناء ولم يصحبه في الطريق، فإنه حتى وإن كان إنسانا صالحا، يحتمل أن يكون صلاحه ظاهريا وحتى قد يصبح إنسانا خطرا. إن بعض المتدينين قد تحملوا العناء في ديانتهم وفي أداء طقوسهم الدينية، ولكنهم لم يوطنوا أنفسهم على أصل العناء في الحياة الدنيا، فأصبحوا يتربصون الأيام ليحصلوا على الراحة في الدنيا ولو عن طريق الدين.
لماذا وقف الخوارج أمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أنهم كانوا قد قضوا حياتهم في تحمل عناء الزهد والعبادة؟! لأنهم لم يوطنوا أنفسهم على قبول أصل العناء، فما إن فرضت عليهم محنة جديدة من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام)، لم يطيقوها وشهروا السلاح على أمير المؤمنين (عليه السلام). فإن لم يوطن الإنسان نفسه على تحمل الصعاب والمعاناة في الدنيا بشكل عام، قد يعجز عن مواصلة الطريق في المراحل المتقدمة.
وكذلك نجد للمعاناة موقعا خاصا في حياة النبي إبراهيم (عليه السلام)، فإنه قد عانا ما عانا من المحن والآلام حتى نال مقام النبوة، وحتى بعد نبوته لم يسلم من المحن والآلام. ثم تحمل العناء والألم سنين حتى رزقه الله ولدا، ثم عانا في تربية ولده وبناء الكعبة مع ولده. ثم بعد كل هذا العناء الطويل، أمره الله أن يقدم ولده قربانا فيا ترى إلى أين يصل الإنسان في تحمل العناء؟! فمن لم يوطن نفسه على تحمل (أصل العناء) في الدنيا، يعيى عن المواصلة ويقعد عن الطريق في أواخر المطاف.
لابد أن نعلم أن العناء مستمر معنا إلى آخر العمر
لماذا كل هذا التأكيد في الروايات على حسن العاقبة؟ إذ بقدر ما يعاني الإنسان من أجل الدين والعبادة يزداد خطر سقوطه من اتقى ونهى نفسه عمرا طويلا، فإن لم يكن قد حل قضية المعاناة لنفسه، فهو في معرض الخطر أكثر من غيره، إذ يصبح مدعيا ويشعر بأنه دائن وطالب بما قدمه من عناء، فإذا أراد الله أن يضيف إلى معاناته محنة أخرى، لم يعد يطيق ويعيى عن مواصلة الطريق. وما أكثر الذين قعدوا عن الطريق وارتدوا عن درب المعاناة في سبيل الله.
إن بعض الناس وبعد مدة من المعاناة في سبيل الله يسأم من العناء. فمن هذا المنطلق، أحد أسباب ضرورة الاهتمام بموضوع المعاناة، هو أن لا تمل من المعاناة لطولها واستمرارها، فإنك إن لم توطن نفسك على استمرار المعاناة في الدنيا قد تعجز عن المداومة وترجع عن الطريق.
لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]. فتدل هذه الآية على أن منتظري الشهادة هم في مرتبة الشهداء، إذ قد استقاموا على نهج الشهداء إلى آخر حياتهم. فالمهم هو الاستقامة حتى الموت، إذ أن القيمة التي قد أعطاها الله لفئة من المؤمنين ليست بسبب استشهادهم، بل بسبب بقائهم على العهد؛ فمنهم من قضى نحبه أي استشهد ومنهم من ينتظر.
لماذا أفرز الله هؤلاء المؤمنين عن غيرهم في هذه الآية؟ لأن ليس كل المؤمنين مستقيمين على طريقهم وليس كلهم يطيقون معاناة هذا الدرب حتى نهايته. حتى أن كثيرا من المجاهدين في صدر الإسلام قد انحرفوا عن الطريق بعد طول جهادهم بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ قد يسأم الإنسان المعاناة في سبيل الله بعد مدة، ولعله يشعر بالطلب من الله فيقول: (إلى متى نعاني من المحن والمشاكل؟ فهل عملنا قبيحا إذ اتقينا الله وسلكنا سبيل دينه وجاهدنا في سبيله؟ ثم بعد كل ذلك لابد أن نعاني مرة أخرى؟!)
