تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
أين تذهب للحصول على ما يلزمك من الطاقة؟
المؤلف: والتر لوين ووارن جولدستين
المصدر: في حب الفيزياء
الجزء والصفحة: ص200–209
2024-01-16
1183
إن مقدار الطاقة اللازم لمباشرة أنشطتنا اليومية يذهلني. افترض أنني أريد الاستحمام، وأرغب في حساب الطاقة اللازمة لتسخين الماء. المعادلة المعبرة عن ذلك في منتهى البساطة؛ فمقدار الطاقة اللازم بالسعرات الحرارية يساوي كتلة الماء بالكيلوجرامات في تغير درجة الحرارة بالسيلزيوس. وبما أن المغطس يسعُ 100 كيلوجرام من الماء – أي حوالي 26 جالونا – وإذا فرضنا أن الزيادة في درجة الحرارة حوالي 50 درجة على مقياس سيلزيوس، فإن تسخين ماء الاستحمام يستهلك حوالي 5000 كيلو سعر حراري، أو 20 مليون جول. إن الاستحمام ممتع، لكنه يستلزم مقدارا لا بأس به من الطاقة. والشيء المذهل أن سعر الطاقة ما زال منخفضًا في الولايات المتحدة، ومن ثم، لا يُكلف الاستحمام أكثر من 1.50 دولار تقريبا. قبل مائتي عام، كان ماء الاستحمام يُسخن باستخدام الحطب. والحطب يحتوي على 15 مليون جول لكل كيلوجرام، ومن ثم، كانت كل أسرة تحصل على كل الطاقة اللازمة لحمام دافئ واحد من كيلوجرام واحد من الخشب. وفي حين تستطيع مواقد الخشب الحديثة حرق الخشب بكفاءة تبلغ 70 في المائة، كانت النيران العارية أو المواقد الموجودة قبل 200 عام تحول الخشب إلى طاقة بكفاءة أقل، وعلى فترة زمنية أطول، ومن ثم، ربما تأخذ من 5 إلى 10 كيلوجرامات من الخشب لتسخين مغطس الاستحمام الذي يمتلئ بست وعشرين جالونا من الماء. لا عجب أن أسلافنا كانوا يستحمون مرات أقل بكثير مما نفعل الآن، وكانت العائلة بأكملها تستخدم نفس ماء الاستحمام.
وإليك فيما يلي بعض الأرقام التي من شأنها أن تعطيك فكرة عن استهلاك الطاقة المنزلية. تستهلك المدفأة الكهربائية حوالي 1000 واط؛ أي إنك تستهلك في خلال ساعة واحدة حوالي 3.6 مليون جول، أو باستخدام المصطلح الشائع لقياس الكهرباء، واحد كيلوواط – ساعة. كما يستهلك الفرن الكهربي في المناخ البارد حوالي 2500 واط. أما وحدة مكيف هواء النافذة فعادة ما تستهلك 1500 واط، فيما يستهلك نظام التكييف المركزي ما يتراوح بين 5 إلى 20 كيلوواط. وفي درجة حرارة 350 فهرنهايت، يستهلك الفرن الكهربي حوالي 2 كيلوواط، فيما تستهلك غسالة الأطباق حوالي 3.5 كيلوواط وإليك هذه المقارنة المدهشة؛ يستهلك جهاز حاسب مكتبي بشاشة أنبوب أشعة المهبط قياس 17 بوصة ما يتراوح بين 150 إلى 350 واط، فيما لا يستهلك جهاز الحاسب والشاشة في وضع السكون ((sleep mode سوى 20 واط أو أقل. أما عند أقل مستوى لاستهلاك الطاقة المنزلية، فلا يتعدى استهلاك ساعة الراديو 4 واط؛ وبما أن البطارية القلوية 9 فولت تختزن 18٫000 جول تقريبا، أو حوالي 5 واط–ساعة، فإن بطارية واحدة كافية لتشغيل ساعة الراديو لأكثر من ساعة كاملة بقليل.
