x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الوعي البيئي وسلوكيات الإنسان
المؤلف: د. صبحي عزيز البيات
المصدر: التربية البيئية
الجزء والصفحة: ص 181 ــ 186
2024-02-04
1190
ثمة تساؤلات عديدة تطرح نفسها بإلحاح، ومنها:
ـ هل أدى الوعي البيئي الى تغيير في السلوكيات؟
ـ ولماذا، رغم زيادة الوعي البيئي في أنحاء العالم، لم يحدث تقدم ملموس في معالجة قضايا البيئة؟
السبب، ببساطة، هو ان التركيز حتى الآن كان على الجوانب الفنية والمؤسسية والتشريعية للقضايا البيئية، وتم تجاهل البعد الإنساني، الذي هو في الواقع محور كل هذه القضايا.
ولقد طرحت في الأعوام الماضية تساؤلات أخرى، مثل:
ـ هل هناك علاقة بين التدهور البيئي ومنظومات الأخلاق، والقيم، والمعتقدات، التي تحد تصرفات الإنسان؟
ـ وما هي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي الى تغيرات جذرية في سلوكيات
الإنسان وتجعله يتخذ موقفاً سلبياً تجاه البيئة؟
ـ وكيف يمكن تغيير هذه السلوكيات وجعلها إيجابية وفعالة في حماية البيئة وصون
الموارد الطبيعية؟
للإجابة على هذه التساؤلات لابد من الإشارة الى ان العلماء أجمعوا على ان السلوك الإنساني يتكون من جزئين: جزء متوارث، وآخر مكتسب يتعلمه الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه. وتلعب العوامل الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية أدوارا رئيسية في تشكيل الجزء المكتسب من سلوك الإنسان. وتختلف هذه العوامل، وبالتالي السلوك الإنساني، من حضارة الى أخرى وعلى مر الأزمنة. ومع تطور وتضخم الحياة المادية في العالم أصبح الجزء المكتسب هو المكون الأساسي في سلوك الإنسان وإضمحل الجزء المتوارث بدرجة ملموسة.
وتوضح الدراسات المختلفة أنه في الأزمنة القديمة كان التغيير في مفاهيم ومواقف الإنسان تجاه قضايا البيئة بطيئاً. فإنتقلت مفاهيم كثيرة عبر الحضارات المختلفة، أي تم توارثها. ولكن مع بدء الثورة الصناعية، وما تبع ذلك من تطور علمي وتكنولوجي سريع، تغيرت هذه المفاهيم بسرعة أكبر وإضمحلت قيم ومعتقدات كانت راسخة في بعض المجتمعات مئات وألوف السنين. فمثلا كان اليابانيون حتى وقت قريب يعتزون بتقليد ومفهوم قديم متوارث هو (الموتانياي) الذي ينص على ان (كل شيء في العالم هو هبة من الخالق، ومن ثم ينبغي على الإنسان ان يشعر بالإمتنان له، وان يحرص على كل شيء، ويعتبر إضاعة او تبديد أي شيء خطيئة كبرى). وقد إثر هذا المفهوم على سلوك اليابانيين خلال أزمنة طويلة، فحرصوا على الإستخدام الأمثل والرشيد للموارد المختلفة. ولكن هذا المفهوم بدأ بالتلاشي مع التطور الصناعي والازدهار الاقتصادي وبدء محاكاة المجتمع الياباني للمجتمع الغربي في أنماط الإستهلاك وأساليب الحياة.
واليوم، ثمة إتجاه لتصنيف المفاهيم الإنسانية للبيئة الى نوعين:
الأول - هو المفهوم التقني المحور، الذي ينادي بأن التقدم هو نتيجة المزيد من العلم والتكنولوجيا، وأنه لا توجد عقبات لا يمكن التغلب عليها، وان لكل مشكلة بيئية حلاً تكنولوجياً. والثاني - هو المفهوم البيئي المحور، الذي ينادي بان التكنولوجيا الحالية هي خطر داهم على الإنسانية، وانه لابد من إحداث تغييرات جذرية وإتباع تقنيات أبسط وأكثر توافقاً مع البيئة لتحقيق حاجات الإنسان الأساسية والبعد عن الإسراف وتبديد الموارد المختلفة (أي، كل صغير جميل).
فأي من المفهومين يفضله الإنسان؟
الإنسان بطبيعته أناني، مولع بالامتلاك، وقصر النظر. لذا فانه بمجرد حصوله على المعرفة لزيادة رغباته المادية، لا يتوانى عن إستخدام هذه المعرفة الى ابعد حد ممكن وبدون النظر الى الأضرار التي يمكن ان يحدثها للأجيال القادمة. فالإنسان إذاً يميل بطبيعته الى المفهوم التقني المحور وهذا المفهوم، الذي أصبح سائداً في مختلف دول العالم، خاصة في الدول الرأسمالية، لأن جذوره متأصلة فيها. ويخشى البعض من تضخم هذا المفهوم ويحذر من ان مردوده في المستقبل القريب سيكون سلبياً وستكون عواقبه وخيمة على الأجيال القادمة.