بعد أن عانا الإنسان من محنة، لابد أن يجرب محنة على مستوى أعلى. إن عالم المعاناة والمحن في هذه الدنيا يشبه مراحل العلاج الطبيعي، إذ أن العلاج الطبيعي لا يؤلم كثيرا في بادئ الأمر، وتظهر آلامه الشديدة في المراحل النهائية. وهكذا سبيل الدين، إذ لا يعاني الإنسان كثيرا في أوائل الطريق.
إذا أراد الله سبحانه أن يحصي المسلمين لقضائه لا ينظر إلى الناس ليرى من المسلم، بل يمتحن الناس على الدوام ويبتليهم بأنواع الشدائد والمحن ليرى هل قد سلموا واقعا أم لا؟ حتى أن الإمام الحسين (عليه السلام) في آخر لحظات حياته وفي حفرة المذبح ناجي ربه وعبر أنه ما زال مسلما: (الهي.... تسليما لأمرك)، ويا ترى هل بقيت مصيبة لم ينزلها الله على الإمام الحسين (عليه السلام)؟
ما هي أخطار عدم توطين النفس على المعاناة؟ 2. عدم القفز من الموانع والمرور من جنبها طلبا للراحة
الدليل الثاني على ضرورة توطين النفس على المعاناة، هو أنه إن لم يوطن الإنسان نفسه على تحمل المعاناة، عند ذلك بدلا من أن يقفز من الموانع، يمر من جنبها بلا مغامرة ومن وحي طلب الراحة. إن بعض المسلمين قد عاشوا تحت ظل الإسلام عمرا طويلا ولكنهم عملوا بالإسلام بدهاء وشيطنة، إذ كلما اقتضى دينهم شيئا من المحنة والمعاناة، التفوا حولها ومروا منها كراما. يعني أنهم قد انتقوا من الدين ما طاب لهم ولم يصطدم براحتهم، أما إن أراد الله منهم أن يجاهدوا أنفسهم ليعانوا في هذا الدرب، تركوا ما أراد الله ومروا منه. فإننا إن نمر من جانب الموانع بلا معاناة بدلا من أن نقفز عليها، لكي نريح أنفسنا من عناء جهاد النفس، فقد أعدمنا فرص رشدنا في الواقع.
إن بعض الناس يلتزم بالدين ما لم يطالبه بمخاطرة أو مغامرة
إن بعض الناس غير مستعدين على المخاطرة والمغامرة في الدين، ولهذا فإنهم لا يتخذون موقفا يلامون أو يهانون به، وبعبارة أخرى إنهم مواظبون على أن لا يواجهون مشكلة أو مصيبة في ديانتهم. طبعا لابد أن نعلم أن الله يبتلي الناس ويمتحنهم بحسب قابليتهم. وعلى أي حال إذا كان الإنسان قد وطن نفسه على تحمل العناء في الحياة الدنيا لن يتورط بهذا النمط من التدين.
كان محمد بن مسلم إنسانا محترما وثريا. ذات يوم قال الإمام الباقر له تواضع، فقبل هذا الرجل نصيحة الإمام. لعله بدأ يفكر ويبحث عن ثغرات دينه التي جعلت الإمام يشير عليه بالتواضع. ولعله خرج بنتيجة أنه ما زال لم يقلع الكبر من قلبه، وأن لابد من وجود مانع وإلا لكان المفترض أن تصلح صلاته كل الشيء. رجع إلى الكوفة وأخذ سلة من تمر وميزانا وجلس على باب المسجد وبدأ يبيع التمر بصوت عال فجاءه قومه وأبناء عشيرته وقالوا له: لقد أخزيتنا وشوهت سمعتنا، فما هذا العمل؟... عن أبي النصر: (سألتُ عبد الله بن محمد بن خالدٍ عَن محمد بن مسلم فقال: كان رجلاً شريفا موسرا، فقال له أبو جعفر ـ عليه السلام ـ: تواضع يا مُحَمَّدُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الكوفَةِ أَخَذْ قوصرة من تمر مع الميزان، وجَلَسَ على باب مسجد الجامع وصار يُنادى عليه، فأتاهُ قَومُهُ فقالوا له: فَضَحتنا! فقال: إِنَّ مولاي أَمَرَنِي بأمرٍ فلن أخالفه، ولن أبرح حَتَّى أَفْرَغَ مِن بَيعِ ما في هذه القوصرة. فقال لَهُ قَومُهُ: إِذا أَبَيتَ إِلَّا أَن تشتغل ببيع وشراء فاقعدْ فِي الطَّحَانِينَ، فَهَيَأ رَحَى وجملاً وجعل يطحن) (الاختصاص /51).
إن ديانة الإنسان الفار من المعاناة ديانة بلا فائدة
إنك إن لم تحل قضية المعاناة لنفسك، قد تكون متدينا ولكن يفرغ دينك من مضمونه وأثره في ترقيتك. فيا ترى ما كنا نفعل لو كنا في مقام محمد بن مسلم وكنا قد واجهنا الإمام بهذه النصيحة؟ لعلنا كنا نقول: نعم، لابد من التواضع. وحسبنا من التواضع هو هذه الابتسامة التي نوزعها على الناس. وهذا يعني المرور من جانب المانع وعدم القفز منه.
طبعا وبالتأكيد ليس طريق التواضع هو ممارسة الأعمال الرديئة دائما ولا أريد أن أنصحكم بممارسة هذه الأعمال، إذ يختلف دواء الناس باختلاف دائهم فكل بحسبه. ولكن حاولوا أن لا تفروا من المحن والابتلاءات التي يقدرها الله لكم ولا تلتفوا حول ابتلاءاتكم. إن الله يمتحن مختلف الناس بمختلف الابتلاءات والمصائب فلابد أن توطن نفسك على البلاء والعناء. وكذلك لابد أن توطن نفسك على معاناة سحق الهوى والشهوات.
رضوان الله على الشهيد شمران إذ كان قد وعى حقيقة المعاناة بكل وجوده ورحب صدره لأنواع البلاء. لقد جاء في كتاباته: (أنا أعتقد أن الله العظيم يثيب الإنسان بقدر المعاناة التي عاشها في سبيله، وأن قيمة كل إنسان بقدر ما تجرعه من ألم وعناء في هذا السبيل وأرى أن أولياء الله قد ابتلوا بالبلاء والألم والمحنة في حياتهم أكثر من أي أحد). ثم كتب هذا الشهيد العظيم مخاطبا ربه: (إلهي أشكرك إذ عرفتني على الفقر لكي أعيش الم الجائعين وأشعر بمحنة المحتاجين. إلهي أشكرك إذ قد صببت عليّ أمطار التهم والشتم والافتراءات لكي أغرق في عواصف الظلم والجهل والتهمة الموحشة، وينمحي صوتي المنادي بالحق أمام زئير طوفان الأعداء وعواصفهم، فيحتضنني الألم والبلاء ويفتح علي نوافذ فطرتي حتى أشعر بمعاناة علي ـ عليه السلام ـ بأعماق روحي).
