الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
عود إلى أخبار المعتمد
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة: مج4، ص: 274-283
2024-05-02
782
عود إلى أخبار المعتمد
وقال الفتح أيضا: ولما نقل المعتمد من بلاده وأعري من طارفه وتلاده وحمل في السفين وأحل في العدوة محل الدفين تندبه منابره وأعواده ولا يدنو منه زواره ولا عواده بقي أسفا تتصعد زفراته وتطرد اطراد المذانب عبراته لا يخلو بمؤانس ولا يرى إلا عرينا بدلا من تلك المكانس ولما لم يجد سلوا ولم يؤمل دنوا ولم يروجه مسرة مجلوا تذكر منازله فشاقته وتصور بهجتها فراقته وتخيل استحياش أوطانه وإجهاش قصره إلى قطانه وإظلام جوه من أقماره وخلوه من حراسه وسماره فقال :
بكى المبارك في إثر ابن عباد بكى على إثر غزلان وآساد
بكت ثرياه لاغمت كواكبها بمثل نوء الثريا الرائح الغادي
بكى الوحيد بكى الزاهي وقبته والنهر والتاج كل ذله بادي
ماء السماء على أفيائه درر يا لجة البحر دومي ذات إزباد
وفي ذلك يقول ابن اللبانة :
أستودع الله أرضا عندما وضحت بشائر الصبح فيها بدلت حلكا
كان المؤيد بستانا بساحتها يجني النعيم وفي عليائها فلكا
في أمره لملوك الدهر معتبر فليس يغر ذو ملك بما ملكا
نبكيه من جبل خرت قواعده فكل من كان في بطحائه هلكا
وكان القصر الزاهي من أجمل المواضع لديه وأبهاها وأحبها إليه وأشهاها لإطلاله على النهر وإشرافه على القصر وجماله في العيون واشتماله بالزهر والزيتون وكان له به من الطرب والعيش المزري بحلاوة الضرب ما لم يكن بحلب لبني حمدان ولا لسيف بن ذي يزن في رأس غمدان وكان كثيرا ما يدير به راحه ويجعل فيه انشراحه فلما امتد الزمان إليه بعد وانه وسد عليه أبواب سلوانه لم يحن إلا إليه ولم يتمن غير الحلول لديه فقال :
غريب بـأرض المغربين أسير سيبكي عليه منبر وسرير
وتندبه البيض الصوارم والقنا وينهل دمع بينهن غزير
مضى زمن والملك مستأنس به وأصبح منه اليوم وهو نفور
برأي من الدهر المضلل فاسد متى صلحت للصالحين دهور
أذل بني ماء السماء زمانهم وذل بني ماء السماء كبير
فيا ليت شعري هل أبين ليلة أمامي وخلفي روضة وغدير
بمنيته الزيتون مورثة العلا تغني حمام أو ترن طيور
بزاهرها السامي الذي جاده الحيا تشير الثريا نحونا ونشير
ويلحظنا الزاهي وسعد سعوده غيورين والصب المحب غيور
تراه عسيرا لا يسيرا مناله ألا كل ما شاء الإله يسير
وقال الحجاري في المسهب : إن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أهدى
