x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
طرق علاج الكذب
المؤلف: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
المصدر: الحياة في ظل الأخلاق
الجزء والصفحة: ص54ــ61
4-7-2022
1980
وبملاحظة العوامل المؤثرة في إيجاد وترسيخ هذه الرذيلة، يتضح لنا طريق علاجها شيئاً ما، وبصورة عامة، ولأجل معالجة هذا الانحراف الأخلاقي، تجب الإستعانة بالأمور التالية:
1- قبل كل شيء، يجب تحذير المصابين بهذه الرذيلة من عواقبها المرة وآثارها المادية والمعنوية، والفردية والاجتماعية السيئة، والتعرف جيداً من خلال التفكر والتدبر في آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة للمعصومين عليهم السلام والتأمل في أحوال الماضيين وأقوال الحكماء على أن منافع الكذب وأهميته لا يمكنها أبداً أن تقاس بكل تلك المفاسد المترتبة عليه.
ويجب تنبيههم على أنه حتى لو كان للكذب منافع شخصية في بعض الأحيان، فإنها آنية سرعان ما تزول؛ إذ لا ثروة، لأي فرد في المجتمع وفي أي ظرف ومقام كان، أغلى من اعتماد وثقة الآخرين به.
ومما تجدر الإشارة إليه أن البعض يتصورون إمكانية الكذب بدون افتضاح أمرهم وسلب ثقة الآخرين بهم.
وهذا خطأ كبير؛ لأن التجربة قد أثبتت أن حبل الكذب قصير دائماً، والسر في هذا هو أن لكل حادثة أجواء وتفاصيل مختلفة، باختلاف الزمان والمكان والأفراد والحوادث الأخرى، وكل من يريد اختلاق حادثة مزيفة فإنه يصفها مجردة عن كل تلك الأجواء والتفاصيل، وإن كان ذكياً وماهراً جداً فإنه يضم إليها أكاذيب مفتعلة أخرى ويربط بين الحادثة المزيفة الأصلية وهذه الحوادث المفتعلة الجانبية.
لكنه لا يستطيع التنبيه لجميع الحيثيات المحتملة والحوادث الجانبية والربط فيما بينهما بدقة، لذا يعجز عن توجيه كلامه بعد عدة أسئلة مختلفة تطرح عليه.
وعلى سبيل المثال فلننظر في قضاء أمير المؤمنين علي عليه السلام بخصوص ذلك الشاب الذي سافر أبوه وهو يحمل ثروة طائلة برفقة جماعة ادعوا موته بعد عودتهم.
وسرعان ما انكشف المتهمون، الذين هم قتلة ذلك الرجل، بسبب الأسئلة المتعددة التي وجهها إليهم الإمام عليه السلام حول جزئيات مرض وموت وتكفين ودفن ذلك الرجل؛ لأنهم كانوا قد اتفقوا فقط على الادعاء بمرضه وموته، ولم يتفقوا على مكان الموت وساعته ويومه، ومن الذي غسله ومن الذي كفنه ومن الذي صلى عليه وما شاكل ذلك. والحقيقة أنهم لا يتمكنون من الاتفاق في جميع ذلك.
وبناءً على ذلك فإن أمهر الكذابين سوف ينكشف بسبب تحقيق بسيط؛ ذلك لأنه يستعين بعبارات مزيفة لإثبات أكاذيبه، ولكونها لا صحة لها، فإنه لا يتذكرها جيداً. فلو سئل في فواصل زمنية مختلفة، لتورط بالتناقض والتلعثم في كلامه، ويعد هذا التناقض أحد العوامل التي تكشف النقاب عن أكاذيب هؤلاء الأفراد. والسر في قولهم (الكاذب غبي)، مع افتراض امتلاكه لحافظة ذهنية قوية، هو عدم موضوعية الموضوع عنده لكي يتمكن من حفظه.
2- تربية الشخصية: تعتبر تربية الشخصية لدى الأفراد من أبلغ العوامل المؤثرة في علاج الكذب، وكما عرفنا فإن الشعور بالحقارة ونقص الشخصية يعتبر من الدوافع النفسية المهمة للكذب، الذي يحصل كرد فعل لسد هذا النقص في مثل هذه الحالات.
فلو عَلِمَ الكاذبون بأنهم أصحاب قوى واستعدادات داخلية، يمكنهم بتربيتها وتوجيهها رفع مكانتهم وشخصيتهم، لما وجدوا حاجة للجوء إلى الكذب لاختلاق شخصية مزيفة.
وعلاوة على هذا يجب تفهيم مثل هؤلاء الأفراد أن المكانة الاجتماعية للفرد الصادق، الذي استطاع كسب الثقة العامة بصدقه، لهي أعلى من جميع القيم، وإن الثروة المعنوية الكبيرة التي يملكها من المكانة الاجتماعية لا تقاس بأية ثروة مادية، وبها يمكن الحصول على جميع الإمكانات المادية كذلك.
فمثل هذا الشخص له شخصية ليس في نظر الآخرين فقط ، بل له مقام عند الله عز وجل في صف الشهداء والنبيين كما ورد في القرآن الكريم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
وقد ذكر العالم الشهيد الراغب الأصفهاني، في كتاب (مفردات القرآن) ، عدة معان لكلمة الصديق هي :
1- من يصدق كثيراً. ٢- من لا يكذب أبداً. ٣- من يصدق في القول والعقيدة وعمله يدل على صدقه.
3- السعي لتقوية عرى الإيمان بالله في نفوس المصابين بمرض الكذب وتنبيههم بأن يد الله فوق أيديهم، وهو القادر على حل جميع المشاكل التي يلجأ ضعاف الإيمان إلى الكذب لحلها.
فالصادقون يتوكلون على الله في الحوادث المختلفة، لكن الكاذبين وحيدون في مثل هذه الحالات.
4- يجب قلع جذور دوافع الكذب في نفوس الأفراد مثل الطمع والجبن وحب الذات وحالات الحب والبغض المفرطة وما شاكل ذلك لكي لا تجد هذه الآفة العظيمة طريقاً للنشوء والظهور في وجود الإنسان.
5- يجب تطهير البيئات التربوية والاجتماعية من الكذابين لكي تطهر النفوس من هذه الرذيلة، وفق قانون المحاكاة وتأثير المحيط في النفوس.
ولأهمية الموضوع قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «لا يصلح الكذب جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي به»(1).
* الكذب في الحالات الاستثنائية:
ذكر كبار الفقهاء وعلماء الأخلاق، بالإسناد إلى الأحاديث الواردة في هذه المسألة، حالات مستثناة من حكم الكذب، لخصها بعضهم في موضوعين هما: الضرورة وإصلاح ذات البين.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إحلف بالله كاذباً ونج أخاك من القتل»(2).
ولكن ينبغي الانتباه هنا إلى نقطتين أساسيتين هما:
الأولى: إن جميع الحالات الاستثنائية تعود في الواقع إلى موضوع واحد هو إباحة الكذب لضرورات مهمة تغطي مفاسده.
وطبيعي فإن هذا الموضوع لا ينحصر بمسألة الصدق والكذب فقط، بل يمتد ليشمل سائر المحرمات مثل «أكل الميتة» و«إيذاء اليتيم» وغيرهما، حيث تُباح لحفظ النفس والتأديب وما شاكل ذلك والحالات المذكورة في الحديث أعلاه هي من باب المثال لا غير.
فمثلاً لكون فائدة إصلاح ذات البين وجمع القلوب المتباغضة وتطهرها من العداوة والحقد، أهم من الكذب الذي لا يضر أحداً، فقد أبيح هذا العمل، وكذلك الحالات الضرورية كحفظ نفس الإنسان أو عرضه، أو الآخرين، أو ابتكار وتنفيذ الخطط الحربية، فقد يمكن أن يؤدي الكذب إلى إنهاء الحرب وحقن الدماء، أو ردع عدو غاشم. وكذلك عندما يحصل جدال بين زوجين حول مسائل معينة فقد يؤدي استمراره إلى الفرقة والطلاق أو أضرار أخرى، في الوقت الذي يمكن أن تحل المشكلة بكذبة بسيطة. ففي جميع هذه الحالات يُباح الكذب لحفظ المصلحة الأهم. ولو دققنا جيداً لوجدنا أن أضرار الكذب في مثل هذه الحالات، التي ذكرناها سابقاً، طفيفة جداً ولا تُقاس بفواده.
الثانية: ينبغي الانتباه إلى أن إباحة الكذب في مثل هذه الحالات مشابه جداً لإباحة أكل الميتة، إذ يجب الاكتفاء بمقدار الضرورة فقط، لا أن تصير هذه الإباحة باعثاً على التجرؤ على ارتكاب هذا الذنب الكبير، فيكذب المرء في كل صغيرة وكبيرة بحجة الاستعانة بحالات الكذب المباحة.
ففي الواقع إن المهالك الأخلاقية تقع على حافة الحالات الاستثنائية، والملاحظات هي حول الأمور المبهمة التي تشكل منطقة الخطر المحاذية للمنطقة الممنوعة، وقد سميت في الأخبار (حمى الله) «محارم الله حمى الله، فمن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيها».
وقد قال الغزالي في نهاية الفصل الذي خصصه من كتاب (إحياء العلوم) لحالات الكذب المباحة: اعتقد البعض بجواز افتراء الأحاديث في فضائل الأعمال والنهي عن المعاصي كذلك، وأضاف قائلاً: ما هذا إلا اعتقاد باطل؛ لأن الفائدة من هذا العمل لا تُقاس بأضرار الكذب أبداً، علاوة على هذا فلا ضرورة لهذا العمل؛ لأن هناك آيات وأحاديث صحيحة كافية في هذا المجال. وبغض النظر عن جميع ذلك فإن هذا الباب يؤدي إلى تخريب وتحريف الشريعة المقدسة(3).
وباعتقادنا فإن هؤلاء يتصورون، بأعمالهم الغبية هذه، أنهم أشفق على الإسلام من الله ورسولَهُ، وهذا العمل شر محض وفاسد من أوله إلى آخره، وخطره وخطر هؤلاء الحمقى ليس بأقل من خطر أعداء الإسلام اللدودين.
ما معنى التورية؟
(التورية) على وزن (توصية)، وتُطلق على الكلام الذي يفهم من ظاهره شيء في حين يقصد المتكلم به شيئاً آخر.
والمشهور بين فقهائنا هو لزوم العدول إلى التورية في الحالات التي يباح فيها الكذب لضرورة معينة، وكل موضع يمكن عدم التصريح فيه بالكذب والعدول إلى التورية كان الأولى ذلك.
وهذا الموضوع مشهور عند أهل العامة أيضاً ، كما يتضح من كلام علمائهم.
وقد قالوا في معنى التورية:
هي عبارة عن التصريح بكلام يُقصد به شيء مطابق لما هو عليه، ولكن يصاغ بشكل يفهم المخاطب منه معنى آخر غير مطابق لما يريده المتكلم.
ففي الوقت الذي يقصد المتكلم الخير والصلاح يُفهم من كلامه شيء آخر، فمثلاً سُئِلَ رجل عن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال (من ابنته في بيته) ففهم المخاطب أنه يقصد الذي ابنته في بيت الرسول صلى الله عليه وآله في حين إن قصد المتكلم (من بنت الرسول في بيته).
والمهم هنا هو معرفة أن التورية داخلة في باب الكذب أم لا؟
وبصورة عامة هناك ثلاثة آراء في هذه المسألة:
1- اعتقد جماعة بأن التورية ليست من الكذب بتاتاً، لذا قالوا بوجوب العدول إليها عند الضرورة لاجتناب الكذب.
وأصحاب هذا الرأي يَستدلون على هذا بأن المقياس في الكذب والصدق هو قصد المتكلم ونيته، فلو صح قصده لكان صادقاً، وإن كان كلامه مفصحاً عن غير ما هو عليه؛ لأنه لا تأثير لاشتباه المخاطب في فهم قصد المتكلم.
وقد وردت روايات عديدة، حول تأويل قول إبراهيم عليه السلام لعبدة الأوثان: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}. وقول يوسف عليه السلام: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}، تؤيد صحة الرأي القائل أن التورية ليست من الكذب.
2- اعتقد البعض الآخر كالمرحوم المحقق القمي بأن التورية من الكذب، لأن المقياس في الصدق والكذب هو ظاهر الكلام لا قصد المتكلم.
3- ويُستنبط من كلام المجموعة الثالثة (كالغزالي) أن التورية مصداق للكذب ولكن قبحها وفسادها أقل من الكذب.
ولعله يَقصِد أن ظاهر الكلام في الكذب العادي وقصد المتكلم خلاف ما هو عليه في الواقع، ولكن لا يقصد الكذب في التورية؛ لذا فهي أقل قبحاً وفساداً.
* معنى جديد للتورية :
لكننا نذكر هنا نقطة مهمة تُعَد مفتاحاً لحل مشاكل هذا البحث وهي:
إن التورية ليست كل ما يقصد به إفهام المخاطب خلاف الواقع، بل هي إخبار المتكلم المخاطب بلفظ ذي احتمالين أحدهما مطابق للواقع وأظهر في المقام فيحمله المخاطب عليه وثانيهما مطابق له يريده المتكلم. كقول يوسف عليه السلام لأخوته «إنكم لسارقون» فظاهر الكلام هو (السرقة الفعلية) ولكن المقصود هو (السرقة السابقة أي سرقة يوسف من أبيه)، وهذا خلاف ظاهر المعنى.
أو عندما يسأل أحد: هل أهدى إليك فلان هذه الثياب؟ فيجيب بقصد التورية ويقول : «أمد الله في عمره» ، فيفهم المخاطب أن المتكلم يقصد (نعم، أمد الله في عمره) بينما هو لا يقصد ذلك.
____________________________________
(1) وسائل الشيعة، ج٣، ص ٢٣٢.
(2) المكاسب للشيخ الأنصاري - موضوع الكتاب.
(3) إحياء العلوم ج ٣، ص ١٣٩.