1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية الروحية والدينية :

المنهج السلوكي في التربية القرآنية

المؤلف:  د. بلال نعيم

المصدر:  التربية والتعليم في القران الكريم

الجزء والصفحة:  ص 62 ــ 67

2025-03-05

98

المقصود بهذا المنهج أن التعاليم الإلهية المنزلة في آيات الكتاب الكريم هدفها التربية والتعويد على السلوك المستقيم وليست تعاليم نظرية مجردة؛ لأجل ذلك كان الاقتران الدائم في القرآن بين الإيمان والعمل الصالح، وأنّ العمل الصالح هو الكاشف عن الإيمان. كما جرى التأكيد على أن العمل الصالح عامل تقسم إلى عدة أقسام، أهمها السلوك الحسن مع الناس (خدمة) الناس، رعايتهم، قضاء حوائجهم وتفريج همومهم وتنفيس كربهم، فقد ورد في سورة الماعون: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1 - 3].

وفي آية أخرى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42]؟

{قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 43، 44].

وفي آية أخرى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة: 30 - 34].

وغيرها من الآيات الشاهدة على أن الكاشف الحقيقي عن الإيمان هو السلوك العبادي والأخلاقي، العبادي مع الله والأخلاقي مع الناس، وحتى العبادي منه لا قيمة له إذا لم يؤد إلى المعاملة الأخلاقية الجيدة مع الناس: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].

وفي ضوء ما تقدم فإن المنهج القرآني في التربية يقوم على بناء القناعات السليمة والقويمة، ثم على تحويل هذه القناعات إلى سلوك وعدم الاقتصار عليها. ويقوم أيضاً هذا المنهج على قياس مدى الالتزام بالقناعات والمبادئ من خلال السلوك، فلا انفكاك بين المبادئ والتزامها، وإن النماذج الإلهية الصادقة التي قدمها القرآن الكريم كانت تعبر عن مستوى الالتزام بالمبادئ والقيم في السلوك والمعاملة والأفعال. فالأنبياء والأولياء والصالحون الذين ذكروا في القرآن لم يكن وصفهم ونعتهم ومدحهم والإطراء عليهم من قبل الحق جل وعلا، لأنهم كانوا أكثر الناس إيماناً وقناعة بالمبادئ والرسالات والتشريعات التي نزلوا بها أو نزلت عليهم فحسب. بل إنهم أيضاً كانوا أكثر الناس التزاماً بهذه المبادئ، إلى جانب الإيمان القلبي بها. فعندما يمدح الله سبحانه وتعالى، ذلك الولي الأعظم؛ فذلك لأنه تصدق بالخاتم في ركوعه. وعندما يمدح أهل بيت العصمة في سورة الإنسان؛ فلأنهم أطعموا المسكين واليتيم والأسير وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ووقوا شح أنفسهم. وعندما يمدح نبي الله عیسی (عليه السلام) فلأنه كان براً بوالدته. وعندما يمدح نبي الله إسماعيل فلأنه كان صادق الوعد. وعندما يمدح لقمان (عليه السلام) فلأنه كان حكيماً. وعندما يمدح نبي الله يوسف فلأنه كان عفيفاً. وغير ذلك من القصص القرآني الذي يتعرض للأنبياء والأولياء حيث المديح والإطراء وعلو الشأن، بحسب القرآن، كان لجهة مدى التزام هؤلاء الصالحين بتعاليم السماء، وذلك في سلوكهم ومعاملاتهم وتصرفاتهم.

وفي المقابل، فقد ذم الله سبحانه بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]، كما أنه حذر المؤمنين من القول بغير العمل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].

ذلك يعني أيضاً أن العمل على مقتضى الرسالة وتعاليمها هو المطلوب، فما هي الفائدة من العبادات الفردية إذا لم تكن لها آثار اجتماعية تخدم في قيام الناس بالقسط ونهوضهم وقيامهم بواجباتهم واستشعارهم بعدالة الرسالة التي أنزلها الله، وبالتالي بعدالة الله سبحانه وتعالى؟ فإن أخطر ما ينتج من مجرد الالتزام الفردي الظاهري بالشريعة من دون انعكاسها على السلوك الاجتماعي هو شعور الناس بعدم العدالة مع بقائهم على الفقر والعوز والحاجة والفاقة، إذا لم تفرض الرسالة على أهلها الإنفاق ولم يقم أهل الرسالة بالإنفاق، أو بالحض عليه بما يؤدي إلى رفض الناس للرسالة وللرساليّين، وبالتالي رفضهم للحق والعياذ بالله فقيمة أي فرد هي في مستوى تلبسه بالمبادئ في سلوكه وعمله حتى قيل عن الرسول (صلى الله عليه وآله) إن خلقه القرآن، أي أنه قرآن حكيم ناطق متجسد في سلوك إنساني اجتماعي راقي، يستطيع على أساسه أن يستقطب للحق، وأن يجذب الناس إليه، عندما يقبلهم ويزورهم ويحن عليهم ويتفقدهم ويوفر احتياجاتهم ويسعى في حوائجهم ويعمل على التخفيف عنهم، ويواسيهم في فقرهم وضعفهم وقصر ذات يدهم ويتحمل إساءاتهم فالولي بحسب التعاليم هو الذي يضع نفسه في وسط الناس، ويعيش العدالة في سلوكه، ويواسي الناس في دنياه. وفي فقرهم، ويكون أرفعهم ديناً وزهداً وعبادة: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

من هنا، فإن المنهج التربوي في القرآن يقضي بأن التربية هي في السلوك، وأن التربية من أجل السلوك؛ التربية بالسلوك من خلال النماذج الإنسانية التي تجسدت في شخصيات الأنبياء والأولياء، والتربية من أجل السلوك أي من أجل أن تتجسد التعاليم في أداء اجتماعي يؤدي إلى إصلاح المجتمع وإصلاح أحوال الناس بما يفضي إلى الاستقرار الاجتماعي، ذلك المناخ المؤاتي للعبودية.

إذاً يمكن القول، باختصار، إنّ المنهج التربوي في القرآن منهج التربية بالسلوك من أجل السلوك. 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي