1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الفضائل

الاخلاص والتوكل

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة

الايمان واليقين والحب الالهي

التفكر والعلم والعمل

التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس

الحب والالفة والتاخي والمداراة

الحلم والرفق والعفو

الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن

الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل

الشجاعة و الغيرة

الشكر والصبر والفقر

الصدق

العفة والورع و التقوى

الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان

بر الوالدين وصلة الرحم

حسن الخلق و الكمال

السلام

العدل و المساواة

اداء الامانة

قضاء الحاجة

فضائل عامة

آداب

اداب النية وآثارها

آداب الصلاة

آداب الصوم و الزكاة و الصدقة

آداب الحج و العمرة و الزيارة

آداب العلم والعبادة

آداب الطعام والشراب

آداب الدعاء

اداب عامة

حقوق

الرذائل وعلاجاتها

الجهل و الذنوب والغفلة

الحسد والطمع والشره

البخل والحرص والخوف وطول الامل

الغيبة و النميمة والبهتان والسباب

الغضب و الحقد والعصبية والقسوة

العجب والتكبر والغرور

الكذب و الرياء واللسان

حب الدنيا والرئاسة والمال

العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين

سوء الخلق والظن

الظلم والبغي و الغدر

السخرية والمزاح والشماتة

رذائل عامة

علاج الرذائل

علاج البخل والحرص والغيبة والكذب

علاج التكبر والرياء وسوء الخلق

علاج العجب

علاج الغضب والحسد والشره

علاجات رذائل عامة

أخلاقيات عامة

أدعية وأذكار

صلوات و زيارات

قصص أخلاقية

قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)

قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم

قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)

قصص من حياة الصحابة والتابعين

قصص من حياة العلماء

قصص اخلاقية عامة

إضاءات أخلاقية

الاخلاق و الادعية : الفضائل : الشكر والصبر والفقر :

الصبر.

المؤلف:  محمد حسن بن معصوم القزويني.

المصدر:  كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء.

الجزء والصفحة:  ص 346 ـ 358.

2024-02-24

975

الصبر ثبات النفس وسكونها في فعل ما يشقّ عليها فعله، أو ترك ما يشقّ عليها تركه، أو نازلة نزلت بها غير مقدورة لها.

وبعبارة أخرى: ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى، وذلك لما عرفت من أنّ بين العاقلة وخصيميها تنازعاً وتدافعاً، فإن غلبت عليهما بحيث صارتا مسلّمتين لها في الأمر والنهي، محكومتين تحت حكمها لم يحدث للنفس في ترك القبائح وفعل المحاسن تزلزل واضطراب، بل كانت مطمئنّة كما أشير إليها في الكلام الإلهي بقوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28] فهي حينئذٍ متّصفة بوصف الصبر والثبات، وإن غلبتا عليها فسلّمت الأمر إليهما بالمرّة كانت النفس أمّارة بالسوء فخابت وخسرت كما قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10].

وإن طال التشاجر بينها فربّما غلبتا عليها بالإقدام على المعاصي، وربّما غلبت عليهما باللوم والندامة، فهي حينئذٍ لوّامة فيحث لها عند عروض داعي الهوى اضطراب عظيم لجذبهما لها إلى ما يدعوانها إليه ومنعها إيّاهما عنه، وحينئذٍ فإن غلب داعي الهوى ولم يقدر على ترك ما يدعوه إليه ألحقت بالثانية، وإن جاهد في دفعه إلى أن وفّقه الله للغلبة عليه تركه لما يدعوه إليه سمّي فعله ذلك تصبّراً.

ثم إذا أستديم ذلك منه وقوي تصديقه بما في العاقبة من الحسنى وكرّر المجاهدة في دفع داعي الهوى تيسّر له ذلك بسهولة من غير تحمّل كلفة، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7].

وحينئذٍ يصير من زمرة الطائفة الأولى متّصفاً بالصبر والثبات، ثم يورثه الله بعد رسوخ هذه الصفة التي هي من أشرف الصفات مقام الرضا بما يقدّر له من الحالات ثم ينتقل إلى مقام المحبّة التي هي من أعلى المقامات وغاية الغايات.

