x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
التمثيلُ في الآية (26-27) من سورة البقرة
المؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
المصدر: الأمثال في القرآن الكريم
الجزء والصفحة: ص80-85 .
11-10-2014
4410
قال سبحانه : { إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمّا الّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ وَأَمّا الّذينَ كَفَروا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاّ الْفاسِقِينَ * الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأََرضِ أُولئِكَ هُمُ الخاسِرُون }[ البقرة : 26ـ27].
تفسير الآيات
الحياء : تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يعاب به ويُذمّ ، يقال : فلان يستحي أن يفعل كذا ، أي أنّ نفسه تنقبض عن فعله .
فعلى هذا ، فالحياء من مقولة الانفعال ، فكيف يمكن نسبته إلى الله سبحانه مع أنّه لا يجوز عليه التغيّر والخوف والذم ؟
الجواب : إنّ إسناد الحياء كإسناد الغضب والرضا إلى الله سبحانه ، فإنّها جميعاً تُسند إلى الله سبحانه متجرّدة عن آثار المادة ، ويؤخذ بنتائجها ، وقد اشتهر قولهم : ( خذوا الغايات واتركوا المبادئ ) ، فالحياء يصدُّ الإنسان عن إبراز ما يضمره من الكلام ، والله سبحانه ينفى النتيجة ، أي لا يمنعه شيء عن إبراز ما هو حق ، قال سبحانه : { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ }[ الأحزاب : 53] .
وأمّا ضربُ المثل فقد مرّ الكلام فيه ، وقلنا : إنّ لاستخدام كلمة ( ضربُ المثل ) في التمثيل بالأمثال وجوهاً :
منها : أنّ ضرب المثل في الكلام يُذكر لحال ما يناسبها ، فيُظهر من حسنها أو قبحها ما كان خفياً ، وهو مأخوذ من ضرب الدراهم ، وهو حدوث أثر خاص فيها ، كأنّ ضرب المثل يُقرَع به أُذن السامع قرعاً ينفذ أثره في قلبه ، ولا يظهر التأثير في النفس بتحقير شيء وتقبيحه إلاّ بتشبيهه بما جرى العرف بتحقيره ونفور النفوس منه (1) .
البعوضة : حيوان حقير يشبه خرطومه خرطوم الفيل ، أجوف وله قوّة ماصّة تسحب الدم ، وقد منح الله سبحانه هذا الحيوان قوّة هضم ودفع ، كما منحه أُذناً وأجنحة تتناسب تماماً مع وضع معيشته ، وتتمتع بحساسيّة فائقة ، فهي تفرّ بمهارة عجيبة حين شعورها بالخطر ، وهي مع صغرها وضعفها يعجز عن دفعها كبار الحيوانات ، وقد اكتشفَ علماء الحيوان مؤخّراً أنّ البعوضة قادرة على تشخيص فريستها من مسافة تقرب عن 65 كيلومتراً .
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في حقّها : ( كيف ولو اجتمعَ جميع حيوانها ، من طيرها وبهائمها ، وما كان من مراحها وسائمها ، وأصناف أسناخها وأجناسها ، ومتبلّدة أُممها وأكياسها ، على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ، ولتحيّرت عقولها في علم ذلك وتاهت وعجزت قواها وتناهت ، ورجعت خاسئة حسيرة ، عارفة بأنّها مقهورة ، مقرّة بالعجز عن إنشائها ، مُذعنة بالضعف عن إفنائها ) (2) .
يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) بشأن خلقة هذا الحيوان الصغير :
( إنّما ضربَ الله المثل بالبعوضة على صغر حجمها ، خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين ، فأراد الله سبحانه أن ينبّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته ) (3) .
إلى هنا تمّ تفسير مفردات الآية ، وأمّا تفسير الآية برمّتها فقد نقل المفسّرون في سبب نزولها وجهين :
الأول : أنّ الله تعالى لمّا ضربَ المَثلين قبل هذه الآية للمنافقين ، أعني قوله : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً } ، وقوله : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ } قال المنافقون : الله أعلى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزلَ الله تعالى هذه الآية .
الثاني : أنّه سبحانه لمّا ضرب المثل بالذباب والعنكبوت تكلّم فيه قوم من المشركين وعابوا ذكره ، فأنزلَ الله هذه الآية (4).
ولا يخفى ضعف الوجه الأول ؛ فإنّ المنافقين لم ينكروا ضرب المثل ، وإنّما أنكروا المَثلين اللّذين مثّل بهما سبحانه حال المنافقين ، وعند ذلك لا يكون التمثيل بالبعوضة جواباً لردّ استنكارهم ؛ لأنّهم أنكروا المَثلين اللّذين وردا في حقّهما ، فلا يكون عدم استحيائه سبحانه من التمثيل بالبعوضة ردّاً على اعتراضهم .
وأمّا الثاني ، فقد وردَ ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في مكّة المكرّمة ؛ لأَنّ الأول وردَ في سورة الحج ، وهي سورة مكّية ، والآخر ورد في سورة العنكبوت ، وهي أيضاً كذلك ، وهذه الآية نزلت في المدينة ، فكيف تكون الآية النازلة في مهجر النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جواباً على اعتراض المشركين في موطنه ؟
وعلى كلّ تقدير ، فالآية بصدد بيان أنّ الملاك في صحة التمثيل ليس ثقل ما مثّل به أو كبره ، فلا التمثيل بالبعوضة عيب ، ولا التمثيل بالإبل والفيل كمال ، وإنّما الكمال أن يكون المَثل مبيّناً لحقيقة وواقعة غفل عنها المخاطب ، من دون فرق بين كون الممثّل صغيراً أو كبيراً .
وبعبارة أُخرى : إذا كان الغرض التأثير فالبلاغة تقضي بأن تضرب الأمثال لِما يراد تحقيره بحقيرها ، ولِما يراد التنفير بما اعتادت النفوس النفور منها ، فالملاك هو كون المثل مفيداً لِما يريد المتكلّم تحقيقه ، من غير فرق بين حقير الأشياء وكبيرها ، وهو سبحانه يشير إلى ذلك المعنى بقوله : { إِنَّ الله لا يَسْتَحْيي أن يضربَ مثلاً ما بَعوضة } ( بل ) فوقها في الصغر كالجراثيم التي لا تُرى إلاّ بالمجهر ، كما تقول : فلان لا يبالي أن يبخل بنصف درهم فما فوقه أي ممّا فوقه في القلّة .
ولو أُريد ما فوقه في الكثرة يقول مكانه : ( فضلاً عن الدرهم والدرهمين ) .
فما في كلام بعض المستشرقين من أنّ الصحيح أن يقول : ( فما دونه ) غير تام ؛ للفرق بين قوله : ( فما فوقه ) وقوله : ( فضلاً ) ، والأول بقرينة المقام بمعنى فما فوقه في الصغر والحقارة لا بمعنى ( فضلاً ) .
وربّما تُفسّر الآية بأنّه : لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها في الكبر ، ولكنّ الأول هو الأَوفق لمقصود المتكلم ، كما يقال عند لوم المتجري : بأنّك تقترف جريمة لأجل دينار بل فوقه ، أي نصف دينار ، والمراد من الفوقية هو الفوقية في الحقارة .
وقد أوردَ الزمخشري على نفسه سؤالاً ، وهو : كيف يضرب الله المثل لِما دون البعوضة وهي في النهاية في الصغر ؟ ثمّ أجاب :
إنّ جناح البعوضة أقلّ منها وأصغر بدرجات ، وقد ضربهُ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مَثلاً للدنيا ، وفي خلق الله حيوان أصغر منها ومن جناحها ربّما رأيتُ في تضاعيف الكتب العتيقة دويبة لا يكاد يجليها للبصر الحاد إلاّ تحرّكها ، فإذا سكنت ، فالسكون يواريها ، ثمّ إذا لوّحتَ لها بيدك حادت عنها وتجنّبت مضرّتها ، فسبحان مَن يدرك صورة تلك وأعضاءها الظاهرة والباطنة ، وتفاصيل خلقتها ، ويبصر بصرها ، ويطّلع على ضميرها ، ولعلّ في خلقه ما هو أصغر منها وأصغر ، سبحان الذي خلق الأزواج كلّها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون (5) .
