تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
الثقوب السوداء
المؤلف: والتر لوين ووارن جولدستين
المصدر: في حب الفيزياء
الجزء والصفحة: ص249–257
2024-01-21
996
لقد حان الوقت أخيرًا للحديث عن هذه الأجرام الغريبة. أتفهم تمامًا لِمَ قد يخاف الناس من هذه الأجرام – إذا قضيت بعض الوقت على موقع «يوتيوب»، فسترى عشرات التصورات لما يمكن أن تبدو عليه الثقوب السوداء، ومعظمها يندرج تحت فئة «نجوم الموت» أو «آكلات النجوم». وفي التصور الشهير للثقوب السوداء، تكون على شكل بالوعات كونية فائقة القوة تبتلع كل شيء بأفواهها النهمة.
إلا أن فكرة أن الثقوب السوداء تلتهم كل شيء قريب منها مغالطة تامة. فالأجرام بجميع أنواعها والنجوم بصفة أساسية، تدور حول الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية، أو حتى الثقوب السوداء العملاقة، بثبات كبير. ولو كان الأمر خلاف ذلك، لاختفت مجرة درب التبانة في الثقب الأسود العملاق الواقع في مركزها، والذي يبلغ أربعة ملايين كتلة شمسية.
إذن، ماذا نعرف عن هذه الوحوش غريبة الأطوار؟ قد تبلغ كتلة النجم النيوتروني ثلاث كتل شمسية قبل أن تتسبب قوة الجاذبية في انهياره ليشكل ثقبا أسود. فإذا كانت كتلة النجم المنفرد الأصلي خلال عملية التخليق النووي أكبر من كتلة الشمس بخمس وعشرين مرة، فإن مادته لن تتوقف عن التساقط عند وصوله لمرحلة النجم النيوتروني، مما يسفر عن تكون الثقب الأسود.
وحين يكون للثقوب السوداء نجوم مرافقة لها في أنظمة ثنائية، يمكننا قياس تأثير جاذبيتها على شركائها المرئيين وفي بعض الحالات النادرة، يمكننا تحديد كتلها.
يحيط بالثقب الأسود ما يطلق عليه العلماء أفق الحدث، وذلك بدلًا من السطح، وهو الحد الذي تكون فيه قوة جاذبية الثقب الأسود من الشدة بحيث لا يتمكن أي شيء، ولا حتى الأشعة الكهرومغناطيسية من الفرار من مجال جاذبيته. أعرف أن هذا ليس منطقيا، لذا تصور أن الثقب الأسود يشبه كرةً ثقيلة مستقرة على منتصف طبقة مطاطية بالطبع، سيؤدي ذلك إلى تدلي منتصف الطبقة. فإذا لم يكن في متناولك، جرب استخدام جوراب قديم، أو زوج مهمل من الجوارب الضيقة، قص منهما قطعة مربعة كبيرة بقدر المستطاع، ثم ضع حجرًا في منتصفها. ثم ارفع قطعة القماش المربعة من حوافها؛ سترى على الفور أن الحجر يُحدث تجويفا أشبه بالقمع في منتصف المربع يشبه قمع الإعصار. لقد صممت لتوك نسخة ثلاثية الأبعاد لما يحدث في الزمكان رباعي الأبعاد. ويطلق العلماء على هذا التجويف «بئر الجاذبية»، وذلك لأنه يحاكي تأثير الجاذبية على الزمكان وإذا أحللت صخرة أكبر حجمًا محل الحجر، فسيصبح لديك بئر أعمق، مما يرجح أنه كلما كان الجرم السماوي أضخم، فإن تأثيره المُشوّه للزمكان يكون أكبر.
وبالنظر إلى أننا لا نستطيع التفكير إلا في ثلاثة أبعاد مكانية، فلا يمكننا تصور ما يعنيه أن يصنع نجم عملاق حفرة في جدار الزمكان رباعي الأبعاد. وكان ألبرت اینشتاین هو من علمنا كيفية تصور الجاذبية بهذا النحو، تصورها على أنها التواء في جدار الزمكان. لقد حوّل آينشتاين الجاذبية إلى مادة هندسية، وإن لم تكن تنتمي إلى الهندسة التي درستها في المدرسة الثانوية.