يعيش على كوكب الأرض أكثر من 6.5 مليار نسمة، يستهلكون حوالي 1020×5 جول من الطاقة سنويا. بعد أربعين عامًا من قرار حظر النفط الذي أصدرته أوبك، ما زال 85 في المائة من الطاقة المستهلكة على كوكب الأرض تأتي من الوقود الاحفوري: الفحم والنفط والغاز الطبيعي. استهلاك الولايات المتحدة – التي يبلغ عدد سكانها أكثر قليلا من 300 مليون نسمة، وهو ما يضاهي واحدا على عشرين من التعداد السكاني العالمي، يعادل خُمسَ الاستهلاك العالمي للطاقة. وما من وسيلة للتحايل على ذلك؛ فنحن نستهلك الطاقة بنهم. وهذا أحد أسباب سعادتي البالغة بتعيين الرئيس أوباما عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل ستيفن تشو، وزيرا للطاقة؛ وذلك لأننا إذا أردنا أن نحل مشاكل الطاقة التي نواجهها، يتعين علينا أن نهتم بفيزياء الطاقة.
على سبيل المثال، تُعلَّق آمال كبيرة على ما تنطوي عليه الطاقة الشمسية من فرص، وأنا أؤيد بشدة العمل بدأب على تطوير هذا الشكل من الطاقة. لكن علينا أن نحذر من التقييدات التي سنلاقيها. ولا جدال أن الشمس مصدر عظيم للطاقة؛ إذ إنها تنتج 1026×4 واط – أي ما يعادل 1026x4 جول في الثانية. من الطاقة، معظمها يكمن في الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء في الطيف الكهرومغناطيسي. وبما أننا نعلم المسافة بين الأرض والشمس (150 مليون كيلومتر)، فبإمكاننا حساب المقدار الذي يصل إلى الأرض من هذه الطاقة؛ تُقدَّر هذه الطاقة بـ 1017×1.7 واط، أو حوالي 1024×5 جول في السنة. إذا وجهت لوحًا مساحة سطحه متر مربع نحو الشمس مباشرة (حين تكون السماء صافية!)، فسيستقبل هذا اللوح حوالي 1200 واط من الطاقة الشمسية (وقد افترضتُ هنا أن الغلاف الجوي للأرض يعكس 15 في المائة من الطاقة الواردة ويمتصها). ولغرض تبسيط الأرقام التي تتعامل معها، لنقل إنك تحصل على طاقة تقدر بـ 1000 واط (كيلوواط) لكل متر مربع موجّه مباشرة نحو الشمس في غياب السحب.
تنطوي الطاقة الشمسية على إمكانات هائلة. والحصول على الطاقة الشمسية الكافية لتلبية المتطلبات العالمية من الطاقة لا يستلزم سوى حوالي 1010×2 متر مربع، وهو ما يعادل خمسة أمثال مساحة وطني الأم، هولندا – وهو ليس ببلد كبير على الإطلاق.
ومع ذلك، هنالك مشكلة؛ وهي أن النهار ينقضي ويعقبه الليل، وهو ما لم نأخذه بعين الاعتبار إلى الآن. فقد افترضنا أن الشمس ساطعة على مدار اليوم، وأن السماء صافية أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت ألواح الطاقة الشمسية ثابتة غير قابلة للحركة، فإنها لا يمكن أن تظل موجهة إلى الشمس طوال الوقت. كما أن موقعك على سطح كوكب الأرض مهم أيضًا. فالبلاد الواقعة على خط الاستواء تحصل على مقدار أكبر من الطاقة (فهي بلاد حارة على أي حال) من تلك البلاد الواقعة شمال الكرة الأرضية (في النصف الشمالي من الكرة الأرضية) أو بلاد الجنوب (الواقعة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية).
بعد ذلك يتعين عليك أن تضع في الاعتبار كفاءة الوحدات التي تحصل بها على الطاقة الشمسية. توجد كثير من التقنيات المختلفة، والتي تظهر طوال الوقت، إلا أن أقصى درجات كفاءة الخلايا الشمسية العملية المصنوعة من السيليكون يبلغ 18 في المائة. وعند استخدام الطاقة الشمسية لتسخين المياه مباشرة (دون تحويلها أولا إلى الطاقة الكهربية)، تكون كفاءتها أعلى على الناحية الأخرى، قد تبلغ كفاءة الفرن الذي يوقد بالزيت، حتى وإن لم يكن جديدا، 75 إلى 80 في المائة. وبأخذ كل تلك العوامل المقيدة في الحسبان، فهذا يعني أننا سنحتاج إلى تريليون متر مربع، أي حوالي 400,000 ميل مربع، وهي مساحة تبلغ ثلاثة أمثال ألمانيا. لكننا لم نحسب بعد تكلفة بناء المصفوفات التي ستجمع كل الطاقة الشمسية وتحولها إلى كهرباء. وفي اللحظة الحالية، تبلغ تكلفة الحصول على الكهرباء من الشمس ضعف الحصول عليها من الوقود الاحفوري. ولا يقتصر الأمر على التكلفة المهولة للتحول إلى الطاقة الشمسية، بل إن مثل هذا المشروع يتجاوز حدود قدراتنا التقنية وإرادتنا السياسية في الوقت الحالي. ولذلك، سيظل دور الطاقة الشمسية في الاقتصاد العالمي صغيرًا وإن كان متناميا لبعض الوقت.
على الناحية الأخرى، إذا بدأنا الآن فسننجح في تحقيق تقدم هائل على مدار العقود الأربعة القادمة. ففي عام 2009، قدَّرَت كل من منظمة السلام الأخضر الدولية (جرينبيس) ووكالة الطاقة الدولية، أن الطاقة الشمسية يمكن أن تلبي «ما يصل إلى 7 في المائة من متطلبات الطاقة العالمية بحلول عام 2030، المتطلبات العالمية وربع من الطاقة بحلول عام 2050، وذلك في وجود دعم حكومي كبير». كما أشارت مجلة ساينتيفيك أمريكان بالدلائل قبل سنوات إلى أن وضع برنامج عاجل وتقديم دعم حكومي بواقع 400 مليار دولار أو أكثر على مدار السنوات الأربعين القادمة يمكن أن يثمر عن الحصول على الطاقة الشمسية بمقدار يلبي 69 في المائة من متطلبات الولايات المتحدة من الكهرباء، و35 في المائة من إجمالي متطلباتها من الطاقة.
وماذا عن طاقة الرياح؟ فعلى كل حال رفع أشرعة المراكب عند هبوب الرياح شكل من أشكال الاعتماد على طاقة الرياح. كما أن طواحين الهواء عُرفت قبل زمن أبعد كثيرًا من الطاقة الكهربية، ربما قبل 1000 عام من ظهور الطاقة الكهربائية. إن مبدأ الحصول على الطاقة من الطبيعة وتحويلها إلى نوع مختلف من الطاقة يصلح لاستهلاك البشر هو مبدأ واحد، سواء أكان ذلك في الصين خلال القرن الثالث عشر، أم في بلاد فارس القديمة، أم في أوروبا القرن الثاني عشر. ففي كل تلك الأماكن، كانت الطواحين تساعد البشر في أداء بعض من أصعب الأعمال، مثل: رفع الماء للشرب، أو ري المحاصيل، أو طحن الحبوب بين أحجار الرحى للحصول على الدقيق. وتشغيل الطاحونة يتطلب طاقة الرياح، سواء أكانت تولد الكهرباء أم لا.
وبالنظر إلى أن طاقة الرياح منتجة للكهرباء، فإنها تمثل مصدرًا جاهزًا ومتجددًا تمامًا للطاقة لا يصدر عنه انبعاثات للغازات الدفيئة. في عام 2009، بلغ إنتاج طاقة الرياح على مستوى العالم 340 تيراواط – ساعة (والتيراواط تساوي تريليون واط–ساعة)، وهو ما يعادل حوالي 2 في المائة من الاستهلاك العالمي للكهرباء؛ وهو في تزايد مستمر؛ إذ تضاعف إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح خلال السنوات الثلاث الماضية.
أما عن الطاقة النووية، فإنها أوفر كثيرًا مما ندرك عمومًا. فالطاقة النووية حولنا في كل مكان وكل يوم. فزجاج النوافذ يحتوي على عنصر بوتاسيوم – 40 المشع، الذي يبلغ همر النصف له 2.1 مليار سنة، وتسهم الطاقة الناتجة عن انحلاله في رفع درجة حرارة باطن الأرض. وقد تكون الهيليوم الموجود في الغلاف الجوي بالكامل من الانحلال الإشعاعي للنظائر التي تتشكل طبيعيا في كوكب الأرض. وما نطلق عليه تحلل ألفا هو في الواقع انبعاث نواة الهيليوم من نواة أكبر غير مستقرة.
