x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
تفصيل في بيان النعمة.
المؤلف: محمد حسن بن معصوم القزويني.
المصدر: كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء.
الجزء والصفحة: ص 509 ـ 522.
2024-03-17
779
النعمة عبارة عن كلّ خير ولذّة وسعادة، بل كلّ مطلوب، وهو إمّا لذاته ويختصّ بالآخرة وهو النظر إلى وجه الله وسعادة لقائه وسائر لذّات الجنّة من البقاء الذي لا فناء له، والسرور الذي لا غمّ فيه، والعلم الذي لا جهل فيه، والغني الذي لا فقر بعده، فإنّها لا تطلب لغاية مقصودة وراءها فهي النعمة الحقيقيّة واللذّة الواقعيّة؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله: «لا عيش الا عيش الآخرة» (1).
أو لغيره ولا يخلو عن أربعة:
أوّلها الأقرب الأخص: الفضائل النفسانيّة، وهي الأربعة المذكورة في هذا الكتاب، ويجمعها الإيمان وحسن الخلق ويدخل في الأوّل العلم بالله ورسله وصفاته وأفعاله، وعلم المعاملة، أي ما به يحصل التوسّط في الأخلاق وكمال النفس في قوّته العمليّة، وفي الثاني ترك مقتضيات الشهوة والغضب ومراعاة الاعتدال فيها، ولا يتمّ هذه الأربعة غالباً الا بثانيها أعني الفضائل البدنيّة وهي أيضاً أربعة: الصّحة والجمال والقوّة وطول العمر.
ولا يتهيّأ هذه الأربعة الا بثالثها، أي النعم الخارجة المطيفة بالبدن وهي أيضاً أربعة: المال والأهل والجاه وكرم العشيرة، ولا ينتفع بشيء منها الا برابعها، أي الأسباب التي تجمع بينها وبين ما يناسب الفضائل النفسيّة الداخلة، وهي أيضاً أربعة: هداية الله ورشده وتأييده وتسديده، فحاجة السعادة الأخرويّة إلى الأربعة الأولى ضروريّة (2) واضحة، إذ لا سبيل إليها الا بها، وليس لأحد في الآخرة الا ما تزوّد من الدنيا وكذا حاجة الثانية إلى صحّة البدن، وحاجتها مع صحّة البدن إلى المال والجاه والأهل والأولاد نافعة إجمالاً إذ بفقدها ربّما تطرّق الخلل إليها وذلك لجريانها مجرى الجناح المبلّغ ولا آلة المسهّلة للمقصود.
فطالب العلم والكمال بدون كفاية كالساعي إلى الهيجاء من غير سلاح.
ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله: «نعم العون على تقوى الله المال» (3) كيف ومن عدمه صار مستغرق الأوقات في تهيئة أسباب معيشته وضروريّاتها والتعرّض لأنواع الهموم والغموم والأذيّات المانعة عن الفكر والذكر.
هذا، مضافاً إلى حرمانه عن فضائل الحجّ الزكاة والصدقات وإفاضة الخيرات والمبرّات والبركات، وكذا المرأة الصالحة والولد الصالح.
قال النبي صلى الله عليه وآله: «نعم العون على الدين المرأة الصالحة» (4).
وقال صلى الله عليه وآله: «إذا مات الرجل انقطع عمله الا من ثلاث: ولد صالح يدعو له ...» (5).
وقد أشرنا إلى فوائد النكاح مجملاً في فضيلة العفّة، وأمّا الأقارب فإنّهم بمنزلة الأعين والأيدي له فتيسّر بهم من الأمور المهمّة ما لو انفرد بها طال شغله.
وأمّا العزّ والجاه فبهما يندفع الذلّ والضيم، ولا يستغني عن ذلك مسلم، إذ لا ينفكّ عن عدوّ يؤذيه وظالم يشوّش عليه شغله ويشغل به قلبه الذي هو رأس ماله والجاه ملك القلوب كما عرفت، وبه يندفع الذئب عن ماشيته، والشرّ عن نفسه، وقصد الأنبياء والعلماء السلف في مراعاة السلاطين والتردّد إليهم وطلب الجاه عندهم إنّما هو ذلك لا تناول حطامهم الاستكبار على الخلق بسببهم، ولقد منّ الله على نبيّه بذلك في مواضع كثيرة، وشرف الأهل والعشيرة أيضاً من النعم، ولذا ورد أنّ الأئمّة عليهم السلام من قريش (6).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: «تخيّروا لنطفكم» (7) ونهى صلى الله عليه وآله عن خضراء الدمن (8).
