تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
قصة ذي القرنين
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص283-295.
2025-06-08
9
قصة ذي القرنين
قال تعالى : {وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ( 83 ) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ( 84 ) فَأَتْبَعَ سَبَباً ( 85 ) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ( 86 ) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً ( 87 ) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً ( 88 ) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ( 89 ) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً ( 90 ) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً ( 91 ) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ( 92 ) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ( 93 ) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ( 94 ) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ( 95 ) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ( 96 ) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً ( 97 ) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا } [الكهف : 83 - 98].
قال أبو بصير سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه {وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً }.
قال : « إنّ ذا القرنين بعثه اللّه إلى قومه ، فضربوه على قرنه الأيمن ، فأماته اللّه خمسمائة عام ، ثم بعثه إليهم بعد ذلك فضربوه على قرنه الأيسر ، فأماته اللّه خمسمائة عام ، ثم بعثه إليهم ، بعد ذلك ، فملّكه مشارق الأرض ومغاربها ، من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب ، فهو قوله : {حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إلى قوله عَذاباً نُكْراً }- قال - في النار ، فجعل ذو القرنين بينهم بابا من نحاس وحديد ، وزفت وقطران ، فحال بينهم وبين الخروج ».
ثمّ قال : أبو عبد اللّه عليه السّلام : « ليس منهم رجل يموت حتى يولد له من صلبه ألف ولد ذكر - ثمّ قال - هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة » « 1 ».
وسئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن ذي القرنين ، أنبيّا كان أم ملكا ؟
فقال : « لا نبيّ ولا ملك ، بل إنما هو عبد أحب اللّه فأحبّه ، نصح للّه فنصح له ، فبعثه اللّه إلى قومه ، فضربوه على قرنه الأيمن ، فغاب عنهم ما شاء اللّه أن يغيب ، ثمّ بعثه الثانية ، فضرب على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء اللّه أن يغيب ، ثم بعثه الثالثة ، فمكّن اللّه له في الأرض ، وفيكم مثله - يعني نفسه - فبلغ مغرب الشمس فوجدها {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }.
قال : ذو القرنين : {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً إلى قوله ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي دليلا حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً }- قال - لم يعلموا صنعة الثياب وقال أبو جعفر الباقر عليه السّلام : « لم يعلموا صنعة البيوت » « 2 ».
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي دليلا حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا فقال ذو القرنين ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } فأتوا به ، فوضعه ما بين الصّدفين - يعني بين الجبلين - حتى سوى بينهما ، ثمّ أمرهم أن يأتوا بالنار فأتوا بها ، فأشعلوا فيه ونفخوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار ، ثمّ صبّ عليه القطر - وهو الصّفر - حتى سدّه ، وهو قوله : حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً إلى قوله نَقْباً قال ذو القرنين : هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا - قال - إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السدّ ، وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا وأكلوا الناس ، وهو قوله : {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء : 96] ».
قال : « فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب ، فكان إذا مرّ بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغصب ، فتنبعث في القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق ، تهلك من ناوأه وخالفه ، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب » قال أمير المؤمنين عليه السّلام : « وذلك قوله عزّ وجلّ : إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً : أي دليلا ، فقيل له : إنّ للّه في أرضه عينا يقال لها : عين الحياة ، لا يشرب منها ذو روح إلّا لم يمت حتى الصيحة ، فدعا ذو القرنين الخضر عليه السّلام ، وكان أفضل أصحابه عنده ، ودعا بثلاث مائة وستّين رجلا ، ودفع إلى كلّ واحد منهم سمكة ، وقال لهم : اذهبوا إلى موضع كذا وكذا ، فإنّ هناك ثلاثمائة وستين عينا ، فليغسل كلّ واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه ، فذهبوا يغسلون ، وقعد الخضر عليه السّلام يغسل ، فانسابت السّمكة منه في العين ، وبقي الخضر عليه السّلام متعجّبا مما رأى ، وقال في نفسه :
ما أقول لذي القرنين ؟ ثمّ نزع ثيابه يطلب السّمكة ، فشرب من مائها ، ولم يقدر على السمكة ، فرجعوا إلى ذي القرنين ، فأمر ذو القرنين بقبض السّمك من أصحابه ، فلمّا انتهوا إلى الخضر عليه السّلام لم يجدوا معه شيئا ، فدعاه وقال له : ما حال السّمكة ؟ فأخبره الخبر . فقال له : فصنعت ما ذا ؟ فقال : اغتمست فيها ، فجعلت أغوص وأطلبها فلم أجدها قال : فشربت من مائها ؟ قال : نعم - قال - فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها ، فقال للخضر عليه السّلام : أنت صاحبها » « 3 ».