أحد الآلام التي يفرضها الله على الناس هو الموت
أحد الآلام التي فرضها الله علينا هو الموت. فيا ترى لماذا قد أحاط الله الموت بهالة من الشدة والوحشة والدهشة بحيث يهدم ذكره جميع اللذات؟! لأنه أراد أن تعيش مع ذكر الموت في حياتك كلها ولا تنساه. لقد قدم الله تعالى الموت على الحياة وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]، فكأن الله قد خلق الموت قبل خلق الحياة، وكأنه قد قدر للناس الموت قبل أن يقدر لهم الحياة.
إن ذكر الموت يمثل أحد أهم الأساليب التربوية في الإسلام كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كفى بالمَوتِ واعظا) (الكافي، ج 2، ص 275) فلا تنسوا الموت وتجرعوا مرارة ذكره، فإن كثيرا من الروايات قد دعتنا إلى هذا الأسلوب التربوي وهو هدم اللذات عبر ذكر الموت وتجرع مرارة ذكره. فهل قد رأيت من يلاقي حتفه أمامك؟ وكم قد شيعت من إخوانك وأنزلت جسدهم في القبر؟ ويا ترى لماذا كل هذا التأكيد على ذكر الموت في رواياتنا؟ وكم له من تأثير إيجابي على النفوس؟ ولماذا جاء هذا التأثير؟
استمعوا هذه الرواية الرائعة المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) وتأملوا فيها. قال (عليه السلام): (ذِكْرُ الْمَوْتِ يُمِيتُ الشَّهَوَاتِ فِي النَّفْسِ وَ يَقْطَعُ مَنَابِتَ الْغَفْلَةِ وَ يقَوَي الْقَلْبَ بِمَوَاعِدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ يُرِقُ الطَّبْعَ وَ يَكْسِرُ أَعْلَامَ الْهَوَى وَ يُطْفِئُ نَارَ الْحِرْصِ وَ يُحَقِّرُ الدُّنْيَا وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وآله ـ فِكْرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَذَلِكَ عِنْدَ مَا تَحُلُّ أَطْنَابَ خِيَامِ الدُّنْيَا وَتَشَدُّهَا بِالْآخِرَةِ وَلَا يَسْكُنُ نُزُولُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الصَّفَةِ وَمَنْ لَا يَعْتَبِرُ بِالْمَوْتِ وَ قِلَّةِ حِيلَتِهِ وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ وَطُولِ مُقَامِهِ فِي الْقَبْرِ وَ تَحَيَّرِهِ فِي الْقِيَامَةِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) (مصباح الشريعة، 171).
من آثار ذكر الموت رقة الطبع / نصيحة للفنّانين
إن الفنانين معروفين برقة الطبع، وقد أعطت هذه الرواية وصفة لرقة الطبع وهي ذكر الموت. فإذا أراد فنان أن يزداد طبعه رقة عليه أن يكثر من ذكر الموت ويقضي بعض وقته في المقابر! هذه نصيحة صادقة وصريحة جدًا للفنانين. كان المجاهدون في الجبهة يذكرون الموت كثيرا، حتى كانوا يحفرون قبرا لهم في الصحراء ويتعبدون فيه في جوف الليل، كانوا يسجدون فيه وينامون فيه ويبكون فيه. ثم كانوا يرجعون من قبرهم وكأنهم وردة من شدة لطافتهم ورقتهم. فإذا سألتني: من أين حصل على هذه الرقة واللطافة، أقول: قد أخذها من ذلك القبر الذي بات فيه يبكي إلى الصباح. إن كنت ترى أحدهم لرأيته رؤوفا بالجميع ومتفائل بالخير وله جميع الصفات والحسنات التي تبحث عنها أنت. لقد حظي بجميع تلك الخصال الرائعة حتى بلغ درجة تصدير الصفات والتأثير على غيره. وقد نال كل ذلك بذكر الموت وتجسيم الموت. فانظر إلى أثر ذكر الموت التربوي على النفوس وهو أحد مصاديق الألم والعناء في هذه الدنيا. فإن أردت أن تطوّر نفسك بمعزل عن هذا المنهج تضيع في متاهات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.