وقال البيضاوي : لمّا كانت الآيات السابقة متضمّنة لأنواع من التمثيل عقّب ذلك ببيان حُسنه ، وما هو الحقّ له والشرط فيه : وهو أن يكون على وفق الممثّل له من الجهة التي تعلّق بها التمثيل في العِظم والصغر ، والخسّة والشرف ، دون الممثّل ؛ فإنّ التمثيل إنّما يُصار إليه لكشف المعنى الممثّل له ، ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد المحسوس ، ليساعد فيه الوهم العقل ويصالحه عليه ، فإنّ المعنى الصِرف إنّما يدركه العقل مع منازعة من الوهم ؛ لأَنّ من طبعه الميل إلى الحسّ وحبّ المحاكاة ، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفَشت في عبارات البلغاء ، وإشارات الحكماء ، فيمثَّل الحقير بالحقير كما يمثّل العظيم بالعظيم ، وإن كان المثل أعظم من كلّ عظيم ، كما مثّل في الإنجيل على الصدور بالنخالة ، والقلوب القاسية بالحصاة ، ومخاطبة السفهاء بإثارة الزنابير ، وجاء في كلام العرب : أسمع من قراد ، وأطيش من فراشة ، وأعزّ من مخ البعوض (6) .
وربّما يُتصور أنّ التمثيل بالأشياء الحقيرة الخسيسة لا يليق بكلام الفصحاء ، وعلى هذا فالقرآن المشتمل على النمل والذباب والعنكبوت والنحل لا يكون فصيحاً فضلاً عن كونه معجزاً .
وأجاب عنه صدر المتألهين الشيرازي ( المتوفّى عام 1050هـ ) بقوله : إنّ الحقارة لا تنافي التمثيل بها ، إذا شُرط في المثال أن يكون على وفق الممثّل له من الجهة التي يستدعي التمثيل به كالعِظم والحقارة ، والشرف والخساسة ، لا على وفق مَن يوقع التمثيل ويضرب المثال ؛ لأَنّ الغرض الأَصلي منه إيضاح المعنى المعقول ، وإزالة الخفاء عند إبرازه في صورة المشاهد المحسوس ، ليساعد فيه الوهم العقل ولا يزاحمه ، فإنّ العقل الإنساني مادام تعلّقه بهذه القوى الحسيّة لا يمكنه إدراك روح المعنى مجرّداً عن مزاحمة الوهم ومحاكاته ؛ لأَنّ من طبعه كالشياطين الدعابة في التخييل وعدم الثبات على صورة .
ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية ، وفشت في عبارات الفصحاء من العرب وغيرهم ، وكثرت في إشارات الحكماء ومرموزاتهم ، وصُحف الأوائل ومسفوراتهم ، تتميماً للتخيّل بالحس ، فهناك يضاعَف في التمثيل ، حيث يمثل أوّلاً المعقول بالمتخيّل ، ثمّ يمثّل المتخيّل بالمرسوم المحسوس المهندس المشكل (7) .
ثمّ إنّه سبحانه يذكر أنّ الناس أمام الأمثال على قسمين :
أ : المؤمنون : وهم الذين قال سبحانه في حقّهم : { فَأَمّا الّذين آمَنُوا فَيَعْلَمُون أنّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ } .
ب : الكافرون : وهم الذين قال سبحانه في حقّهم : { وَأَمّا الّذين كَفَروا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مثَلاً } ، والظاهر أنّ قولهم : { أَرادَ اللهُ } كان على سبيل الاستهزاء بادّعاء الرسول أنّ المَثل وحي منزل من الله ، وإلاّ فإنّ الكافرين والمنافقين كانوا ينكرون الوحي أصلاً .
ولا غرو في أن يكون شيء سبب الهداية لطائفة وسبب الضلال لطائفة أُخرى ، وما هذا إلاّ لأجل اختلاف القابليات ، فمَن استعدّ لقبول الحقّ والحقيقة فتصبح الآيات الإلهية سبب الهداية ، وأمّا الطائفة الأخرى المعاندون ـ الذين صمّوا مسامعهم عن سماع كلمة الحق وآياته ـ فينكرون الآيات ويكفرون بذلك .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ قوله سبحانه : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } من كلامه سبحانه ، ولا صلة له بكلام المُنكرين ، بل تمّ كلامه بقوله : { بِهذا مثَلاً } وهو : أنّ الأمثال تؤثر في قوم دون قوم .
ثمّ إنّه يُعلّل إضلال غير المؤمنين بفسقهم ويقول : { وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاّ الفاسقين } ، والفسق : عبارة عن خروج النواة من التمر ، وفي الاصطلاح : مَن خرجَ عن طاعة الله ، سواء أكان مسلما متجرياً أو كافراً فاسقاً .
وقد أطنبَ المفسّرون الكلام في مفاد الجملة الأخيرة أعني : { يُضِلُّ به كثيراً وَيَهْدي بهِ كَثيراً } فربّما يُتوهم أنّ الآية بصدد الإشارة إلى الجبر ، فحاولوا تفسير الآية بشكل يتلاءم مع الاختيار ، وقد عرفتَ أنّ الحقّ هو : أنّ الآية بصدد بيان أنّ المواعظ الشافية والكلمات الحِكَمية لها تأثير معاكس ، فيؤثر في القلوب المستعدّة تأثيراً إيجابياً ، وفي العقول المنتكسة تأثيراً سلبياً .
هذا هو تفسير الآية .
وربّما يُحتمل أنّ الآية ليست بصدد بيان ضرب المثل بالبعوضة كضربه بالعنكبوت والذباب ، بل الآية خارجة عن نطاق ضرب المثل بالمعنى المصطلح ، وإنّما الآية بصدد بيان قدرته وعظمته وصفاته الجمالية والجلالية ، والآية بصدد بيان : أنّ الله سبحانه لا يستحيي أن يستدل على قدرته وكماله وجماله بخلق من مخلوقاته ، سواء أكان كبيراً وعظيماً كالسماوات والأرض ، أو صغيراً وحقيراً كالبعوضة والذباب ، فمعنى ضربُ المثل هو : وصفه سبحانه بصفات الجلال أو الكمال .
ويدلّ على ذلك : أنّه سبحانه استدلّ على جلاله وكماله بخلق السماوات والأرض وقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الّذِي خَلقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الّذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[ البقرة : 21ـ 22] .
يلاحظ على تلك النظرية بأمرين :
أوّلاً : لو كان المراد من ضرب المثل وصفه سبحانه بالقدرة العظيمة ، لكانَ اللازم أن يأتي بالآية بعد هاتين الآيتين ، مع أنّه فصلَ بينهما بآيات ثلاث تُركّز على إعجاز القرآن والتحدّي به ، ثمّ التركيز على الجنّة وثمارها كما هو معلوم لِمن راجع المصحف الكريم .
وثانياً : إنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً ، فقد جاء قوله : { فَأَمّا الّذين آمَنُوا فَيَعْلَمُون أنّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ } في سورة الرعد ، بعد تشبيه الحقّ والباطل بمثل رائع يأتي البحث عنه إن شاء الله .
قال سبحانه : { أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فسالَتْ أَودِيَةٌ بِقَدَرِها...} إلى أن قال : { كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمثالَ } ثمّ قال : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ }[ الرعد : 17 ـ 20] .
تجد أنّ الآيات في سورتَي : البقرة ، والرعد كسبيكة واحدة يفسّر بعضها البعض .
ففي سورة البقرة ذكرَ ضرب المثل بالبعوضة ، كما ضربَ في سورة الرعد مثلاً للحقّ والباطل .
ففي سورة البقرة قال سبحانه : { فَأَمّا الّذين آمَنُوا فَيَعْلَمُون أنّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ } .
وفي سورة الرعد قال سبحانه : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أنّ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبّكَ الحَقُّ كمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الألباب } .
وفي سورة البقرة قال : { وَما يُضِلُّ بهِ إِلاّ الفاسِقينَ } ، وفسَّره بقوله : { وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ...} إلخ .
وفي سورة الرعد ، فسّر أُولي الألباب بقوله : { الّذينَ يُوفُونَ بعَهدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ المِيثاق }[ الرعد : 20] .
فبمقارنة هذه الآيات يُعلم أنّ المراد من ضرب المثل هو المعنى المعروف ، أي : التمثيل بالبعوضة لتحقير معبوداتهم أو ما يشبه ذلك .
نعم ، ما نقلناه عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ربّما يؤيد ذلك الوجه كما مرّ ، فتدبّر .
__________________
1 ـ تفسير المراغي : 1/70 .
2 ـ نهج البلاغة : الخطبة186 .
3 ـ مجمع البيان : 1/67 .
4 ـ مجمع البيان : 1/67 .
5 ـ الكشّاف : 1/205ـ 206 .
6 ـ تفسير البيضاوي : 1/43 .
7 ـ تفسير القرآن الكريم : 2/192ـ 193 .