تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
التحضّر البشري في عهد ذي القَرنَينِ
المؤلف: محمد هادي معرفة
المصدر: شبهات وردود حول القرآن الكريم
الجزء والصفحة: ص497-505 .
11-10-2014
1883
يقول الدكتور عبد العليم ـ أُستاذ الجغرافيا المُساعِد في جامعة ابن سعود ويحمل شهادة زَمالة الجغرافيّين الملكيّة ـ لندن ـ : دراسة جغرافيّة منطقة السّدّ ، دراسة جيولوجيّة واقتصاديّة لمعرفة إمكانيّاتها الطبيعيّة والإمكانات البشريّة التي كان من المفروض تَوفُّرها للوفاء باحتياجات السّدّ التي طلبها ذو القَرنَينِ ، ودراسة مدى التَحضّر البشري حينذاك .
بالنظر إلى الآية الكريمة {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } [الكهف : 95 ، 96] نرى أنّ الإمكانيّات التي قدّمها كورش لإتمام السّدّ هي : الخُبرَة والمُهندسينَ والإشراف ، وأمّا الإمكانيّات التي طلبها من سُكّان المنطقة فكانت تنحصر في :
1 ـ القوّة البشريّة ( العَمّالة ) .
2 ـ خامات الحديد .
3 ـ الفحم أو الخشب لصَهر الحديد .
4 ـ خامات النُحاس .
5 ـ عددٍ مّا من حيوانات الجرّ والحَمل .
6 ـ استهلاك العُمّال والمُهندسينَ من طعام وشراب ومأوى .
ولنا أنْ نتساءل : هل كانت ( فارس ) على درجة من التحضّر والتقدّم بما يُوفّر الخُبرَة الهندسيّة لتشييد السُدود والأعمال العُمرانيّة الضَخمة ؟
لفارس ، حضارتها الخاصّة بها بلا شكّ ، ولكن مصر الفرعونيّة ـ بشهادة التأريخ ـ قَدَّمت لها أعظم مدرسة في التشييد والبِناء والصناعة . لقد قدّمت مصر ـ وكانت على اتّصال وثيق ببلاد الشرق الأدنى منذ 4000 سنة ـ للحضارة الفارسيّة العلوم الرياضيّة والهندسيّة والطبّ والفَلَك وتعبيد الطُرُق والكتابة والتقويم والساعات والورق وفنّ المكتبات وحفظ الوثائق ، والأثاث الدقيق والمصقول ، وفنّ التلوين .
ولم تقتبس فارس من حضارة مصر فقط ، وإنّما نَقلت أيضاً ـ زَمن الهخامنشيّين ـ من بابل كثيراً من العلوم والفنون والصناعات ، وهكذا من اليونان استخدموا مهندسينَ كِباراً لفنّ النحت وبِناء القُصور الشامخات والأَعمدة الرفيعة والأقواس من الرُخام
والأحجار الثمينة (1) ، ولا نَنكُر أنّهم ـ أي الفُرس ـ أَضافوا إلى ما أَخذوه وخَلَّفوا لنا حضارةً راقيةً ، هي مَزيج من حضارات العالَم القديم مصر ـ بابل ـ يونان .
وإجابة على السؤال ، يُمكن القول : إنّ الفُرس ـ في عصر الهخامنشيّين ـ امتازوا بمهارتهم في فنّ العِمارة والبِناء ، يشهد بذلك كلّ ما اكتشفه علماء الآثار هناك من أَبنية تَدلّ على عَظَمة التصميم الهندسي ، ودقّة اختيار الموادّ الخام ، وتطويعها للغرض الإنشائي المَنشود ، فقد أَخذ البناؤون الفُرس يَتعلّمون فنّ المِعمار من الشُعوب التي خَضَعت لهم ( سومر ـ آشور ـ كلدان ـ يونان ) وسُرعان ما استوعبوا أَسراره .
ومَن ينظر إلى مقبرة وقُصور كورش ، ودارا الأَوّل ، وخِشَيارْشا الأَوّل ، يُدرك عُمق تأثّر المِعمار الفارسي بما يُحيط به من أَنماط في مصر ويونان وبابل وميديا وليديا... ونُدرك نحن ذلك إذا فَحصنا جيّداً ما شيّده كورش في ( باساركاد ) (2) رُغم تَهدُّمها ، فالواقع أنّها صور من الرَوعة والجمال ترسم ملامح الفنّ الفارسي الهخامنشي مُنذ أربعة وعشرين قَرناً ، وتزداد صورُ الرَوعة إشراقاً إذا فحصنا ( نقش رستم ) بالقُرب من ( برسبوليس ) (3) والآثار الموجودة في هذه المدينة .
بالإضافة إلى ذلك تُوجد أَبنية فارسيّة قُدّر لها أنْ تَفلت مِن مَخالب الحروب والدمار والغارات والسَرِقات وتقلّبات الأجواء ، وهي تتمثّل في مجموعة من حُطام القُصور ، وبقاياها موجودة حتى الآن في العواصم الفارسيّة القديمة مثل ( بارساركاد ) و( برس بوليس ) و( اكبتانا ـ همدان ) .
وهي جميعها تُفيد في دراسة مراحل تَطوّر فنّ التشييد والبِناء في تلك المَرحلة من حكم الهخامنشيّين لفارس ، وتؤكّد أنّ الهخامنشيّين تَتَلمذوا على حضارات أُمَم مُجاورة وأحسنوا التَلمَذة وأجادوها في كلّ الحقول ، سواء أكانت الصناعات المختلفة أو التكنيك أو تعبيد الطُرُق أو الإنشاءات المِعماريّة والفنّية والجسور والسدود .
وكلّها اتّسمت بطابع الأصالة في التخطيط وحُسن التنفيذ بما يُمكن أنْ يجعلنا نقول : إنّ الفُرس صَنعوا ممّا نقلوه رمزاً شاهداً على اتّجاههم الخاصّ وأُسلوبهم المُتطوِّر .
ويبدو ممّا بقي من آثار حجريّة ودَرَج وأعمدة وأقواس ، وتماثيل الحيوانات المُجسّمة ، وبقايا البِناء الذي خَلّد فيه كورش ذِكرى انتصاره على الميديّين ، درجة كفاءة التَحضّر الفارسيّ آنذاك ، ويبدو أيضاً ممّا بقي من آثار أنّ صوراً قد نُحتت مِن الحجر في هذا المكان من ( مشهد مرغاب ) ولكنّها خَرُبت ، وأنّ نقشاً يُظنّ أنّه لكورش قد دُرِس ، وعلى مَقربة من هذا البِناء بِناء عظيم من الحَجَر يقع في ستّ مُدرجات وقد عُرف هذا البِناء اليوم باسم قبر أُمّ سُليمان ، ويعتقد المحقّقون أنّه قبر كورش ، كما عُثِر على مَقربة منه نقش ترجمته : ( أنا كورش المَلِك الهخامنشي... ) .
وفي باساركاد تِمثال بارز مَنحوت من الحَجَر يُصوّر شخصاً واقفاً مادّاً يده إلى الأَمام وله جناحان وأجنحة شبيهة بتماثيل الآشوريّين ، إلاّ أنّ لِحيته فارسيّة وتاجه مصري وثيابه عيلاميّة ( ـ وهو تِمثال كورش ، حسبما استقرّ عليه الرأي أخيراً ـ ويَنطبق على ذي القَرنَينِ الذي جاء وَصْفه في القرآن وفي العهد القديم ، باعتبار أنّ لتاجه قَرنَينِ ، أحدهما إلى الأَمام والآخر إلى الخلف ) (4) ، هذا عَلاوة على الكثير مِن الحَفريّات التي تَدلّ على أنّ الخرائب هي آثار مدينة عامِرة وعريقة مُوغِلة في القِدَم ، لم يبقَ منها سِوى خرائب وآثار قُصور وأَبنية كثيرة فَخمة بقيت الأجزاء الحجريّة منها ، يَدلّك على فَخَامتها تلك الدَرَج وهي مِئة وست درجات في عَرض سبعة أَذرع تتصاعد إلى قاعة فسيحة عليها مِئة عمود من الرُخام وبعضها قائمة حتّى اليوم .
وعلى أجنحة الدَرَج تماثيل وتصاوير رجال مَنحوتة على الحَجَر وكان سرير المَلِك يَحمله 28 مُجسّمة حجريّة ، رمزاً إلى مُمَثّلي المَمالك التي سخَّرها داريوش ، وهو جالس على السرير ويرى مِن خَلفه رجل يُظنّ أنّه خشيارشا ، كما عَثَر المنقّبون في سرورستان وفيرزآباد على أَقواس وقِباب لأَبنية قديمة ، يُعتقد أنّها من بقايا عصر كورش الكبير ، كما يُوجد حجر مُكعّب الشكل يُعرف بتَخت طاووس في باساركاد على مَقربة من مقبرة كورش كان واحداً من أعتاب معبد قديم .
أَضف إلى ذلك ( تُرْعَة سويس ) ـ قناة تصل البحر الأحمر بالمتوسّط ـ ذلك المَشروع العظيم ، كان أَوّل مَن أَمر بحفرها هو المَلِك الفارسي داريوش الأَوّل الهخامنشي ، وذلك بعد أنْ استولى على مصر وبلاد أفريقيّة مُجاورة ، وقد عُثِر في حَفريّات هناك على ضِفاف التُرْعَة كتيبة فيها دلالة واضحة على السيرة الحَسنة التي كان يُراعيها مُلوك فارس مع أبناء البلاد التي كانوا يَمتلكونها آنذاك ، الأمر الذي يدلّ على حضارة راقية كانت تسود إمبراطوريّة فارس (5) .
والأَمثلة لا حصرَ لها في هذا المَبحث مِن موضوعنا ، وكلّها تُجيب على السؤال المطروح : هل كانت فارس على درجة من التَحضُّر والتقدُّم بما يُوفّر الخُبرة الهندسيّة لتشييد السُدود والأعمال العُمرانيّة ؟
ومن العرض البسيط قد تحقّقنا من تقديم كورش الخُبرة والمهندسينَ والإشراف لسُكّان منطقة سُهول القوقاز وبحر قزوين والبحر الأسود .
* * *
وأمّا عن الإمكانيّات التي يُمكن أنْ يكون قد طلبها ذو القَرنَينِ من الأُمَم المُسالِمة في المنطقة الوادِعة ، حسب فهمنا للآية الكريمة ، فنأخذ أوّلاً : القوّة البشرية ( العَمّالة ) التي يُمكن أنْ يكون كورش قد طلبها ، فإنّ المنطقة حسب التخمين العام كانت آهِلة ومُزدحِمة بالسُكّان ويُمكن حساب عدد السُكّان ( تقريباً ) في إقليم آذربيجان ـ أرمينيّة ـ داغستان ـ جورجيا ـ وما والاها سنة 550 ق . م كان على الأرجح ما يَقُرب من 000/ 170 نَسَمة (6) .
فلو افترضنا أنّ العَمّالة كانت تُمثّل بنسبة 6% من السُكّان ، لعرفنا أنّ العَمّالة التي تُقدَّر للاشتراك في بِناء السدّ ما يزيد على ( 000/100 ) مِئة ألف عامل .
وهذا العدد يُمكنه بالفعل إنجاز العمل في سدّ ثغرة ( داريال ) لمدّة عشر سنوات تقريباً .
والموادّ الخام التي شُيّد منها سدّ ذي القَرنَينِ حسب وصف القرآن الكريم : خامات الحديد .
تحتوي أراضي آذربيجان على معادن الحديد بكمّيات كبيرة ، ويشهد لذلك قيام صناعة الحديد والصُلب الآن في مدينة ( باكو ) ، فإذا كان الإقليم غنيّاً به الآن فلا شكّ أنّه كان أغنى زمن كورش بالطبع .
أمّا أرمينيّة فغنيّة بمعادنها ، ويَكثُر بها على وجه الخصوص خام الحديد والنُحاس والرَصاص والزرنيخ وحجر الشبّ والكبريت والذهب . وابن الفقيه (7) هو الكاتب الإسلامي الوحيد الذي أَمدّنا بمعلومات قيّمة عن الثروة المعدنيّة في أرمينيّة .
