x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
النظام القائم في معارف ديننا وإرشاداته
المؤلف: الشيخ علي رضا بناهيان
المصدر: النظام التربوي الديني
الجزء والصفحة: ص 1 ــ 20
2024-08-15
398
يحتاج الإنسان بين الحين والآخر أن ينظم ويرتب ذهنه، كما هو الحال في أجهزة الحاسوب حيث نحتاج تارة إلى تعديل ملفاته ومسح بعضها وإعادة تنسيقها وتبويبها. فاذا لم نقم بتنظيم وفهرسة معلومات الجهاز بشكل صحيح، لن نقدر على استخدامها بالشكل المطلوب بطبيعة الحال. وهذا ما يحدث في ذهن الانسان أيضا؛ حيث إننا نعرف الكثير من المعارف والارشادات الدينية ولكن ينبغي أن ننظمها في الذهن.
إن تبعثر المعلومات في الذهن يسبب الضياع ويمنعنا من الوصول إلى أي هدف مطلوب. فأحد أهدافنا في هذه السلسلة من الجلسات هي أن نبحث عن خيط يلم خرز الفضائل والارشادات والمعارف الدينية في سبحة واحدة. فلولا هذا الخيط لانفرطت خرز هذه السبحة. فلابد أن نحصل على رؤية تجاه النظام القائم في معارف ديننا وإرشاداته.
إن تنظيم المعارف الدينية حول محور رئيس واحد، يمكننا من صرف طاقتنا بشكل صحيح، وأن لا نفرط بإمكاناتنا، فإذا استطعنا أن ننظم جميع الإرشادات الدينية حول محور رئيسي واحد، عند ذلك سوف نعرف في ماذا نصب كل طاقتنا. وحينئذ سوف لا نفرط بوقتنا وإمكاناتنا وسوف نعرف ما يجب الحفاظ عليه ولا شيء في أن مثل هذه المراقبة تثمر وتصيب الهدف.
إن كثيرا من المعارف الدينية ولا سيما المعارف الأخلاقية مبعثرة وغير منظمة لدى هواتها كما أن أكثر الكتب الأخلاقية والمعنوية لا تعالج هذا التبعثر وأحيانا تزيد في تناثرها وبعثرتها. إن كثيرا من الكتب الأخلاقية تسطر مجموعة من الفضائل والرذائل الأخلاقية معاً بيد أنها لا توضح العلاقة القائمة بينها بشكل دقيق.
بسبب عدم انسجام المعارف الأخلاقية لدى هواة هذه الأبحاث، لا يدرى من أية فضيلة لابد أن ننطلق إلى تحصيل الفضائل. / تبعثر المعارف الدينية أحد الدواعي للابتعاد عن الدين كما أنه بسبب عدم انسجام المعارف الأخلاقية لدى أذهان هواتها، لا يدري في كثير من الأحيان من أية فضيلة لا بد أن ننطلق إلى تحصيل الفضائل. وهذا ما يسبب أزمة لدى الإنسان ويجعله في حيرة من أمره. بينما نجد في معارفنا الدينية نظاما تتناسق فيه جميع المعارف، بيد أن عدم إدراك هذا النظام جعلنا نتعامل مع هذه المعارف بضعف أو نعتبر العمل بهذه الأحكام والمعارف أشبه بالمستحيل.
إن أحد أسباب ابتعاد البعض عن الدين هو هذا التبعثر وعدم التناسق الذي شاهدوه في المعارف الإسلامية.
ومن جانب آخر إن فهم النظام القائم في المعارف الدينية يبدو ضروريا على من هم بصدد النشاط الثقافي حتى لا يتحيرون في أمرهم عند تشخيص الأولويات وتحديد ما يجب تناوله قبل أي موضوع آخر.
إن تنسيق معلوماتنا الدينية في نظام واحد يزيدنا شوقا واندفاعا في حركتنا، ويمكننا من مراقبة أنفسنا، كما أنه يضمن النتيجة لمراقباتنا الكلام الأول الذي نقف عنده كضرورة هو أننا بصدد تنسيق معارفنا ومعلوماتنا الدينية. فإن هذا التنسيق يعالج مشكلتنا في تحديد الأهداف ويزيدنا شوقا واندفاعا في حركتنا. كما أن هذا النظام يقوينا على مراقبة النفس ويجعل هذه المراقبات مثمرة صائبة.
