x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
عصمة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام
المؤلف: الشيخ علي الكوراني
المصدر: الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة: ص249-258
2024-07-14
416
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) . ( سورة التوبة : 122 )
عرَّف صاحب المعالم رحمه الله الفقه بأنه : العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية .
لكن هذا التعريف لا يتم ، لأن القرآن والسنة القطعية لم يحصرا الفقه في هذا النطاق ، وهذا بحث مهم ينفع تحقيقه في مباحث الإجتهاد والتقليد بشكل خاص ، وفي بحث ولاية الفقيه ، وفي بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي بحث وجوب تعليم الجاهل وإرشاده ، وبحث حجية الخبر ، وحجية الفتوى .
أما في الآية فإن ( لولا ) للتحضيض على التفقه في الدين ، وليس على التفقه فقط في أحكام الطهارة ، فالطهارة جزء صغير من الدين ، وليست هي الدين ، وبعض الشيء ليس هو الشيء !
والفقه المعروف بالأقسام الأربعة : الإيقاعات ، والعقود ، والأحكام ، والعبادات ، كله قسم صغير من الفقه ، بل الفقه أوسع منه بكثير !
فالفقيه في رأي الإمام الصادق عليه السلام ليس هو فقط الذي تعلم علم أصول الفقه وعرف مبانيه ، من أول مبحث وضع الألفاظ إلى آخر مبحث التعادل والتراجيح ، وتعلم علم الفقه من أول بحث طهارة الماء المطلق إلى آخر أحكام العاقلة . فقوله تعالى : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ . يدل على أن الإنذار يجب أن يكون بكل الدين ، وأن يكون الفقيه فقيهاً بكل الدين وهذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة لكم أنتم الذين تسيرون في طريق الفقاهة ، فالفقيه الذي يكتفي بصفة نصف فقيه ، كمن يترك بناءه على النصف ، لا يمكنه أن يحل المشكلة الدينية للناس !
الفقهاء الذين عينتهم الآية الكريمة : فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ، لحل المشكلة ، هم طائفة منتخبة من كل فرقة ، وهم ثمرات الناس الذين لهم صلاحية أن يتفقهوا ، ثم ينذروا !
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين . . أي دين ؟ إنه ذلك الدين الذي وصى به إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( سورة البقرة : 132 ) والذي قال عنه الله تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( سورة آل عمران : 19 ) ، فالتفقه المطلوب هو التفقه في الإسلام ، وصاحبه هو الفقيه المطلوب في الآية الكريمة ، وذلك الفقيه هو الإكسير الأعظم .
عندنا مثلاً في الأحكام الفقهية : ملعون من أخر الصلاة حتى تشتبك النجوم ، وعندنا : ملعون من أحب الرئاسة ، فلماذا نعتبر النص الأول حكماً فقهياً ولا نعتبر الثاني حكماً فقهياً ؟ ! فكما نبحث في معنى لعن من أخر الصلاة حتى تشتبك النجوم ، وأنه هل يدل على الحرمة أو الكراهة ، وما هو الموضوع فيه وما هو المحمول ، يجب أن نبحث ما يدل عليه لعن من أحب الرئاسة ، وما هو حب الرئاسة ، وهل اللعن فيه تمحيضي أو تحريمي ؟ ! إنها مسألة مهمة ، وأغلبكم والحمد لله في مستوى علمي كالثمر عند بدو صلاحه .
وعندنا مثلاً وجوب التولي والتبري ، فالواجب علينا أن نتبرأ من كل من أغضب ولي الله وحجته عليه السلام ، فهل هذا فقه أوليس فقهاً ؟
وهل أن التولي والتبري واجب أو مستحب ؟
وإن كان واجباً ، فما هو موضوعه وما محموله ؟ وما هي النسبة بين هذين الفرضين ، هل يمكن أن ينقص أحدهما عن الآخر ، أم يجب أن يساوق التبري التولي في كل مستوى تم عليه الدليل برهاناً وعقلاً كتاباً وسنة ؟ !
وما دامت هذه من مسائل الدين ، فلا بد لنا أن نتفقه فيها ، لأنها مشمولة للمأمور به في الآية : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين ، ومشمولة بوجوب الإنذار بعد التفقه : وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ .
إن مقام الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها مقامٌ عظيمٌ ، وحقها في أعناق المسلمين حقٌّ كبير ، ونحن مع الأسف لم نعمل لبيان حقها كما يجب !
