x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
العائلة بين أمواج المشاعر الهادرة
المؤلف: د. رضا باك نجاد
المصدر: الواجبات الزوجيّة للرجل في الإسلام
الجزء والصفحة: ص112 ــ 123
2023-03-05
1155
ابدأ بما تعول.. شعار حياة منهجية متوازنة.
بسم الله الرحمن الرحيم.
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 1 - 5].
كان أبو لهب الملعون رجلاً ثرياً يأكل الربا، وفضلاً عن أنه لم يكن يوفر لزوجته وسائل الراحة والرفاهية فإنه كان يستخدمها كحمال بدل استئجار الرجال وكان يجبر زوجته على الاستفادة من الحبال المصنوعة من جريد النخل التي هي أرخص سعرا من غيرها.
إن الله وهو أرحم الراحمين ينظر بعين الرحمة حتى لزوجة أبي لهب السيئة الصيت المرابية، فهل تضع أنت أصدقاءك في صف من يعاديك.. لم يراعِ أبو لهب نظرية (ابدأ بما تعول)، فنزلت في لعنه وتوبيخه سورة كاملة وجاء اسمه، وهو الوحيد الذي ذكر من الصحابة الهاشميين في القرآن الكريم، مقرونا باللعنة في الكتاب العزيز.
لا شك أن النظرية القائلة بضرورة عدم تجاهل المصلحة العامة مقبولة، ويرى قسم من علماء الاجتماع بأن الحركة الاصلاحية في المجتمع تينع ثمارها إذا ما أصلح كل من أفراد المجتمع نفسه، أي تكون انطلاقة اصلاح المجتمع من الأفراد واحدا واحداً. ويرى القسم الثاني من هؤلاء العلماء بأن المجتمع إذا صلح أمره صلح أمر الأفراد.
غير أن القرآن الكريم يعتبر عنصر الوسط بين الاثنين (المجتمع والفرد) والمتمثل ب (العائلة) هو اللبنة الرئيسة لاصلاح المجتمع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، ورب العائلة قادر على الاصلاح كما يفهم من الآية المباركة فإن الهدف المنشود في تحقيق الاصلاح والمصلحة العامة يرتكز على العائلة.
تحمل الزوجة عادة جملة من الأحاسيس والهواجس تتعلق بارتباطها وصلتها بوالديها؛ فبعض الأزواج يتصورون بأن تردد زوجاتهم على بيوت والديهن يخرج بيت الزوجية عن حالته الطبيعية ويجعل الزوجة تفكر وتميل لمراحل الطفولة وكل ما يذكرها بالفترة التي كانت في كنف أمها وأبيها مما قد يجعلها تثور بوجه الزوج لأي سبب كان، لكن حقيقة الأمر هي أنه لا وجود لفعل أو عمل في الدنيا بل وحتى في الآخرة إلا ويكون مشروطاً أو مرتبطاً بعوامل متعددة؛ فما من مكروه يرتكب أو مستحب يؤدي إلا وله صلة بالسن والشغل والتربية وطهارة المولد أو عدم طهارة المولد وغير ذلك من العوامل. وعلى هذا فإن تردد العروس على بيت أمها وأبيها مرتبط بعوامل أولها عدد أخواتها ووضعهن فإن كانت الأم قد زوّجهتن كلهن فاحتمال إثارة الماضي وتأليب الأوضاع تكون نسبته عالية أما إذا كانت الأخوات لا زلن في البيت ولم يتزوجن بعد فإن الأم - وكذلك الأب - لن تقدم على تحريض ابنتها المتزوجة ضد زوجها تحسباً من أن يذيع لها صيت سيء بين الناس ويمتنع الشباب بسبب ذلك عن خطبة بناتها وتأخرهن في دخول القفص الذهبي. أما إذا لم تكن لدى الأم سوى بنت واحدة أو بنتان فقط ولا أخ لهما؛ حيث الدور الذي تمارسه الأم بصفتها والدة العروس غير الذي تمارسه بصفتها والدة العريس علماً أن ممارسة دور والدة العريس يفوق في أهميته ممارسة دور أم العروس، فإنها ستكون في هذه الحال أصعب على صهرها لأن همتها وجل تفكيرها ينصب في قالب دور والدة العروس ويزداد فيها حب السيطرة والتسلط فتندفع لتلقين ابنتها وإثارتها بما يهيج الأوضاع في بيت صهرها. بيد أن ذلك مرتبط أيضاً بمستوى إيمانها إذ أن الأم المتمسكة بالإسلام والمؤمنة لن تتخلى ولو عن الحد الأدنى من العلاقات والتعامل الإنساني مهما كانت مغرورة وحتى لو لم يفعل صهرها لابنتها ما فعله ابنها لكنتها، ولو كانت والدة العروس قد سيطرت عليها الرغبات الدنيوية وشكل الغرور السمة الغالبة في شخصيتها فإن أذية الصهر سيمثل جزءا لا يتجزأ عن برنامجها اليومي حتى يصير بالنسبة لها نوعاً من التسلية.
يعتبر عدد البنات أو الأبناء ومقدار الإيمان ومستوى الذكاء والتعامل الإنساني ونوع التربية المصحوبة عادة بالتشجيع والتوبيخ مما تتذرع به أم الزوجة ضد صهرها لكنها في نفس الوقت لا يروقها إقامة بنتها عندها بعد الزواج؛ فخوفاً من تجاهل الصهر لابنتها أو ارجاعها إلى حيث نشأت تظهر الأم التي كان تزويج بناتها شغلها الشاغل من قبل عدم رضاها عن بقاء ابنتها في بيتها ولا حتى ليوم واحد وتفصح في تعاملها معها عن صورة غير التي كانت تراها البنت في أمها أيام الصغر. فبعد مضي يوم أو يومين على بقاء البنت في بيت أمها، تتمارض الأم أو تبدو وكأنها غير منسجمة مع ابنتها أو تظهر منها الحالتان معاً فمرة تزعق بوجه أحفادها أو تضربهم وأخرى لا تجالس ابنتها وثالثة تترك الطبخ وغسل الأواني وهكذا.
وأخيراً تعود البنت إلى بيت زوجها، تسعى لأن تظهر بمظهر القديسة الذائبة في زوجها من جهة ومن جهة أخرى تندفع تلقائياً إلى التحدث عن مرض - غير حقيقي - أصيبت به أمها ونجابة وتفاني أمها رغم ما ألم بها وكل ذلك حتى لا يعرف الزوج شيئاً عن دوافع ظهورها بمظهر الذائب فيه والمعاملة التي قوبلت بها من أمها، لكن هذه الحالة لا تدوم طويلاً بل هي أقصر من سابقتها وقتاً، أي أن البنت إذا دام بقاؤها في بيت والدتها شهرا فإن حالة ذوبانها في زوجها وملائكيتها لن تتجاوز الأسبوع إن لم يكن أقل من ذلك. إن اختبار القوة هذا بين الأم وابنتها ينتهي دوماً لصالح الأم حينما تظهر بمظهر الضعيفة المستكينة وتشعر البنت بذلك أما إذا كان عودة البنت الوحيدة لبيت زوجها ناجماً فقط عن عدم الانسجام بين الطرفين فإن الأم حينها لن تكون هي المنتصرة دوماً لأن الصهر سينتبه عندها لطعنات وإهانة والدة الزوجة لزوجته وأطفالها وحينها لن يكون تمرده وثورته على الوضع لصالح والدة الزوجة ولا حتى لصالح الزوجة، وإذا ما أردنا الحل لهذا الحال فسيأتي الجواب بأن الإيمان بالله تعالى هو الوحيد القادر على مسك عصا التوازن من الوسط وتحقيق ما يرضيه سبحانه وتعالى وكافة الأطراف. هنيئاً لأم الزوجة، هنيئاً للصهر وهنيئاً للعروس إذا ما كانت لهم حصة في هذا الكنز العظيم الموصل لرضاه (جل وعلا) والا فإن حصة الأكل والغذاء أو الجسد تخضع للأبعاد المادية فإذا كانت قليلة صارت مصدرا للغم والهم وإذا كانت كثيرة جداً صارت تعارض التسامي الذي يستشعره كل من الثلاثة، لكن الحقيقة الأكيدة هي أنه لا وجود لسرور أو غم دائم.