وليست تجربة الجورب بالتجربة المثالية – أعلم أن هذا من شأنه أن يريح كثيرين منكم – وذلك لعدد من الأسباب، لكن السبب الرئيسي هي أنك لا تستطيع تصور كتلة رخامية تدور في مدار ثابت حول بئر جاذبي ناتج عن صخرة. أما في عالم الفلك الحقيقي، فتدور أجرام كثيرة حول أجرام عملاقة في مدارات ثابتة لملايين أو حتى مليارات السنوات فكر في دوران القمر حول الأرض، ودوران الأرض حول الشمس، ودوران الشمس ومائة مليار نجم آخر في مجرتنا.
أما على الناحية الأخرى، فيساعدنا ذلك العرض العملي على تصور الثقب الأسود. على سبيل المثال، يمكننا رؤية أنه كلما زادت ضخامة الجرم، زاد البئر عمقًا وزادت الجوانب انحدارًا، ومن ثم زاد مقدار الطاقة اللازمة لتسلق البئر. حتى الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي يفر من جاذبية نجم عملاق تقل طاقته، ما يعني انخفاض تردده وزيادة طوله الموجي. وكما صرتَ تعرف الآن، يُسمى الانزياح نحو الطرق الأقل نشاطا من الطيف الكهرومغناطيسي بالانزياح نحو الأحمر. في حالة البقايا النجمية المضغوطة سواء أكانت عملاقة أم صغيرة يحدث الانزياح الأحمر بفعل الجاذبية، والذي نطلق عليه الانزياح الأحمر الجذبوي (ولا ينبغي خلطه بالانزياح الأحمر الناتج عن انزياح دوبلر).
للفرار من سطح كوكب أو نجم، تحتاج إلى الحد الأدنى من السرعة؛ لتضمن عدم عودتك إليه مرةً أخرى. ونطلق على ذلك سرعة الإفلات، وتعادل 11 كيلومتر في الثانية (حوالي 25,000 ميل في الساعة) بالنسبة لكوكب الأرض. ومن ثم، فإن جميع الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، لا يمكن أن تزيد سرعتها عن 11 كيلومتر في الثانية. وكلما زادت سرعة الإفلات زادت الطاقة اللازمة للإفلات، لأن ذلك يتوقف على كل من سرعة الإفلات، وعلى كتلة الأجرام الفارة (والطاقة الحركية اللازمة لذلك = 1/2 الكتلة × السرعة2).
لربما يمكنك الآن تصور أنه كلما زاد بئر الجاذبية عمقًا، صارت سرعة الإفلات من قاع البئر أكبر من سرعة الضوء نفسها. ولأن ذلك مستحيل، فلا شيء يستطيع الفرار من بئر الجاذبية العميق هذا، ولا حتى الإشعاع الكهرومغناطيسي.
كان عالم فيزياء يُدعى كارل شفارتسشيلد قد حل معادلات آينشتاين للنسبية العامة، وحسب نصف قطر الكرة محددة الكتلة التي من شأنها إحداث بئر بعمق لا يستطيع شيء الإفلات منه – الثقب الأسود. ويُعرف نصف القطر بنصف قطر شفارتسشيلد، ويعتمد حجمه على كتلة الجسم. وهذا هو نصف قطر ما تطلق عليه أفق الحدث.
المعادلة نفسها شديدة البساطة، إلا أنها لا تنطبق إلا على الثقوب السوداء غير الدوارة، والتي غالبًا ما يُشار إليها بثقوب شفارتسشيلد السوداء. (1) وتتضمن المعادلة ثوابت معروفة، ونصف القطر الذي يُحسَب بأقل قليلا من ثلاثة كيلومترات لكل كتلة شمسية. هكذا يمكننا حساب أن الحجم – أي نصف قطر أفق الحدث – لثقب أسود تبلغ كتلته، على سبيل المثال، عشر كتل شمسية، يساوي 30 كيلومترا تقريبا. كما يمكننا حساب نصف قطر أفق الحدث لثقب أسود تعادل كتلته كتلة الأرض – سيكون أقل من سنتيمتر – لكن لا دليل على وجود مثل هذه الثقوب السوداء. إذن، لو أن كتلة الشمس كانت مُركزة في كرة يبلغ قطرها ستة كيلومترات، فهل كانت ستشكل نجما نيوترونيا؟ الإجابة لا، وذلك لأنه تحت تأثير جاذبية تلك الكتلة الضخمة المكدسة في كرة صغيرة إلى هذا الحد، كانت مادة الشمس ستتساقط محدثةً ثقبا أسود.