وقال الأصبغ بن نباتة ، سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن ذي القرنين ؟ قال :
« كان عبدا صالحا واسمه عيّاش ، واختاره اللّه وابتعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المغرب ، وذلك بعد طوفان نوح عليه السّلام ، فضربوه على قرن رأسه الأيمن ، فمات منها ، ثم أحياه اللّه بعد مائة عام ، ثم بعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المشرق ، فكذّبوه فضربوه ضربة على قرنه الأيسر فمات منها ، ثمّ أحياه اللّه بعد مائة عام ، وعوّضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين أجوفين ، وجعل عزّ ملكه آية نبوّته في قرنيه .
ثم رفعه اللّه إلى السماء الدنيا ، فكشط له عن الأرض كلّها ، جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب ، وآتاه اللّه من كلّ شيء علما يعرف به الحقّ والباطل ، وأيّده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، ثمّ اهبط إلى الأرض ، وأوحى اللّه إليه : أن سر في ناحية غرب الأرض وشرقها ، وقد طويت لك البلاد ، وذلّلت لك العباد ، وأرهبتهم منك .
فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب ، فكان إذا مرّ بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغضب ، فينبعث من قرنيه ظلمات ورعد وبرق ، وصواعق تهلك من ناوأه وخالفه ، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب - قال - وذلك قول اللّه : إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فسار حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إلى قوله أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ولم يؤمن بربّه فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ في الدنيا بعذاب الدنيا ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ في مرجعه فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً إلى قوله : وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً ثُمَّ أَتْبَعَ ذو القرنين من الشمس سَبَباً » .
ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام : « إنّ ذا القرنين لمّا انتهى مع الشمس إلى العين الحمئة ، وجد الشمس تغرب فيها ، ومعها سبعون ألف ملك يجرّونها بسلاسل الحديد والكلاليب ، يجرّونها من قعر البحر في قطر الأرض الأيمن كما تجري السّفينة على ظهر الماء ، فلمّا انتهى معها إلى مطلع الشمس سببا وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ إلى قوله بِما لَدَيْهِ خُبْراً ».
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : « إنّ ذا القرنين ورد على قوم ، قد أحرقتهم الشمس ، وغيّرت أجسادهم وألوانهم حتى صيّرتهم كالظلمة ، ثم اتبع ذو القرنين سببا في ناحية الظلمة : حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ خلف هذين الجبلين ، وهم يفسدون في الأرض ، إذا كان إبّان زروعنا وثمارنا خرجوا علينا من هذين السدّين فرعوا في ثمارنا وزروعنا ، حتى لا يبقوا منها شيئا فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً نؤدّيه إليك في كلّ عام عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا إلى قوله : زُبَرَ الْحَدِيدِ ».
قال : « فاحتفر له جبل حديد ، فقلعوا له أمثال اللّبن ، فطرح بعضه على بعض فيما بين الصّدفين ، وكان ذو القرنين هو أوّل من بنى ردما على الأرض ، ثمّ جمع عليه الحطب وألهب فيه النار ، ووضع عليه المنافيخ ، فنفخوا عليه ، فلمّا ذاب قال : آتوني بقطر - وهو المسّ الأحمر ، قال - فاحتفروا له جبلا من مسّ فطرحوه على الحديد ، فذاب معه واختلط به - قال - فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً يعني يأجوج ومأجوج قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا » . إلى ها هنا رواية علي بن الحسين ورواية محمد بن نصر .