إن أم الزوجة إما أن تكون أسيرة لابنتها أو منافستها وضرتها أو معينة لها أو المغيرة لحياتها، لكن حدة كل من تلك الحالات تتغير وفقاً للظروف فأم العروس التي يقدم ابنها على الزواج تفضل الانتقال لممارسة دور أم العريس لإحساسها بأنه أكبر شأناً وأليق بها فضلاً عن احساسها بأنها ستفقد حالة التفرد بابنها بعد دخول البنت في حياته، ولذا فإن الصهر الذي يقدم أخو زوجته على الزواج يستشعر شيئاً من الراحة وهفوت الغبار الذي كانت تثيره أم الزوجة ويدرك أن قسماً من قوانين الغاب بدأت تطبق في بيت آخر متحولة عن بيته.
يسعى الرجال في الدرجة الأولى إلى تجنب طريق أم الزوجة المتذرعة بكل صغيرة وكبيرة وكذلك الوالدة التي على خلاف دائم مع كنتها، لكن الزواج الذي هو أمر مقدس تحد المرأة فيه من كل جانب حدود الزوج ووالدته في حين يحد الرجل من الشمال والجنوب والدة زوجته ووالدته ومن الشرق والغرب حدود مختلف شرائح المجتمع، علماً أن القيود الحياتية أشد وطأة على الرجل مما هي على المرأة وهو في الواقع مصداق للمختار في الجبر. إن ميزة الاختيار تضطره إلى بذل جهود مضنية بغية الحفاظ على البيت والزوجة والأولاد وهي في نفس الوقت ركيزة يشيد عليها صرح مستقبل سليم، حينها استطاع الزوج بواسطة الاختيار والتعامل المنطقي تجاوز الحالات غير الممدوحة الصادرة عن والدته أو أم الزوجة دون أن يسمح بضياع حق أي من الأطراف، لاحق الوالدة الذي هو أعظم الحقوق ولاحق أم الزوجة التي أخذ عصمة ابنتها بيده. لا يمكن للعريس أن يؤدي حقوق الوالدة حسبما يريد وغرامة زواج الابن تفوق دوماً غرامة زواج البنت؛ صحيح أن البنت تدفع غرامة صيرورتها أنثى عبر تسليم جسدها والقيام بأعمال البيت ومداراة الأطفال إلا أن الرجل مسؤول عن دفع المهر والنفقة والإشراف على الطريق الذي تسلكه العائلة في الحياة وكذلك تحصيل الأولاد الدراسي وعملهم وهكذا. وفي وصف آخر يمكن القول بأن البنت مسؤولة عن دفع غرامة صيد العريس والزوج مسؤول عن دفع غرامة صيد الحياة. وإن كنت أيها الرجل تريد أن تكون لك كلمة الفصل فاعلم أن ذلك منوطاً بحسن نواياك؛ فحسن النية يخزي الشيطان ويردم الهوة العميقة المحتملة بين العائلتين.. أليس من الاجحاف أن تكون الأم عبدة لحق مشروع لها على ابنها؟ وأن تصير العروس عبدة لحق لها في عاتق زوجها؟ ولذا فإن كل حق تتضح معالمه ويدخل حيز التنفيذ فهو تكليف وعلى هذا فالحق يمتلك والتكليف يؤدى، ثم إن حق الأم وحق الزوجة كلاهما لك وعليك في آن واحد ولصالحهما، أما تكليف الأم وتكليف الزوجة فكلاهما ليس بصالحهما وحق الرجل عليهما ينصب في صالحه، وتوضيح ذلك في أن الزوج ووالدته وزوجته لو وقفوا جميعا في مقابل العدالة الإلهية فإن الزوج هو المدان في مجال المسؤوليات التي لم يجرِ تنفيذها، فالزوج مدان لأنه الحاكم والمسؤول في المنزل.
تمعن في سيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وكيف هو تعامله مع حتى الضرّات من نسائه.. ذكر النبي (صلى الله عليه وآله)، خديجة (عليها السلام)، يوماً وهو عند نسائه فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك؟ عجوز حمراء من عجائز بني أسد.
فقال (صلى الله عليه وآله): صدّقتني إذ كذبتم، وآمنت بي إذ كفرتم وولدت لي إذ عقمتم. قالت عائشة: فما زلت أتقرب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بذكرها)(1) .
أنت أيضاً أيها الزوج، عليك أن تكون مملوءاً بالإحسان في مقابل والدتك ومفعماً بالمحبة والود إزاء زوجتك، وإذ ذاك تكون قد امتثلت للقرآن المجيد: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
إن الأم لا تفكر بالعدل ولا تنشد الانصاف وإنما تتطلع للإحسان.. نعم على الابن أن يقابل حتى إساءة الأم بالإحسان أي يتخلق كما أوصى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، بـ(أخلاق الله)، فهو المحسن وهو الرحمن وهو الرحيم وهو المانح عباده الحياة والذرية والنور رغم ركوبهم المعصية. أما الزوجة فكلمة الحب تخترق القلب كالسهم وتستقر فيه حاملة معها حلاوة العسل، إنها تأنس بلفظة (أحبكِ)، حتى لو صدرت من الزوج كذباً بينما الزوج لا يستطيع قبولها إن كانت كاذبة.
من هذا المنطلق فإن السبيل الوحيد لتخطي الزوج المشكلة المقلقة والمؤلمة بين الوالدة والزوجة اللتين عولتا عليه في حل العقدة وبذر الألفة بينهما يكمن في الإحسان للأولى ومقابلة الثانية بالمحبة، وإن أي اخفاق في حل المعضلة مرده إلى قصور أو تقصير في الزوج فتلك أم وقلبها معلق بالابن - وهو الزوج - وهذه زوجة وأملها في الزوج أي أن الزوج هو العامل المشترك بينهما. إن عجلة الحياة الدوارة لتغلب الناس على أمرهم وهي تتحرك كالسيل الهادر ولا يمكن لأحد أن يحيى دون آلام وهموم سوى الأموات، وليس كل الأموات بل الذين لم يتسببوا في أذية الآخرين وعلى هذا فإن تعايش وتآلف الوالدة والزوجة رهن خطوة عاقلة مصحوبة بنية حسنة ومن ينفي ذلك ويقول (لا أستطيع فعل شيء بشأن القضية العالقة بين الوالدة والزوجة)، فكيف له تحقيق النجاح في باقي القضايا مع عموم الناس الذين لا هم بمثابة الأم حيث هي رمز الحنان ولا هم بمنزلة الزوجة حيث التعلق بالزوج.
إن أسوأ أمهات الأزواج هن اللاتي يثرن أحفادهن وهم في سن البلوغ والدراسة ضد أمهاتهم، وفي الحال هذه يكون دور الأب متباينا وفقاً لمدى ارتباط والدته بالله (جل وعلا)، وأوامره ونواهيه فإن كان التمسك بتعاليم الإسلام سائداً في بيت الوالدة فما أفضل للابن الزوج أن يمارس دور الأنبياء (عليهم السلام)، فيبادر للموعظة والانذار والتذكير بأن النار عاقبة من لم يراعِ الأوامر الإلهية ويحذر الوالدة من مغبة اشعال الفتنة وبذر الفرقة بين أبناء العائلة الواحدة، وإن هو ناور بصورة ذكية في هذا المجال فسيكون النجاح حليفه بالتأكيد، وإلا تجرأ الأولاد بعد سنوات على ظلم والدتهم والتعامل بقساوة معها وسيشعلون ناراً لن يكون الأب بمأمن من دخانها.
والأسوأ من أمهات الأزواج تلك، أمهّات الزوجات اللاتي يحرضن أحفادهن بالقول (خذوا حقكم من أبيكم.. هذا هو أبوكم الذي صرف ويصرف وقته لانجاز أعمال الناس الغرباء تاركاً إياكم دون أن يلتفت إلى أحوالكم ويؤمن احتياجاتكم.. يضربكم ولا يعطيكم مصروفكم اليومي.. لا يشتري لكم الملابس ولا يوصي المعلم بكم. إنه لا يهتم بكم...، وهذا النموذج من أمهات الزوجات يغفل عن أن الأولاد إذا شعروا مع مرور الوقت بحنان وعطف والدهم عليهم فستظهر منهم ردة فعل شديدة إزاء الأم وسيتسببون في نشوء فتور وزعزعة بالعلاقة بين عائلة الصهر وعائلة الكنة، وإذا اتسم الأب والأم باللامبالاة في معالجة الأمور ساد منهج اللامبالاة كل العائلة سواء على الصعيد الداخلي أم على الصعيد الخارجي. أما إذا كان الأب على ما وصفته عائلة الأم متسماً بالحيونة فسرعان ما سيؤول حال العائلة إلى الحال الذي يعيش فيها الأولاد إجبارياً مع زوج أمهم أو زوجة أبيهم، وبما أن دور الأب يفتقر هنا لحسن النية مع الأسف فإن الأم لا تستطيع استمالة والدتها لصالح عائلتها كما هو مطلوب ومنشود. إن سلوك الزوج - زوج الأم- مع امرأته وتعامله معها بمنتهى المحبة والود يدفع الزوجة إلى تصوير مشاهد محبوبة عن الوضع العائلي لوالدتها التي يلين موقفها عند ذاك ولو من أجل ابنتها، وما أفضل ذلك لو كان لوجه الله تعالى إذ عودة الأيام واللحظات السعيدة والهانئة أفيد وأحب للنفس والقلب من التعثر بأيام مظلمة والانغماس في وحل النفاق.
اعلم أيها الرجل! إنها مهمتك ووظيفتك.. عليك أن تكون متزناً في مقابل الوضع العائلي الهش الذي تسببت والدة الزوجة بظهوره وضيقت فيه الخناق على حياتك، عليك أن تخلق حالة من التعادل على مختلف الأصعدة دون أن تقلق زوجتك أو تفعل ما لا يرضي الله تعالى ولن يكون ذلك بصعب عليك إذا ما كان العقل والتدبير والحنكة سلاحك.
أعتقد أن حل مشاكل أم الزوج منوط بالثروة الأخلاقية التي يمتلكها الان المتزوج، لكن المشاكل الصادرة عن أم الزوجة أكثر تنوعاً وتشعباً والسبب في ذلك أن الزوجة ووالدتها تشتركان في عنصرهما الأنثوي الذي ثبت بالتجارب أنه عظيم التنوع فلو أريد تقسيم خمسين رجلاً على مجاميع وصنفوا في عشر مجاميع وفقاً لخصال معينة فإن النساء الخمسين سيصنفن وفقاً لنفس الخصال في أكثر من عشر مجاميع كما أن الحديث الذي يدور في مجلس الرجال الخمسين أقل تنوعاً منه فيما يدور بين النساء الخمسين في مجلسهن، والعجيب أن الرجل يستطيع حين التحدث أن يستمع ويفهم فقط قسماً من حديث مخاطبه أو حديث شخصين وربما ثلاثة كحد أقصى في ذلك المجلس في حين بإمكان المرأة احتواء كل ما تقوله مخاطبتها فضلاً عن قدرتها على أن تلتقط في نفس الوقت ما تتحدث به بعض النسوة الحاضرات.. على كل حال وبصفتي كمؤلف أقول: أن التغلب على المشاكل الناجمة عن تصرفات أم الزوجة يرتكز إلى أسس مادية أكثر مما هو عليه الحال في المشاكل الناجمة عن العلاقة بين الزوجة وأم الزوج، ولا بد من الاهتمام بهذه الأسس المادية لكونها وسيلة لحل معظم تلك المشاكل.
في الوقت ذاته، لا تحظى أمهات الزوجات المثيرات للمشاكل بمكانة محبوبة لدى بناتهن رغم أن العادة جرت على أن يكون قول وفعل الأم سنة بالنسبة للبنت بل وتلقي هذه السُنة أحياناً بظلالها على سنة الرسول الأكرم والأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين)، وإن الزوجة إذا مارست دور المذيع لنشاطات الزوج لم تحقق تلك النشاطات سواء على صعيد العائلة أو خارجها النجاح المنشود بسبب محاولات والدتها الرامية لفرض كلمتها أو سيطرتها بشكل أو بآخر وعندها ترغب أم الزوجة بأن توصف أمام النسوة اللاتي يعتبرن أنفسهن أفضل منها بأنها (بطلة) على أن احتواء هذا الوضع ممكن عبر ايحاء لوالدة زوجته بأنه يعيش مع من يفوقها نزعة سلطوية - أي الزوجة - بل يكون حينئذ ذا خطوة عند والدة الزوجة، أما إذا استطاع الصهر تخصيص مكان الوالدة زوجته في حياته أو أن يوعدها بمنزلة تشرف بها على كنه ما يجري في عوائل الأقارب فإن ذلك سيساعده إلى حد كبير في التغلب على المشاكل العالقة ذات الطابع المادي.
إنني آمل من رب العائلة وقبل أن يفكر ويشغل باله بتصرفات أمه وتصرفات زوجته وأمها، آمل منه أن يفكر بالحياة والتعايش ويقر بوجود الآلام والهموم كحالة طبيعية للحياة لا أن يعتبرها المصير المكتوب على جبينه فالسيئة التي تصيب الإنسان إنما هي من نفسه كما صرح بذلك القرآن الكريم: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، لا أن يعتبر ويرى بيته محلاً للآلام والهموم ويبري تذمره من هذا الوضع حتى يصل به الحد إلى التساؤل أن لماذا لم تحل هذه الآلام والهموم البيت المجاور؟ ويشطح الخيال السلبي بهذا النموذج ليتساءل: لماذا يكون منشأ الهموم في بيتنا؟ ولم لا يكون بيتنا محلاً لدفن تلك الهموم؟ ولم لا يكون نموها في بيت الجيران؟ عليه أن لا ينحي باللائمة على جاره مثلاً ذاكرا معايبه أو ملصقاً به التهم والافتراءات: انظر! كيف هو متكبر؟ إنه يستخف بتعاملنا الودي معه.. إنه كذاب.. إنه يعتبر عدوي صديقاً له، وهكذا متناسياً مساوئه وإن صدرت منه نفس تلك الأفعال اعتبرها صحيحة ولا غبار عليها، وبعبارة أخرى كان موقفه من تلك الأفعال كمثل اللعاب في الفم فهو حلو المذاق طالما ظل في الفم أما إذا بصقه وخرج من الفم كان مما يقزز.
والمخرج من ذلك هو الارتباط بالله تعالى، حيث يتخلص الإنسان من الشعور بالعجب عندما يوثق علاقته به سبحانه وتعالى وليس ذلك بقليل خاصة إذا ما عرفنا جزاء التطهر من العجب بالنفس والارتضاء لها دون غيرها بما تريد وتحب..
يقول (جل وعلا): {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
لكن بماذا ينفعه التطهر من درن المعصية بالتوبة ثم لا يتورع عن ارتكابها ثانية وثالثة حاله في ذلك حال من يتخلص من الفضلات والجراحة ثم يرفعها ليتناولها أو يلطخ بها جسده!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ بحار الأنوار: ج16، باب5، ص8.