ويَذكر المؤرّخ الأَرمني ( ليونتيوس ) أنّ مَناجم الحديد والفضّة في تلك البلاد كُشِفت حوالي نهاية القرن الثامن للميلاد ، وتَدلّ مَلامح الأرض على مناطق محفورة في الجبال تُشير إلى استنفاد السُكّان الأقدمين لاحتياطي الحديد القديم الذي كان يُستخرج في العَراء دون عَناءٍ كبير ، وهي تقع في مُنتصف الطريق بين أطرابزندة وأرزن الروم .
كما يوجد الحديد بوِفرة في جورجيا بالقُرب من ( تسخالطوبو ) و ( محج قلعة ) و ( دربند ) في داغستان وغيرها ، وفي مناطق الحدود الأرمينيّة في تركيا إقليم الحديد المشهور الذي يُقدَّر احتياطيّه بحوالي 25 مليون طنّ وتبلغ نسبة الحديد في الفلز ما بين 60 ـ 66% وهي نسبة عالية ، وقد استخرج الحيثيّون من آلاف السنين كمّيّات هائلة من الحديد من هذا الإقليم ، وأَهمّ مناطق إنتاجه الآن هناك إقليم ( ديفرجي ) .
أمّا عن الفحم والأخشاب اللازمَينِ لصهر الحديد ، فتكوينيّات منطقة ( كلاكنت ) بأرمينيّة فيها احتياطيّ كبير ، وفي سواحل البحر الأسود تُعتَبر مناجم ( زونفلداك ) من المَناطق الغنيّة جدّاً بخامات الفحم ، وهو من النوع البيتومين ويُعطي نوعاً جيّداً مِن فحم الكوك الذي يُستخدم في صناعة الحديد .
وأمّا عن الأَخشاب فيَذكر ابن حوقل أنّ إقليم أَردبيل كثير البساتين والأنهار والمياه والأشجار والفواكه الحَسنة والخَيْرات والغَلاّت ، وكذلك إقليم المراغة ، ويقول عن إقليم أُروميّة : إنّه كثير الكُرُوم والمياه الجارية والضياع والرَسَاتيق ، ويضمّ الإقليم أيضاً : أُشنَه ، كثيرة الشجر والخُضر والخَيْرات ومدينة بردغة كثيرة الخِصب والزرع والثِمار والأشجار .
كما أنّ مجموعة أنهار كورا ( كورش ) ونهر ترك ، وكذلك صولاق ونهر آراكس ونهر آيورا ، كلّها مُحاطة بمساحات هائلة من الأخشاب ، لانتشار أشجار الدَردَار والبَلوط والصنوبر والأَرز والشوح والعَرعَر والزيتون البرّي .
وخامات النُحاس ـ التي طلبها ( كورش = ذو القَرنَينِ ) من سُكّان الإقليم حسبما عَبَّر القرآن الكريم : ( قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) ... هذه الخامات ثَبُت علميّاً وتأريخيّاً تَوفّرها بالمنطقة ، فالدراسات الجيولوجيّة الحديثة أثبتت وجودها بوِفرة في تكوينيّات ( زنجان ) و ( أنارك ) وشمال أصفهان ، وفي جنوب آذربيجان كميّات هائلة منه .
وفي أرمينيّة أَصبحت مناجم النُحاس الكبيرة المعروفة مُنذ القِدَم ، شاهد على استخراج السُكّان القُدامى لخاماته ، خصوصاً في منطقة ( كدابك ) وما يَتبعها من مَنجم فرعي في إقليم ( كلاكنت ) ـ بين البزاوتيول وبُحَيرة كوك جاي ـ وقد أُعيد إحياء مَجد الإقليم في مجال استخراج النُحاس حديثاً في السنوات الأخيرة ، بفضل إدارة إخوان ( سيمنس ) مُؤسّسي مصانع سَبْك المعادن هناك .