فظهر ممّا ذكر أنّ مقام الرضا أعلى من الصبر.

قال صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله: «اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكرهه خير كثير» (1).

ثم الصبر قد يطلق على خصوص الثبات في المكاره الذي يقابله الجزع، وعلى الثبات [في الحروب خاصّة، وعلى الثبات] (2) في كظم الغيظ والعفو عن الناس وهو التحلّم، وهذه الثلاثة من أنواع الشجاعة، وعلى تحمّل مشقّة الطاعة فيكون من أنواع العدالة التي هي عبارة عن اعتدال القوى الثلاث وعلى الثبات في ترك شهوة البطن والفرج، وهو من أنواع العفّة، والصبر من فضول العيش وهو الزهد من أنواعها أيضاً، وعلى كتمان السرّ الذي يقابله الاذاعة، وهو ممّا يحتمل الأمرين.

فظهر أنّه من أمّهات الفضائل.

ولذا قال النبي صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله لما سئل عن الايمان: «إنّه الصبر» (3).

وقال بعض العرفاء: إنّ للصبر على المكروه [من حيث ذاته] (4) درجات ثلاث:

أوّلها: درجة التائبين، أي ترك الشكوى إلى الغير، بل إلى الله تعالى أيضاً.

وثانيها: درجة الزاهدين، وهي الرضا بالمقدور.

وثالثها: درجة الصدّيقين، هي المحبّة لما يصنعه مولاه وكذا من حيث الغاية.

فأوّلها: صبر المرائين الذين يعملون (5) ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون، وهو ما كان باعثه الاشتهار عند الناس بقوّة النفس والثبات، كما قال معاوية عند موته: وتجلّدي للشامتين أريهم *** أنّي لريب الدهر لا أتزعزع

وثانيها: صبر المتّقين، وهو ما يكون باعثه توقّع الثواب نيل الدرجات.

قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

وثالثها: صبر الصدّيقين، وهو ما يكون باعثه المحبّة لما يصدر عن الحبيب فيستقبله برحب على سكينة ووقار، وهو الذي أشير إليه بقوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] كما قال الصادق عليه‌السلام (6).

وفي الخبر: «أنّ جابراً لما سأله الباقر عليه‌السلام عن حاله، قال: أنا في حال الفقر أحبّ إليّ من الغنى، والمرض أحبّ إليّ من الصحّة، والموت أحبّ إليّ من الحياة، فقال عليه‌السلام: أمّا نحن أهل البيت فما يرد علينا من الفقر والغنى والمرض والصحّة والموت والحياة فهو أحبّ إلينا.. الخبر» (7).

ثم إنّه تجري فيه الأحكام الخمسة فيجب عن المحرّمات وعلى الواجبات، ويستحبّ على المستحبّات، ويحرم على ما يحرم تحمّله شرعاً، كالصبر عل هتك عرضه بشهوة محظورة، ويكره على ما يكره في الشرع، ويباح على المباحات من حيث كونها مباحة.

ثم انّ الكتاب والسنّة قد أكثر من الحثّ عليه بما ليس في غيره، لكونه من أمّهات الفضائل المستلزم حصوله لحصول أكثرها، فقد ذكره الله تعالى في نيّف وسبعين موضعاً من القرآن.

وقال النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا رأس لمن الجسد له، ولا إيمان لمن لا صبر له» (8).

وقال: «ما تجرّع عبد جرعتين قطّ أحبّ إلى الله من جرعة غيظ ردّها بحلمه، وجرعة مصيبة يصبر لها» (9).

وفي الخبر: «أوحى الله تعالى إلى داود: تخلّق بأخلاقي، ومن أخلاقي أنّي أنا الصبور» (10).

 

تلخيص:

ما يلقاه العبد في الدنيا إما موافق لطبعه كالصحّة واتّساع الجاه والمال وكثرة الأعوان والأولاد، أو مخالف كالمصائب والأعمال الشاقّة وترك المعاصي.

فالأوّل إن لم يصبر عليه الانسان أدركه البطر والطغيان.

{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7].

ولذا قيل: الصبر على العافية أشدّ من الصبر على البلاء.

ومن هنا قال تعالى: {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: 9].

{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15].

 فالحري بحاله ترك الانهماك في التنعّمات والتعلّق بها والاعتماد عليها بترك التفاخر على فاقديها ورعاية حقوق الله فيها ببذلها، وفي البدن والجاه بإعانة الضعفاء والمساكين وإغاثة الملهوفين ودفع الظلم عن المظلومين، وهذا أشدّ مراتبه على الانسان لتمكّنه من التمتّع بها وميل الطبع إليها وعدم حاجز شرعي عنها.

والثاني لا يخلو عن قسمين:

إمّا مقدور له وهو أيضاً على قسمين:

الأول: فعل ما يشقّ فعله عليه كالطاعات، والسرّ في صعوبتها:

أوّلاً: أنّ النفس بطبعها مائلة إلى الربوبيّة والتعزّز، نافرة عن التذلّل، كما أشير إليه فيما مضى.

وثانياً: ثقلها عليها إمّا كسلاً كأعمال الجوارح أو بخلاً كالإنفاق فيما يؤمر به أو هما معاً كالحجّ والجهاد. ولها شرائط يزيد لأجلها المشقّة لمنافرتها للطبع أيضاً كالإخلاص في النيّة والتوجّه والحضور المتوقّفين على قلّة التعلّق بالدنيا من أوّل الفعل إلى آخره، وعدم الاخلال بوظائفها وآدابها، وعدم إبطال الصدقات بالمنّ والأذى، وغير ذلك ممّا لا تشتهيه الأنفس.

والثاني: ترك ما يشقّ عليها تركه كالمعاصي، لكون الطبيعة مجبولة عليها مع كثرة أعوانها من جنود الشرّ واعتياد النفس بها من مشاهدة كثرة الإتيان بها من بني نوعها، فإنّ العادة كالطبيعة الثانية، ولذا إنّ الاستبعاد في المعاصي غير الشائعة أكثر منه في الشائعة وإن كانت أشدّ وأعظم.

ثمّ إنّ لها مراتب شدّة وضعفاً لاختلاف دواعيها قوّة وضعفاً، واختلافها صعوبة وسهولة، فما كانت أسهل كان تركه أشدّ كمعاصي اللسان من الكذب والغيبة والبهتان، سيّما إذا اشتملت على ما يوافق الطبع من التعزّز والربوبيّة كتزكية النفس وكالخواطر النفسانية باختلاج الوساوس الشيطانية، فلا يمكن الصبر عليها لغاية سهولتها الا بالاشتغال بهمّ يغلب عليه ويستغرق فيه.

وإما غير مقدور له وهو أيضاً على قسمين:

الأوّل: ما يقدر معه على تحصيل التشفّي بالإتيان بمثل ما فعل أو ما يزيد عليه كالأذيّات الصادرة عن الغير إذا أمكن له المعارضة بما ذكر كشتم بمثله أو ضرب بمثله، والصبر عليه إمّا واجب كما ذكرنا، أو مستحب نحو الجائز شرعاً، ولذا أمر الله نبيّه وأمّة نبيّه بذلك في مواضع كثيرة، فقال (عزّ وجل):

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].

{وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأحزاب: 48].

{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10].

{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186].

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] وهذا هو العفو، وقد سبق ذكره.

والثاني: ما لم يقدر عليه أصلاً، كالمصائب والنوائب.

وللصبر عليه درجتان، أدناهما التلقّي بحسن فعل الجوارح من الحمد والشكر وعدم التشكّي إلى الغير، وترك التلفّظ بما يشعر بالكراهة ولا فعله كلطم الخدّ وشقّ الجيب والصراخ، بل التضجّر والتبرّم أيضاً.

ولا ينافيه كراهة القلب والتشكّي إلى الله والتضرّع إليه في رفعه وإعطاء عوضه.

قال النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: «قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدي ببلاء فصبر ولم يشكني إلى عوّاده أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه، فإن أبرأته أبرأته ولا ذنب له، وإن توفّيته فإلى رحمتي» (11).

وأعلاهما التلقّي بالرحب والفرح والسرور قلباً رضاءً بما فعله الحبيب.