وزاد جبرئيل بن أحمد ، في حديثه ، بأسانيد عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب عليه السّلام : {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف : 99] يعني يوم القيامة ، وكان ذو القرنين عبدا صالحا ، وكان من اللّه بمكان ، نصح للّه فنصح له وأحبّ اللّه فأحبّه ، وكان قد سبّب له في البلاد ، ومكّن له فيها حتى ملك ما بين المشرق والمغرب ، وكان له خليلا من الملائكة يقال له : رفائيل ، ينزل إليه فيحدّثه ويناجيه ، فبينا هو ذات يوم عنده إذ قال له ذو القرنين : يا رفائيل ، كيف عبادة أهل السماء ، وأين هي من عبادة أهل الأرض ؟ قال رفائيل : يا ذا القرنين ، وما عبادة أهل الأرض ؟ فقال : أمّا عبادة أهل السماء ، ما في السماوات موضع قدم إلّا وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا ، أو راكع لا يسجد أبدا أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ، وقال : يا رفائيل ، إني أحبّ أن أعيش حتى أبلغ من عبادة ربّي وحقّ طاعته بما هو أهله .
قال رفائيل : يا ذا القرنين ، إنّ للّه في الأرض عينا تدعى عين الحياة ، فيها عزيمة من اللّه أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل اللّه الموت ، فإن ظفرت بها تعيش ما شئت . قال : وأين تلك العين ، وهل تعرفها ؟
قال : لا ، غير أنا نتحدّث في السماء أن للّه في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان . فقال ذو القرنين : وأين تلك الظّلمة ؟ قال رفائيل : ما أدري .
ثم صعد رفائيل فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رفائيل ، ومما أخبره عن العين والظّلمة ، ولم يخبره بعلم ينتفع به منها فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته وعلماءهم وأهل دراسة الكتب وآثار النبوّة ، فلمّا اجتمعوا عنده ، قال ذو القرنين : يا معشر الفقهاء ، وأهل الكتب وآثار النبوة ، هل وجدتم فيما قرأتم من كتب اللّه أو في كتب من كان قبلكم من الملوك أن للّه عينا تدعى عين الحياة ، فيها من اللّه عزيمة أنّه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل اللّه الموت ؟ قالوا : لا ، يا أيها الملك . قال : فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب أن للّه في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان ؟
قالوا : لا ، يا أيها الملك . فحزن ذو القرنين حزنا شديدا وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحبّ .
وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الأوصياء ، أوصياء الأنبياء وكان ساكتا لا يتكلم حتى إذا أيس ذو القرنين منهم . قال له الغلام : أيها الملك ، إنك تسأل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم ، وعلم ما تريد عندي ، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا ، حتى نزل عن فراشه ، وقال له : أدن منّي . فدنا منه ، فقال : أخبرني . قال : نعم أيها الملك ، إني وجدت في كتاب آدم عليه السّلام الذي كتب يوم سمّي له ما في الأرض من عين أو شجر ، فوجدت فيه أنّ للّه عينا تدعى عين الحياة ، فيها من اللّه عزيمة أنّه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل اللّه الموت ، بظلمة لم يطأها إنس ولا جان . ففرح ذو القرنين وقال : ادن مني أيها الغلام ، تدري أين موضعها ؟ قال : نعم ، وجدت في كتاب آدم عليه السّلام أنها على قرن الشمس ، - يعني مطلعها - ففرح ذو القرنين وبعث إلى أهل مملكته ، فجمع أشرافهم وفقهاءهم وعلماءهم وأهل الحكم منهم ، واجتمع إليه ألف حكيم وعالم وفقيه ، فلمّا اجتمعوا إليه تهيّأ للمسير وتأهّب له بأعدّ العدّة وأقوى القوّة ، فسار بهم يريد مطلع الشمس ، يخوض البحار ويقطع الجبال والفيافي والأرضين والمفاوز ، فسار اثنتي عشرة سنة ، حتى انتهى إلى طرف الظّلمة ، فإذا هي ليست بظلمة ليل ولا دخان ، ولكنّها هواء يفور مدّ ما بين الأفقين ، فنزل بطرفها وعسكر عليها ، وجمع علماء أهل عسكره وفقهاءهم وأهل الفضل منهم ، وقال يا معشر الفقهاء ، والعلماء ، إني أريد أن أسلك هذه الظلمة . فخرّوا له سجّدا ، وقالوا : أيّها الملك ، إنك لتطلب أمرا ما طلبه ولا سلكه أحد ممن كان قبلك من النبيين والمرسلين ولا من الملوك . قال : إنه لا بدّ لي من طلبها .
