x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
اسألوا الله أن يذيقكم طعم لقائه
المؤلف: الشيخ علي رضا بناهيان
المصدر: النظام التربوي الديني
الجزء والصفحة: ص 316 ــ 325
2024-07-09
556
تدمنون على دعاء جوشن الكبير مثلا، أو تريدون أن تصلوا بكل أدب وخضوع، أو عزمتم على ترك بعض اللذات في سبيل إدراك تلك اللذة العظيمة، أو تريدون أن تقطعوا أنفسكم إرباً إرباً... لا أدري ماذا سوف تفعلون، ولكن اسألوا الله أن يذيقكم طعم لقائه، وادعوا لي أنا المسكين الذي أكثر منكم حرمانا وخيبة.
طبعا كل الناس جميعا يلاقون الله سبحانه، ولكن بعضهم سوف يلاقونه في أحسن الحال، وبعضهم يلاقونها في أسوأ الحال. ولقاء كل فرد بالله يختلف عن لقاء الفرد الآخر، فإذا أردنا أن نجسد تلك الحقيقة الرائعة بألفاظنا الصغيرة نقول: إن البعض لا يجد في لقاء الله سوى ابتسامة ربه في وجهه وبعض يضمه الله إليه، وبعض يباهي به الله وهذه هي الذ لذات العالم. فيا أيها الإنسان الذي تطرب وتنتعش بتصفيق قاعة مليئة بالناس لك، فما تفعل إن صفّق الله لك؟ عند ذلك سوف لا تشتري أهل العالم بفلس أحمر، لشدّة غناك عنهم وشدة لذة لقاء الله.
سوف يأتي اليوم الذي ندرك فيه كل هذه الحقائق وذلك يوم القيامة. في ذلك اليوم إذا امتنع الله من أن يكلم أحدا، يكون أشدّ عليه من عذاب جهنم. سوف ندرك في ذلك اليوم مدى لذة لقاء الله، فإذا امتنع الله من النظر إلى أحد سيكون أشد عليه من عذاب نار جهنم.
من أجل الوصول إلى لقاء الله لابد أن نزداد سعة والطريق إلى ذلك هو جهاد النفس، ليس لنا سوى طريق واحد للوصول إلى لقاء الله وهو جهاد النفس. فبعد أن التفتنا إلى هذا الهدف لابد أن نغض الطرف عن بعض الملذات والرغائب.
من أجل الوصول إلى لقاء الله لابد أن نزيد سعتنا ولكن كيف يتم ذلك؟ طريق ذلك هو أن نتطهر من الأنانيات ونترك الرغائب حسب البرنامج الإلهي. فإذا أراد أحد أن ينظم برنامجا لجهاد النفس على أساس رأيه وقراراته الشخصية، يخاطبه عقله قائلا: (هل تريد أن تبرمج لنفسك بنفسك؟ فعندئذ تبقى أنانيتك على حالها. فإذا أردت (أنت) أن تترك بعض مشتهياتك تبقى (انانيتك) على حالها وهذا نقض للغرض.
طريق زوال (الأنا) هو استلام الأوامر من الله لا ينبغي أن يبقى أثر لإنيتك في مقابل الله سبحانه ولا يسمح الله لأحد أن يتشرف بلقاء الله إلا بعد أن زالت أنانيته ورغباته أمام الله ومشيئته. لقد خطط الله برنامجه بحيث تسيطر على شهواتك بأمره وتغض النظر عن بعض لذائذك ولابد أن يكون ذلك بأمر الله لا بأمرك، إذ أن طريق زوال (الأنا) هو استلام الأوامر من الله سبحانه (الحافز) الرئيس في هذا الطريق الوحيد هو (لقاء الله)، ولا يحق لك أن تضع برنامجا في هذا الطريق، فإنك لو فعلت ذلك تتكبر نفسك مرة أخرى. ليس تكبر النفس بشيء جيد، إذ أن الله هو المتكبر ولا غير، فإنك إن تكبرت بمقدار ذرة، لن تجد رائحة الجنة كما في الرواية. فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يَا أَبَا ذرَ، مَنْ مَاتَ وفي قلبه مثقال ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرِ، لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ قَبْلَ ذلِك) (أمالي الطوسي، 538).
وكذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ كبر) (الكافي، 2 / 310).
لابد أن يطاع الله بنفس برنامجه الذي حدده؛ لا البرنامج الذي نحدده نحن، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن الله قد قال لإبليس: (إِنَّمَا أُريدُ أَنْ أعْبَدَ مِنْ حَيْثُ أُرِيدُ لَا مِنْ حَيْثُ تُرِيدُ) (تفسير القمي، 1 / 42) فقد برمج الله المقررات والمقدرات وأعلن عن الضوابط المتمثلة بالأحكام الإلهية في الدين.
يقضي الله على أنانية الإنسان عبر التقادير والتكاليف
علينا أن نجاهد هوى نفسنا لأن لا يبقى أثر من (الأنا) وهذا هو معنى العشق الذي ما أجمله وما أمتعه وما أكثر الذين طبلوا وزمروا باسمه ولم يدركوا شيئا من حقيقته. لا ينبغي أن يبقى أثر من (الأنا) في مقابل المعشوق، وهذا هو الله الذي يسلب أنانية الإنسان عبر تقديراته وتكاليفه. إعطاء البرنامج من شؤون الله والأمر والنهي هما من صميم جهاد النفس. ومن شؤون العبد أن يكون منتظرا لاستلام الأمر متأهبا لتنفيذه.
(جهاد النفس) يعني الالتزام بالأوامر الإلهية
اذن (جهاد النفس) هو عبارة أخرى للالتزام بالأوامر الإلهية والذي يعبر عنه القرآن بـ (التقوى). تأكيد القرآن على التقوى هو في الواقع تأكيد على الالتزام بالأوامر الإلهية. وركن التقوى هو جهاد النفس عبر الالتزام بأوامر الله لا العمل على أساس أميال النفس. فإنك إن جاهدت نفسك على أساس الأوامر الإلهية فقد عملت بالتقوى. كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنما هي نفسي أروضها بالتقوى) (نهج البلاغة، الكتاب 45) فإذا جاءك الأمر من المقام الأعلى فإنه ذو أثر آخر، ولا يموت هوى نفس الإنسان إلا باستلام الأمر من المقام الأعلى.
يبدو من وجوهكم وأعماركم أنكم لم تكونوا حاضرين في الجبهة. فكم كان لهذا الحديث من طلاب وشراء في جبهات الجهاد. كان بعض المجاهدين عشاقا للشهادة ومتحمسين للذهاب إلى الخط الأمامي، أما إذا أمرهم القائد أن لا يذهبون إلى الأمام ويبقون في مكانهم، يطيعون ويمتثلون. كنا نرى هذه الظاهرة في كتيبتنا. وأحيانا كنا نجد بعض المجاهدين الذين كل ما يأمره قائد الكتيبة بالبقاء في الخلف، لا يمتثل ولا يطيع. وأكثر هؤلاء المتمردين لم ينالوا الشهادة بل قد انحرف بعضهم.
كان أحد المجاهدين فنانا يخط ويرسم لوحات ثقافية وشارات. فكان القسم الثقافي في الفيلق يطلب منه أن يبقى في الخلف ليخط اللوحات والشارات المطلوبة. فكان يبقى في الخلف دون أن يصر على الذهاب إلى الأمام، وكان يضحك ويقول: (متى ما حان الوقت يأتي صاحب البيت ويأخذنا إليه، ولا علينا سوى أن نعمل بالتكليف) في إحدى الحملات جاءوا إليه من الأمام وقالوا له: قد اشتبكت الطرق في الخط الأمامي، فأسرع إلى هناك لكتابة الشارات. فضحك وقال: ألم أقل لكم متى ما حان الوقت يأتون ويأخذوننا. وفعلا ذهب واستشهد في المرة الأولى.