فعن الصادق عليه‌السلام: «فمن صبر كرهاً ولم يشك إلى الخلق ولم يجزع بهتك ستره فهو من العامّ ونصيبه ما قال الله عزّوجلّ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] أي: بالجنّة والمغفرة.

ومن استقبل البلاء بالرحب وصبر على سكينة ووقار فهو من الخاصّ، ونصيبه ما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]» (12).

وهذا أعلى مراتب الصبر، وهو المراد من قولهم: «لا ينال الصبر الا ببضاعة الصدّيقين».

ويحتاج نيل هذه المرتبة إلى تحصيل تمام اليقين، كما قال علي عليه‌السلام في بعض أدعيته «وهب لي من عندك يقيناً صادقاً يهوّن مصائب الدنيا والآخرة وأحزانهما» (13).

واعلم أنّه قد ورد في النبوي: «أنّ الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتّى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش» (14).

وقال الصادق عليه‌السلام: «الصبر صبران، صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن منه الصبر عندما حرّم الله عزّوجلّ عليك» (15).

وهما يدلّان بإطلاقهما على أفضليّة الصبر عن المعصية، وأيّد بكونه مقدوراً للعبد بخلاف المصيبة، وترك المقدور أفضل وأدلّ على الاخلاص.

وقال الغزالي بأنّ الصبر على المصيبة أفضل، لما ورد عن ابن عبّاس رضي ‌الله‌ عنه أنّه قال: «الصّبر في القرآن على ثلاثة أوجه: صبر على أداء فرائض الله فله ثلاثمائة درجة، وصبر عن محارم الله وله ستمائة درجة وصبر في المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة».

ولأنّ كل مؤمن يقدر على الصبر عن المحارم، وأما الصبر على بلاء الله فلا يقدر عليه الا ببضاعة الصدّيقين، لكونه شديداً على النفس (16).

قال بعض المعاصرين: والحقّ أنّ إطلاق الأفضلية في كلّ منهما غير صحيح، إذ القول بأنّ الصبر عن كلمة كذب أو لبس ثوب حرير لحظة أكثر ثواباً من الصبر على موت أعزّة الأولاد بعيد.

وكذا القول بأنّ الصبر على فقد درهم أكثر ثواباً من كفّ النفس عن كبائر المعاصي وفطامها عن اللذّات والشهوات مع القدرة عليها، بل الصحيح التفصيل بأنّ كلّ ما كان أشقّ على النفس فثوابه أكثر ممّا هو أيسر وأسهل، فإنّ أفضل الأعمال أحمزها، وبه يحصل الجمع بين الأخبار (17).

وأنت تعلم أنّ هذا الكلام خالٍ عن التحصيل؛ لأنّ الكلام في ترجيح المتساويين في المشقّة على النفس والا فلا يلتزم أدنى محصّل فيما فرضه هذا الفاضل ترجيح الأسهل على الأصعب، فضلاً عن مثل ذلك المحقّق الوحيد والامام الفريد.

فالحقّ في الجمع بعدما بيّناه من مرتبتي الصبر عند المصيبة، أنّ الصبر على المعصية أفضل من أدناهما خاصة، لظهور أنّ مرتبة المحبّة والرضا والتسليم من أعلى المراتب، ولا يفوز بها الا الصدّيقون والمقرّبون، والمرتبة الأعلى منهما لا تحصل الا بعد حصولها.

وكيف يتأمّل أحد في كون آخر درجات الإيمان أعلى من أوّلها أعني الصبر على المحارم؟

وأمّا الأدنى فهو سهل المأخذ، بل هو أوّل درجات الصبر وأقلّ ثواباً من الصبر على المعصية لمقدوريّتها وكثرة دواعيها فتجرّع مرارة الصبر في تركها خوفاً من الله وشوقاً إلى رضاه أشقّ وأصعب من ترك الاعتراض على الله والتشكّي عند الغير على أمر غير مقدور له حادث منه تعالى قسراً بل الصبر على الطاعة أيضاً أشقّ وأصعب جزماً، ويشهد لكون المراد من الصبر على المصيبة الذي رجّح عليه الصبر عن المعصية في الخبرين هذا الأدنى دون الأعلى أنّ الحكيم يتكلم فيما يعمّ نفعه للطباع البشرية، وذلك الأعلى ليس من رتبة الأغلب، حتى إنّ النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله مع كونه أشرف المقرّبين إلى الله تعالى لمّا مات ولده إبراهيم فاضت عيناه بالدمع وكان يقول: «العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما يسخط الرب» (18).