قالوا : يا أيها الملك ، إنا لنعلم أنك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك بغير منّة عليك لأمرنا ، ولكنّا نخاف أن يعلق بك منها أمر يكون فيه هلاك ملكك وزوال سلطانك ، وفساد من في الأرض ؟ فقال : لا بدّ من أن أسلكها . فخرّوا سجدا للّه ، وقالوا : إنّا نتبرّأ إليك مما يريد ذو القرنين .
فقال : ذو القرنين : يا معشر العلماء ، أخبروني بأبصر الدواب ؟ قالوا :
الخيل الإناث الأبكار أبصر الدواب ، فانتخب من عسكره ، فأصاب ستة آلاف فرس إناثا أبكارا ، وانتخب من أهل العلم والفضل والحكمة ستة آلاف رجل ، فدفع إلى كل رجل فرسا ، وعقد لأفسحر - وهو الخضر - على ألف فرس ، فجعلهم على مقدّمته ، وأمرهم أن يدخلوا الظلمة ، وسار ذو القرنين في أربعة آلاف ، وأمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثنتي عشرة سنة فإن رجع هو إليهم إلى ذلك الوقت ، وإلا تفرقوا في البلاد ، ولحقوا ببلادهم ، أو حيث شاءوا ، فقال الخضر عليه السّلام : أيّها الملك ، إنا نسلك في الظلمة ، لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضّلال إذا أصابنا ؟ فأعطاه ذو القرنين خرزة حمراء كأنّها مشعلة لها ضوء ، وقال : خذ هذه الخرزة فإذا أصابكم الضلال فارم بها إلى الأرض فإنّها تصيح ، فإذا صاحت رجع أهل الضّلال إلى صوتها . فأخذها الخضر عليه السّلام ومضى في الظّلمة ، وكان الخضر عليه السّلام : يرتحل ، وينزل ذو القرنين ، فبينما الخضر يسير ذات يوم ، إذ عرض له واد في الظّلمة ، فقال لأصحابه : قفوا في هذا الموضع ، لا يتحرّكن أحد منكم من موضعه . ونزل عن فرسه ، فتناول الخرزة ، فرمى بها في الوادي ، فأبطأت عنه بالإجابة حتى ساء ظنه أو خاف أن لا تجيبه ، ثمّ أجابته ، فخرج إلى صوتها فإذا هي على جانب العين التي يقفوها ، وإذا ماؤها أشد بياضا من اللبن ، وأصفى من الياقوت ، وأحلى من العسل ، فشرب منه ، ثم خلع ثيابه واغتسل منها ، ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه ، فأجابته فخرج إلى أصحابه ، وركب وأمرهم بالمسير فساروا .
ومرّ ذو القرنين بعده ، فأخطؤوا الوادي ، وسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وأربعين ليلة ، ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ، ولكنه نور ، فخرجوا إلى أرض حمراء ورملة خشخاشة « 4 » فركة « 5 » كأنّ حصاها اللؤلؤ ، فإذا هو بقصر مبني على طول فرسخ ، فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه ، ثم توجه بوجهه وحده إلى القصر ، فإذا طائر وإذا حديدة طويلة قد وضع طرفاها على جانبي القصر ، والطير الأسود معلق « 6 » في تلك الحديدة بين السماء والأرض مزموم « 7» ، كأنّه الخطاف « 8 » أو صورة الخطّاف أو شبيه بالخطّاف ، أو هو خطّاف ، فلما سمع خشخشة ذي القرنين ، قال : من هذا ؟
قال : أنا ذو القرنين ، فقال الطائر : يا ذا القرنين ، أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلى حدّ بابي هذا ؟ ففرق ذو القرنين فرقا شديدا ، فقال : يا ذا القرنين ، لا تخف وأخبرني . قال سل قال : هل كثر بنيان الآجر والجصّ في الأرض ؟
قال : نعم ، قال فانتفض الطير ، وامتلأ حتى ملأ من الحديدة ثلثها ، ففرق ذو القرنين ، فقال : لا تخف ، وأخبرني . قال : سل . قال : هل كثرت المعازف ؟
قال : نعم . قال : فانتفض الطير وامتلأ حتى امتلأ من الحديدة ثلثيها ، ففرق ذو القرنين ، فقال : لا تخف ، وأخبرني . قال : سل . قال : هل ارتكب الناس شهادة الزور في الأرض ؟ قال : نعم . فانتفض انتفاضة وانتفخ ، فسدّ ما بين جداري القصر ، قال : فامتلأ ذو القرنين عند ذلك فرقا منه ، فقال له : لا تخف وأخبرني . قال : سل : قال : هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا اللّه ؟ قال : لا .
فانضمّ ثلثه ، ثمّ قال : يا ذا القرنين ، لا تخف وأخبرني . قال : سل . قال : هل ترك الناس الصلاة المفروضة ؟ قال : لا . قال : فانضمّ الثلث الآخر ، ثمّ قال :
يا ذا القرنين ، لا تخف وأخبرني . قال : سل . قال : هل ترك الناس الغسل من
الجنابة ؟ قال : لا .
قال : فانضمّ حتى عاد إلى الحالة الأولى ، فإذا هو بدرجة مدرّجة إلى أعلى القصر ، فقال الطير : يا ذا القرنين ، اسلك هذه الدرجة ، فسلكها وهو خائف لا يدري ما يهجم عليه ، حتى استوى على ظهرها ، فإذا هو بسطح ممدود مدّ البصر ، وإذا رجل شابّ أبيض مضيء الوجه ، عليه ثياب بيض ، كأنّه رجل ، أو في صورة رجل ، أو شبيه بالرجل ، أو هو رجل ، وإذا هو رافع رأسه إلى السّماء ينظر إليها ، واضع يده على فيه ، فلما سمع خشخشة ذي القرنين ، قال : من هذا ؟ قال : أنا ذو القرنين . قال : يا ذا القرنين ، ما كفاك ما وراءك حتى وصلت إليّ ؟ قال ذو القرنين : ما لي أراك واضعا يدك على فيك ؟
قال : يا ذا القرنين ، أنا صاحب الصّور ، وإن الساعة قد اقتربت ، وأنا أنتظر أن أؤمر بالنّفخ فأنفخ ، ثم ضرب بيده ، فتناول حجرا فرمى به إلى ذي القرنين ، كأنّه حجر ، أو شبه حجر ، أو هو حجر ، فقال : يا ذا القرنين ، خذها ، فإن جاع جعت ، وإن شبع شبعت ، فارجع .
فرجع ذو القرنين بذلك الحجر ، حتى خرج به إلى أصحابه ، فأخبرهم بالطير وما سأله عنه ، وما قال له ، وما كان من أمره ، وأخبرهم بصاحب الصّور ، وما قال له ، وما أعطاه ، ثمّ قال لهم : إنه أعطاني هذا الحجر ، وقال لي إن جاع جعت ، وإن شبع شبعت . قال : أخبروني بأمر هذا الحجر ، فوضع الحجر في إحدى الكفتين ، ووضع حجرا مثله في الكفة الأخرى ، ثم رفع الميزان ، فإذا الحجر الذي جاء به أرجح بمثل الآخر ، فوضعوا آخر ، فمال به ، حتى وضعوا ألف حجر كلّها مثله ، ثم رفعوا الميزان فمال بها ولم يمل به الألف حجر ، فقالوا : يا أيها الملك ، لا علم لنا بهذا ، فقال : له الخضر عليه السّلام : أيها الملك ، إنك تسأل هؤلاء عما لا علم لهم به ، وقد أتيت على هذا الحجر . فقال ذو القرنين : فأخبرنا به ، وبيّنه لنا ، فتناول
الخضر عليه السّلام الميزان ، فوضع الحجر الذي جاء به ذو القرنين في كفّة الميزان ، ثمّ وضع حجرا آخر في كفّة أخرى ، ثمّ وضع كفّا من تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا ، ثم رفع الميزان فاعتدل ، وعجبوا وخرّوا سجّدا للّه ، وقالوا : يا أيها الملك ، هذا أمر لم يبلغه علمنا ، وإنا لنعلم أن الخضر ليس بساحر ، فكيف هذا وقد وضعنا معه ألف حجر كلّه مثله فمال بها ، وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا ؟ !