هكذا، فإزدياد الوعي بقضايا البيئة لا يعني بالضرورة حدوث تغيرات إيجابية في سلوكيات الأفراد ومع تفشي حالة اللامبالاة في شرائح المجتمع المختلفة، أصبح الشعور السائد هو ترك المشاكل البيئية للأجهزة الحكومية للتصرف فيها. بالإضافة الى ذلك، هناك إتجاه واضح، خاصة في دول نامية كثيرة، لعدم تعاون الجمهور. فمثلاً قد تبذل البلديات في بعض المدن جهوداً كبيرة في تنظيف الشوارع والحدائق وزرع الأشجار، ولكن قد لا يهتم الناس بإلقاء الفضلات في الأماكن المخصصة لها، او الحفاظ على الأشجار وعدم إقتلاعها. كذلك قد يكون الناس على دراية بمخاطر التدخين بالنسبة للغير، ومع ذلك فانهم يدخنون في الأماكن المحظور التدخين فيها. وقد يكون الناس على دراية بما تسببه الضوضاء من إزعاج للآخرين، ولكنهم يطلقون أبواق سياراتهم، أو يرفعون صوت أجهزة الراديو والكاسيت والتلفزيون دون مبالاة ومراعاة لمشاعر الآخرين وحقوقهم (1).
كيف يمكن تغيير سلوكيات الإنسان تجاه البيئة؟
إتفق علماء السلوكيات والبيئة على 3 وسائل، إذا إتبعت بصورة متكاملة فإنها من الممكن ان تحقق نتائج إيجابية في إحداث تغيير في السلوك الإنساني تجاه البيئة، مع التحذير من ان عملية إحداث تغيير في السلوكيات تتطلب وقتاً طويلاً قد يصل في بعض المجتمعات أو في شرائح داخل المجتمع نفسه الى أجيال. وهذه الوسائل الثلاث هي:
أولاً- التعليم.
ويقصد به التعليم بمعناه الشامل. ويبدأ هذا التعليم مع الطفل منذ ولادته. فالطفل يولد بريئاً، تلقائي التصرف، سليم الطوية. وفي سنوات تنشئته الأولى يتكون لهذا الطفلة ضمير هو في الواقع رافد من ضمير والديه، فمن خلالها يعرف قاعدة الثواب والعقاب. وهكذا يكون ضمير الطفل مرآة لوالديه، حتى إذا بدأت مراحل النمو في التقدم بالعمر والتعليم والمخالطة الاجتماعية بدأ الضمير في التكون ليتسق ضمير الفرد مع قيم المجتمع وتقاليده وأعرافه الاجتماعية.
من هنا كان تعليم المرأة - الأم - أمراً حيوياً. فهي المربية الأولى التي يرى الطفل ويفهم من خلالها ما يدور حوله. وقد عبر المهاتما غاندي عن أهمية تعليم المرأة بقوله:(إذا علمت أمرأة فانت تعلم اسرة بأكملها، وإذا علمت رجلاً فانت تعلم فرداً واحداً)، فلا شك في أن المرأة المتعلمة قادرة أكثر من غيرها على زرع الكثير من سلوكيات حماية البيئة وترشيد إستخدام الموارد المختلفة في أفراد اسرتها. ويلعب التعليم الرسمي وغير الرسمي دوراً هاماً في إحداث التغيرات السلوكية، إذا كان متناسقاً مع القيم والمعتقدات الإنسانية العميقة.
ثانياً- إستخدام التشريعات والحوافز:
أوضح الفيلسوف السياسي البريطاني توماس هوبس في عام 1951 إن الحل الأمثل لتغيير سلوكيات الإنسان هو إستخدام التشريعات، لأن الإنسان بطبيعته الأنانية يميل الى التصرف، او العمل بما يحقق مصالحه الذاتية. فتطبيق قانون المرور بحزم في الدول الأوربية وغيرها (غرامات مالية مرتفعة، أو الحبس، أي ما ينتقص من المصالح الذاتية) أدى الى تغيير السلوكيات وإحترام قواعد المرور، حتى في عدم وجود شرطي المرور. من ناحية أخرى يمكن إحداث تغيير في السلوكيات بالحوافز (إذا شعر الإنسان أنه لن يتحمل عبئاً إضافياً). مثلاً أمكن تحقيق نجاح كبير في إدارة مخلفات المنازل الصلبة في مانيلا بتوزيع مجاني لأكياس جمع القمامة. وقامت بعض بلديات المدن الأوربية بتخصيص ايام لجمع الصحف القديمة من المنازل وأيام لجمع الزجاج. كذلك تمنح بعض الدول حوافز مجزية لعمليات تدوير القمامة والمخلفات الأخرى.
ثالثاً- المشاركة الشعبية:
المشاركة الشعبية ليست ظاهرة جديدة. تاريخياً انتشرت المشاركة والعمل التعاوني في مجتمعات صغيرة كثيرة (خاصة المجتمعات الريفية - الصيادين، الخ). ولكن المشاركة الشعبية تواجه مشكلات مختلفة في كثير من الدول. فكثير من الوكالات الحكومية ليست على إستعداد، بل وغير قادرة على العمل بالتعاون مع الجماهير أو الإستجابة لهم. فالمخططون والمديرون ينظرون الى الناس على أنهم المشكلة، وينظرون الى أنفسهم عل أنهم يجسدون الحل. ويؤدي هذا الى تفشي النظرة التسلطية في التعامل مع الناس. ولكن الدراسات أثبتت ان المشاركة الشعبية في التخطيط وإتخاذ القرار وفي الادارة مسالة لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق تكامل الأهداف البيئية والاجتماعية والاقتصادية والظروف البيئية، كما انها تبني وتوثق جسور الثقة بين الناس ومتخذي القرار وتعطي الضمان لسرعة وكفاءة التنفيذ والوصول الى الهدف (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. عصام الحناوي، قضايا البيئة في مئة سؤال وجواب، البيئة والتنمية، بيروت، 2004، ص 30 ـ 31.
2ـ - المصدر السابق، ص 32 ـ 33.