أحد العلماء الكبار والمجتهدين، كان قد ذهب إلى الجبهة، فاغتبط به المجاهدون وطلبوا منه أن يأمهم في الصلاة. ولكنه امتنع وقال: أنا لا أتقدم على المجاهدين. فكل ما أصروا عليه وقالوا له: أنت شيخ كبير وعالم فقيه وفي هذا العمر قد جئت إلى الجبهة فمن أفضل منك الآن، رفض أن يتقدم في الصلاة. إلى أن قال: في حال واحد أقبل وهو أن يأمرني قائد الكتيبة بإقامة الصلاة، فعند ذلك يجب علي امتثال أمره، إذ أن أمره في امتداد أمر قائد الفيلق وقائد القوات المسلحة وبالتالي الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فإذا أمرني، يجب علي الامتثال شرعا.
علاقة التقوى مع جهاد النفس في الروايات يقول أمير المؤمنين: (رأسُ التَّقى مخالفة الهوى) (عيون الحكم، 263) وكذلك قال (عليه السلام): (من جاهد نفسه أكمل التقى) (غرر الحكم، الحديث 4940) وقال (عليه السلام) في حديث آخر: (لَا يُفْسِدُ التَّقْوَى إِلَّا غَلَبَةُ الشَّهْوَةِ) (غرر الحكم، الحديث 6003) وكذلك قال (عليه السلام): طُوبَى لِمَنْ عَصَى فِرْعَوْنَ هَوَاهُ وأَطَاعَ مُوسَى تَقواه) (عيون الحكم، 5493).
لقد كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) كتابا إلى معاوية فجاء فيه: (تَذْكُرُ التَّقْوَى وأَنْتَ عَلَى صَدَهَا؛ قَدِ اتَّبَعْتَ هَوَاكَ) (كنز الفوائد، ج 2، ص 43) وهذا ما يدل على تضاد هوى النفس مع التقوى.
وكذلك جاء في حديث طويل عن الإمام الرضا (عليه السلام): (لكنَّ الرَّجُل كل الرجل، نعم الرجل هو الذي جَعَلَ هواه تبعاً لأمر الله) (مجموعة ورام، ج 2، ص 100). فمن خلال هذه الروايات يمكن فهم الترابط الموجود بين الأمر الإلهي وبين التقوى وجهاد النفس.
صلى الله عليك يا أبا عبد الله
أحيانا تقتضي التقوى أن تضحي بأعز أعزاءك وليس شأنك سوى أن تترقب الأوامر فقط. فلا يكن هدفك أن تصبح إنسانا صالحا، فتفسد بهذا الطريق بل يجب أن تنفذ الأوامر. وأحيانا يقتضي امتثال الأمر الإلهي أن تغض الطرف عن كثير من القيم والأعمال الصالحة في سبيل أمر أهم وأسمى.
أنتم تعلمون أيها الإخوة أن أهل الإنسان وزوجته وأطفاله من أعز الناس عليه، كما أن لهم احترامهم وشأنهم ويجب على الإنسان أن يحافظ عليهم ويحميهم من الأخطار. ولذلك أشاروا على الحسين (عليه السلام) أن سلّمنا بأنك عازم على الجهاد ومواجهة الظالمين، ولكن لماذا تذهب بأهلك ونسائك وأخواتك وأطفالك وبناتك إلى الحرب. ولم يكن جواب الحسين (عليه السلام) إلا أن قال: لقد أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر أنا ماضٍ له.
نحن لو كنا في زمن الإمام الحسين (عليه السلام) لعلنا كنا نقول له: إذهب جعلنا الله فداك وامضِ إلى امتثال أمر الله عسى أن تختم هذه القصة بخير كما ختمت قصة إبراهيم الخليل بخير ولم يسمح له الله بذبح ابنه. اذهب فلعل الملائكة تهبط وسط الطريق وتقول: لقد تقبل الله جهادك وقد نجحت في هذا الامتحان فأرجع زينب، ولكن جاء يوم العاشر ومرّت الساعات ولم يأت خبر من السماء.... ألا لعنة الله على القوم الظالمين.