إلى المعتمد جارية مغنية قد نشأت بالعدوة وأهل العدوة بالطبع يكرهون أهل الأندلس وجاء بها إلى إشبيلية وقد كثر الإرجاف بأن سلطان الملثمين ينتزع بلاد ملوك الطوائف منهم واشتغل خاطر ابن عباد بالفكر في ذلك فخرج بها إلى قصر الزاهر على نهر إشبيلية وقعد على الراح فخطر بفكرها أن غنت عندما انتشى هذه الأبيات
حملوا قلوب الأسد بين ضلوعهم ولووا عمائمهم على الأقمار
وتقلدوا يوم الوغى هندية أمضى إذا انتضيت من الأقدار
إن خوفوك لقيت كل كريهة أو أمنوك حللت دار قرار
فوقع في قلبه أنها عرضت بساداها فلم يملك غضبه ورمى بها في النهر
فهلكت انتهى فقدر الله تعالى أن كان تمزيق ملكه على يدهم تصديقا للجارية
في قولها ":
إن خوفوك لقيت كل كريهة
وحصره جيوش لمتونة الملثمين حتى أخذوه قهرا وسيق إلى أمير المسلمين والقصة مشهورة
وقال الفتح في شأن حصار المعتمد ما صورته : ولما تم في الملك أمده وأراد الله تعالى أن تخر عمده وتنقرض ايامه وتنقرض عن عراص الملك خيامه نازلته جيوش أمير المسلمين ومحلاته وظاهرته فساطيطه ومضلاته بعدما نشرت حصونه وقلاعه وسعرت بالنكاية جوانحه وأضلاعه وأخذت عليه الفروج والمضايق وثنت إليه الموانع والعوائق وطرقته طوارقها بالإضرار وأمطرته من النكاية كل ديمة مدرار وهو ساه بروض ونسيم لاه براح ومحيا وسيم زاه بفتاة تنادمه ناه عن هدم أنس هو هادمه لا يصيخ إلى نبأة ولا ينيخ إلا على لهو يفرق جموعه جمعه وقد ولى المدامة ملامه وثنى إلى ركنها طوافه واستلامه وتلك الجيوش تجوس خلاله وتقلص ظلاله وحين اشتد حصاره وعجز عن المدافعة أنصاره ودلس عليه ولاته وكثرت أدواؤه وعلاته فتح باب الفرج وقد لفح شواظ الهرج فدخلت عليه من المرابطين زمرة واشتعلت من التغلب جمرة تأجج اضطرامها وسهل بها إيقاد الفتنة وإضرامها وعندما سقط الخبر عليه خرج حاسرا من مفاضته جامحا كالمهر قبل رياضته فلحق أوائلهم عند الباب المذكور وقد انتشروا فب جنابته وظهروا على البلد من أكثر جهاته وسيفه في يده يتلمظ للطلى والهام ويعد بانفراج ذلك الاستبهام فرماه أحد الداخلين برمح تخطاه وجاوز مطاه فبادره بضربة أذهبت نفسه وأغربت شمسه ولقي ثانيا فضربه وقسمه وخاض حشا ذلك الداء وحسمه فأجلوا عنه وولوا فرارا منه فأمر بالباب فسد وبني منه ما هد ثم انصرف وقد أراح نفسه وشفاها وأبعد الله تعالى عنه الملامة ونفاها وفي ذلك يقول عندما خلع وأودع من المكروه ما أودع :
إن يسلب القوم العدى ملكي وتسلمني الجموع
فالقلب بين ضلوعه لم تسلم القلب الضلوع
قد رمت يوم نزالهم أن لا تحصنني الدروع
وبرزت ليس سوى القميص على الحشا شيء دفوع
أجلي تأخر لم يكن بهواي ذلي والخضوع
ما سرت قط إلى القتال وكان من أملي الرجوع
شيم الألى أنا منهم والأصل تتبعه الفروع
وما زالت عقارب تلك الداخلة تدب ثم ذكر الفتح تمام هذا الكلام فراجعه فيما مر بنحو ثلاث ورقات .