إني أخاف أن تعقد محكمة لمحاكمتنا في الدنيا يكون القاضي فيها صاحب الزمان أرواحنا فداه . أو في الآخرة يكون القاضي فيها الله تعالى ، وأن نسأل هل عملنا لإحقاق فاطمة الزهراء عليها السلام بمقدار اعتراف فقيه سني ؟ أخشى أن نكون عاجزين عن الجواب !
ولننظر إلى ما رواه البخاري وما أثبته من حقها عليها السلام ولو عن غير عمد ! فالبخاري مقبول عند أشد المتعصبين منهم ، وأشد نقاد حديثهم ! وقد روى عن أبي الوليد عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( فاطمة بضعة مني ، من أغضبها فقد أغضبني ) . نوجه كلامنا حول هذا الحديث إلى الفقيه السني وليس إلى السفيه ! فماذا تقضي فقاهته في سند هذا الحديث ، ودلالته ؟
أما سنده فهو عندهم في الدرجة العليا حيث رواه البخاري الذي ( يحتاط ) في الرواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام !
وقد صحح هذا الحديث الذهبي الذي يعتبرونه أنقد نقادهم للحديث ، وصحح حديث : ( إن الرب يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة ) فالحديث عندهم في حد مقطوع الصدور عن النبي صلى الله عليه وآله ،[1] ونحن أردنا حديث البخاري مفسراً ومؤيداً لحديث الذهبي ، فعلى ماذا يدل هذا الحديث ؟
من أين ينشأ الرضا والغضب في أنواع الناس ؟
تقوم حياة النبات على قوتين ، قوة جذب الملائم ، وقوة دفع المنافر . وتظهر هاتان القوتان في حياة الحيوان بصورة قوة رضا وقوة غضب ، وتستمدان وجودهما من الطبع والغريزة .
وأما في حياة الإنسان ، ولا نقصد بها حياتنا نحن ، فليس مجلسنا هذا مجلس مجاملات ، إن معنى حياة الإنسان أن يصل أحدنا إلى درجة الإنسان الذي دعامة وجوده العقل : دعامة الإنسان العقل .[2] حينئذ يكون العقل منشأ كل رضاه وغضبه ، أما قبل ذلك فمنشؤهما الطبع والغريزة !
هل وصلت أنا إلى مرحلة الإنسان الذي ينشأ رضاه وغضبه من عقله ؟ أقول : كلا ، أبداً ، وكل عاقل لابد أن يعرف في أول درجات تعقله أنه لم يبلغ درجة الإنسان العاقل ، وهذا الاعتراف أمر مهم !
نحن إلى الآن لم نلتفت إلى محك إنسانيتنا وميزانها ما هو ؟ فنحن نرضى ونغضب لذواتنا ومكانتنا الاجتماعية ، ولا أقول إن رضانا وغضبنا لحاجاتنا البدنية !
فلينظر أحدنا إلى نفسه عندما يتركه شخص كان يثق به ويعتقد به ، هل ينقبض ويحزن ؟ فهو إذن ذئب ، ولم يصر إنساناً !
إن عمامة أحدنا لا تمنع أن يكون ما تحتها ذئب !
فلن يصير أحدنا إنساناً إلا إذا صار منشأ غضبه ورضاه العقل ، وليس الغريزة !
وإذا رأينا في حياتنا أن رضانا أو غضبنا نشأ ذات مرة من العقل ، فقد صار أحدنا ذات مرة إنساناً ! فإن عدنا إلى الرضا والغضب للبطن أو الفرج ، فنحن من تلك الحيوانات ، غاية الأمر أننا على شكل الناس !
أما الإنسان العقلاني فهو الذي يرضى دائماً لرضا العقل ، ويغضب لغضب العقل !
فإن كنت تعرف شخصاً على وجه الكرة الأرضية بلغ في شخصيته هذه الدرجة فدلني عليه حتى أذهب اليه وأقبل يده ، بل أقبل غبار قدميه !
وإن فوق هذه المرتبة مقاماً يمكن أن يبلغه الإنسان ، حيث تصير إرادته فانية في إرادة الله تعالى ، فلا يكون له مع إرادة ربه إرادة ! وهي درجة تجعله في كل أموره يرضى لرضا الله ويغضب لغضب ربه ! يعني لو قتلوا ابنه فهو يغضب لغضب الرب وليس لنفسه ، ولو أحيوا ابنه فهو يرضى لرضا الرب ، وليس لنفسه !
إن تصور هذا المستوى أمر صعب ، فكيف بتحققه ؟ !
