1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية العلمية والفكرية والثقافية :

دور الثقافة في حركة المجتمع

المؤلف:  السيد الدكتور سعد شريف البخاتي

المصدر:  الثقافة العقليَّة ودورها في نهضة الشعوب

الجزء والصفحة:  ص 29 ــ 33

2024-03-19

849

كل مجتمع يمتاز بمجموعة من الظواهر الاجتماعية الخاصة به، والتي يعرف بها، وتلوح في أفقه معالمها وتشكلاتها.

وبهذه التمظهرات الاجتماعية السلوكية يمتاز مجتمع عن مجتمع، أو يشترك مع غيره.

فما هو سبب نشوء هذه الظواهر - سلبية أو إيجابية - في أمةٍ، وضمورها وتراجعها في أمم أخرى؟

لا تعدو أن تكون الظاهرة الاجتماعية إلا فعلاً اختيارياً تحول إلى عادة وعرف، نهج عليه أبناء تلك الأئمة، فلابد من تطبيق قواعد الفعل الاختياري - المتقدمة - عليها، لمعرفة كيفية تكونها ونشوئها.

أن السلوك أو الفعل الاختياري ناتج عن إرادة واعية شاعرة، بمعفى أن الإرادة والانتخاب لا يمكن أن تصدر عن الإنسان ما لم يكن هناك تصور وعلم ما عن الفعل الذي يراد اختياره، ومعرفة به ولو إجمالية. فما كان - بحسب علمي وثقافتي - حسناً وجميلاً وفيه منفعة، أرادته النفس واختارته، وما كان قبيحاً وفيه مفسدة، أحجمت عنه ورفضته.

فطبيعة العلم بالأشياء، ونوعية الصورة المرتسمة عندنا عن تلك الأشياء هي التي تحسنها او تقبحها، وبالتالي فالمجتمع الذي يتكسب بالربا ـ مثلاً ـ ما ذلك الا بسبب صورته الحسنة التي رسمتها ريشة الثقافة في نفسه حيث ينظر الى زوايا حسنها فقط، وأنها تجلب له أرباحاً اوفر.

بينما نجد فرداً آخر او متجمعاً آخر يفر منه ويستقبحه، وما ذاك أيضا الا بسبب نوعية المعرفة والصورة العلمية للربا عنده، من وجود المفاسد والمضار الاجتماعية والدينية على الفرد والمجتمع، فيحجم عنه.

فثقافة المجتمع هي التي ترسم صور الحسن والقبح في أذهان أبنائه. ولهذه أمثلة كثيرة يمكن الاستفادة منها في توضيح هذه الفكرة وإثباتها.

وعندما ننظر إلى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) نجد الكثير منهم يسيرون قبل إسلامهم في غير الوادي الذي ساروا فيه بعد اعتناقهم الإسلام، فما نجد من عمّار بن ياسر (رضوان الله عليه) إلا عبداً لبني مخزوم، لا هم له إلا خدمتهم، ليعود مساءً فيشبع بطنه، ولم يكن يهدف في سلوكه لشيء، حتى في تكوين مستقبله.

وعندما ننظر إليه في حقبته الأخرى التي اعتنق فيها دين الإسلام الجديد، نجده إنسانا آخر، ترى فيه المبدأ والهدفية والهموم الرسالية والكرامة التي لا يمكن أن يتنازل عنها.

وهذا ما نجده أيضاً في عينةٍ أخرى، وهو بلال الحبشي.. العبد الذي يباع ويشترى كمثل السلعة، ولا يحق له أن يتفوه بشيء إلا بمقدار ما يسمح به مولاه، فلا يملك حتى سلوكه الشخصي، لكنه تغير!!

وهكذا أبو ذر وصهيب وحنظلة و....

فما هو الشيء الذي أعطاه لهم رسول الرحمة بحيث تحولوا إلى شخصيات أخرى؟! 

إنما أعطاهم الثقافة التي هي الغذاء الحقيتي للإنسان، فبها تحيا روحه وعقله أو تموت.

وعندما كانت الثقافة التي تملأ زوايا نفوسهم هي ثقافة: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24].

فإن هكذا ثقافة تزين لهم مجموعة من التصرفات والسلوكات، فلا محيص لهم عن أن يختاروا غير ما يناسب تلك المعرفة.

ولكن لما جاء الطبيب الدوار بطبه، فشخص نوع المرض الذي نخر نفوس الأمة وعقولها، قبل أن ينخر وضعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، بدأ برسم خطته في وضع دواء الأسقام المتفشية، وبحكمته المؤيدة من السماء، استطاع أن يضع يده على أساس المشكلة ليصلحها.

فاستبدل تلك الثقافة البائسة التي لا تعطي للإنسان قيمة تذكر، بل تجعله بمصاف العجماوات التي همها علفها، وما الدنيا عنده إلا أياماً يأنس بها البشر، ثم يؤول مصيرهم إلى العدم.

استبدلها بثقافة: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، فغرس في نفوسهم ثقافة أخرى، تصور لهم أن الموت ليس نهاية الحركة الإنسانية، بل حركة الإنسان تستمر إلى ما بعد الموت.

فالدنيا - في ثقافة طبيب السماء - مدرسة للإنسان تظهر فيها النتائج بعد الموت، وهي مزرعة تجفى ثمارها في دار الآخرة، فكل عمل فيها إنما هو نبتة لتلك الدار، فلا يأكل الإنسان في أخراه إلا مما زرعت يداه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

الإنسان في هذه الثقافة الجديدة خليفة الله تعالى في الأرض، وليس سلعة مهينة، ولا كائنا حيوانياً يحيا بلا هدف، بل هو خليفة في الأرض، مراقب ومسؤول من قبل من استخلفه: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

فلما اختلفت الثقافة، فهذا يعني اختلفت الصور المرتسمة على لوح الذهن، فبعض ما كان حسناً تألفه النفس صار - بسبب هذه الثقافة الجديدة - قبيحاً تنفر منه، وبعض ما كان قبيحاً صارحسناً تعشقه النفوس، وبدأت حركت المجتمع تسير باتجاهٍ آخر، وتهدف إلى أمورٍ لم تكن لتحلم بها حتى في عالم الرؤيا.

ذلك المجتمع الذي يتخطفه الناس من حوله، صار ينظر إلى قصور كسرى وقيصر، المجتمع الذي يعلوه الهوان أمام صنم من حجارة صماء، يحمل رسالة السعادة إلى البشرية كآفة، ويشعر بالمسؤولية أمام إنقاذها من الشرك، حتى لو كلفه ذلك حياته وإراقة دمه.

ماذا صنع الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) وماذا غير؟ فهل استبدل الآلات والمصانع، وأدخل إليها التكنولوجيا الحديثة؟ أم غير السياسة أم الاقتصاد؟

لا، وإنما غير الدافع والمحرك الذي من خلاله يتحرك المجتمع، إنما غير ثقافة الأمة.

وما نريد أن نستخلصه هو أن الفارق الأساس بين الإنسان الهادف وغير الهادف، بين المجتمع المتحضر الذي يبني مستقبله بيده وبين غيره، إنما هو العنصر الفكري، والمنظومة المعرفية، أو ما نعبر عنه بالثقافة، فإن صلح واستقام صلحت الأمة - فرداً ومجتمعاً ـ وان فسد فسدت الأمة.

وفي ضوء ذلك، يمكننا أن نفهم مغزى الرواية التي تقول: (إذا فسد العالِم فسد العالَم).

وعلى هذا الأساس، يمكن أن نفهم الانقلاب والتحول العظيم الذي حصل في شخصية ياسر وسمية وابنهما عمار، وبلال وأبي ذر الغفاري وصهيب وسلمان وحنظلة، بل أغلب أبناء المجتمع العربي، أو ما ينقل في تحول شخصية بشر الحافي، بسبب كلمات معدودة صدرت من بيت الحكمة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (لو كان عبداً لاستحى من مولاه)، فإن هذه الكلمات استطاعت بحكمة الإمام أن تغير الصورة التي اختزلها بشر الحافي عن العلاقة ونوع الرابطة بين الله والإنسان، فليست هي علاقة الحاكم والمحكوم، بل هي علاقة بين العبد ومولاه المطلع عليه، فعلى العبد ان يتحلى بالحياء في محضر المولى.

ويمكن ان تقيس حالات اختلاف البشر من حيث نظرتهم للموت فبعضهم يعتبره كمالا ولقاء بالمحبوب الحقيقي وهو الله تعالى، وبعض يعتبره عين الحرمان والعدم وفقد كل شيءٍ، وما ذلك الا لاختلاف الثقافة، فثقافة الأول تصور له الموت نوعا من الحياة المطلقة، التي يتحقق له فيها كل ما يريد، وتشبهه له بحالة الانتقال من وعاء ضيق الى وعاء أوسع، فهي شبيهة بانتقال الطفل من بطن أمه الى عالم الدنيا. فان رحم الا ما قل من الدنيا الخارجية حجماً وغذاء وراحة و...، فهكذا الدنيا بالنسبة إلى الآخرة، بخلاف ثقافة الآخر.      

فللثقافة دور بالغ الأهمية في حركة المجتمع، وطريقة سلوكه. ومن خلال الظواهر الاجتماعية يتم معرفة ثقافة المجتمع المنتجة لتلك الظواهر من قبل أهل الاختصاص.