ومن ناحية تَوفّر العدد اللازم من حيوانات الجرّ والحَمل ، فالإقليم غنيّ بالثروة الرَعويّة والحيوانيّة ؛ لأنّه يقع بين خطَّي عَرض 30 ـ 45 شمالاً ، وينحصر بين إقليم البحر
المتوسّط غرباً وإقليم الصين شرقاً ويمتدّ في أُوراسيا بين التركستان الصينيّة ورومانيا ، ويشمل بذلك كلّ آذربيجان وأرمينيّة والقوقاز وجورجيا وداغستان وأنجازيا وأجاريا ، ولكَثرة حشائش الإقليم سُمّيت إقليم المَراعي المُعتَدلِة الدفيئة ، وهي غنيّة تكفي رَعيَ الماعز والضأن على الهِضاب ، والأبقار والمواشي في السُهول ، والجَمَل أيضاً معروف هناك وهو من نوع ذي السنامَينِ وحيوان الياك (YAK) (8) .
وقد استخدمه السُكّان في النَقل تَماماً كالحَمير ، وهو يَمتاز على الحَمير بوجود أَظفار في رجلَيه تُساعده على ارتقاء المُرتفعات والتنقّل بأَحماله بينها ، كما يوجد هناك مُنذ القِدَم عشرات الآلاف من الخُيول السيسي الشهيرة بقُدرتها على حَمل الأثقال وجرّ العَربات .
ومن حيث توفّر المُؤَن لمواجهة استهلاك العُمّال والمهندسين من غذاء لازم حتّى إتمام تشييد السّدّ ، فقد عَرَف الإقليم جميع الحُبوب من آلاف السنين ، وكانت أرمينيّة تُعتبر من أَخصب أملاك الخلافة العباسيّة ، وكانت الغِلال تُستَنبت فيها بكَثرة وتُصدّر إلى الخارج كبغداد مثلاً (9) ، وكان السمك يكثُر في بُحيراتها وأَنهارها ويُصدّر إلى الخارج أيضاً (10) ، وكانت خَيرات الإقليم تَتَوجّه زمن كورش إلى همدان وسائر البلاد المعروفة ذلك اليوم .
وأودية هذا الإقليم الكبير مُزدَحِمة بغابات الأشجار المُثمرة ، وفي مناطق العَراء كانت زراعة البطاطا والشمندر السكّري مِن أَهمّ حِرَف السُكّان في العصور القديمة .
ففي آذربيجان كان القمح الشتوي يُزرع هناك بنجاح كبير ، عَلاوةً على أنواع أُخرى من الحبوب وكذلك الكُرُوم والجوز ... وداغستان بلاد زراعيّة بالدرجة الأُولى من العصور القديمة حتّى الآن ، فهي تَنتُج القمح والذُرّة والبطاطا والخضروات والكَرمة ، كما أنّ الماشية تَرعى في سُفوح الجبال وأَشهر مواشيها الأغنام ... ومناخ جورجيا ( طرجستان ) من آلاف السنين ملائم لزراعة الحبوب وخاصّة الذُرّة والكَرمة والحُمّضيّات والشمندر السكّري (11) وهذه المزروعات تجدها في كلّ أنحاء الإقليم ، وثروة الإقليم بالماشية هائلة ، إذ تنتشر المَراعي الواسعة كما رأينا وتَربّى عليها قُطعان الماشية وخاصّة الأغنام .
ومن المَلامح التي عَرضناها بإيجاز تأَكّد لنا قُدرة الإقليم على تَموين العُمّال والمهندسينَ بالطعام والشراب الكافي ، دون أنْ يَحدث نقص في إمدادات الغذاء ، أي أنّ الأَمن الغذائي كان مَكفولاً .
والموادّ الخام اللازمة كانت متوفّرة ، من حديد ونُحاس وفحم وأخشاب ، وحيوانات الجرّ والحِمل كانت موجودة تفي بالغرض تماماً ، والأَيدي العاملة الرخيصة كانت متوفّرة كذلك ، والخُبرة الفارسيّة ، والتخطيط الدقيق لكورش كلّها كانت مُقوّمات نجاح تشييد أَعظم السدود في العالَم ، لدرجة جَعلت القرآن يَصفه بالرَدم ، أي السّدّ الضخم الهائل في قوله تعالى : { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } (12) .