ولا أقصد منه الانتساب إلى أرباب الدنيا، بل إلى شجرة النبوّة والعلماء الصالحين.
وأمّا الفضائل البدنيّة فواضح عدم تماميّة العلم والعمل الا بها، ولذا ورد الدعاء بطول العمر والصحّة والقوّة جميعاً في الأدعية المأثورة.
فإن قلت: هذا واضح فيما سوى الجمال فأيّ فائدة فيه؟
قلت: أمّا نفعه في الدنيا فظاهر، وأمّا في الآخرة فلنفرة الطباع عن القبيح وقرب حاجة الجميل إلى الإجابة واتّساع محلّه في الصدور، فكأنّه نوع قدرة على تنجّز الحاجات غير المقدورة للقبيح فهو جناح مبلّغ كالمال، وربّما دلّ على فضيلة النفس لأنّ نور النفس إذا تمّ إشراقه تأدّى إلى البدن، ولذا عوّل أصحاب الفراسة في معرفة مكارمها على هيئة البدن وقالوا: الوجه والعين مرآة الباطن، ولذا يظهر فيه أثر السرور والهمّ والغمّ. وقال النبي صلى الله عليه وآله: «اطلبوا الخير عند حسان الوجوه» (9).
وأفتى الفقهاء في صورة تساوي المصلّين في الصفات المعتبرة بتقدم الأحسن وجهاً ولا أقصد من الجمال المحرّك للشهوة فإنّه أنوثة، بل ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في اللحم وتناسب الأعضاء وموافقة خلقة الوجه بحيث لا ينبو الطباع عن النظر إليه.
فإن قلت: ما ذكرته من كون المال والجاه من النعم ينافي ما تواتر من ذمّهما وذمّ حبّهما.
قلت: تقدّم التفصيل في ذلك وأنّهما كحيّة فيها سمّ وترياق، ولهما غوائل ومنافع، وإنّما هما من النعم لمن عرف الوجهين وأخذ منهما ما ينتفع به لآخرته، وأمّا من أخذهما من غير معرفة صار ذلك باعثاً للهلاكة فلا يكونان حينئذ من النعم، ولذا ورد المدح أيضاً وإن كان الذمّ أكثر، فإنّ غير العارف أكثر من العارف.
وأمّا الأربعة الأخيرة الراجعة إلى الهداية والتوفيق، فلا يستغني عنها أحد، إذ التوفيق عبارة عن الاجتماع والمطابقة بين إرادة العبد وقضاء الله تعالى وقدره فيشمل الخير والشرّ والسعادة والشقاوة، فما يوافق السعادة من جملة قضاء الله وقدره يسمّى توفيقاً، ولا سبيل لأحد إلى طلب السعادة الا بهداية الله فإنّ مجرّد الميل إلى ما فيه الصلاح لا يكفي الا بعد العلم به والا فربما يظنّ الفساد صلاحاً فلا فائدة في الإرادة والقدرة وسائر الأسباب الّا بعد الهداية.
ولذا قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21].
وللهداية ثلاثة منازل:
أوّلها: معرفة طرق الخير والشرّ، وقد أنعم الله به على كافّة العباد تارة بالعقل وتارة بالرسل. قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10].
وقال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17].
ومن جملة أسباب العمى الحسد والكبر وحبّ الدنيا والإلف والعادة، وغير ذلك من الأسباب.
ثم الهداية الحاصلة بالمجاهدة مرّة بعد أخرى.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17].
ثم النور المشرق في عالم النبوّة والولاية بعد كمال المجاهدة فيهتدى به إلى ما لا يمكن بالتعلّم والتعليم والعقل الذي به مناط التكليف.
وهذا ممّا شرّفه الله بالإضافة إلى نفسه: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة: 120]. {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22].