وهذا هو مقام عصمة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ، عصمة ذلك المخلوق الذي لا نظير لوجوده في جميع المخلوقات ، الذي ذاب حبه وبغضه وفني في حب الله وبغضه ! فلا يحب إلا ما يحبه الله ، ولا يبغض إلا ما يبغضه الله تعالى !
وهذا هو البشر الذي وصل إلى درجة : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى . ( سورة النجم : 3 - 4 ) وهذه المرحلة والدرجة هي التي يعبر عنها بالعصمة الخاتمية وهي غير العصمة الإبراهيمية ، والعصمة الإبراهيمية غير العصمة اليونسية .
إن عصمة يونس عليه السلام عصمة ، لكن فيها : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . ( سورة الأنبياء : 87 ) ، إنه نبي معصوم ولكن في حياته نقاطاً يحتاج أن يصل منها إلى درجة : سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين . وقبل بطن الحوت لم يصل إليها !
ونبي الله يوسف نبي معصوم ، وبرهان ربه الذي رآه هو عصمته : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ . ( سورة يوسف : 24 ) ، لكنها عصمة بمستوى : وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين . ( سورة يوسف : 42 ) ، أما التسليم المطلق لحب الله وبغضه ورضاه وغضبه ، فهو مقام خاص بأفضل الخلق وخاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله ، ففي هذا المقام نستطيع أن نقول إنه يرضى لرضا الله ويغضب لغضبه مطلقاً ، وأن الله تعالى يرى لرضاه ويغضب لغضبه !
فهل فهم البخاري والذهبي ما روياه عن خير الخلق وصححاه : إن الرب يرضا لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة ؟ ! وهل فهما أن النبي صلى الله عليه وآله لو قال : إن فاطمة ترضى لرضا الرب وتغضب لغضبه ، فقط ، لدل ذلك على أن رضاها وغضبها منشؤه من الله تعالى فقط ، وليس من نفسها ولا من عالم الخلق ، وكان معناه درجة العصمة الكبرى التي لرسول الله صلى الله عليه وآله ؟ !
فما معنى قوله صلى الله عليه وآله بعد هذا المقام : إن الرب يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضب فاطمة ؟ ما معنى الصعود إلى درجة أعلى تكون لام الرضا من جهة فاطمة عليها السلام ؟ ! هنا يفهم الكلام من يعرف فاطمة عليها السلام ما هي ؟
والذي يعرف فاطمة من هي هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي يقول : إنما سميت فاطمة فاطمة ، لأن الناس فطموا عن معرفتها . ( تفسير فرات ص 581 ، البحار : 43 / 65 )
فثبت بالدليل أننا مفطومون عن معرفتها ، لأننا عاجزون عن معرفة تلك الدرجة الأعلى التي تجعل الله تعالى يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ! ! عاجزون عن معرفة هذه المخلوقة الربانية ، والحوراء الإنسية ، ما هي ، وفي أي أفق هي ؟ !
لقد كشف لنا أمير المؤمنين عليه السلام ليلة دفنها عن نافذة من مقامها عليها السلام ، حيث قال : أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمُسَهَّد ! ( أمالي المفيد ص 281 )
وينبغي أن نعرف أن الذي يقول ذلك هو الذي عرف الدنيا والآخرة ، ووضعهما كلتيهما تحت قدميه ! لكن غصة فقد فاطمة أرهقته ، لأنه يعرف من هي فاطمة ! لاحظوا كلماته عليه السلام عندما صلى على جنازتها ، فقد حدث عند جنازتها ما لم يحدث عند جنازة أحد ! ولا نستطيع أن نذكر أكثر من هذا :
في البحار عن مصباح الأنوار للخوارزمي عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام قال :
إن أمير المؤمنين عليه السلام غسل فاطمة عليها السلام ثلاثاً وخمساً ، وجعل في الغسلة الخامسة الآخرة شيئاً من الكافور ، وأشعرها مئزراً سابغاً دون الكفن ، وكان هو الذي يلي ذلك منها ، وهو يقول : اللهم إنها أمتك ، وبنت رسولك ، وصفيك وخيرتك من خلقك ، اللهم لقنها حجتها ، وأعظم برهانها ، وأعل درجتها ، واجمع بينها وبين أبيها محمد صلى الله عليه وآله . فلما جن الليل غسلها علي ، ووضعها على السرير ، وقال للحسن أدع لي أبا ذر فدعاه ، فحملاها إلى المصلى ، فصلى عليها ثم صلى ركعتين ، ورفع يديه إلى السماء فنادى : هذه بنت نبيك فاطمة ، أخرجتها من الظلمات إلى النور ، فأضاءت الأرض ميلا في ميل ! ( مقتل الحسين للخوارزمي 1 : 86 ، البحار 43 : 214 ، عوالم العلوم : 11 / 514 ط . ثانية ) .
ورفع يديه إلى السماء فنادى : هذه بنت نبيك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور !
ماذا يعني هذا الكلام ؟ ! لاحظوا أنه عليه السلام قال ذلك مجملاً ، فهذا المطلب لا يمكن أن يقوله لغير الله تعالى ! قال له إلهي إنك أخذت فاطمة من هذه الدنيا المظلمة ، إلى حيث النور نور السماوات والأرض .
ولاحظوا أن الله أجاب علياً وكأنه قال له نعم نقلتها إلى النور حيث خلقت روحها من نور ربها وفي نور ربها ، وما أن أكمل أمير المؤمنين عليه السلام كلمته حتى أضاء نورها من نقطة بدنها الطاهر عليها السلام إلى ميل في ميل ، تصديقاً لعلي عليه السلام وتطميناً له !
ماذا يعني هذا ؟ ! يعني أن حقيقة : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، للجميع ، أما فاطمة فإلى نور عظمة الله الذي منه خلقت ، وإليه عادت !
هذه فاطمة . . وإلى ذلك النور ذهبت روحها ، وبهذا النحو استقبل ذلك العالم بدنها الذي كان في عالم الظلمة !
وهذه فاطمة التي بلغت مقام : إن الرب ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها ! ومن المهم هنا أن نشير إلى أن البخاري يروي في صحيحه عن عائشة أنها قالت : فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ! ( : 4 / 41 ) . وروى غيره أنها أوصت علياً عليه السلام أن يدفنها سراً ولا يعلمهم بجنازتها !
وبهذه الاعترافات تكتمل مواد الحكم عليهم ، في صغرى وكبرى ونتيجة القياس ، فهذا ما تقوله السنة : إن الله ليغضب لغضبها ، وتقول إنها غضبت على أبي بكر وهجرته حتى توفيت فحل عليه غضب الله ، والقرآن يقول : وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ! ( سورة طه : 81 )
فلا طريق أمام الفقيه السني الذي يقرأ في صلاته كل يوم عشر مرات : صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ، إلا أن يتنازل عن أئمته ، أو عن القرآن ، أو عن السنة !
نعم يوجد بديل واحد لذلك أن يكون : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . ( سورة الجمعة : 5 )
[1] في مستدرك الحاكم : 3 / 154 : ( قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة : إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وفي مجمع الزوائد : 9 / 203 : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك . رواه الطبراني وإسناده حسن ) .
وهو في الطبراني الكبير : 1 / 108 ، ولم أجد تصريح الذهبي بتصحيحه في ميزان الإعتدال ، وقد يفهم ذلك من توثيقه للقزاز في : 2 / 492 ، وهو في سلسلة رواته عند الطبري .
وقال الصالحي في سبل الهدى والرشاد : 11 / 44 : ( الرابع : في أن الله تبارك وتعالى يرضى لرضاها ، ويغضب لغضبها . روى الطبراني بإسناد حسن ، وابن السني في معجمه وأبو سعيد النيسابوري في الشرف ، عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضي لرضاك . انتهى .
وهو مستفيض في مصادرنا ، راجع عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 26 ، وأمالي الصدوق : 1 / 313 ، وأمالي المفيد ، وغيرها .
[2] في علل الشرائع : 1 / 103 : ( حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دعامة الانسان العقل ، ومن العقل الفطنة والفهم والحفظ والعلم ، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً ذكياً فطناً فهماً ، وبالعقل يكمل ، وهو دليله ومبصره ، ومفتاح أمره ) .
وفي الكافي 1 / 25 : ( عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد مرسلاً ، قال : قال أبو عبد الله : دعامة الإنسان العقل ، والعقل منه الفطنة والفهم ، والحفظ والعلم ، وبالعقل يكمل ، وهو دليله ومبصره ، ومفتاح أمره ، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً ، حافظاً ، ذاكراً فطناً ، فهماً ، فعلم بذلك كيفَ ولمَ وحيثُ ، وعرف من نصَحَهُ ومن غشَّهُ ، فإذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله ، وأخلص الوحدانية لله ، والإقرار بالطاعة ، فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات ، ووارداً على ما هو آت ، يعرف ما هو فيه ، ولأي شئ هو ههنا ، ومن أين يأتيه وإلى ما هو صائر ، وذلك كله من تأييد العقل ) .