______________________
(1) تأريخ إيران ، ص125 .
(2) جاء تعريبه : ( بازارجاد ) ، هي مدينة ضخمة بقيت آثارها الفخيمة في مشهد مرغاب ، عاصمة الهخامنشيّين القديمة ، واقعة على بُعد 18 فرسخاً في الشمال الشرقي من شيراز ، وبها مقبرة كورش الكبير قائمة إلى اليوم وفيها عُثِر على تمثال كورش الحجري الشهير .
(3) تخت جمشيد . وتُسمّيه اليونان : ( برس بليس ) .
(4) ولعلّه صُنع بأَمره ، تَيمّناً بما فاتَحَه دانيال من الرؤيا التي كان قد رآها وهو في أَسر البابليّين ، لغت نامه دهخدا ، حرف الذال ، ص 11569 ، ذو القَرنَينِ الثاني .
(5) راجع : تأريخ إيران ، ص 124 ـ 132 .
(6) وذلك على حسب الإحصاءات التقريبيّة والتي قَدّرت عدد نُفوس العالَم قبل الميلاد بثمانية آلاف سنة ، وكانت خمسة ملايين نَسَمة ، وقبل خمسة قُرون من الميلاد بعشرين مليون ، وقبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة بأَربعين مليون ، وقبل الميلاد بألف سنة بمِئة مليون ، وبعده بألف : 000/000/275 وفي سنة 1650 م : 000/000/545 ، وذلك على حساب ( F.A.O ) المعروف ، مفاهيم جغرافيّة ، ص 304. وبذلك يُقدّر عدد نُفوس العالَم سنة ( 550 ق . م ) : 168 مليون نَسَمة . ويكون قِسط إقليم آذربيجان وأرمينيّة وداغستان وجورجيا ذلك العهد ـ على حساب التقسيم على المائة ـ ما يَقُرب من 000/ 170 نَسَمة .
(7) كاتب شاعر مجيد من أهل الموصل تُوفي 636 هـ / 1238 م .
(8) نوع من البَقر الوَحش عظيم الجُثّة وقوّتها ، يكثُر وجوده في جبال آسيا الغربيّة والوسطى ولا سيّما هَضبات تبّتب ، وقد استخدموه لحَمل الأثقال .
(9) أُنظر : تأريخ الطبري ، ج 3 ، ص 272 ـ 275 ، ( مفاهيم جغرافيّة ، ص 311 ) .
(10) وقد ورد أنّ شُهرة الإقليم بالأسماك كمورد غذائي للسكّان والتصدير لا تُضارَع ، حيث كانت الأسماك تكثُر في بُحيرات أرمينيّة وسواحل القوقاز وخصوصاً بُحَيرة ( وان ) التي اشتهرت بنوع خاصّ وبكميّات هائلة منه ، وهو الذي يَعرفه العرب باسم ( الطريخ ) وكان هذا السمك في العُصور القديمة يُملّح ويُصدّر إلى الجهات البعيدة كالهند ، أُنظر : القزويني ، طبعة قستنفلد ، ج 2 ، ص 352 ، ( مفاهيم جغرافيّة ، ص 311 ) ، ولا يزال الناس في أرمينيّة وآذربيجان وبلاد القوقاز وآسيا الصُغرى يستطيبون هذا السمك المُمَلَّح حتّى يومنا هذا .
(11) فقد عَرف الإقليم جميع الحبوب من آلاف السنين ـ حسبما تقول الجغرافيا التأريخيّة ـ وعُثِر عليها في الآثار القديمة ، ووُجِدت قوارير مملوءة بالحبوب وغيرها ( القمح ـ الذُرّة ـ القصب ـ الأَرز ) . أُنظر : مواطن الشعوب الإسلاميّة ، قفقازيا لمحمود شاكر ، ص 62 ـ 69 . ( مفاهيم جغرافيّة ، ص 311 ) .
(12) مفاهيم جغرافيّة ، الفصل السابع ، ص 301 ـ 312 .