وأمّا الرشد فهو العناية الالهية الذي يعين الانسان على التوجّه إلى المقصد ويقوّيه على ما فيه صلاحه وينفّره عمّا في فساه ويكون ذلك من الباطن. قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51] فهو عبارة عن الهداية الباعثة إلى جهة السعادة، المحرّكة إليها، فكم من شخص يقدم على ما يعلم أنّه يضرّه، فقد أعطي الهداية لكنّها قاصرة عن تحريك داعيته فهو أكمل من مطلق الهداية، ومن أعظم النعم الالهيّة.
وأمّا التسديد فهو توجيه الحركات إلى صوب المطلوب وتيسيرها عليه في أسرع زمان، فالهداية محض التعريف والرشد تنبيه الداعية للتحريك والتسديد إعانته ونصرته بتحريك الأعضاء في صوب الصواب وكأنّ التأييد يجمع الكلّ فهو عبارة عن تقوية الأمر بالبصيرة من الباطن ومساعدة الأسباب من الخارج. ويقرب منه العصمة، وهي جود إلهي يسنح في الباطن يقوى به الإنسان على تحرّي الخير وتجنّب الشر حتى يصير كمانع من باطنه غير محسوس، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24] فهذه هي مجامع وهي ستّة عشر (10)، وهي تستدعي أسباباً وأسبابها أسباباً إلى أن ينتهي إلى دليل المتحيّرين ربّ الأرباب ومسبّب الأسباب.
تذييل:
إذا قد عرفت مجامع النعم وأنّ ممّا وقع منها في المرتبة الأخيرة صحّة البدن فاعلم أنّ هذه الواحدة لو أريد استقصاء الأسباب التي بها تمّت الإنعام والتنعّم بها لم يقدر عليه ولكن الأكل من أحد أسبابها وله أسباب لا تحصى، وقد ذكر بعضهم بعضاً من أسبابه تنبيهاً للغافلين، وتصديقاً قلبياً لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] ولنشر إلى بعض ما ذكروه اقتداء بالمشايخ الأطياب وتعميماً لنفع الكتاب في عدّة تنبيهات:
الأوّل (11): يتوقّف الأكل على إدراك المأكول رؤية ولمساً وشمّاً وذوقاً لعدم التمكّن من التمييز والطلب ودرك بعض الأوصاف اللازمة في الأكل وتشخيص الطيّب عن الخبيث وموافقته للطبع أو مخالفته الا به فيتوقّف على خلق الحواسّ الظاهرة المتوقّفة على أسباب غير متناهية لا يمكن حصرها، ثمّ على إدراك كون ما ذاقه أوّلاً مخالفاً لطبعه أو موافقاً له ثانياً من دون ذوق جديد، فإنّ الذوق مدرك المرارة دون اللون والبصر مدرك الثاني دون الأوّل فلا بدّ من حاكم يجتمع عنده اللون والطعم، حتّى إذا رأى أحدهما حكم بالآخر حتى يمتنع من تناوله ثانياً وهو الحسّ المشترك الثابت لكلّ حيوان، ولا يمتاز الانسان عن غيره الا بتمييز ما به يصلح عاقبة أمره عمّا به تفسد من ضرر المطاعم ونفعها وكيفيّة طبخها وتركيبها وإعداد أسبابها بقوّة مختصّة به، أي العقل وهو أخسّ فوائده وحكمه، فإنّها أكثر من أن تحصى وأعظمها معرفة الله وصفاته وأفعاله، فهو بمنزلة السلطان وسائر الحواسّ والقوى كالجواسيس والموكّلين بنواحي المملكة، كلّ موكّل بأمر خاصّ، إمّا اللون أو الصوت أو الرائحة أو غيرهما، وينفذ بلك بهم ما أدركه إلى الحس المشترك القائم في مقدّم الدماغ كالكاتب وصاحب القصص على باب السلطان فيسلّمها إليه مختومة فيطالعها ويطّلع على أسرار المملكة ويحكم فيها بأمور عجيبة لا يمكن حصرها وليس دركها في مقدرة البشر، ويحرّك الجنود أي الأعضاء بحسب أحكامه المختلفة في الطلب، وله أسباب لا يحصرها الا الله.