لدي مجموعة ضخمة ومميزة من فييستاوير، وهي علامة تجارية أمريكية لأدوات المائدة – أطباق وسلطانيات وأطباق فناجين وفناجين – صممت وصنعت بدايةً من ثلاثينيات القرن العشرين وأحب أن أحضر قطعا قليلة من تلك الصحون إلى قاعة المحاضرات لأريها لطلابي فالصحون البرتقالية على وجه الخصوص، والتي يُطلق عليها «أحمر فييستا»، تحتوي على أكسيد اليورانيوم، وذلك لأنه مكون تقليدي في مينا الخزف. فأمسك بصحن منها بالقرب من عداد جايجر، فيبدأ العداد بالصفير بسرعة؛ ذلك لأن اليورانيوم الذي يحتوي عليه الصحن مشع وتصدر منه أشعة جاما. وبعد هذا العرض العملي، عادةً ما أدعو طلابي لتناول العشاء في منزلي، لكن الغريب أنه ما من أحد. منهم لبى الدعوة قط.
يولد الانشطار النووي، أو انشطار النوايا الثقيلة طاقة هائلة، سواء أكان في المفاعلات النووية، حيث تكون التفاعلات المتسلسلة لانشطار نوايا اليورانيوم–235 تحت السيطرة، أم في القنبلة الذرية، حيث تكون التفاعلات المتسلسلة خارجة عن السيطرة، مما يسبب دمارًا شاملًا. وتستهلك محطة الطاقة النووية التي تنتج حوالي مليار جول لكل ثانية (109 واط، أو 1000 ميجاواط) حوالي 1027 من نوى اليورانيوم–235 في السنة، وهو ما يعادل 400 كيلوجرام من اليورانيوم – 235.
ومع ذلك، 0.7 المائة في فقط من اليورانيوم الطبيعي يتكون من اليورانيوم– 235 (99.3 في المائة من اليورانيوم الطبيعي يتكون من اليورانيوم–238). ولذلك تستخدم محطات الطاقة النووية اليورانيوم المخصب؛ ورغم اختلاف درجات التخصيب، فإن الرقم المعتاد هو 5 في المائة. وهذا يعني أن قضبان الوقود النووي المستخدمة في تلك المحطات تحتوي على 5 في المائة من اليورانيوم –235 عوضا عن نسبة 0٫7 في المائة التي يحتوي عليها اليورانيوم الطبيعي. وهكذا يستهلك المفاعل النووي الذي ينتج 1000 ميجاواط حوالي 8000 كيلوجرام من اليورانيوم سنويا، منها 400 كيلوجرام تقريبا من اليورانيوم–235. وبالمقارنة، تستهلك محطات طاقة الوقود الاحفوري التي تنتج 1000 ميجاواط من الطاقة حوالي 5 مليارات كيلوجرام من الفحم سنويا.
وتخصيب اليورانيوم عملية مكلفة؛ كما أنها تُجرى باستخدام الآلاف من أجهزة الطرد المركزي. أما اليورانيوم المستخدم في صناعة الأسلحة فيخصب لنسبة تصل إلى 85 في المائة من اليورانيوم–0235. ربما أدركت الآن سبب القلق العالمي البالغ إزاء البلدان التي تُخصيب اليورانيوم لدرجات غير محددة لا يمكن التحقق منها.
وهكذا، تُحوّل الحرارة الناتجة عن التفاعلات المتسلسلة المضبوطة، في محطات الطاقة النووية الماء إلى بخار، والذي يعمل بدوره على تشغيل توربينات بخارية تولد الكهرباء. تبلغ كفاءة محطات الطاقة النووية في تحويل الطاقة النووية إلى كهرباء حوالي 35 في المائة. ولا نعلم حين نقرأ أن محطة طاقة نووية تنتج 1000 ميجاواط ما إذا كان إجمالي إنتاجها من الطاقة 1000 ميجاواط (وهذا يعني أن ثلث هذا الرقم يتحول إلى طاقة كهربية وأن الثلثين الباقيين يتبددان في صورة حرارة)، أم أن هذا الرقم بالكامل هو إنتاج المحطة من الطاقة الكهربية وفي هذه الحالة يكون إجمالي إنتاج المحطة من الطاقة 3000 ميجاواط. إن الفرق شاسع بين الحالتين! وقد قرأت بالأمس في الأخبار أن إيران على وشك تشغيل محطة طاقة نووية تبلغ قدرتها الإنتاجية 1000 ميجاواط من الكهرباء (هذه لغة لا لبس فيها!).