لابد لنا من هذا النظام في سبيل تقييم أنفسنا إن بعض ما يسببه هذا التشتت والتبعثر في المعارف هو أن بعض الناس أناس صالحون بيد أنهم في جهل من محاسن وجودهم، وفي المقابل ترى بعض الناس سيئين ولكن يعتبرون أنفسهم صالحين، وهذا ما هو ناتج من عدم انتظام المعارف في أذهان الناس. فنحن بحاجة إلى هذا النظام حتى في سبيل تقييم أنفسنا.
إن فهم هذا النظام ضروري حتى أثناء مناجاتنا مع الله / فيا ترى من أي نقص نتوب إلى الله؟
إن فهم هذا النظام ضروري حتى أثناء مناجاتنا مع الله، إذ أثناء ما يستغفر الانسان ويناجي ربه، لابد أن يعرف النقص والتقصير الذي ينبغي أن يتوب منه إلى الله. ينبغي للإنسان أن يعرف مرضه كي يبحث عن الدواء ببصيرة وروية.
إن جهاد النفس هو ذلك الخيط الرابط بين خرز الفضائل كلّها / إن خط العمل في ديننا هو جهاد النفس
لقد استخدم نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) عبارة لجهاد النفس بودّي أن أستخدمها في مقام التعريف بموضوع بحثنا. إن الجهاد في سبيل الله من أهم الأعمال وأروعها وواحدة من النتائج التي قد يصل إليها الانسان أثناء الجهاد هي الشهادة في سبيل الله وما تشتمل عليه من أجواء الحب والعشق. ولكن أثناء ما كان يرجع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من مثل هذا الجهاد، عبر عن الجهاد وما ينطوي عليه من شهادة وتضحية وفداء بالجهاد الأصغر ثم حرض المسلمين بالخوض في الجهاد الاكبر. إذن موضوع كلامنا في هذه الأبحاث هو (جهاد النفس) الذي أعتبره الخيط الرابط بين خرز الفضائل برمتها. هذه هي الاستراتيجية الرئيسة في التربية الدينية.
إن مدى قيمة كل امرء هو بمقدار اهتمامه بجهاد النفس / مدى تلوث الإنسان مرتبط بمقدار أخطائه في عملية جهاد النفس.
إن الموضوع الرئيس في التربية الدينية هو جهاد النفس؛ لا مواضيع أخرى كالحسد والتكبر والخمول والحرص والحسرة والصدق والرأفة وغيرها من فضائل ورذائل. طبعا من المؤكد أن قد تبادرت في أذهانكم بعض الأسئلة والاستفسارات عن سبب هذا التحديد. فلعلكم تسألون إذن ما هو شان الولاية مع ما تشتمل عليه من أهمية بالغة؟ ولماذا لم نستبدل جهاد النفس بالعبادة ولم نقل إن هذا الخيط يتمثل بالعبادة؟
إن خط العمل في التربية الدينية هو محاربة الأميال النفسانية. إن مدى قيمة كل امرء هو بمقدار اهتمامه بجهاد النفس. وفي المقابل يرتبط مدى تلوثه بالذنوب والرذائل بمقدار أخطائه في عملية جهاد النفس. هذا هو المعيار المهم في تقييم الناس فلا يمكن تقييمهم من خلال مدى صدقهم وكذبهم ومدى تواضعهم وكبرهم وحسب، بل يتم ذلك من خلال ميزان جهاده أو تبعيته لنفسه. فإن فشل أحد في عملية جهاد النفس، سوف يظهر فشله في ظهور بعض الرذائل كالحسد والكبر والحرص وغيرها. وإذا نجح الإنسان في عملية جهاد النفس، سوف يظهر بعض هذا النجاح في التزامه بأوقات الصلاة، ويظهر بعضه في أخلاقه الطيبة مع الآخرين، وهكذا يظهر في باقي الفضائل والمحاسن.
ما هي العلاقة بين شهر رمضان وموضوع جهاد النفس؟
بإمكاننا أن نتحدث عدة جلسات لنبين ما هي العلاقة بين شهر رمضان وموضوع جهاد النفس، وهل من المناسب أن نطرح هذا الموضوع في هذا الشهر أم لا؟ ولكني أكتفي بنقل كلمة، وأعفيكم عن استماع عدة جلسات في سبيل إثبات شدة الترابط بين موضوع جهاد النفس وشهر رمضان.