ومن حكايات مجالس أنسه أيام ملكه قبل أن ينظمه صرف الدهر في سلكه ما حكاه الفتح عن ذخر الدولة أنه دخل عليه في دار المزينية والزهر يحسد أشراق مجلسه والدر يحكي اتساق تأنسه وقد رددت الطير شدوها وجودت طربها ولهوها وجددت كلفها وشجوها والغصون قد التحفت بسندسها والأزهار تحيي بطيب تنفسها والنسيم يلم بها فتضعه بين أجفانها وتودعه أحاديث آذارها ونيسانها وبين يديه في من فتيانه يتثنى تثني القضيب ويحمل الكأس في راحة أبهى من الكف الخضيب وقد توشح وكأن الثريا وشاحه وأنار فكأن الصبح من محياه كان اتضاحه فكلما ناوله الكأس خامرته سوره وتخيل أن الشمس تهديه نوره فقال المعتمد |:
لله ساق مهفهف غنيج قد قام يسقي فجاء بالعجب
أهدى لنا من لطيف حكمته في جامد الماء ذائب الذهب
ولما وصل لورقة استدعى ذا الوزارتين القائد أبا الحسن ابن اليسع ليلته تلك في وقت لم يخف فيه زائر من مراقب ولم يبد فيه غير نجم ثاقب فوصل وما للأمن إلى فؤاده وصول وهو يتخيل أن الجو صوارم ونصول بعد أن وصى بما خلف وودع من تخلف فلما مثل بين يديه آنسه وأزال توجسه وقال له : خرجت من إشبيلية وفي النفس غرام طويته بين ضلوعي وكففت فيه غرب دموعي بفتاة هي الشمس أو كالشمس إخالها لا يجول قلبها ولا خلخالها وقد قلت في يوم وداعها عند تفطر كبدي وانصداعها:
ولما التقينا للوداع غدية وقد خفقت في ساحة القصر رايات
بكينا دما حتى كأن عيوننا لجري الدموع الحمر منها جراحات
وقد زارتني هذه الليلة في مضجعي وأبرأتني من توجعي ومكنتني من رضابها وفتنتني بدلالها وخضابها فقلت :
أباح لطيفي طيفها الخد والنهدا فعض بها تفاحة واجتنى وردا
أما وجدت عنا الشجون معرجا ولا وجدت منا خطوب النوى بدا
سقى الله صوب القطر أم عبيدة كما قد سقت قلبي على حسره بردا
هي الظبي جيدا والغزالة مقلة وروض الربى عرفا وغصن النقا قدا
فكرر استجادته وأكثر استعادته فأمر بخمسمائة دينار وولاه لورقة من حينه .
قال الفتح : وأخبرني ابن اللبانة أنه استدعاه ليلة إلى مجلس قد كساه الروض وشيه وامتثل الدهر فيه أمره ونهيه فسقاه الساقي وحياه وصفر
له الأنس عن مونق محياه فقام للمعتمد مادحا وعلى دوحة تلك النعماء صادحا فاستجاد قوله
وأفاض عليه طوله فصدر وقد امتلأت يداه وغمره جوده ونداه فلما حل بمنزله وافاه رسوله بقطيع وكأس من بلار قد أترعا بصرف العقار ومعها :
جاءتك ليلا في ثياب نهار من نورها وغلالة البلار
كالمشري قد لف من مريخه إذ لفه في الماء جذوة نار
لطف الجمود وذا فتألفا لم يلق ضد ضده بنفار
يتحير الراءون في نعتيهما أصفاء ماء أم صفاء دراري
وقال الفتح أيضا : وأخبرني ذخر الدولة أنه استدعاه في ليلة قد ألبسها البدر رواءه وأوقد فيها أضواءه وهو على البحيرة الكبرى والنجوم قد انعكست فيها تخالها زهرا وقابلتها المجرة فسالت فيها نهرا وقد أرجت نوافج الند وما ست معاطف الرند وحسد النسيم الروض فوشى بأسراره وأفشى حديث آسه وعراره ومشى مختالا بين لبات النور وأزراره وهو وجم ودمعه منسجم وزفراته تترجم عن غرامه وتجمجم عن تعذر مرامه فلما نظر إليه وقربه وشكا إليه من الهجران ما استغربه وأنشده :
أيا نفس لا تجزعي واصبري فإن الهوى متلف
حبيب جفاك وقلب عصاك ولاح لحاك ولا منصف