قبل آينشتاين بوقت بعيد، وفي عام 1748 تحديدا، أثبت الفيلسوف والجيولوجي الإنجليزي جون ميشيل احتمالية وجود نجوم بقوة سحب جاذبية شديدة جدا، لدرجة تحول دون إفلات الضوء منها. وقد استعان بميكانيكا نيوتن البسيطة (يستطيع أي من طلابي في السنة الأولى من الجامعة القيام بذلك في ثلاثين ثانية) وانتهى إلى النتيجة عينها التي توصل إليها شفارتسشيلد، وهي أنه إذا كانت كتلة النجم (عدد الكتل الشمسية)، وكان نصف قطره أقل من حاصل ضرب 3 في (عدد الكتل الشمسية للنجم)، فإن الضوء لا يمكنه الإفلات منه وإنها لمصادفة مثيرة للدهشة أن تعطي نظرية آينشتاين للنسبية العامة النتيجة نفسها التي أعطتها الطريقة المعتمدة على ميكانيكا نيوتن.
في مركز أفق الحدث الكروي، يقع ما يُطلق عليه الفيزيائيون «المتفرد»، وهي نقطة عديمة الحجم بكثافة غير محدودة، وهو شيء عجيب تعجز عقولنا عن فهمه، وإن كان يقدم الحل للمعادلات فما من أحد يعلم شكل هذا المتفرد، رغم أن بعضهم يحاول تخيله بالإضافة إلى ذلك، لا توجد قوانين فيزيائية إلى الآن يمكنها التعامل مع هذه المتفردات.
يمكنك أن تشاهد على الإنترنت كثيرًا من مقاطع الفيديو المصممة بالرسوم المتحركة للثقوب السوداء، جميعها خلابة ومتوعدة في الوقت نفسه، وعملاقة إلى حدٍ لا يُصدق منذرةً بإحداث دمار على نطاق كوني. لذا، حين شرع الصحفيون يكتبون عن احتمالية تسبب أكبر معجل جسيمات في العالم – مصادم الهدرونات الكبير التابع لمختبر سرن، والذي يقع بالقرب من جنيف – في خلق ثقب أسود، نجحوا في إثارة مخاوف كبيرة بين العوام من أن الفيزيائيين يغامرون بمستقبل الكوكب.
لكن، هل كان ذلك حقيقيا؟ لنفترض أنهم تسببوا بمحض الصدفة في تكون ثقب أسود – فهل بدأ ذلك الثقب في التهام الأرض؟ بالطبع، مثل هذا الأمر لا يخفى على أحدٍ. لقد بلغ مستوى الطاقة التي تتصادم عنده حزم البروتونات المتقابلة في مصادم الهادرونات الكبير في الثلاثين من مارس من عام 2010، 7 تيرا إلكترون فولت، أي تريليون إلكترون فولت، بواقع 3.5 تريليون لكل حزمة. ويخطط العلماء في مصادم الهدرونات الكبير إلى رفع مستوى طاقة المصادمات إلى 14 تيرا إلكترون فولت، وهو أمر من أبعد المستحيلات اليوم. فكتلة البروتون تبلغ 24–10×1.6 جراما. كثيرًا ما يقول علماء الفيزياء إن كتلة البروتون m تبلغ حوالي مليار إلكترون فولت، 1 جيجا إلكترون فولت. والجيجا إلكترون فولت وحدة قياس الطاقة وليس الكتلة بالطبع، لكن بما أن E=mc2 حيث تشير إلى سرعة الضوء، فإن E غالبًا ما يُشار إليها على أنها الكتلة. على طريق ماساتشوستس تيرنبايك توجد لافتات مكتوب عليها: «للمعلومات عن الرحلات اتصل بـ 511». وفي كل مرة أقرأ إحدى هذه اللافتات، تتبادر الإلكترونات إلى ذهني؛ إذ إن كتلة الإلكترونات تبلغ 511 ألف إلكترون فولت.
وبافتراض أن طاقة المصادمة البالغة 14 تيرا إلكترون فولت أدت إلى تشكل ثقب أسود، فستكون كتلة هذا الثقب 14,000 مثل كتلة البروتون، أو حوالي 20–10×2 جرامًا. وقد قيم عدد لا حصر له من الفيزيائيين ولجان المراجعة أعدادا كبيرة من الأدبيات التي تناولت هذه المسألة، ونشروا نتائجهم، وقد خلصوا إلى أن الأمر لا ينطوي على تهديد. هل تريد معرفة السبب؟ حسنًا، هذا حقك فيما يلي أورد لك الحجج التي قام عليها هذا الاستنتاج.