(كلكم ضيوف الله، والضيافة بالترك. فإن كانت في الإنسان ذرة من هوى النفس، فهو لم يدخل في هذه الضيافة وإن دخلها فلم يستفد من هذه الضيافة) ثم أضيفوا هذا الكلام إلى حكمة النبي سليمان بن داوود (عليه السلام) حيث قال: (إن الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده) [مجموعة ورام / ج 1/ ص 60]، فاعرف أنت مدى صعوبة الطريق أمامنا. ولا شك بأننا لا نريد أن نحرم من بركات هذا الشهر.
و (كل هذه الجعجعة التي تشاهدونها في العالم فهي لعدم انتفاع الناس بهذه الضيافة، وعدم دخولهم في هذه الضيافة، وعدم تلبيتهم لدعوة الله).
القواسم المشتركة بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر
1ـ النورانية والأجواء المعنوية / في أجواء الجهاد الأكبر تستطيع أن نعيش نفس تلك الأجواء المعنوية والروحانية التي كان يعيشها المجاهدون في أيام الدفاع المقدس، نفس الأجواء الممتعة والجميلة التي يعيشها المجاهدون في الجهاد الأصغر، يمكن أن نعيشها في الجهاد الاكبر وفي خضم محاربة النفس. حتى أن الصفاء والجمال الذي يشتمل عليه أجواء الجهاد الأكبر هي أكبر وألصق بالفؤاد من أجواء الجهاد الأصغر. نحن نستطيع في أجواء الجهاد الأكبر أن نعيش نفس تلك الأجواء المعنوية والروحانية التي كان يعيشها المجاهدون في أيام الدفاع المقدس. حتى أن في خضم الجهاد الأكبر نستطيع أن نعيش أجواء أكثر معنوية ونورانية.
وأنا أتألم عندما أرى بعض الإخوة من المجاهدين يتحدثون بتحسر عن أيام الجبهة ومعنوياتها وروحانياتها وكأنه ذهبت تلك الأيام ولا فرصة بعد لهذا الجيل حتى يعيش الروحانية والأجواء المعنوية. فهذا كلام باطل من أسره؛ إذ لم يمنع الله نعمه عن عباده ولا يظلم أحدا بل يضاعف نعمه على عباده. فان هذه الفرصة التي أعطاها الله للجميع في ساحة الجهاد الأكبر أثمن بكثير من فرصة الجهاد الأصغر.
في أجواء الجهاد الأصغر كنا نشعر بمحبة الله ولطفه بعد ما كنا نضحي بأنفسنا وأموالنا، أما في الجهاد الأكبر وبعد ما نضحي بأميالنا وأهوائنا، نشعر بمزيد من رضا الله ولطفه ونكسب نورا أقوى من النور الذي نكسبه في أجواء الجهاد الأصغر.
2ـ الشعور بخطر العدو/ لابد من رصد العدو في الجهاد الأكبر كما هو الحال في الجهاد الأصغر، لكي تتمكن من مراقبة نفسك وتستعين بربك.
القاسم المشترك الآخر بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر هو تواجد العدو، والخطر الذي يهددنا من جانبه. فعندما تشعر بوجود العدو في الجهاد الأصغر وتلتفت إلى الخطر الذي يهدي من جانبه، تلتجأ إلى الله وتشعر بالروحانية والمعنوية حينئذ. وكذلك الحال في الجهاد الأكبر حيث لابد لك أن ترى العدو فيه كي تتمكن من مراقبة نفسك وتستعين بربك.
فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) [عدة الداعي / ص 314]. وفي المقابل إن العدو الخارجي في الجهاد الأكبر وهو الشيطان الرجيم يبدو ضعيفا من خلال آيات القرآن؛ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76] ولكن لابد من أخذه على مأخذ الجد.
3ـ صعوبة العمل والحاجة إلى الشجاعة / إن الشجاعة التي يحتاجها الانسان في الجهاد الأكبر أكثر من الشجاعة التي يحتاجها في الجهاد الأصغر، كلا الجهادين الأكبر والأصغر هي من الأعمال الشاقة والتي تحتاج إلى شجاعة. وأقسم بالله إن الشجاعة التي يحتاجها الانسان في الجهاد الأكبر أكثر من الشجاعة التي يحتاجها في الجهاد الأصغر. إن خوف فقدان (اللذة) وخوف فقدان (الجاه والسمعة) وخوف فقدان (الفرصة)، يترك أثره السلبي على شجاعة الانسان وهذه هي من مصاعب الجهاد الأكبر. إنه لجهاد أكبر حقاً.
وأولئك الذين خاضوا في ساحة الجهاد الأكبر ونجحوا في هذا الميدان، ينظرون إلى ساحة الجهاد الأصغر كما ننظر نحن إلى المقبلات فلا نهتم بالمقبلات كما نهتم بالطعام الرئيسي في المائدة. وكذلك حال الإنسان المحترف في ساحة الجهاد الأكبر، فانه بكل سهولة ينزل إلى ميدان الجهاد الأصغر ولا يبالي.
4ـ عشق الله وحب الآخرة / إن الاهتمام بالله وبالآخرة في الجهاد الأكبر أكثر من الجهاد الأصغر. ولكن يزداد هذا الاهتمام بالله وبالآخرة في الجهاد الأكبر. فالذي كان يعشق ربه في الجهاد الأصغر ويبكي من فراقه ويناجي الله شوقا إلى لقائه، سيزداد شعورا بهذا الحب والعشق في خضم الجهاد الأكبر.
لقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي وعلو ارتفاعي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شيء من أمر الدنيا إلا جعلت غناه في نفسه، وهمته في آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، [الكافي / ج 2/ ص 37] وقد رويت هذه الرواية بتعابير مشابهة عن غيره من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
ولا يخفي عليكم باني قضيت ثلاثين سنة من عمري في دراسة القضايا الأخلاقية وبودي أن أقدم لكم تقريرا عن نتيجة ما حصلت عليه في هذه السنين الثلاثين في ثلاثين ليلة في شهر رمضان هذا. ولكني أعترف امامكم بأني لم أفهم هذا الحديث إلى الآن وكلما قرأته طوال هذه السنين الطويلة شعرت باني لم أفهم مغزى هذا الحديث جيداً.
والعجيب هو أن الشرط في كسب هذه البركات هو أن يؤثر الإنسان هوى الله على هواه في أمر واحد وقضية واحدة لا في حياته كلها؛ (في شيء من أمر الدنيا). ومعنى هذا الحديث هو أن كل الأعمال الصالحة التي قمنا بها واعتبرناها من مصاديق جهاد النفس وإيثار هوى الله على هوى نفسنا فهي ليست كذلك ولا قيمة لها بحيث تؤول إلى تلك النتيجة المباركة المذكورة في الرواية.
فيبدو - والله العالم - أننا انتقينا الأعمال الصالحة التي تنسجم مع أهوائنا وقمنا بها، فلم نؤثر هوى الله على هوى نفسنا بالشكل الصحيح حتى لمرة واحدة.
ليس شيء يعين الانسان على غلبة هواه بقدر حب أهل البيت (عليهم السلام). فإن هذا العامل أقوى العوامل وأجدرها بنصرك على نفسك. وسوف نلتقي غدا يوم القيامة بالتأكيد ونرى صحة ما قلته لكم.
صلى الله عليكِ يا فاطمة الزهراء
ولكن اسمحوا لي أن أقول لكم أن في تلك اللحظات التي كان الشباب يقلعون فيها من كل التعلقات والأواصر عشقا بالشهادة ولقاء الله، كانوا ينطلقون بعدما يسمعون مصائب الزهراء (عليها السلام) فكانوا يذهبون نصرة للزهراء وانتقاماً من أعدائها.
فإنك في تلك اللحظات التي تتدرب فيها على حب أهل البيت (عليهم السلام) وتحاول أن تزداد حبا لهم، تكسب اللباقة والكفاءة اللازمة لاستلام نصرتهم ومعونتهم عند الحملة في الجهاد الأكبر، كما كان المجاهدون يستعدون للحملات بذكر أهل البيت (عليهم السلام)
وأولئك الذين عاشوا أيام الجبهة وأيام الدفاع المقدس يعرفون جيدا أن ليس أحد من المعصومين قد نصر المجاهدين بقدر فاطمة الزهراء (عليها السلام) فلنستفتح حملتنا ضد أهواء النفس في أول ليلة من شهر رمضان بذكر الزهراء (عليها السلام).