وفي خضم تفاقم أزمة الاحترار العالمي بدرجة هائلة خلال السنوات القليلة الماضية، عاد خيار الطاقة النووية ليتصدر المشهد من جديد – فعلی خلاف محطات الطاقة التي تحرق الوقود الاحفوري لا تطلق محطات الطاقة النووية كثيرًا من انبعاثات الغازات الدفيئة في الجو. ويوجد بالفعل أكثر من مائة محطة طاقة نووية في الولايات المتحدة، تنتج حوالي في المائة من الطاقة التي نستهلكها. وفي فرنسا، تنتج محطات الطاقة النووية 75 في المائة من الطاقة المستهلكة. وعلى مستوى العالم، تولد نسبة 15 في المائة. من الطاقة الكهربية المستهلكة في محطات الطاقة النووية. وتختلف السياسات المتعلقة بالطاقة النووية باختلاف الدول، لكن بناء مزيدٍ من محطات الطاقة النووية سيستلزم مفاوضات سياسية كثيرة نظرًا للخوف العالمي الذي أسفرت عنه الحوادث النووية الشهيرة في جزيرة «ثري مايل» ومفاعل تشرنوبل، ومفاعل فوكوشيما. كما أن المحطات تكلّف نفقات باهظة؛ إذ تتراوح التقديرات ما بين خمسة إلى عشرة مليارات دولار لكل محطة في الولايات المتحدة، وحوالي ملياري دولار لكل مخطةٍ في الصين. وأخيرًا، ما زالت مسألة تخزين النفايات المشعة للمحطات النووية تشكل أزمة مهولة على المستويين التقني والسياسي.
ما زالت على الأرض كميات هائلة من الوقود الاحفوري، لكننا نستهلكها بمعدل هائل، وبمعدل أسرع من قدرة الطبيعة على تخليقها بالإضافة إلى ذلك، يستمر التعداد السكاني العالمي في التزايد فيما تحرز المشروعات التنموية المستهلكة للطاقة تقدمًا بالغ السرعة في كثير من أكبر الدول التي تشهد معدلات نمو اقتصادي مرتفعة مثل الصين والهند. ومن ثم، فلا توجد طريقة فعلية لمعالجة هذه المشكلة. إننا نواجه أزمة طاقة خطيرة. فماذا ينبغي أن نفعل حيال الأمر؟
حسنا، من المهم أن نرفع درجة وعينا بمقدار استهلاكنا اليومي من الطاقة، ومن ثم العمل على خفض هذا المقدار. أعتقد أن استهلاكي الشخصي من الطاقة معتدل، وإن كنت رغم ذلك، أرى أن كوني مقيمًا في الولايات المتحدة يعني أنني أستهلك أربعة أو خمسة أمثال ما يستخدمه شخص عادي في أي مكان آخر من العالم. فأنا أستخدم الكهرباء؛ وأدفئ منزلي والمياه التي أستخدمها بالغاز، وأطهو بالغاز. كذلك أستخدم سيارتي، وإن كان ذلك قليلا، لكنني أستهلك بعض الوقود على أية حال. وعند جمع كل ذلك، أرى أنني استهلكت خلال عام 2009 حوالي. 100 ملیون جول (30 كيلوواط–ساعة) يوميا، نصفها تقريبا في صورة طاقة كهربية. وهذا المقدار من الطاقة يضاهي الاستعانة بمائتي خادم يعملون بكد على مدار اثنتي عشرة ساعة يوميا. تأمل ذلك؛ في العصور القديمة، لم يكن يحيا بهذا النمط سوى العائلات الملكية الثرية. فما أترف هذا العصر الذي نعيش فيه وما أعجبه؛ فاليوم يخدمني ما يعادل مائتي خادم يوميًا، على مدار اثنتي عشرة ساعة، وهكذا أستطيع العيش بالنمط الذي أعيش به. وفي مقابل كل كيلوواط–ساعة من الكهرباء، وهو ما يعادل 3.6 مليون جول، أدفع 25 سنتا فقط. ومن ثم، يبلغ إجمالي فاتورة الطاقة التي أسددها (وقد أضفت إليها استهلاكي من الغاز والوقود، إذ إن سعرهما لكل وحدة طاقة لا يختلف كثيرًا) مقابل ما يقدمه لي هؤلاء الخدم المائتان؛ تبلغ الفاتورة حوالي 225 دولارًا شهريًا في المتوسط؛ أي أنني أدفع دولارًا واحدًا تقريبًا مقابل كل خادم شهريا ومن ثم، لا مناص لنا من رفع درجة الوعي. إلا أن ذلك سيحيد بنا عن مقصدنا.
