x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
المدرسة وعزة النفس
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج2 ص257ــ264
2024-02-17
1001
المدرسة: إن اهتمام القيّمين على المدارس بعزة نفس التلاميذ وكراماتهم يعد من العوامل المهمة التي تحفز التلاميذ على طلب العلم وتحثهم على النجاح والتقدم في كافة المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية وما فوق ، كما أن عدم الاهتمام بعزة نفس التلميذ وتحطيم كرامته من شأنه أن يحط من معنوياته ويجعله ينفر من المدرسة والدراسة .
(ان بإمكان المدرسة أن تجعل الطفل مولعاً بالدراسة وطلب العلم ، كما أن بمقدورها أن تجعل حتى الطفل الذكي ينفر من العلم والمدرسة)(1).
إن إهانة الطالب وتحطيم كرامته وجرح عزة نفسه في المدرسة تتم بصور مختلفة ، فإما أن يكون على المستوى العام حيث يتعرض الطالب في كل ساعة للتحقير والاهانات مما يؤدي إلى جرح كرامته وعزة نفسه ، وإما أن يكون على المستوى الخاص حيث يتعرض بعض الأشخاص أحياناً للإهانات والتوبيخ بغير حق.
فإذا ما كان مدير المدرسة ومعلموها أشخاصاً مغرورين متكبرين ممن يعتمدون القسوة ضد الطلاب وينظرون لهم بحقارة ويوجهون اليهم الألفاظ البذيئة والإهانات ويستهزؤون بهم ، فإن محيط المدرسة سيكون بالنسبة لجميع الطلاب محيطاً وضيعاً مذلاً ، وفي مثل هذه الظروف المتشنجة والمأساوية لا يمكن ان يشعر الطالب إلا بعدم الرضا والغضب ، وفضلاً عن تراجع مستواه الدراسي فقد يفكر بالانتقام ويلجأ إلى القيام بأعمال خطيرة .
أما في المدارس التي يحترم فيها القيمون عليها كرامات طلابها وعزة النفس لديهم مما يشعرهم بالاطمئنان والأمان ، فإن الدراسة فيها تسير على أفضل ما يرام ويبرز فيها الطلاب كل حسب استعداده ومواهبه. فلا خوف في مثل هذه المدارس من الرذائل الأخلاقية ، ولكن قد يوجه القيمون عليها أحياناً إما جهلاً أو عمداً بعض الإهانات إلى أحد الطلاب أو عدد منهم مما يجرح كرامتهم وعزة النفس لديهم ، وهذا الأمر قد يترتب عليه آثار سلبية .
وهنا لا بد من الحديث ولو بشكل مختصر عن عاملي التنويه والتوبيخ الحق والباطل لنتبين نتائجهما على الطلاب والتلاميذ.
التنويه : إن الطالب الذي يبذل مزيداً من الجهد ويحقق أفضل النتائج إذا ما وجه إليه القيمون على المدرسة تنويهاً خاصاً فإن ذلك سيجعله يضاعف جهده ويستمر في عطائه وتقدمه. معنى ذلك أن التنويه الحق يزيد من نشاط الطالب ويدفع به إلى المضي قدماً في نجاحاته. والتنويه الحق الذي يعزز من شخصية الطالب يتمناه الطلاب والتلاميذ عله يكون دافعاً لهم لتحسين مستواهم الدراسي.
«إن عامل المدح والثناء ينشط الخلايا ويقوي الأعضاء ويذلل أمام الإنسان أصعب الأعمال وأكثرها تعقيداً . إن حب الذات هو الرافعة التي بها نستطيع تحويك العالم. وبدلاً من مهاجمة العمل الذي لم يحسن صاحبه أداءه وتوجيه اللوم إليه ، فلننظر إلى الأعمال التي أحسن أداءها ونؤثرها بألوان المديح التي ترسخ حلوة في صفحة الذاكرة وتدفع إلى التقدم في العمل».
«يقول ويل «ديورانت» : إذا جاء تقرير ابنتي منبئاً عن تأخرها في مادة الحساب أبدينا الأسف دون أن نلومها ، ولعلها لن تعرف أبداً ان درجاتها في الحساب أعلى مما كنا نحصل عليه في مثل سنها، أما حين تدخل البيت وتخبرنا عن الدرجات النهائية التي حصلت عليها فإننا نرقص طرباً ونحتفي بها ونبذل جهدنا في إظهار فرحتنا من جديد عند كل سبق»(2) .