فلا يتيسّر للأغلب الوصول إلى مرتبة الرضا والتسليم، بل من هو من خواصّ خواصّ المقرّبين، كما نصّ عليه الخبر الذي نقلناه عن الصادق عليه‌السلام فلا معنى لحثّ العامّة عليه، بل اللائق بحالهم الحثّ على الميسور، أعني الأدنى.

ويشهد لما ذكرناه أيضاً ظهور النبوي المذكور في ذلك أيضاً، حيث قال: «حتّى يردّها بحسن عزائها» (19).

مضافاً إلى نصّ الصادق عليه ‌السلام حيث قال: «فمن صبر كرهاً ولم يشكُ إلى عوّاده المصيبة ولم يجزع بهتك ستره فهو من العامّ» (20).

وبالجملة: إن كان المراد من الصبر على المصيبة المرتبة الأدنى كان الصبر عن المعصية بل على الطاعة أيضاً أفضل.

والظاهر أنّه المراد من الخبرين المرجّحين له لما ذكرناه وإن كان الأقصى كانت هي أفضل.

والظاهر أنّه مراد ابن عبّاس، وهو الذي رجّحه الغزالي ومن تبعه، ينادي بأنّ مراد الغزالي ذلك استدلاله بأنّ الصبر على المحارم ممّا يقدر عليه كلّ مؤمن، والصبر على البلاء ممّا لا ينال الا ببضاعة الصدّيقين لظهور أنّ الأدنى ليس كذلك فظهر وجه الجمع بحمد الله تعالى.

بقي شيء وهو أنّ عدم كراهة المصيبة وتلقّيها بالمحبّة مما يشكل تصوّره؛ لأنّه غير مقدور للإنسان، إذ كيف يمكن الحبّ لما يؤلم القلب ويتنفّر عنه الطبع، فلا يمكن إناطة التكليف به أصلاً.

ويشهد لذلك أنّ النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله مع كونه أشرف المقرّبين وأعظم الصدّيقين كان يقول في موت إبراهيم: العين تدمع والقلب يحزن.

وكذا يظهر من أحوال سيّدنا الحسين عليه‌السلام في كربلاء حصول الكراهة القلبية والبكاء من مشاهدة مصارع أولاده وإخوانه ومواليه وجزع أهل بيته وغير ذلك.

فنقول: ليس المراد من المحبّة والكراهة في هذا المقام المحبّة والكراهة الذاتيان (21)، إذ لا يتفوّه عاقل بأنّ موت الولد محبوب للطبع لذاته، ضرورة كونه مكروهاً بالطبع حتى للنبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، إذ لم يكن منزّهاً عن الطبيعة ولوازم الجسمية.

نعم صدوره من الله سبحانه بعد اليقين بأن ما يفعله محض الخير والمصلحة صار باعثاً لحبّه، فالحبّ لله لا ينافي الكراهة بالطبع، كما أنّ ضرب الحبيب وايذاءه محبوب للمحبّ لا لذاته، بل لكونه صادراً عن الحبيب، وشرب الدواء المرّ والحجامة محبوبان لفاعلهما لا لذاتهما، بل للعلم باشتمالهما على المصلحة.

هذا، مع أنّ مَن وصل إلى درجة الاستغراق في بحار معرفة الله وأنسه والاحتراق من أنوار جلاله وقدسه فأفنى نفسه في حضرته بكمال حبّه ومعرفته لم يبق له الالتفات إلى مقتضى طبيعته، بل لم يبق له طبع يميل إلى لذّات الدنيا أو يتنفّر عن مكارهها.