شجون منعن الجفون الكرى وعوضنها أدمعا تنزف
فانصرف ولم يعلمه بقصته ولا كشف له عن غصته انتهى
وقال الفتح أيضا: أخبرني ذخر الدولة بن المعتضد أنه دخل عليه في ليلة
قد ثنى السرور منامها وامتطى الحبور غاربها وسنامها وراع الأنس
وعوادها ونور السرج قد قلص أذيا لها ومحا من لجين الأرض نيالها
والمجلس مكتس بالمعالي وصوت المثاني والمثالث عالي والبدر قد كمل والتحف بضوئه القصر واشتمل وتزين بسناه وتجمل فقال المعتمد :
ولقد شربت الراح يسطع نورها والليل قد مد الظلام رداء
حتى تبدى البدر في جوزائه ملكا تناهى بهجة وبهاء
وتناهضت زهر النجوم يحفه لألأؤها فاستكمل اللألاء
لما أراد تنزها في غربه جعل المظلة فوقه الجوزاء
وترى الكواكب كالمواكب حوله رفعت ثرياها عليه لواء
وحكيته في الأرض بين كواكب وكواعب جمعت سنا وسناء
إن نشرت تلك الدروع حنادسا ملأت لنا هذي الكؤوس ضياء
وإذا تغنت هذه في مزهر لم تأل تلك على التريك غناء
وأخبرني ابن إقبال الدولة بن مجاهد أنه كان عنده في يوم قد نشر من غيمه رداء ند وأسكب من قطره ما ء ورد وأبدى من برقه لسان نار وأظهر من قوس قزحه حنايا آس حفت بنرجس وجلنار والروض قد بعث رياه وبث الشكر لسقياه فكتب إلى الطبيب الأديب أبي محمد المصري
أيها الصاحب الذي فارقت عيني ونفسي منه السنا والسناء
نحن في المجلس الذي يهب الراحة والسمع الغنى والغناء
نتعاطى التي تنسي من الرقة واللذة الهوى والهواء
فأته تلف راحة ومحيا قد أعدا لك الحيا والحياء
فوافاه وألقى مجلسه وقد أتلعت فيه أباريقه أجيادها وأقامت فيه خيل السرور طرادها وأعطته الأماني انطباعها وانقيادها وأهدت الدنيا ليومه مواسمها وأعيادها وخلعت عليه الشمس شعاعها ونشرت فيه الحدائق إيناعا فأديرت الراح وتعوطيت الأقداح وخامر النفوس الابتهاج والارتياح وأظهر المعتمد من إيناس ما اسرق به نفوس جلا سه ثم دعا بكبير فشربه كالشمس غربت في ثبير وعندما تناولها قام المصري ينشد أبياتا تمثلها:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا بشاذمهر ودع غمدان لليمن
فأنت أولى بتاج الملك تلبسه من هوذة بن علي وابن ذي يزن
فطرب حتى زحف عن مجلسه و أسرف في تأنسه وأمر فخلعت عليه خلع لا تصلح إلا للخلفاء وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء وأمر له بدنانير عددا وملأ له بالمواهب يدا
وله في غلام رآه يوم العروبة من ثنيات الوغى طالعا ولطى الأبطال قارعا وفي الدماء والغا ولمستبشع كؤوس المنايا سائغا وهو ظبي قد فارق كناسه وعاد أسدا صارت القنا أخياسه ومتكائف العجاج مزقه إشراقه وقلوب الدارعين قد شكتها أحداقه فقال :
أبصرت طرفك بين مشتجر القنا فبدا لطرفي أنه فلك
أوليس وجهك فوقه قمرا يجلى بنير نوره الحلك
وقال فيه:
ولما اقتحمت الوغى دارعا وقنعت وجهك بالمغفر
حسبنا محياك شمس الضحى عليها سحاب من العنبر
وقد جمع بنا القلم في ترجمة المعتمد بن عباد بعض جموح وما ذلك إلا لما علمنا أن نفوس الأدباء إلى أخباره رحمه الله تعالى شديدة الطموح وقد جعل الله تعالى له كما قال ابن الأبار في الحلة السيراء رقة في القلوب وخصوصا بالمغرب فإن أخباره وأخبار الرميكية إلى الآن متداولة بينهم وإن فيها لأعظم عبرة رحم الله تعالى الجميع