إن تغيير عاداتنا باتجاه استخدام أجهزة موفرة للطاقة، مثل مصابيح الفلورسنت المدمجة بدلا من المصابيح المتوهجة يمكن أن يُحدث تغييرًا كبيرًا. وقد واتتني الفرصة لرؤية ما يمكنني إحداثه من تغيير بالغ التأثير. لقد كان استهلاكي من الكهرباء في منزلي في كمبريدج 8860 كيلوواط – ساعة في عام 2005 و8317 كيلوواط – ساعة في عام 2006. وكان ذلك للإضاءة وتكييف الهواء، وغسالة الأطباق وأستخدم الغاز للماء الساخن والطهي والتدفئة. وفي منتصف شهر ديسمبر من عام 2006، أهداني ابني تشاك (وهو مؤسس شركة نيو جينيريشن إنرجي) هدية رائعة؛ حيث استبدل جميع المصابيح الكهربية المتوهجة (وكان مجموعها 75 مصباحًا) في منزلي بمصابيح فلورسنت. وهكذا، انخفض استهلاكي للكهرباء انخفاضًا كبيرًا في عام 2007 ليصل إلى 5251 كيلوواط ساعة، ثم إلى 5184 كيلوواط ساعة في عام 2008، وبلغ 5226 كيلوواط ساعة في عام 2009. وقد أدى ذلك الانخفاض في استهلاكي للكهرباء والذي بلغ 40 في المائة إلى انخفاض فاتورتي السنوية للطاقة بحوالي 850 دولار. وبالنظر إلى أن الإضاءة وحدها تمثل 12 في المائة. من استهلاك الطاقة الكهربية المنزلي في الولايات المتحدة و25 في المائة من الاستهلاك التجاري، فإن السبيل إلى خفض الاستهلاك يبدأ منها!
وقد اتبعت الحكومة الأسترالية نهجًا مشابها حين شرعت في عام 2007 وضع خطط لإحلال مصابيح الفلورسنت محل جميع المصابيح المتوهجة على مستوى البلاد وسيثمر هذا عن انخفاض كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة في أستراليا، بالإضافة إلى انخفاض فواتير الطاقة في كل منزل (كما حدث معي). ومع. ذلك، ما يزال علينا اتخاذ مزيد من الخطوات تجاه خفض استهلاك الطاقة. وفي رأيي أن الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها النجاة مع الاحتفاظ بنفس جودة حياتنا الحالية هي اعتماد الاندماج النووي كمصدر حقيقي يعتمد عليه للطاقة.
وعلى عكس الانشطار – حيث تنشطر نوايا اليورانيوم والبلوتونيوم محررة الطاقة التي تُشغل المفاعلات النووية – في عملية الاندماج النووي، تندمج ذرتا هيدروجين معا مكونتين عنصر الهيليوم، مما يحرر الطاقة كذلك. إن الاندماج النووي هو العملية التي تستمد منها النجوم – والقنابل الهيدروجينية – طاقتها. ويمثل الاندماج النووي أقوى عملية منتجة للطاقة لكل وحدة قياس للكتلة نعرفها باستثناء تصادم المادة والمادة المضادة (والتي لا يمكن أن تتولد عنها أي طاقة).