وأمّا حزن النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله على فوت إبراهيم وأمثاله فقد سبقت منّا الاشارة مراراً إلى عدم إمكان مقايسة أحوالهم بأحوالنا، فإنّهم لأجل وصولهم إلى مرتبة جمع الجمع أعني العود بعد الوصول إلى الغاية من المرتبة البشرية للإرشاد والهداية لهم جنبتان: جنبة لاهوتية بها اتّصالهم بعالم القدس والجبروت، وجنبه ناسوتية مضاهية لمادّيات عالم الناسوت، فكثيراً ما يصدر عنهم أمور خارجة عن طوق البشر هي من آثار الجنبة الربّانية، كما قال علي عليه‌السلام: «ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية» (22).

وكثيراً ما يظهر منهم أمور مترتّبة على طباع البشرية، كما نقل أنّه عليه‌السلام كان يضعف في بعض الأوقات بحيث لا يقوى على كسر قرص الشعير ولا يقدر عليه الا بالاستعانة بركبتيه، فليس للأفهام القاصرة التشكيك أو الاعتراض فيما يتراءى ظاهراً من البون البعيد والتفاوت الشديد في أفعالهم وأطوارهم والتناقض الظاهر فيما ينقل من أحوالهم وآثارهم.

 

تذنيب:

إنّما يتمكّن من تحصيل الصبر بتقوية باعث اليقين وتضعيف باعث الهوى.

والاولى إنّما يمكن بكثرة الفكر فيما ورد في فضله من الآيات والأخبار، وأنّ الجزاء الموعود به أكثر من الفائت لقصره وتناهيه بخلافه، وأنّ الاضطراب والجزع قبيح يضرّ بالدين والدنيا، ولا فائدة له الا حبط الثواب وجلب العقاب؛ لأنّ المقدّر كائن، كما قال علي عليه‌السلام: «إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور» (23).

فليعوّد نفسه على مصارعة باعث الهوى مع باعث الدين تدريجاً حتّى تدر بلذّة الظفر بها، فتحصل له جرأة على مصارعتهما ومدافعته، والثاني يحصل بالرياضة من الصوم والجوع وقطع ما يهيّج الشهوة ومن النظر والتخيّل والتسلية بالمباح وغير ذلك.

 

فائدة:

اختلف القوم في ترجيح الصبر على الشكر وبالعكس، والأخبار مضطربة في هذا الباب، وسنذكر حقيقة الحال في بحث الشكر إن شاء الله تعالى.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المحجة البيضاء: 7 / 120.

(2) ساقط من «ج».

(3) المحجة البيضاء: 7 / 107.

(4) ساقط من «ج».

(5) كذا في النسخ، والظاهر: يعلمون.

(6) مصباح الشريعة: الباب 91، في الصبر.

(7) جامع السعادات: 3 / 285.

(8) المحجة البيضاء: 7 / 108، عن عليّ عليه‌السلام، وفيه: «لا جسد لمن لا رأس له» وهو الصحيح.

(9) المحجة البيضاء: 7 / 233 مع اختلاف.

(10) المحجة البيضاء: 7 / 107.

(11) المحجة البيضاء: 7 / 127.

(12) مصباح الشريعة: الباب 91، في الصبر.

(13) لم أجده.

(14) المحجة البيضاء: 7 / 126.

(15) الكافي: 2 / 90، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر، ح 11 عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

(16) المحجة البيضاء: 7 / 126.

(17) جامع السعادات: 3 / 289.

(18) جامع السعادات: 3 / 301، وكأنّ مراده من هذا المثال أنّ النبيّ صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله مع كونه أشرف المقرّبين وواصلاً إلى أعلى درجات التسليم والرضا والمحبّة كان في هذه الواقعة في مقام تعليم الناس كيفية المواجهة مع المصائب؛ لأنّ هذا هو الذي يعمّ نفعه للطباع البشريّة.

(19) المحجة البيضاء: 7 / 126، وقد مرّ ص 353.

(20) مصباح الشريعة: الباب 91، في الشكر، مع اختلاف.

(21) كذا، والصحيح: الذاتيّين.

(22) البحار: 40 / 318، تاريخ أميرالمؤمنين عليه‌السلام، باب زهده وتقواه، ح 2.

(23) جامع الأخبار: 136؛ نهج البلاغة: الحكمة 291، وفيه: "القدر" بدل "المقادير".

 

 

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي