x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
عندما يكون الهدف في تحرّك الإنسان هو الله (تعالى).
المؤلف: الشيخ علي حيدر المؤيّد.
المصدر: الموعظة الحسنة
الجزء والصفحة: ص 581 ـ 599.
2023-03-18
1700
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): "يا علي، ثلاثة من حلل الله، رجل زار أخاه المؤمن في الله فهو زور الله، وحق على الله أن يكرم مزوره، ويعطيه ما سأل، ورجل صلّى ثم عقب إلى الصلاة فهو ضيف الله، وحق على الله أن يكرم ضيفه، والحاج والمعتمر فهما وفد الله، وحق على الله أن يكرم وفده" (1).
المؤثر في كل شيء:
عندما يكون الله عز وجل هو الهدف في تحرك الإنسان تكون النتائج طيبة دائماً لماذا؟ لأنه ثبت بالوجدان والبرهان معاً أنه لا مؤثر في الوجود سوى الله تعالى باعتباره العلة التامة المؤثرة في جميع الممكنات - إن صح التعبير - وهذا هو معنى التوحيد الأفعالي كما يعبر أهل الحكمة.
فالوجود بما فيه خاضع لقاهرية الله عز وجل. وذات الله لامتناهية ولازم ذلك عدم تناهي صفاته الحسنى وكمالاته التي يفيض منها على هذا العالم.
إذاً بواسطة الفيض اللامنقطع من الله إلى الإنسان كان هذا الإنسان وتحلى بالكمالات.
وعندها كلما تمسكنا بالله أفاض علينا كمالا غير محصور لعدم محدودية كمالاته فكلما انفتح الإنسان على عالم الغيب وقوي يقينه بالله كلما ازداد تجرداً وصار محلاً قابلاً للفيض والرحمة الإلهية، وكلما انغمس الإنسان في الماديات وابتعد عن الله تعالى حجب نفسه بحجب مادية تمنعه من الرحمة الأكبر.
إذن عندما يكون مركز تحركنا في القضايا الشخصية والاجتماعية هو الله عز وجل ويكون هو سبحانه أساس منطلقنا في الحب والبغض للآخرين.
عندها سيكون هذا التحرك وهذه العواطف منظمة ورتيبة لخلوها من المصالح الشخصية التي تربك العلاقات الاجتماعية عادة.
وإذا تجرد الإنسان من ذاته وتنازل عن مصالحه وخالف ميوله وشهواته وجعل محوره في التعامل مع الناس هو الله عز وجل فإنّه حينئذٍ لا يصطدم بأحد لعدم وجود أغراض خاصة يسعى لتحصيلها من الغير.
فيكون محبوباً عند الناس وذا مكانة اجتماعية عالية لأنه فوق منطق المادة والمصلحة فكيف لا يهابه الناس ويحترمونه ويقدسونه. وهذا هو سلوك الأنبياء والأوصياء (صلوات الله وسلامه عليهم) ولذلك لم نسمع يوماً أن أحد الأنبياء أو الأوصياء اصطدم مع أحد لقطعة أرض أو حفنة من المال أو أمر آخر.
ولم نسمع أن أحدهم ع كره شخصاً لأنّه منعه شيئاً من مصالحه بل دائماً تحركهم ونظرهم إلى الله عز وجل.
وكانوا يعملون ليربّوا الناس على هذا المنطق وهذا السلوك كي يترفعوا عن المادة ويتجهوا إلى الله أكثر فأكثر، فإن من نتائج التوجه والإنابة إلى الله تعالى، حل جميع المشاكل الاجتماعية ففي حب الله تتساقط المصالح الدنيويّة وبذلك تسعد الحياة.
ولذلك نرى - نحن المسلمون - أنّ أساس المشاكل الاقتصادية والاجتماعية هو الإنسان في عدم توجهه لله والابتعاد عن مناهجه وأحكامه سبحانه.
لا الوقت ولا الآلة ولا التضخم السكاني ولا...الخ فاذا استطاعت المجتمعات أن ترتب علاقاتها مع خالقها عز وجل فإنه سبحانه يفيض عليهم بالبركات والخير والسداد، والعكس بالعكس قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]
وقد جاء في تفسيرها: «بأنّ الإنسان إذا لم يتبع أوامر الله التي ذكره بها وسميت الأوامر ذكراً لما أودع في فطرة الإنسان من أصولها وجذورها فإنّ له في الدنيا معيشة ضنكاً أي ضيقة وذلك لأنّ أوامر الله سبحانه أكثر ملائمة للحياة فالإعراض عنها يوجب ضيق العيش مادّيّاً وروحيّاً ولذا نرى الكفّار حتّى في أوج ماديّتهم الظاهريّة في أضنك الحالات الروحيّة وأضيق المجالات النفسية» (2).
الإيمان حقيقة وسلوك:
عندما يترفّع الإنسان عن المادّيّات التي تخلده إلى الأرض، ويرتفع بروحه إلى آفاق رحمانيّة رحبة فإنّه سوف يتخلّص من أطر المادة ولغتها وكل مظاهرها.
فإنّه سيعيش الإيمان حقيقة وسلوكا، والإسلام يؤكد على هذا النوع من الإيمان لا الإيمان النظري المجرد من العمل.
الإيمان مع العمل هو حالة الوعي التي يستلهمها الإنسان من تساميه عن المادة، ولذلك يقال عادة إنّ فلاناً قد وفق لهذا العمل ووفق لهذا الأمر وذاك.
ومعنى التوفيق هو اقتراب الإنسان من ربه فيحصل على تسديد منه وتأييد وعناية
وهكذا الإنسان كلما كان نظره منصباً نحو الله عز وجل قبل عمله ومنطقه فإن الله لا يحرمه من العناية والنظرة الراحمة له بل سوف يكون بصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها.
وهو معنى كمال الإيمان جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممن كمل إيمانه" (3).
موقف علي (عليه السلام) في خيبر:
ولذلك لا يمكننا أن نفسّر بعض الأمور الخارقة للعادة إلّا بهذا النوع من التفسير فمثلاً ما روي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لدى فتح خيبر عندما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لأعطينّ الراية غداً رجلاً كرّاراً غير فرّار يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ولا يرجع حتى يفتح الله على يده» (4).
فأعطى النبي (صلى الله عليه وآله) الراية لأمير المؤمنين ع فأخذها وخرج مهرولاً حتى وصل إلى حصن (قموص) فخرج مرحب أقوى رجل فيهم متبختراً من الحصن كعادته مرتجزاً:
قد علمت خيبر أنّي مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرّب
فأقبل امير المؤمنين (عليه السلام) قائلا:
أنا الذي سمّتني أمي حيدره *** ضرغام آجام وليث قسوره
وأراد مرحب أن يضرب الإمام (عليه السلام) فسبقه وضربه ضربة بذي الفقار على رأسه فهلك في الحال ثم قتل (عليه السلام) بعده ربيع بن أبي الحقيق وهو من صناديد اليهود وقتل أيضاً عنتر الخيبريّ من أبطال اليهود المعروف بالشجاعة والقساوة وكذلك قتل مرّة وياسر وأمثالهما من أبطال اليهود. وهرب اليهود إلى حصن قموص وأغلقوا بابه فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى باب القلعة شاهراً سيفه وأخذ ذلك الباب الهائل وهزه وأخرجه من مكانه، فاهتز الحصن هزة شديدة وسقطت صفية بنت حي بن أخطب من على سريرها وأصاب وجهها جرح.
فأخذ الباب وجعله درعاً وحارب القوم به فانهزم اليهود في جحورهم ثم جعل ع الباب قنطرة على الخندق ووقف هو على شرف الخندق فعبر جيش المسلمين عليه ثم أخذه ورماه إلى أربعين ذراعاً فجاء أربعون رجلاً ليحركوه من مكانه فلم يقدروا (5).
يقول ابن أبي الحديد في عينيّته:
يا قالع الباب الذي عن هزّها *** عجزت أكفّ أربعون وأربع
فهذه القوة التي قلع بها باب خيبر قطعاً قوة غيبية يتحلى بها أمير المؤمنين (عليه السلام) لما وصل إليه من مقام عالي الرتبة وفي الفناء في حب الله.
وعلى حد قول المحدّث الشيخ عباس القمي (ره):
«إنّ أمير المؤمنين لم يكن في صدد إظهار معجزة أو خرق العادة في هذه الغزوات والحروب بل هذه الشجاعة والقوة كانت ملازمة لوجوده الشريف غير منفكّة عنه» (6).
وقد عبّر (عليه السلام) عن هذه القوة الغيبية في فتح خيبر فقال:
"والله ما قلعت باب خيبر ودكدكت حصن يهود بقوة جسمانيّة بل بقوة إلهيّة" (7).
فالإيمان الذي وصل إليه أمير المؤمنين هو الذي جعله صفياً لله واختاره الله عز وجل لأمره وجعله وصياً وحافظاً لسر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وكما يعبّر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن إيمان علي (عليه السلام) بقوله في معركة الخندق عندما برز الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لعمرو بن ود العامري، فقال: «برز الإيمان كلّه للشرك كلّه» (8).
فعبّر عن إيمان أمير المؤمنين (عليه السلام) بوجه كلي أي أنّ إيمانه (عليه السلام) يعادل إيمان جميع المسلمين فهذا هو أثر الإخلاص والنظر الدائم لله عز وجل في كل تحرك أو قول.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ألا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله» (9).
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة الهداة (عليهم السلام) من أبرز مصاديق هذا الكلام فكيف لا يكونون أصفياء الله تبارك وتعالى.
مع الوحدة الإسلامية:
يؤكد الإسلام دائماً على مظهر الوحدة والانسجام لأنّها داعية للتآلف والوئام، ونبذ الفرقة الداعية إلى البغض والكراهية بين الأفراد. فلذلك يؤكد الإسلام على صلاة لجماعة وجعلها من المستحبات لمؤكدة، لأنها أحد مظاهر الوحدة.
فعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «فضل الجماعة على الفرد بكل ركعة ألفا ركعة...» (10).
ولذلك نرى خطابات القرآن الحكيم بلغة الجمع في هذا المورد قال تعالى مخاطباً السيدة مريم (عليها السلام): {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43]. وقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29]. وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
والمقصود من الآيات الشريفة هو الحضور مع الجماعة (11).
وكذلك يؤكّد على عيادة المريض والاهتمام به والسؤال عن حاله ومساعدته، فعيادة المريض أيضاً من مظاهر وحدة القلوب وتآلفها.
وكذلك أكد على زيارة المؤمن لأخيه المؤمن بغض النظر عن وجود سبب أو دع للزيارة.
بل أكد على الزيارة الخالصة لوجه الله تعالى.
فإذا كان حب الله هو الجامع لهما فإن ذلك من أرفع الدرجات وأقوى
أواصر الإرتباط ومن أعظم عرى الإيمان لأن الجامع لهما حب الله وهو أمر غير متحول ولا زائل بخلاف ما لو كانت الزيارة لأجل مصلحة أو عمل ما أو للحصول على شيء فبمجرد انتهائه وانقضاء الحاجة أو المصلحة نرى أن العلاقة أيضاً تنتهي معها.
لأنّ أساس العلاقة زائل فإذا تعلق القلب به ثم زال ذلك الأمر زال الحب معه أيضاً وبذلك تنهدم العلاقات ومن أجل هذا دعى الإسلام إلى أن تكون جميع العلاقات قائمة على أساس الحب في الله لكي تستمر العلاقات الاجتماعية جميلة ومتواترة وتسودها المعنويات لا المصالح المادية.
وهو أيضاً سيكون من مظاهر الوحدة التي يهدف إليها الإسلام دائماً ولذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ثلاثة من حلل الله رجل زار أخاه المؤمن في الله فهو زور الله وحق على الله أن يكرم زوره ويعطيه ما سأل".
حيث يشبه زيارة المؤمن لأخيه المؤمن في الله كأنها زيارة لله عز وجل.
وذلك لأنّ ما كان لله سبحانه يكون الله معه تبارك وتعالى، وليس الأمر منحصراً في الزيارات وحدها بل كل تحرك وسلوك يطلب الإسلام أن يكون لله تعالى وفي الله.
وقفة مع سورة الدهر:
سورة الدهر تعكس لنا صورة الإنسان عندما يسمو فيكون أشرف من الملائكة.
قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 5 - 9].
نزلت هذه السورة حينما تصدقت مولاتنا الزهراء وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) في القصة المشهورة وهي أنّ الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) قد مرضا فنذر أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (سلام الله عليهما) إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا، وما معهم شيء فاستقرض أمير المؤمنين (عليه السلام) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطحنت مولاتنا فاطمة (عليها السلام) صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاً الماء وأصبحوا صياماً فلما أمسوا جاءهم يتيم فآثروه وفي الثالثة وقف عليهم أسير ففعلوا مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون من شدة الجوع قال:
ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة (عليها السلام) في محرابها قد التصقت بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرائيل (عليه السلام) وقال: خذها يا محمد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه سورة الدهر (12).
هذه صورة مشرقة تفتخر بها الإنسانية لأنها تعتبر من كمال الإنسان.
نعم إنّ هذا الكمال الذي وصل إليه أهل البيت (عليهم السلام) لن يصل إليه أحد غيرهم.
الكمال الإيماني بالسعي والجهاد:
فعلى الإنسان أن يتأسى بأهل البيت (عليهم السلام) ويتبع خطواتهم في تحركه وسلوكه لكي يكون إيمانه وعمله متطابقاً ولكي يكون عمله من أجل الله فيقترب حينئذ من أصفياء الله وأحبائه.
ولعل أبرز مصداق لهذا الكلام هو سلمان المحمدي (رض) الذي سعى جاهداً لأن يكون في أثر خطى أهل البيت (عليهم السلام) وقد وصل سلمان (رض) إلى درجة من اليقين والكمال حتى تمكن أن يصل إلى علم البلايا والمنايا فهذا بفضل اتباع أئمة الهدى من آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ويكفيه قول النبي (صلى الله عليه وآله): (سلمان منّا أهل البيت) وفي هذا المضمار قال الشيخ صالح التميمي:
قيل لي هل مدحت سلمان يوما *** قلت مدح النبي يغنيه عنّا
هل يفيد المديح من قال فيه *** سيد المرسلين سلمان منّا
وقال الآخر:
أيا سلمان يا من حاز فخراً *** وعمّ الناس إحساناً ومنّا
ونال بخدمة المختار طه *** وعترته الأكارم ما تمنّى
لقد فقت الورى شرفاً وفخراً *** بقول المصطفى سلمان منّا
صور من حياة سلمان (رض):
قال الإمام الباقر (عليه السلام): جلس جماعة من أصحاب رسول الله ص ينتسبون ويفتخرون وفيهم سلمان. فقال عمر: ما نسبك يا سلمان وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله بمحمد، وكنت عائلاً فأغناني الله بمحمد، وكنت مملوكاً فأعتقني الله بمحمد، فهذا حسبي ونسبي يا عمر.
ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكر له سلمان ما قال عمر وما أجابه، فقال رسول الله: «يا معشر قريش إنّ حسب المرء دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] ثم أقبل على سلمان فقال له: «إنّه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلاً بتقوى الله عز وجل، فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه» (13).
وعن الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: «وقع بين سلمان الفارسيّ رضي الله عنه، وبين رجل كلام وخصومة، فقال له الرجل: من أنت يا سلمان؟ فقال سلمان: أمّا أوّلي وأوّلك فنطفة قذرة وأمّا آخري وآخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة، ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ومن خف ميزانه فهو اللئيم» (14) ...
الصلاة ضيافة الله:
لماذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديثه الشريف: «ورجل صلى ثم عقب إلى الصلاة فهو ضيف الله..»؟
ولماذا كان المصلّي ضيف الله؟ لا سيّما الذي يصل الصلاة بالصلاة الأخرى عبر الاذكار والأدعية والاستغفار وغيره والتي عبّر عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ب(عقب) أي التعقيبات؟ ذلك لأنّ الصلاة هي البرنامج الروحي للإنسان الذي يبقى ملازماً له حتى الموت، فدائماً يعيش الإنسان روحانية الصلاة ويحصل على ألطاف غيبية وعناية ربانية وبركات روحية ومادية منها. فالصلاة تعبّئ الإنسان بالمعنويات التي يحتاجها أبداً وتوثق علاقته بربه. ولذلك قيل: إنّ الصلاة علاقة العبد بربه وأقرب طريق للوصول إلى الله عز وجل، قال الإمام الصادق (عليه السلام):
«هذه الصلوات الخمس المفروضات من أقامهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة» (15).
والتعقيب بعد الصلاة هو الرابط الروحي الآخر مع الله عز وجل وهو الذي لا يجعل الإنسان مغموساً في الأمور الجانبية بعيداً عن ذكر الله عز وجل لذلك فالتعقيب منبه دائم للإنسان ليجعله مشدوداً نحو الله تعالى.
وللتعقيب من الفضل ما لا يذكر ولا يحصى.
ولا سيما التعقيب المتّصل بالصلاة.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من صلّى فجلس في مصلّاه إلى طلوع الشمس كان له ستراً من النار» (16).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» (17).
فالذكر المتواصل يجلي القلوب ويذهب بكدورتها وظلمتها ويجعلها تنشرح وتنفتح للإيمان وكان هذا من دأب الأئمة (عليهم السلام).
شذرات من عبادة الإمام الكاظم (عليه السلام):
فعن أحمد بن عبد الله القروي عن أبيه قال: "دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: أدن فدنوت حتى حاذيته قال لي: أشرف إلى البيت في الدار، فأشرفت فقال: ما ترى في البيت؟
قلت ثوباً مطروحاً، فقال: أنظر حسناً، فنظرت بتأمل فتيقنت، فقلت رجل ساجد. فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا.
قال: هذا مولاك، قلت: ومن مولاي، فقال: تتجاهل عليّ؟
فقلت: ما أتجاهل ولكنّي لا أعرف لي مولى.
فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) إنّي أتفقّده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلّا على الحالة التي أخبرك بها.
إنّه يصلي الفجر فيعقّب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتّى تزول الشمس وقد وكّل من يترصّد الزوال فلست أدري متى يقول الغلام قد زالت الشمس إذ يثب فيبتدىء بالصلاة من غير أن يجدّد وضوء فأعلم أنّه لم ينم في سجوده ولا أغفى فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة فإذا صلى العتمة أفطر على شويء يؤتى به ثم يجدّد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست أدري متى يقول الغلام إنّ الفجر قد طلع إذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول إلي
فقلت: اتّقِ الله ولا تحدثنّ في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة.." (18).
فأئمتنا (عليهم السلام) روّاد هذا الطريق لأنّه طريق ضيافة الله عز وجل كما عبّر عنه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لأنّ الإنسان عندما يبقى في محرابه أو مصلاه منتظراً الصلاة وكأنّه في بيت الله عزّ وجلّ ينتظر فيضه وكرمه فحق على الله أن يكون ضيفه ويعطيه ما سأله.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
"المنتظر وقت الصلاة بعد الصلاة من زوار الله عز وجل وحق على الله تعالى أن يكرم زائره وأن يعطيه ما سأل" (19).
ولقد دعى القرآن الحكيم إلى المواظبة على التعقيب فقال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8].
قال العلامة المجلسي في البحار: إنّ المعنى إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب في الدعاء و (إليه فارغب) في المسألة وهو المروي عن الصادقين (عليهما السلام).
وفي مجمع البيان قال الإمام الصادق (عليه السلام) هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس واستدل بالفاء (فانصب) على الاشتغال به بغير فصل (20).
وجاء في تفسير الصافي عن الصادق (عليه السلام) قال: فإذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصيّك فأعلمهم فضله علانية فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه وذلك حيث أعلم بموته ونعيت إليه نفسه.. (21).
ولقد جرت العادة في أنّ الذين يفدون على الملوك أو على غيرهم من أصحاب الجود يجلون ويكرمون فالوجيه الكريم يجل الوافدين إليه ويكرمهم ويجلسهم في أفضل مجلس ويطعمهم من أفضل الأطعمة وهذا الأمر مشهور سيما عند العرب، فكيف الحال عندما يكون الإنسان موفداً على الله عز وجل صاحب النعم اللامتناهية والرحمة الواسعة والعطاء غير النافد..
الجمع بين الصلاتين:
لعلّه يرد سؤال حول التعقيب بعد الصلاة المتصل بالصلاة الأخرى حيث يوحي أنّ هناك فصلاً واسعاً بين الصلوات؟ والحال أنّنا نجمع بين الصلاتين، فالسؤال هو كيف يمكن أن نستدل على صحة الجمع بين الصلوات وهناك أخبار ربما يستظهر منها الفصل بين الصلوات كما هي أخبار التعقيب مثلاً؟ نقول إنّ من المقرّر أنّ فعل الرسول (صلى الله عليه وآله) وقوله وتقريره حجة علينا والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان قد جمع بين الصلوات من غير اضطرار بل في حالات الاختيار ففعله هذا يجوز لنا الجمع لأن فعله حجة كما هو مقرر عند جميع المسلمين وقد وردت أخبار كثيرة على أن رسول الله ص قد جمع بين الصلاتين فمثلاً:
عن ابن عباس قال صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر.
وكذا عن معاذ قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً (22). وغيرها من الأخبار الكثيرة التي تدل على جواز الجمع بين الصلاتين وأنّه مشروع والحكمة فيه هي التوسعة على الأمة وعدم إحراجها بسبب التفريق؛ فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سفر فقال له عمر: أحدث في الصلاة شيء؟ قال (صلى الله عليه وآله): لا ولكن أردت أن أوسع على أمتي» (23).
الحاج والمعتمر وفد الله:
لقد ذكر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حديثه «الحاج والمعتمر فهما وفد الله وحق على الله أن يكرم وفده» والحج من أبرز مظاهر التعلق باله والحب فيه والاقتراب منه، وكذلك الحج مظهر عظيم من مظاهر الوحدة الإسلامية وأيضاً من أعظم العبادات التي تقرب الإنسان كثيراً من ربه عز وجل، وحقاً هو من أبرز مصاديق الضيافة.
فالحاج يفد إلى بيت الله الحرام الكعبة المقدسة من أماكن بعيدة ونائية ويؤدي تلك العبادات الشريفة التي ترفع من معنوياته وتزيد إيمانه. ولذلك حقاً يكون مصداقاً واضحاً للضيافة وحق على الله أن يكرم ضيوفه الحجاج بمزيد من العناية والنظرة الراحمة واستجابة الدعوات وغفران الذنوب.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "النظر إلى الكعبة حباً لها يهدم الخطايا هدما" (24).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «من نظر إلى الكعبة لم يزل تكتب له حسنة وتمحى عنه سيئة حتى يصرف ببصره عنها» (25).
فكيف بالذي يقوم بواجبات الحج من صلاة وطواف ونحر وغيرها مع الدعاء والتضرّع والتوسّل، كيف لا يكون تحت عناية الله وفي أمان الله فإن ذلك مقتضى ضيافة الله لعبده والمتوسّل به وهيهات أن يرد الله من تعبّأ وتهيّأ وتحمل المشاق والسفر والعناء من أجل لقاء الله.
فهيهات أن يعرض الله عز وجل عنه وقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) هذا الدعاء في يوم العيد: "اللهم منتهياً في هذا اليوم أو تعبا أو أعد أو استعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده ونوافله وفواضله وعطاياه فإنّ إليك يا سيدي تهيئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك وفواضلك وفضائلك وعطاياك..."(26).
وعن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: كان أبي إذا استقبل الميزاب (يعني أمام الكعبة) قال: «اللهم أعتق رقبتي من النار وأوسع عليّ من رزقك الحلال وادرأ عنّي شرّ فسقة الجنة والإنس وأدخلني الجنّة برحمتك» (27).
ولأنّ الحج دائماً يكون لله وفي الله فهو من الطرق القريبة جداً التي يسلكها العبد للوصول إلى ربّه.
وكذلك الصلاة وكل عمل يكون خالصاً لوجه الله تعالى.
فالمؤمن الذي يجعل الله نصب عينيه ويجعله هدفه الذي إليه يسعى وإلى رضاه يكدح فإن الله سبحانه سوف يكرمه ويجله ويكسبه حلله الإلهية المفعمة بالرحمة والخير والبركة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تحف العقول: ص 14.
(2) تقريب القرآن إلى الأذهان: ج 6، ص 145، ط ـ بيروت.
(3) الكافي: ج2، ص 124، باب الحب في الله حديث 1، ط 3.
(4) منتهى الآمال: ج1، ص 160، ط ـ إيران.
(5) المصدر نفسه، ص 160 ـ 161.
(6) المصدر نفسه: ص 300.
(7) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20، ص 316، ح 626.
(8) البحار: ج 20، ص 273، باب غزوة الأحزاب حديث 27 ط بيروت.
(9) الكافي: ج2، ص125، باب الحب في لله، حديث 3، ط 3.
(10) البحار: ج 85، ص 4، كتاب الصلاة حديث 4 ط بيروت.
(11) تفسير مجمع البيان: المجلد الرابع ص 411.
(12) فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد، ص 242 نقلاً من البحار.
(13) البحار: ج 70، ص289، حديث23.
(14) البحار: ج 22، ص 355، حديث 1، باب 11.
(15) البحار: ج 80، ص 17، باب الحث على المحافظة على الصلوات حديث 28 ط بيروت.
(16) البحار: ج 82، ص 315، باب فضل التعقيب ط بيروت.
(17) المصدر نفسه.
(18) البحار: ج82، ص 317 ـ 318، باب فضل التعقيب حديث.
(19) المصدر نفسه: ص318، ح 2.
(20) راجع البحار: ج82، ص 313 ـ 314، لزيادة لتفصيل.
(21) تفسير الصافي: ج 2، ص 830، ط ـ إيران.
(22) الكنى والألقاب: ح 1، ص 170.
(23) الإمام الصادق (عليه السلام) والمذاهب الأربعة: ج 6، ص 535، ط ـ بيروت.
(24) وسائل الشيعة: ج 9، ص 365، باب 29، ح 9.
(25) المصدر نفسه: ص 364، ح 6.
(26) مفاتيح الجنان: ص 245.
(27) الحاج في الحرمين ـ للمؤلف: ص 231، ط 2 الكويت.