إذا تم توجيه تنويه لتلميذ دون كفاءة أو استحقاق وأعطاه المعلم أعلى الدرجات ، وإذا لفت تلميذ اهتمام معلميه دون صلاحية علمية أو أخلاقية وذلك عن طريق التملق أو ما شابه وراح معلموه يصفونه أمام جميع الطلاب بأنه الطالب النموذجي الأكثر كفاءة بين زملائه ، أو إذا وجه الثناء في المدرسة لتلميذ ليس أهلا للثناء، فإن ذلك كله يدخل في إطار جرح كرامة وعزة نفس الطلاب الكفوئين حقاً والذين يستحقون المدح والثناء بجدارة لكنهم لا يعرفون التملق، وهذا العمل السلبي يعد ضربة مؤثرة لشخصياتهم وكراماتهم المعنوية ، وهذا الإحباط من الناحية النفسية لن يمر دون أن يترك آثاره السلبية على الطلاب.
التوبيخ : يعتقد بعض خبراء التربية والتعليم - كما تذكر ذلك بعض المؤلفات النفسية والتربوية - بأن تنويه الأشخاص الجيدين الذين يشعرون بالمسؤولية وتوبيخ المتخلفين الذين لا يشعرون بالمسؤولية ، يعتبران عاملين مهمين في توسع رقعة الخير وتحجيم رقعة الشر، ولا بد من استخدام هاتين الوسيلتين في تطبيق المناهج التربوية، ورأى هؤلاء الخبراء أن عامل التنويه أكثر تأثيراً من عامل التوبيخ ، وهذا ما دفعهم إلى التركيز عليه.
وهذه العقيدة تحتاج إلى بحث وتحليل من وجهة نظر المنهاج التربوي في الإسلام ، فإذا كان الهدف من التوبيخ في اعتقاد الخبراء التربويين تطبيق القوانين الجزائية أو اظهار تنفر الناس من الخطيئة والمخطئ، فهذا ما يؤيده الدين الإسلامي ، أما إذا كان المراد من التوبيخ توجيه الملامة للمذنب وتعييره بما ارتكبه أو توبيخه بعبارات نابية ، فهذا ما يرفضه المنهاج التربوي في الإسلام.
تحمل لنا الكثير من الروايات والأحاديث الشريفة تأكيد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) على عدم توجيه اللوم والتوبيخ للمذنبين المتخلفين، وفي المقابل أناطوا بالحكومات مسؤولية تطبيق قوانين الجزاء ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية جاءت وصاياهم (عليهم السلام) للناس بتجنب الآثام والخطايا والابتعاد عن المذنبين وقطع كل علاقة لهم بالفاسقين والمنافقين ومواجهتهم بوجوه مكفهرة.
عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : كان آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران (عليهما السلام) ان قال : لا تعيرن احداً بذنب(3).
وعن الصادق (عليه السلام) : إذ وقع بينك وبين أخيك هنة فلا تعيره بذنب(4).
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : لا تكونن عياباً ولا تطلبن لكل زلة عتاباً ولكل ذنب عقاباً(5).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحد ولا يعيرها(6).
وعن ابي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال امير المؤمنين أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة(7).
في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل : يا كميل قل الحق على كل حال وواد المتقين واهجر الفاسقين وجانب المنافقين: ولا تصاحب الخائنين(8).
إن الطالب المثابر إذا ما حصل على المدح والثناء من قبل معلميه أمام زملائه ، فإن ذلك سيترك دون شك اثراً إيجابياً في نفسه ويزيد من طموحه ويرفع من معنوياته ، إن المديح والثناء على ما يبدو يؤهلان الطالب نفسياً للصفوف اللاحقة ويحثانه على الجد والمثابرة . وعلى العكس من ذلك إذا تعرض الطالب الكسول للملامة والتوبيخ أمام زملائه فإن ذلك سيحط من شخصيته ويجرح عزة نفسه وكرامته ، وسياسة اللوم والتوبيخ لا يمكن أن تكون مؤثرة في إصلاح الطالب الكسول ، كما أن التحقير والإهانة لهما أثر معاكس قد يدفع بالكسول والمتخلف إلى إبداء مزيد من العند ويجعله اكثر جرأة على متابعة أسلوبه السيء .
إن توبيخ الطالب المذنب في المحيط التربوي يعتبر خطأ تربوياً كبيراً يحمل في طياته آثاراً سلبية، والخطأ الأكبر هو في تكرار اللوم والإفراط في التوبيخ ، لأن ذلك يقضي على الأثر النفسي الذي يتركه التوبيخ في نفس الطالب من جهة ويدفع بالشاب الذي يتعرض للتوبيخ إلى العناد والإنتقام من جهة ثانية.
فالطالب الذي يتعرض على الدوام للتوبيخ أمام زملائه مما يؤدي إلى هدر كرامته وتدمير شخصيته، وكذلك الشاب الذي تسوء سمعته ويفتضح أمره أمام أصدقائه ، لا يمكنه أن يخشى العار والفضيحة ، ومثل هذا الشاب قد يلجأ إلى ارتكاب آثام كبيرة ويبدي ردة فعل سلبية في محاولة للإنتقام وإثبات الوجود .
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): الإفراط في الملامة يشب نار اللجاجة(9). وعنه (عليه السلام): اياك أن تكرر العتب فإن ذلك يغري بالذنب ويهون العتب(10).