الثاني: ثمّ الإدراك لا يكفي بدون الميل والشهوة كالمريض يرى الطعام ويدرك ولا يتناوله فيتوقّف بعد الادراك على ميل إلى الموافق يسمّى شهوة، وبعد عن المخالف يسمّى نفرة وكراهة، فخلق الله الشهوة وسلّطها على الانسان حتى اضطّر بها إلى التناول، ثم لو لم تسكن بعد أخذ مقدار الحاجة لأهلكته فخلق الكراهة بعد الشبع ليترك الأكل ولا يصير كالزرع الذي يجتذب الماء دائماً، إذا انصبّ في أسافله إلى أن يفسد، ولذلك يحتاج إلى من يحرسه عن الزيادة والنقيصة، ثم مجرّد الشهوة لا يكفي ما لم ينبعث داعيها إلى التناول، فخلق الارادة أي انبعاث النفس إلى التناول، واحتاج إلى قوّة الغضب أيضاً في دفع المؤذي والمخالف، ومن يريد أخذ ما يحتاج إليه من الغذاء.
ثم لكلّ من الشهوة والغضب والكراهة أسباب لا تحصى.
ثم لا تفيد الإرادة بدون الطلب والأخذ في الفعل بالآلات، فكم من مشيّة مريد لا يتمكّن منه لفقد الآلة كفقد اليد أو فلج الرجل مثلاً فلا بدّ من الآلات والقدرة فيها لتكون حركتها بمقتضى الارادة طلباً، فخلق الآلات للطلب كالرجل للإنسان والقوائم للدوابّ والجناح للطير وللدفع عن الموانع والمؤذيات كالقرن والأنياب للحيوانات والأسلحة للإنسان، ولكلّ منها أسباب لا يمكن حصرها.
الثالث: ومن عمدة ما يتوقّف عليه الأغذية والأطعمة المأكولة ولله في خلقها عجائب غير محصورة وأسباب غير متناهية وهي من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها فضلاً عن ذكر عجائبها وأسبابها، فنذكر بعضاً من عجائب حبّ الحنطة وأسبابها وحكمها، فإنّه تعالى خلق فيها من القوى ما تغتذي به كما في الانسان، حيث يتوقّف اغتذاء النبات على أرض فيها ماء، ولا بدّ من أن تكون الأرض رخوة متخلخلة بتخليل(12) الهواء إليها، فلو تركت في أرض صلبة متراكمة لم تنبت لفقد الهواء، ثم الهواء لا يتحرّك إليها بنفسه، فلا بدّ من حصول أسباب الريح حتى يحرّكه ويقرّبه ويبعّده بقهر وعنف.
وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] إشارة إلى لقاحها الذي هو عبارة عن الازدواج بين الهواء والماء والأرض، ثم لا يكفي في الإنبات البرد المفرط بل يحتاج إلى حرارة الصيف والربيع، فهذه أربعة أسباب، إذ لا بدّ من انسياق الماء إلى أرض الزرع من البحار والعيون والشطوط والأنهار والسواقي، وربّما كانت الأرض مرتفعة لا يرتفع إليها الماء من العيون ونحوها، فأرسل السحب الثقال الحوامل بالماء وسلّط عليها الرياح ليسوقها إلى أقطار العالم ويرسلها مدرارًا على الأراضي في الخريف والربيع على حسب الحاجة، وخلق الجبال حافظة للمياه ويتفجّر منها العيون تدريجاً على حسبها فلو خرجت دفعة غرقت البلاد وهلكت الزروع والمواشي، ونعم الله وعجائب صنعه في السحاب والجبال والبحار والأمطار لا يمكن إحصاؤها.
وأمّا الحرارة فلا يمكن حصولها بنفسها في الماء والأرض لكون طبعهما باردين فخلق الله الشمس وسخّرها وجعلها مع بعدها عن الأرض مسخّنة لها في وقت دون وقت ليحصل الحرّ عند الحاجة إليه والبرد كذلك، وهذه أخسّ حكم الشمس ولها حكم عظيمة عجيبة أكثر من أن تحصى.
ثم مع ارتفاع النبات إلى الأرض يحصل في الفواكه انعقاد وصلابة فيحتاج إلى رطوبة ينضجها، فخلق الله القمر وجعل من خاصيته الترطيب كما يظهر لك إذا كشفت رأسك باليل فإنّه يغلب عليك الزكام، فهو بترطيبه ينضج الفواكه ويرطّبها ويصبغها بتقدير الخالق الحكيم، وهذا أيضاً من أخسّ فوائد القمر، فإنّ له حكماً لا مطمع في استقصائها، بل كلّ كوكب في السماء مسخّر لفوائد كثيرة لا تفي القوى البشرية بإحصائها، بل كلّ ما في عالم الكون من ملكوت السماوات والأرضين والآفاق والأنفس والحيوانات والنباتات مشتملة على عجائب صنع الله، وأرباب القلوب لا ينظرون إلى شيء منها الا من حيث كونها من آثار قدرته ويتفكّرون في عجائبها ويبتهجون من ظهور حكمها لهم كما أنّ من أحبّ عالماً لم يزل يشتغل بمطالعة تصانيفه فالعالم كلّه من تصنيفه تعالى حتّى تصانيف المصنّفين أيضاً.
الرابع: ثم ما ينبت من الأرض والنبات وما يحصل من الحيوانات لا يمكن أكلها كذلك، بل لا بدّ من إصلاحه بطبخ وتركيب وتنظيف بإلقاء بعضه وإبقاء بعضه وغير ذلك من الأعمال، وكلّ طعام يحتاج إصلاحه إلى أمور كثيرة لا يمكن استقصاؤها، ونقتصر منه على ذكر بعض ما يحتاج إليه الرغيف، فأوّل ما يحتاج إليه الأرض ثم البذر ثم الثور الذي يثير الأرض مع آلاته كالفدان وغير ذلك ثم تنقية الأرض من الحشائش والتعهّد لسقي الماء إلى أن يعقد الحبّ ويبدو صلاحه ثم الحصاد ثم الفرك ثم التنقية والتصفية ثم الطحن والعجن والخبز، فاستحضر هذه الأفعال وغيرها ممّا لم نذكره ثم عدد الأشخاص القائمين بها وعدد الآلات التي يحتاج إليها من الحديد والخشب والحجر وغيرها.
وانظر إلى أعمال الصنّاع في إصلاح آلات الحراثة والتصفية والطحن والخبز واحتياج كلّ منها إلى آلات كثيرة، وانظر كيف ألّف الله سبحانه بين قلوب هؤلاء الصنّاع المصلحين وسلّط عليهم الانس والمحبّة حتى ائتلفوا واجتمعوا وبنوا المدن ورتّبوا المساكن والدور متقاربة متجاورة والدكاكين والخانات وسائر البقاع، ولو تفرّقت آراؤهم وتنفّرت طباعهم تنافر طباع الوحوش لتبدّدوا وتباعدوا ولم ينتفع بعضهم من بعض، ولمّا كان في جبلّة الانسان الحسد والعداوة والبغضاء والشهوات المختلفة الباعثة للانحراف عن الحقّ، فربّما زالت المحبّة وأدّى إلى التنافر والمعاداة والمقائلة بعث الله الأنبياء بقوانين السياسات ليرجعوا إليها عنها التنازع وبعث العلماء لحفظ تلك الشرائع والعلم بها وبعث السلاطين ليقيموا الناس عليها قهراً إذا لم يرضوا بها وألقى في قلوبهم الرغبة إلى نظام أمور الرعية بتعيين الحكّام والقضاة والشحن وضبط الأسواق وقهر الناس على قانون الشريعة وألزموهم التعاون والتآلف ومنعوهم عن التفرّق والتباغض، فإصلاح الرعايا بالسلاطين وإصلاح السلاطين بالعلماء وإصلاح العلماء بالأنبياء وإصلاح الكلّ بالحضرة الربوبية التي هي ينبوع كلّ نظام ومطلع كلّ حسن وجمال ومنشأ كل ترتيب وتأليف.
الخامس: ثم جميع الأطعمة لمّا لم يكن وجودها في كلّ مكان إذ لكلّ واحد منها شروطاً مخصوصة لعلّها لا توجد في بعض الأماكن والناس منتشرون في الأرض، فربّما يبعد عن بعضهم ما يحتاجون إليه منها بحيث يحول بينهم وبينها البراري والقفاز والبحار سخّر الله التجّار وسلّط عليهم حرص المال وشره الربح حتى التزموا الأخطار في قطع المفاوز وركوب البحار وحمل الأطعمة وغيرها من الشرق إلى الغرب وبالعكس، فانظر كيف علّمهم صنعة السفن وكيفيّة الركوب عليها وكيف خلق الحيوانات وسخّرها للحمل والركوب في البراري من الجمال، وكيف خلق الحيوانات وسخّرها للحمل والركوب في البراري من الجمال، وكيف قطعها للمنازل تحت الأعباء الثقيلة، وصبرها على الجوع والعطش، وإلى الحمار وصبره على التعب.