ولأسباب بالغة التعقيد، لا يصلح لتفاعلات الاندماج النووي سوى نوعين محددين من الهيدروجين (الديوتريوم والتريتيوم). بالنسبة للديوتريوم (الذي تحتوي نواته على نيوترون واحد وبروتون واحد)، فمن السهل الحصول عليه؛ إذ إن ذرةً واحدةً من كل ستة آلاف ذرة هيدروجين على سطح الأرض هي ذرة ديوتريوم. وبما أن المحيطات على كوكب الأرض تحوي مليار كيلومتر مكعب من الماء، فإن إمدادنا من الديوتريوم غير محدود. أما التريتيوم فلا يتكون بصورة طبيعية على سطح الأرض (وهو نظير مشع بعمر نصف يبلغ اثني عشر عامًا تقريبًا)، لكنه يُنتج بسهولة في المفاعلات النووية.
لكن المشكلة الحقيقية تتمثل في كيفية إنشاء مفاعل اندماج نووي عملي ومحكوم يعمل بكفاءة. وما من إشارات تدل على أننا سننجح في فعل ذلك أبدا. فلكي ندمج نوايا الهيدروجين، علينا أن نهيئ ظروفًا – هنا على الأرض – تصل فيها درجات الحرارة إلى نطاق المائة مليون درجة حرارة، وهو ما يقارب درجة حرارة باطن النجوم. يعمل العلماء بدأب منذ سنوات عديدة على عملية الاندماج – بل وقد ازدادوا اجتهادًا في العمل عليه اليوم مع تزايد عدد الحكومات التي صارت تامة الاقتناع بأن أزمة الطاقة حقيقة واقعة وهذه مشكلة كبيرة بالطبع. لكنني شخص متفائل. فرغم كل شيء، شاهدت على مدار حياتي المهنية تغيرات مذهلة في مجالي قلبت كل مفاهيمنا عن الكون رأسًا على عقب. على سبيل المثال، علم الكونيات الذي طالما كان يقوم في غالبه على التخمينات وقليل من العلم، أصبح الآن علمًا تجريبيا أصيلا، وصرنا نعرف جانبًا كبيرًا عن نشأة الكون. بل إننا في الحقيقة نحيا اليوم فيما يصفه كثيرون بالعصر الذهبي لعلم الكونيات.
عندما بدأتُ أجري أبحاثي في علم فلك الأشعة السينية، اكتشفنا أكثر من عشرة مصادر للأشعة السينية في الفضاء العميق. واليوم صرنا نعرف عشرات الآلاف من المصادر وقبل خمسين عامًا كانت سعة حاسوبك الشخصي، الذي يزن الآن أربعة أرطال، تحتل الجانب الأغلب من مبني معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حيث يوجد مكتبي. كذلك قبل خمسين عامًا كان علماء الفلك يعتمدون على تلسكوبات بصرية وراديوية مثبتة على الأرض هكذا كان الأمر فحسب أما اليوم، فبالإضافة إلى تلسكوب هابل الفضائي، صارت لدينا مجموعة من المراصد الفضائية للأشعة السينية، ومراصد فضائية لأشعة جاما؛ وهذا بالإضافة إلى أننا نستعين بمراصد نيوترينو ونشيد مراصد جديدة منها. كذلك، قبل خمسين عامًا، لم تكن احتمالية وقوع الانفجار العظيم قد باتت مسألة مفصولة بعد. أما الآن فقد صرنا نعرف كيف كان يبدو الكون في أول واحد على مليون جزء من الثانية بعد وقوع الانفجار العظيم – وصرنا ندرس أجراما فلكية ترجع نشأتها إلى 13 مليار سنة، وأجرامًا تشكلت خلال الخمسمائة مليون سنة الأولى بعد ذلك الانفجار الذي انبثق منه الكون الذي نعيش فيه. وعلى خلفية كل تلك الاكتشافات والتحولات العظيمة، كيف يسعني ألا أؤمن أن العلماء سينجحون في حل مشكلة الاندماج النووي المحكوم؟ ولا أقصد هنا التقليل من شأن الصعوبات أو أهمية التوصل إلى ذلك الحل في أقرب وقت ممكن، لكنني أرى أن الأمر مجرد مسألة وقت.