توبيخ البريء:
وثمة خطأ كبير جداً اشبه ما يكون بالمصيبة الكبرى إن وقع فيه الإنسان ، وهو توبيخ طالب بريء بغير حق أمام زملائه، فإن لم يبادر المعلم في مثل هذه الحالة إلى تدارك خطئه وإنقاذ كرامة الطالب التي جرحها أمام بقية الطلاب ، يكون قد ارتكب أكبر خيانة تربوية وجعل من طالب كفوء مثابر عضواً خطيراً في المجتمع.
«يقول الدكتور ,آلندي، : طلب مني ذات يوم أن أعالج فتى في السادة عشرة من العمر اعتاد على السرقة. هذا الفتى عندما كان في السابعة أو الثامنة من العمر سرق قطعة من الحلوى من خزانة امه ، لكن الأمر لم ينته إلى هذ الحد، فقد اقدم الخادم، الذي كان يراقب عن كثب ما جرى، على سرقة مقدار من المال من الخزانة ذاتها ووجه أصابع الإتهام إلى الفتى الذي تلقى عقاباً شديداً على سرقة لم يرتكبها ، وقرر والد الفتى أن يؤدب ابنه جيداً ، فاتفق مع مدير المدرسة على فضح أمره أمام سائر الطلاب، ومنذ ذلك اليوم بدأ الفتى بالسرقة الحقيقية حيث كان يسرق حاجيات زملائه».
«فالعامل الذي دفع بالفتى إلى السرقة لم يكن سوى أخطاء تربوية ارتكبها أبواه. وعندما جيء به إلى عيادتي كان قد ارتكب سرقة بعد ان خلع باباً وحطم زجاجه. وقد نجحت في إصلاح الفتى وهديته إلى الطريق القويم. وإن استمر الوضع على ما كان عليه لأصبح الفتى الذي كان يتوقع ان يصبح يوماً رجلاً شجاعاً ومسؤولاً ، مجرماً خطيراً»(11).
قال امير المؤمنين علي (عليه السلام) : رب ملوم ولا ذنب له(12).
لو اعتمد القيمون على المدارس والمراكز التربوية أسلوب النصح بدل التوبيخ والتقريع ، وسعوا إلى تنبيه الطالب الكسول والمهمل بكل أدب ولطف ، فقد ينعكس ذلك إيجابياً على نفس الطالب ، ويحاول الطالب بكل عزم إصلاح شأنه. ولا شك في أن الأثر سيكون أكثر وقعاً فيما لو أقدم الناصح على إسداء النصح للطالب المهمل الكسول بعيداً عن عيون الآخرين ، لأن النصح بين الملأ يكلف غالياً وقد يؤدي إلى جرح كرامة الفرد وتدمير شخصيته.
قال امير المؤمنين علي (عليه السلام) : النصح بين الملأ تقريع(13).
عن الإمام العسكري (عليه السلام): من وعظ أخاه براً زانه ومن وعظه علانيه فقد شانه(14).
كان رجل يدعى الشقراني يبرز حبه للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وكان يعدّ نفسه من محبي أهل البيت (عليهم السلام) ، وكان الشقراني مدمناً على الخمرة ، فطلب من الإمام (عليه السلام) ، يوماً أن يشفع له عند المنصور الدوانيقي ، فلبى الإمام طلبه ، وأراد (عليه السلام) أن ينهاه عن الخمرة فتحدث إليه بكل أدب ولين وبعيداً عن التوبيخ والتقريع وأنظار الناس ، فقال (عليه السلام) له : ان الحسن من كل أحد حسن ، وإنه منك أحسن لمكانك منا ، وإن القبيح من كل أحد قبيح وإنه منك أقبح(15).
ونخلص إلى أن أسلوب التوبيخ والتقريع في المدرسة التربوية الإسلامية أسلوب مذموم ومرفوض ، وعلى المسلمين ان يتجنبوا هذه الطيعة السيئة. اما إذا كان الهدف من هذا الاسلوب صيانة مصلحة الامة كتطهيرها من شرور العناصر الضالة أو إنقاذها من دنس المعتدين الجائرين ، فإنه يصبح جائزاً شرعاً مثله مثل بعض أنواع الكذب والغيبة.
_________________________
(1) مبادى علم النفس، ص 158.
(2) مباهج الفلسفة، ص199.
(4 و5) مستدرك الوسائل 2، ص105.
(6) مجوعة الورام 1 ، ص 57.
(7) وسائل الشيعة4، ص68.
(8) مستدرك الوسائل2، م36.
(9) غرر الحكم، ص70.
(10) فهرست الغرر، ص359.
(11) نحن وأبناؤنا ، ص72.
(12) فهرست الغرر، ص 359.
(13) شرح ابن ابي الحديد 20 ، الكلمة 908 ، 341.
(14) تحف العقول، ص 489.
(15) بحار الأنوار 11، ص 209.