أولا: احتمالات مصادم الهدرونات الكبير التي تتوفر فيها الطاقة الكافية لتشكيل ثقوب سوداء ضئيلة تعرف بالثقوب السوداء الدقيقة تقوم على نظرية ما يُعرف بالأبعاد الإضافية الكبيرة، والتي ما زالت إلى اليوم مجرد نموذج تخميني، على أقل تقدير. فتلك النظرية تتجاوز حدود كل الأمور المثبتة بالتجربة. ومن ثم، فإن احتمالية تشكيل ثقوب سوداء دقيقةٍ هي احتمالية ضئيلة للغاية من الأساس.
لا جدال في أن منبع التخوف هو احتمال أن تكون تلك الثقوب السوداء الدقيقة أجراما متنامية ثابتة – أي أجرامًا تنمو بجذب المادة المحيطة بها وابتلاعها بداخلها – تبدأ في ابتلاع المادة القريبة منها، ومن ثم تبتلع كوكب الأرض. لكن لو كان لتلك الثقوب السوداء الدقيقة وجود لتشكلت، بفعل أشعة كونية نشطة إلى حد مهول (وهي موجودة فعلًا) ولأرتطمت بالنجوم النيوترونية والأقزام البيضاء – حيث ستتخذ تلك الثقوب السوداء الدقيقة لنفسها مسكنا. لكن بالنظر إلى أن الأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية تبدو مستقرة على مدى زمني يمتد إلى مئات الملايين من السنين، إن لم يكن مليارات السنين فلا يبدو أن هناك أية ثقوب سوداء دقيقة تلتهمها من الداخل. بعبارة أخرى، يبدو أن الثقوب السوداء الدقيقة الثابتة لا تُشكل أي خطر.
على الناحية الأخرى، باستبعاد نظرية الأبعاد الإضافية، ليس للثقوب السوداء التي تقل كتلتها عن 105×2 جرامات (يُطلق عليها كتلة بلانك) وجود؛ بمعنى أنه لا توجد نظرية فيزيائية (إلى الآن) يمكنها تفسير وجود ثقوب سوداء بهذه الكتلة الضئيلة؛ ومن ثم، كنا سنحتاج إلى نظرية جاذبية كمية، وهي شيء لا وجود له. ومن ثم، فإن مسألة إيجاد نصف قطر شفارتسشيلد لثقب أسود دقيق بكتلة 1020×2 جراما مسألة لا معنى لها.
كذلك، أثبت ستيفن هوكينج أن الثقوب السوداء يمكن أن تتبخر. وكلما قلت كتلة الثقب الأسود، كان تبخره أسرع. وهكذا، يتبخر الثقب الأسود الذي يبلغ ثقله 30 كتلة شمسية في غضون 1071 عامًا تقريبا فيما يمتد عمر الثقب الأسود العملاق الذي يبلغ ثقله مليار كتلة شمسية إلى حوالي 1093 عاما! إذن، لربما تتساءل كم سيستغرق تبخر ثقب أسود دقيق تبلغ كتلته 20–10×2 جرامًا؟ إنه سؤال عبقري، لكن ما من أحد يستطيع الإجابة عنه – فنظرية هوكينج لا تعمل في نطاق كتل الثقوب السوداء الأقل من كتلة بلانك. لكن لأجل الفضول، يصل عمر الثقب الأسود الذي تبلغ كتلته 105×2 جرامات إلى حوالي 39–10 ثانية. بعبارة أخرى، الثقوب السوداء الدقيقة بهذا الحجم لا يمكن أن تنشأ من الأساس.
ومن ثم، من الواضح أننا لا ينبغي أن نتخوف من الثقوب السوداء الدقيقة التي يبلغ ثقلها 20–10×2 جرامًا التي يُحتمل أن تتشكل بفعل مصادم الهدرونات الكبير.
أعلم أن ذلك لم يثن الناس عن رفع الدعاوى القضائية لمنع مصادم الهدرونات الكبير من بدء العمل. ومع ذلك، يثير هذا في داخلي قلقًا بشأن تلك المسافة الكبيرة بين العلماء وبقية البشر، وفي إخفاقنا نحن العلماء في توضيح ما نفعله للعامة. وحتى حين درس بعض من نخبة علماء الفيزياء في العالم المسألة وأوضحوا أنها لا تشكل أية مخاطر، نجح الصحفيون والسياسيون في إثارة مخاوف العامة دون أي أساس. ويبدو أن الخيال العلمي أقوى من العلم نفسه إلى حد ما.