قال ذو القرنين : بيّن - يا خضر - لنا أمر هذا الحجر ، قال الخضر : أيّها الملك ، إنّ أمر اللّه نافذ في عباده ، وسلطانه قاهر وحكمه فاصل ، وإن اللّه ابتلى عباده بعضهم ببعض ، وابتلى العالم بالعالم ، والجاهل بالجاهل ، والعالم بالجاهل ، والجاهل بالعالم ، وإنه ابتلاني بك ، وابتلاك بي .
فقال ذو القرنين : يرحمك اللّه يا خضر ، إنما تقول : ابتلاني بك حين جعلت أعلم منّي ، وجعلت تحت يدي ، أخبرني - يرحمك اللّه - عن أمر هذا الحجر .
فقال الخضر عليه السّلام : أيها الملك ، إن هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور ، يقول : إنّ مثل بني آدم مثل هذا الحجر الذي وضع ووضع معه ألف حجر فمال بها ، ثم إذا وضع عليه التراب ، شبع وعاد حجرا مثله ، فيقول :
كذلك مثلك ، أعطاك اللّه من الملك ما أعطاك ، فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه أحد كان قبلك ، ودخلت مدخلا لم يدخله إنس ولا جانّ ، يقول :
كذلك ابن آدم ، لا يشبع حتى يحثى عليه التراب . قال : فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ، وقال : صدقت يا خضر ، يضرب لي هذا المثل ، لا جرم أني لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسلكي هذا .
ثمّ انصرف راجعا في الظّلمة ، فبينما هم يسيرون ، إذ سمعوا خشخشة تحت سنابك خيلهم ، فقالوا أيّها الملك ، ما هذا ؟ فقال : خذوا منه ، فمن أخذ منه ندم ، ومن تركه ندم ، فأخذ بعض ، وترك بعض ، فلمّا خرجوا من الظلمة إذا هم بالزّبرجد ، فندم الآخذ والتارك ، ورجع ذو القرنين إلى دومة الجندل ، وكان بها منزله ، فلم يزل بها حتى قبضه اللّه إليه ».
قال : « وكان صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إذا حدّث بهذا الحديث ، قال : رحم اللّه أخي ذا القرنين ، ما كان مخطئا إذ سلك ما سلك ، وطلب ما طلب ، ولو ظفر بوادي الزّبرجد في مذهبه ، لما ترك فيه شيئا إلّا أخرجه للناس لأنّه كان راغبا ، ولكنّه ظفر به بعد ما رجع ، وقد زهد عن الدنيا بعد » « 9 ».
_________
( 1 ) تفسير القميّ : ج 2 ، ص 40 .
( 2 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 350 ، ح 84 .
( 3 ) تفسير القميّ : ج 2 ، ص 41 .
( 4 ) الخشخاش : كل شيء يابس إذا حكّ بعضه ببعض صوت . « المعجم الوسيط : ج 1 ، ص 235 » .
( 5) قال المجلسي رحمه اللّه : فركة : أي لينة . بحيث يمكن فركها باليد ، البحار : ج 12 ، ص 206 .
( 6) في « ط » : معلق بأنفه .
( 7 ) زمّ الشيء : شدّه « لسان العرب - زمم - ج 12 ، ص 272 » .
( 8 ) الخطّاف : السنونو ، وهو ضرب من الطيور القواطع . « المعجم الوسيط - خلف - ج 1 ، ص 245 » .
( 9 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 341 ، ح 79 .