وانظر إلى ما خلق الله ممّا يحتاج إليه السفن والحيوانات من الأسباب والغذاء بما لا يمكن تحديده ووصفه.
السادس: ثم مجرّد وجود الغذاء وإصلاحه لا يكفي ولا يفيد ما لم يؤكل ويصر جزء للبدن وهو موقوف على أعمال كثيرة محتاجة إلى أسباب كثيرة من الطحن والجذب والهضم المعدي والكبدي وغير ذلك من الأسباب الغير المحصورة، فللملائكة أصناف وطبقات غير محصورة {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] فمنهم طبقات الملائكة الأرضية والسماوية وحملة العرش العظيم، ومنهم المسلمون والمهيمنون وكلّ صنع من صنائعه تعالى في الأرض والسماء لا يخلو عن ملك أو ملائكة موكّلين به، ونحن نشير إلى بعض الملائكة الموكّلين بأكلك، فإنّ كلّ جزء من أجزاء بدنك لا يغتذي إلا بسبعة من الملائكة هم أقل الأعداد إلى عشرة إلى مائة إلى أكثر من ذلك، فإنّ معنى الاغتذاء أن يقوم جزء من الغذاء مقام جزء تلف من بدنك وهو موقوف على ملكات وتغيّرات واستحالات الغذاء حين يصير جزء للبدن كالجذب والهضم وصيرورته لحماً وعظماً، ومعلوم أنّ الغذاء واللحم والدم أجسام ليس لها قدرة ومعرفة واختيار حتّى يتحرّك ويتغيّر بأنفسها، ومجرّد الطبع لا يكفي في تردّدها في أطوارها، كما أنّ البرّ لا يصير بنفسه طحيناً وعجيناً وخبزاً الا بصنّاع، والصنّاع في الباطن هم الملائكة كما أنّ صنّاع الظاهر هم أهل البلد فالغذاء بعد وضعه في الفم إلى أن يصير جزء للبدن يتوقّف على عمل سبعة من الملائكة: ملك يجذب الدم إلى جوار اللحم أو العظم، إذ لا يتحرّك بنفسه، وملك يمسك الغذاء في جواره، وثالث يخلع عنه صورة الدم، ورابع يكسوه صورة اللحم والعظم والعرق، وخامس يدفع الفضل الزائد من الحاجة، وسادس يلصق ما اكتسب صفة اللحم باللحم والعظم بالعظم والعرق بالعرق حتّى لا يكون مفصّلاً، وسابع يرعى المقادير في الإلصاق فيلحق بالمستدير على ما لا يبطل استدارته وبالعريض على ما لا يزيل عرضه وبالمجوّف على ما لا يبطل تجويفه وهكذا، ويراعى في الإلصاق لكلّ عضو ما يليق به، فلو جمع للأنف ما يليق بفخذه لكبر أنفه وبطل تجويفه وتشوّهت صورته، بل يسوق إلى الأجفان مع دقّتها وإلى الأفخاذ مع غلظتها وإلى الحدقة مع صفائها والعظم مع صلابته ما يليق بكلّ منها قدراً وشكلاً ويراعي العدل في القسمة والتقسيط حتّى لا تبطل الصورة ولا تشوّه الخلقة فمراعاة هذه الهندسة مفوّضة إلى ملك.
وإيّاك أن تظنّ أنّه موكول إلى الطبع، فإنّ المراد بالطبع إن كان قوّة عديمة الشعور والإدراك فهو أدلّ على قدرة الله وحكمته، إذ ما لا شعور له في نفسه لا يمكنه أن يفعل فعلاً ما، فضلاً عن أن يفعل أفعالاً متقنة محكمة مشتملة على الحكم الدقيقة فيكون هذه شروطاً ناقصة لإيجاد الله تعالى هذه الأفعال بلا واسطة أو بواسطة عدد هذه شروطاً ناقصة لإيجاد الله تعالى هذه الأفعال بلا واسطة أو بواسطة عدد هذه القوى من الملائكة.
وعلى أيّ حال لا بدّ من سبعة أشخاص من مخلوق الله تعالى مسخّرات في باطنك موكّلين بهذه الأفعال قد شغلوا بك وأنت في النوم تستريح وفي الغفلة تتردّد وهم يصلحون الغذاء في باطنك ولا خبر لك منهم، وكذلك كلّ جزء من أجزائك التي لا تتجزأ حتى يفتقر بعضها كالعين والقلب إلى أكثر من مائة ملك.
ثم الملائكة الأرضيّة مددهم من الملائكة السماوية على ترتيب معلوم لا يحيط بكنهه الا الله ومدد السماويات من حملة العرش، والمنعم على جميعهم بالتأييد والتسديد والهداية الملك القدّوس المهيمن المتفرّد بالملك والملكوت.
ومن أراد الاطّلاع على كثرة الملائكة الموكّلين فليرجع إلى الأخبار الواردة عن العترة الأطهار، ولا بدّ من تفويض كلّ فعل وحده إلى ملك وحده، إذ الملك وحداني الصفة ليس فيه تركّب من المتضادّات كما قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164] ولذلك ليس بينهم تحاسد وتباغض، فلكلّ منهم طاعة خاصّة معيّنة، فالراكع منهم راكع أبداً والساجد كذلك لا اختلاف في أفعالهم ولا فتور، وإذ تبيّن لك كثرة ما تحتاج إليه في الاغتذاء برغيف مثلاً فقس عليه سائر الغذاء وغيره من الأفعال الظاهرة والباطنة، ثم جملة صنائعه تعالى وأفعاله الواقعة في عالمَي الجبروت والملكوت وعالم الملك والشهادة، فإنّ أعداد الملائكة الموكّلين بها غير متناهية، فظهر توقّف كلّ نعمة على نعم كثيرة غير متناهية إلى أن ينتهي إلى الله، وأنّ من كفر بنعمة من نعم الله فقد كفر بجميعها لارتباط بعضها ببعض ارتباط بعض الأعضاء ببعض، فلا يبقى جماد ولا نبات ولا حيوان ولا ماء ولا هواء ولا ملك ولا فلك الا ويلعنه، ولذا ورد أنّ الملائكة تلعن العصاة وتستغفر للعلماء (13)، بل يستغفر لهم كلّ شيء حتّى الحيتان في البحار، فاعتبر بذلك واعلم أنّك لا تخرج عن عهدة شكر نعمة جزئية من نعمه تعالى، كيف وفي كلّ نفس ينقبض وينبسط نعمتان، إذ بانبساطه يخرج الدخان المحترق من القلب بحيث لو لم يخرج لهلكت، وبانقباضه يجتمع روح الهواء ولو لم يدخل لهلكت، واليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، وفي كلّ ساعة تتنفّس آلافاً، فإذا اعتبرت ذلك عرفت أنّه يكون عليك في كلّ يوم وليلة آلاف ألوف نعمة في نفسك فضلاً عن أشياء أخر من أجزاء بدنك فضلاً عن أجزاء العالم.
__________________
(1) المحجّة البيضاء: 7 / 182.
(2) قال في المحجّة البيضاء: (7 / 183) نقلاً عن أبي حامد: وهذه الجملة (أي مجموع هذه النعم) يحتاج البعض منها إلى البعض إمّا حاجة ضروريّة أو نافعة.
(3) المحجّة البيضاء: 7 / 183.
(4) المحجّة البيضاء: 7 / 184.
(5) المحجّة البيضاء: 7 / 184، مع اختلاف.
(6) المحجّة البيضاء: 7 / 185.
(7) المحجّة البيضاء: 7 / 185.
(8) المحجّة البيضاء: 7 / 185.
(9) المحجّة البيضاء: 7 / 186.
(10) كذا، والصحيح: ستّ عشرة، نعم في الإحياء كما في المتن ولكن تمييزه هنالك أسباب وهاهنا مجامع النعم.
(11) كما في «ب»، وفي «ج»: الأولى وكذا الثانية والثالثة و ... نعم استظهر كاتب «ج» أن الصحيح: الأوّل، فشطب على «الأولى» وكتب «الأوّل» واضعاً علامة «ظ» فوقه.
(12) كذا في «ج» و «ب»، وفي «الف» والمحجّة (7 / 205): يتغلغل.
(13) المحجّة البيضاء: 7 / 216.