تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
قطة شرودنجر
المؤلف: جون جريبين
المصدر: البحث عن قطة شرودنجر ( فيزياء الكم والواقع )
الجزء والصفحة: ص15 – ص18
11-1-2023
1188
إن القطة المتضمنة في عنوان هذا الكتاب حيوان خرافي، أما شرودنجر فشخصيةٌ حقيقية. كان إرفين شرودنجر عالًما نمساويٍّا ساعد في منتصف عشرينيات القرن العشرين في وضع معادلات فرع من العلوم معروف الآن باسم ميكانيكا الكمَ. بيد أن تعبري «فرع َ من العلوم» ليس بالتعبير الصحيح هنا؛ لأن ميكانيكا الكم توفِّر الركيزة الأساسية لكل َ العلوم الحديثة. تصف هذه المعادلات سلوك الأجسام المتناهية الصغر — التي في حجم الذرات أو أصغر — وتزودنا أيضا بالطريقة الوحيدة لفهم عالَم الأشياء المتناهية في الصغر. ومن دون هذه المعادلات لم يكن للفيزيائيين أن يُّصمموا محطات الطاقة النووية العاملة (أو القنابل النووية)، أو أن يحصلوا على أشعة الليزر، أو حتى أن يفسروا كيف تحتفظ الشمس بسخونتها ولولا ميكانيكا الكم لظلَّت الكيمياء في عصورها المظلمة، ولولا ظهور علم البيولوجيا الجزيئية لما فهمنا قط الحمض النووي أو الهندسة الوراثية.
تمثل ميكانيكا الكم أعظم إنجازات العلم، وهي أهم بكثير من النظرية النسبية، وذات استخدامات مباشرة وعملية أكثر منها. ومع ذلك، فقد قدمت بعض التنبؤات الغريبة للغاية. وفي الواقع، تتسم ميكانيكا الكم ِ بالغرابة الشديدة، لدرجة أن ألبرت أينشتاين وجدها مبهمةً وغير مفهومة، ورفض أن يتقبَّل كل النتائج والآثار التي ساقها شرودنجر وزملاؤه بشأن َ النظرية. وجد أينشتاين وعلماءُ كثيرون غيره أنه من الأسلم الاعتقاد أن معادلات ميكانيكا ً تمثل ببساطة نوع ِ من الحيَل الرياضية، الأمر الذي تصادف أنه قدم سبيلا عمليا معقولا يرشدنا إلى سلوك الجسيمات الذرية ودون الذرية، لكنه يخفي حقيقةً َ أعمق تتوافق ٍ بصورة َ أقرب َ مع إدراكنا المعتاد للواقع. ذلك أن ميكانيكا الكم تنادي بأنه لا يوجد شيءٌ حقيقي، وبأننا لا يمكننا أن ندلو بدلونا في سلوك الأشياء ما دمنا لا نشاهدها بأعيننا. وقد استِخدمت قطة شرودنجر الخرافية لتوضيح الفرق بين العالَم الكمومي والعالَم اليومي المعتاد.
في عالَم ميكانيكيا الكم، تتوقَّف قوانين الفيزياء المألوفة في حياتنا اليومية عن العمل. وتتحكم الاحتمالات في الأحداث عوضا عن ذلك. فقد يحدث، على سبيل المثال، أن تتفكك ذرة مشعة وتطلق إلكترون، أو قد لا يحدث. ومن الممكن وضع تجربة بحيث يكون هناك احتمال بنسبة ٥٠ ٪أن تتفكك إحدى الذرات في كمية ٍ كبيرة من مادة مشعة في غضون فترة زمنية معينة. ويسجل كاشف ما تفككها في حال حدوثه حقا وقد حاول شرودنجر ٍ— الذي كان استياؤه من نتائج نظرية َ الكم يضاهي استياء أينشتاين تماما — أن يوضح استحالةَ هذه النتائج وتعذرها. حيث تخيَّل أن مثل هذه التجربة قد أجريت في غرفة مغلقة، أو صندوق مغلق، يوجد فيها أيضا قطة حية وقنينة فيها سم, واتخذت التدابير اللازمة بحيث إذا حدث وتفككت الذرة المشعة فإن قنِينة السم تنكسر؛ ومن ثَم تموت القطة. في عالَم الحياة اليومية، يوجد احتمال بنسبة ٥٠٪ أن تموت القطة، ومن دون النظر داخل الصندوق، يمكن القول بكل راحة إن القطة إما حية أو ميتة. ولكننا الآن نقف في مواجهة مباشرة مع غرابة عالَم الكم طبقا للنظرية لا يمكن لاي من الاحتماليين الجائز حدوثهما للمادة المشعة ومن ثَم للقطة، أن يحدث في الواقع إلا إذا شاهدناه بأعيننا. لن يكون معروفا هل حدث التفكك الذري أم لم يحدث، وهل قُتلت القطة أم لم تُقتَل حتى ننظر داخل الصندوق لنرى ما حدث. يقول المنظرون الذين يقبلون بالنسخة التجريدية الخالصة من ميكانيكا الكم إن القطة موجودة في حالة َّ غير محددة؛ فهي ليست حية ولا ميتة حتى ينظر شخص َ داخل الصندوق ليرى ما يجري. لا وجود لشيءٍ حقيقي حتى نشاهده بأعيننا. رأى أينشتاين وآخرون غيره أن هذه الفكرة بغيضةٌ ومحرمة. وقال: «إن الرب لا يلعب النرد.» مشيرا إلى النظرية التي تنادي بأن العالَم تحكمه مجموعة النتائج المترتبة ٍ على «اختيارات» عشوائية بالأساس لاحتمالات على المستوى الكمومي. وفيما يتعلَّق بعدم حقيقة الحالة التي عليها قطة شرودنجر، فقد رفضها أينشتاين؛ حيث افترض أنه لا بد من ٍ وجود «آلية ِّ منضبطة» تعزز حقيقة الأشياء. وقد قضى سنوات عديدة في محاولة تصميم اختبارات يمكن بواسطتها الكشف عن هذه الحقيقة الكامنة عمليٍّا، لكنه مات قبل أن يتسنَّى له إجراءُ مثل هذا الاختبار. وربما أنه بالأحرى لم يمتد به العمر ليرى نتائج الحجة المنطقية التي ساقها بنفسه.
في صيف سنة ١٩٨٢ وفي جامعة جنوب باريس بفرنسا، أكمل فريق يقوده آلان أسبكت سلسلة من التجارب المصممة لاكتشاف الحقيقة الكامنة وراء العالَم الكمومي غير الواقعي وقد أطلقوا على الحقيقة الكامنة — الآلية المنضبطة — اسم «المتغيرات الخفية»، ورصدت التجربة سلوك فوتونين أو جسيمين من الضوء ينطلقان مبتعدين أحدهما عن الآخر في اتجاهين متضادين من مصدر ُ للضوء. ويمكن مشاهدة الفوتونين المنطلقين من المصدر ِ نفسه بواسطة كاشفين يقيسان خاصية تسمى الاستقطاب. وتبعا لنظرية الكم، فإن هذه الخاصية لا تعد موجودة حتى يتم قياسها. وتبعا لفكرة المتغير الخفي، يكون لكل فوتون استقطاب «حقيقي» منذ اللحظة التي نشأ فيها. ونظرا لأن الفوتونين قد انطلقا معا استقطابيهما يكونان مترابطين ولكن تختلف طريقة الارتباط المقيس بالفعل تبعا لمنظوري الحقيقة. تتسم نتائج هذه التجربة الحاسمة بأنها قاطعة ولا الْتباس فيها. ذلك حيث لا يوجد نوع الارتباط الذي تنبأت به نظريةُ المتغير الخفي، بينما يوجد نوع الارتباط الذي تنبَّأت به ميكانيكا الكم والأكثر من ذلك أنه طبقا لما تنبأت به ميكانيكا الكم ً أيضا فإن القياس, المستخدم مع أحد الفوتونين يكون له تأثير لحظي على طبيعة الفوتون الاخر ويربط تفاعل ما بين كلا الفوتونين على نحو معقد على الرغم من اندفاعهما بعيدا أحدهما عن الآخر بسعة الضوء وعلى الرغم مما تخبرنا به نظرية النسبية عن أنه لا يمكن لأي إشارة أن تنتقل بسرعة تفوق سرعة الضوء. أثبتت التجارب أنه لا توجد حقيقةٌ كامنة وراء العالَم. و«الحقيقة» بالمفهوم المعتاد ليست بطريقة جيدة للتفكير في سلوك الجسيمات الأساسية التي يتكون منها العالَم، ولكن في الوقت نفسه، تبدو هذه الجسيمات مرتبطة على نحو لا ينفصم في كل لا يتجزأ، بحيث يدرك كل جسيم منها ما يحدث للجسيمات الأخرى. لم يكن البحث عن قطة شرودنجر سوى بحث عن الحقيقة الكمومية. وقد يبدو من ْ هذا العرض الموجز أن البحث غير ذي جدوى؛ حيث لا توجد حقيقة بالمفهوم المتداول للكلمة. غير أن هذه ليست نهاية القصة، وقد يقودنا البحث عن قطة شرودنجر إلى فهم ٍ جديد َ للحقيقة يتجاوز التفسير المتعارف عليه لميكانيكا الكم ولكنه يشمله. بيد أن الطريق طويل، ويبدأ بعالم ربما يفوق أينشتاين في استيائه من الإجابات التي لدينا الآن عن الأسئلة َّ التي حيرته وأمعن التفكري فيها. لم يكن لدى إسحاق نيوتن عندما عكف على دراسة طبيعة الضوء منذ ثلاثة قرون، أدنى فكرة بأنه كان بالفعل على الدرب الذي من شأنه أن يقوده إلى قطة شرودنجر.