x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
مقارنة بين الفقه والعقائد
المؤلف: السيد الدكتور سعد شريف البخاتي
المصدر: الثقافة العقليَّة ودورها في نهضة الشعوب
الجزء والصفحة: ص 113 ــ 115
2024-04-16
708
عندما يريد الفقيه استنباط حكم شرعي في واقعة معينة يحتاج إلى إقامة دليل يعينه على مهمته هذه، ولكن لا يمكنه الإفادة من كل دليل فلابد من علم تعرض فيه الأدلة على طاولة البحث؛ لمعرفة الحجة التي يمكن الاعتماد عليها من غيرها. ومن هنا صب الفقهاء جهودهم على علم أصول الفقه وتدوينه؛ ليتكفل بهذه المهمة العظيمة.
فعلم أصول الفقه هو العلم الذي يستعرض الأدلة، التي يمكن أن تستخدم في عملية استنباط الحكم الشرعي؛ ليقوم بغربلتها، وبيان الصالح لهذه المهمة من غير الصالح، فهو علم نقد الأدلة الفقهية.
ولذا لا يحق للفقيه أن يدخل أبواب الفقه ما لم تكن عنده إحاطة تامة بعلم أصول الفقه؛ ليعرف أي الأدلة يمكنه الإفادة منه، وأيّها باطل لا يستفاد منه.
فكذلك عند البحث في المسائل العقائدية، يحتاج الباحث إلى علم شبيه بعلم أصول الفقه. فكما أن علم الفقه يحتاج في استنباط مسائله إلى مجموعة من الأدلة يستعين بها على ذلك، إلا أنَّ هذه الأدلة لا بد من معرفة دليليتها وحجيتها، ومقدار ما لها من حجية، وأنها إذا تعارضت مع بعضها البعض فأيها مقدم، فكذلك الباحث في علم العقائد يحتاج في استنباطه للأحكام العقائدية إلى مجموعة من الأدلة، لا بد من معرفة حجيتها ومقدار حجيتها ومعرفة المتقدم من المتأخر منها عند التعارض. كما لا بدَّ من طرح بعض المسائل والقواعد المهمة في البحث العقدي، والتي تعتبر بمنزلة المبادئ التصديقية للبحث، فكان لزاماً على العلماء والباحثين تأسيس علم يتكفل ببيان هذه الأمور والمسائل، وانطلق عليه اسم علم أصول العقائد (1)، على غرار علم أصول الفقه.
وفي ذلك العلم تبحث المناهج المعرفية التي يستفاد منها في الفكر العقائدي، والمناهج التي لا يمكن الاستفادة منها هناك، فمثلاً المنهج التجريبي، فإنه منهج خاص بالعلوم التي تتبنى اكتشاف القوانين الطبيعية (عالم المادة). وهذا المنهج لا يمكن الإفادة منه في القضايا غير المادية لأن التجربة عبارة عن ثلاث خطوات هي: الاستقراء للجزئيات المادية ثم القياس الخفي الذي هو عبارة عن قياسين: استثنائي، واقتراني فالبحث عن غير الماديات (كالعقائد وعالم الغيب)، لا يمكن فيه الاستفادة من التجربة؛ لأن الخطوة الأولى في التجربة - وهي استقراء الجزئيات المحسوسة - غير موجودة.
وهكذا يتكفل هذا العلم دراسة وتتبع الأدلة والمناهج المعرفية وإثباتها. حجيتها أو عدمها، وهل يمكن الإفادة منها أو لا.
وإذا تم إنجاز وتأسيس هذا العلم، فإنه يجعل البحث العقائدي منضبطاً بقانون معتبر كالفقه، ولا تتطرق إليه الشبهات والأهواء والدعاوى التي تعصف بالأمة من كل جانب بحجة التحرر العقلي والفكري، أو بحجة الرجوع إلى الدين وأهله فإن هاتين الدعوتين الإفراطية والتفريطية لا يمكن الركون إليهما لو كان هناك ميزان يحكم البحث العقائدي، ولانحسرت الدعاوى في المجال الفكري والعقائدي كما هي منحسرة في المجال الفقهي، بل قد تصل إلى حد الانعدام.
والخلاصة: فالثقافة العقلية لها آثار عامة، وهي تكميل النفس ورفع النقص عنها، وتأهيلها للنشاط العقلي الذي يسهل على روادها تقبل فكرة الغيب، أو لا أقل فهمها بشكل صحيح.
كما أن لها آثاراً ومنافع خاصة، وهي: معرفة الأشياء على ما هي عليه في الواقع ونفس الأمر بشكل عقلائي خالٍ من الخرافات البدع، وبناء رؤية كونية مستندة إلى البرهان العقلي الذي لا يتزلزل بالشبهات؛ وبالتالي بناء منظومة فكرية متكاملة من العقائد والآيديولوجية والسلوك، وتخليص المجتمع من جميع ألوان الانحراف الفكري الإفراطي والتفريطي.
وبإمكان هذه الثقافة تزويد البحث العقائدي بما يحتاج إليه من علم شبيه بعلم أصول الفقه، يبحث فيه عن الأدلة وحجيتها ودائرة حجيتها، ودراسة بعض المقدمات والمبادئ التصديقية المرتبطة بالبحث، وهو علم أصول العقائد.
وهذا ما يتطلب من الباحثين والمثقفين أن يبذلوا الجهود في تبسيط البحث العقلي، وإنزاله إلى المجتمع بكافة شرائحه؛ لكي يتيسر للجميع معرفة العقائد بطريقة برهانية مبسطة، وتسليحهم ضد الشبهات والانحراف الفكري والعقائدي؛ ليكون ثقافة عامة في المجتمع من خلال أدوات تعليمية خاصة من قبيل الورشات والدورات المكثفة، والندوات العلمية، والمناهج المدرسية، والمؤتمرات، والمجلات الثقافية المبسطة.
ثم بعد ذلك لا بُدَّ من بناء ثقافة المجتمع بشكل مترابط ومنسجم، بحيث يربط فيها العقائد بالآيديولوجية ومن ثم بالسلوك لتخليص المجتمع من مرض الازدواجية المقيتة، وإعادة الثقة إلى أبناء الأمة، وجعلها أمة تحمل ثقافة مستقلة، فتتخلص من أسارة التبعية للغرب أو الشرق، فيكون إخلاصها لدينها وأمتها الواحدة فحسب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ هذه التسمية أطلقها على هذا العلم الذي يراد تأسيسه أستاذنا الدكتور أيمن المصري.