لا شيء أغرب في هذا الكون من الثقوب السوداء على ما أعتقد. فالنجوم النيوترونية تعلن عن وجودها من خلال سطحها؛ فللنجم النيوتروني سطح يمكن رصده. أما الثقب الأسود، فلا سطح له، ولا انبعاث يصدر منه (باستثناء إشعاع هوكينج، الذي لم يُرصد أبدا). بعض الثقوب السوداء، المحاطة بحلقة مفلطحة من المادة والتي تُعرف بقرص التراكم، تُطلق تدفقات من جسيمات بمستويات طاقة بالغة الارتفاع عمودية على سطح قرص التراكم، وإن لم يكن من داخل أفق الحدث، فلماذا تُعد أحد الألغاز الكبرى التي لم تُحل بعد.
لا يمكننا التوصل إلى أي شيء يتعلق بما بداخل الثقب الأسود وداخل أفق الحدث إلا بالعمليات الحسابية. وعلى كل حال لا يمكننا الحصول على أي شي، ومن ثم فإننا لا نتلقى أية معلومات من داخل الثقب الأسود – الأمر الذي يصفه بعض الفيزيائيين من ذوي الحس الفكاهي بـ«الرقابة الكونية». إن الثقوب السوداء أجرام منغلقة على نفسها. فبمجرد سقوطك عبر أفق الحدث، لا يمكنك الخروج أبدا – ولن يمكنك حتى إرسال إشارة. وإذا سقطت عبر أفق حدث ثقب أسود عملاق، فلن تعرف حتى أنك قد مررت من أفق الحدث. فأفق الحدث ليس له قناة أو جدار أو حافة. كما أن ما من شيء في محيطك يتغير فجأة عند عبورك أفق الحدث. فبالرغم من كل تلك المبادئ الفيزيائية النسبية التي ينطوي عليها الأمر لن تجد أن عقارب ساعتك تتوقف أو تتحرك أسرع أو أبطأ من المعتاد.
أما من منظور شخص يراقبك عن بعد، فإن الموقف سيكون مختلفا تمامًا؛ فما يراه ذلك الشخص ليس أنت؛ وإنما تتلقى عيناه صورًا لك يحملها الضوء الذي يترك جسدك ويتسلق خروجًا من بئر جاذبية الثقب الأسود. وكلما اقتربت من أفق الحدث، يزداد البئر عمقًا. ويفقد الضوء مزيدا من طاقته لأجل الخروج من البئر، متعرضا لمزيد من الانزياح الأحمر الجذبوي. كما ينزاح كل الإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث منك نحو أطوال موجية أطول ومن ثم يقل ترددها هكذا ستزداد احمرارا، ثم ستختفي مع تزحزح انبعاثاتك نحو أطوال موجية أطول، كالأشعة تحت الحمراء، ثم نحو موجات راديوية أطول، إلى أن تصير الأطوال الموجية لا متناهية مع عبورك أفق الحدث. ومن ثم، حتى قبل عبورك ذلك المدخل إلى الثقب الأسود، فسيبدو للمراقب البعيد أنك اختفيت فعليا.
كذلك يرصد المراقب البعيد شيئًا غير متوقع، وهو أن سرعة الضوء تقل حين يصدر من منطقة قريبة من ثقب أسود! وهذا لا يتعارض مع أي من افتراضات النسبية: فالمراقب القريب من الثقب الأسود دائمًا ما يرى الضوء يتحرك بنفس سرعته المعتادة (حوالي 186,000 ميل في الثانية)، أما المراقب عن بعد، فيرى أن سرعة الضوء أقل من c. ومن ثم تستغرق صورك التي يحملها الضوء المنبعث منك باتجاه المراقب البعيد وقتا أطول للوصول إليه مما كانت تستغرقه لو أن ذلك المراقب يقف بالقرب من ثقب أسود. ويترتب على ذلك نتيجة بالغة الأهمية، وهي أن المراقب يراك تبطئ سرعتك بينما تقترب من أفق الحدث وفي واقع الأمر، تستغرق صورك وقتًا متزايد الطول للوصول إليه، ومن ثم فإن كل ما تفعله يبدو له بحركة بطيئة. أما بالنسبة لمراقب لك من على سطح الأرض، فإن سرعتك، وحركاتك وساعتك وحتى نبضات قلبك تبطئ مع اقترابك من أفق الحدث، وستتوقف تمامًا ما إن تصل إليه. ولولا أن الضوء المنبعث منك بالقرب من أفق الحدث يختفي بفعل ظاهرة الانزياح الأحمر الجذبوي، لرآك المراقب «متجمدا» إلى الأبد عند سطح أفق الحدث.
وقد تجاهلتُ هنا – تجنبا للتعقيد – الحديث عن انزياح دوبلر، الذي من شأنه أن يكون هائلا بالنظر إلى سرعتك التي تتزايد باضطراد مع اقترابك من أفق الحدث. في الحقيقة، عند عبورك أفق الحدث، ستتحرك بسرعة الضوء. (وبالنسبة إلى المراقب من سطح الأرض يشبه انزياح دوبلر تأثيرات الانزياح الأحمر الجذبوي).
بعد عبورك أفق الحدث، وعند انقطاع اتصالك بالعالم الخارجي، ستظل قادرًا على رؤية العالم خارج أفق الحدث. فالضوء القادم من خارج أفق الحدث ينزاح نحو تردد أعلى وطول موجي أقصر، ومن ثم، سترى الكون منزاحًا نحو الأزرق. (وهو نفس الشيء الذي كان سيحدث لو أنك وقفت على سطح نجم نيوتروني، وذلك للسبب ذاته). ومع ذلك، نظرًا لأنك تسقط بسرعة هائلة، يأخذ الكون في الابتعاد عن ناظريك، ومن ثم ينزاح العالم الخارجي إلى اللون الأحمر (نتيجةً لتأثير دوبلر). إذن، ما النتيجة التي سيسفر عنها ذلك؟ أيهما سيفوز في هذا السباق الانزياح الأزرق أم الانزياح الأحمر؟ أم أن كليهما سيخسر السباق؟
طرحتُ هذا السؤال على أندرو هاميلتون الأستاذ في المعهد المشترك للفيزياء الفلكية المخبرية التابع لجامعة كولورادو والخبير العالمي في الثقوب السوداء، وكما توقعت لم تكن الإجابة بسيطة. فالانزياح الأزرق والانزياح الأحمر يزولان تقريبًا في حالة السقوط الحر، لكن العالم الخارجي يبدو منزاحًا نحو الأحمر في الأعلى والأسفل، ومنزاحًا نحو الأزرق في الاتجاهات الأفقية.
ومع ذلك، لن يوجد مكان يمكن الوقوف عليه، إذ لا يوجد سطح. فقد تكدست كل المادة التي شكلت الثقب الأسود في نقطة، وهي المتفرد. فماذا عن قوى المد والجزر – ألن يتمزق جسدك بفعل الفارق في شدة الجاذبية عند رأسك وعند أصابع قدميك؟ (وهو نفس ما يحدث عندما تكون الجاذبية في جانب الأرض المواجه للقمر أشد منها في الجانب الآخر من الكرة الأرضية البعيد عن القمر؛ وهو ما يتسبب في ظاهرة المد والجزر على سطح الأرض).
لا شك أنك ستتمزق إربا؛ فثقب شفارتسشيلد الأسود الذي يبلغ ثلاثة كتل شمسية يمكن أن يمزقك في غضون 15.0 ثانية قبل عبورك أفق الحدث. وتُعرف هذه الظاهرة نظريًا بتأثير المعكرونة، حيث يتمدد الجسد طوليا إلى حد لا يمكن تخيله. وما إن تعبر أفق الحدث تصل أشلاء جسدك إلى نقطة المتفرد في غضون 0.00001 ثانية، حيث تُعتصر إلى نقطة لانهائية الكثافة. أما في حالة الثقوب السوداء التي يبلغ ثقلها أربعة ملايين كتلة شمسية، كذلك الثقب الواقع في مركز مجرتنا، فستعبر أفق الحدث بسلام دون مواجهة أية مشكلات على الأقل في البداية، لكن آجلا أم عاجلا ستتمزق إربا كقطع المعكرونة الإسباجيتي (وصدقني، هذا سيحدث عاجلًا لأنه لن يكون أمامك سوی 13 ثانية قبل أن يحدث ذلك، ثم ستصل إلى المتفرد بعد 0.15 ثانية). إن فكرة الثقوب السوداء غريبة لأي شخص لكنها بالغة الغرابة بالنسبة إلى كثيرين من علماء الفيزياء الفلكية الذين يراقبونها (كطالبي السابقين في الدراسات العليا جيفري ماكلينتوك وجون ميلر). إن الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية موجودة في
________________________________________
هوامش
(1) في الثقوب السوداء الدوارة يكون أفق الحدث مفلطحا – أضخم عند خط استوائه – وليس كرويا.