1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : قصص قرآنية : مواضيع عامة في القصص القرآنية :

قصة أصحاب الفيل

المؤلف:  الدكتور محمود البستاني.

المصدر:  قصص القران الكريم دلاليا وجماليا  .

الجزء والصفحة:  ج2،ص497 - 508.

28-1-2021

3570

 

تتميز هذه الاقصوصة أو الحكاية بجملة سمات، منها: أنها تتمحض للسرد الخالص، أي لا تتوكأ على عنصر المحاورة ومنها: طغيان العنصر الحيواني بالنسبة إلى أبطالها، كالفيل وكالطير. ومنها: وحدة ضمير السرد وهو الغائب... وسنجد أن لهذه السمات أثرها في الصياغة الجمالية والدلالية للحكاية. المهم يمكن الذهاب إلى أن اقصوصة أصحاب الفيل وزعت في سورتين قصيرتين، هما: سورة الفيل وسورة الإيلاف.

ولهذا التوزيع في سورتين ـ مع أنهما تـتناولان حادثة قصصية واحدة ـ دلالة فنية سنوضحها في تضاعيف دراستنا لهذه القصة.

لكن الملاحظ أن المشرع الإسلامي يطالبنا بدمج هاتين السورتين وقراءتهما في الصلاة بمثابة سورة واحدة،... ومثلهما سورتا الضحى وألم نشرح.

وهذه المطالبة من قبل المشرع الإسلامي، تلقي بعضا من الإنارة الفنية دون أدنى شك،... فمادامت السورتان تقرءان بمثابة سورة واحدة في الصلاة، فهذا يعني أن هناك وحدة أو خطوطا مشتركة تجمع بين السورتين، من الممكن أن يجهل الدارس أسرار ذلك تكوينيا، لكنه من الناحية الفنية يمكنه أن يدرك بسهولة بعض أسرار الفن القصصي، مادام الأمر يتصل بحادثة واحدة هي محاولة هجوم أبرهة على مكة، واستهدافه هدم الكعبة، ثم فشل هذا الهجوم وإبادة جيشه، وصلة اولئك جميعا بطبقة اجتماعية في مكة، هي قريش، وموقفها من ثم من رسالة الإسلام.

والمهم: أن كلا من وحدة السورتين وانفصالهما له دلالته الفنية التي سنتحدث عنها لاحقا.

ولكن قبل ذلك، لنقرأ النص القصصي أولا:

{بسم الله الرحمن الرحيم}

{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}

{ألم يجعل كيدهم في تضليل}

{وأرسل عليهم طيرا أبابيل}

{ترميهم بحجارة من سجيل}

{فجعلهم كعصف مأكول}

 

{بسم الله الرحمن الرحيم}

{لإيلاف قريش}

{إيلافهم رحلة الشتاء والصيف}

{فليعبدوا رب هذا البيت}

{الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}

والآن، لنتقدم إلى تلخيص القصة قبل الرجوع إلى النصوص المفسرة. فماذا يمكننا بصفتنا قراء قصة فنية أن نستخلص منها: أبطالا وحوادث ومواقف ؟

النص القصصي يقول لنا: إن هناك رهطا أو مجموعة، هم أصحاب الفيل، وإلى أن كيدهم رد إلى نحورهم، متمثلا في إرسال السماء عليهم أسرابا من الطيور تقذفهم بحجارة صلبة، حتى تقطعت أوصالهم، فأصبحت مثل الزرع الذي أكلته الدواب، وراثته، وداست عليه.

وكل ذلك من أجل إسباغ النعمة على قوم هم قريش... مضافا إلى أن قريشا قد اسبغت عليهم نعمة اخرى هي: تهيئة رحلات تجارية لهم في الشتاء والصيف لتأمين الراحة لهم، حتى لا يصيبهم جوع ولا يهدد أمنهم أي خوف من الأعداء الذين يغيرون عليهم.

إلى هنا فإن القارئ لهذه القصة بمقدوره أن يستخلص بأن القضية تـتصل بقوم قريش وبالكعبة التي يعيش هؤلاء القوم في ظلها.

إنه ـ أي القارئ ـ لايمكنه أن يعرف من ظاهر القصة سوى أن هناك هجوما من الأعداء هم أصحاب الفيل، وأنهم قصدوا البيت الحرام، فأبيدوا. وإلى أن قريشا أمنت حياتها من ذلك.

مضافا إلى تأمين حياتها الاقتصادية من خلال رحلة الشتاء والصيف. فيما يتعين عليهم أن يقدروا هذه النعم التي اغدقها الله عليهم وأن يعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف.

خارجا عن ذلك، فإن القارئ يجهل كل التفاصيل المتصلة بأسباب الهجوم وبتحديد هوية المهاجمين، وتحديد علاقة الشخصية الحيوانية الفيل بهؤلاء المهاجمين...

كما يجهل القارئ رحلتي الشتاء والصيف وتفصيلاتهما المتصلة بحادثة الهجوم.

غير أن جهل القارئ بهذه التفصيلات لا يمنعه من استخلاص الدلالة الفكرية للقصة التي تستهدف لفت الانتباه إلى أن نعم الله لا تعد ولا تحصى، وإلى أنه سبحانه وتعالى يقف بالمرصاد لكل من يعتزم إلحاق السوء بمواطن العبادة، وإلى أن تقدير هذه النعم ينبغي ألا يغيب عن ذاكرة اولئك الذين أحاطوا بالبيت...

هذه الدلالة الفكرية واضحة كل الوضوح، مما تفسر لنا عدم دخول القصة في تفصيلات فنية تـتكفل النصوص المفسرة بتوضيحها، مثلما تـتكفل خبرات القارئ وتجاربه باستخلاصها، حتى تحقق للقارئ المتعة الفنية التي يكتشفها كل منا خلال قراءته لهذه النصوص القصصية العظيمة.

إذن لنتجه إلى نصوص التفسير، ومساهمة القراء في الكشف عن المزيد من التفصيلات الفنية والفكرية للقصة.

* * *

تقول النصوص المفسرة: إن أبرهة حاكم اليمن وهو حبشي، بدافع من عقيدته الملتوية وأسباب اخرى لا يعنينا عرضها، قرر هدم البيت الحرام، فزحف بجيشه الذي تقدمه فيل ـ كان الحاكم يباهي به الآخرين ـ زحف نحو مكة، إلا أن الفيل ربض وامتنع من الدخول.

وكانت هذه الحادثة أول مؤشر لفشل الهجوم.

بيد أن قريشا فيما يبدو هالهم هذا الزحف، فالتجأوا إلى رؤوس الجبال قائلين:

لا طاقة لنا بقتال هؤلاء.

وهذه الحادثة على العكس من سابقتها تظل مؤشرا لأول وهلة وكأن الزحف محفوف بالنصر.

وهناك حادثة ثالثة رافقت هذه العملية، وهي: أن الجيش استولى على إبل عبد المطلب الذي بقي هو وبعض الأفراد على حراسة البيت الحرام. وحيال هذه الحادثة طالب عبد المطلب أبرهة برد إبله، مما ترك رد فعل سلبي في أعماق أبرهة قائلا له بما مؤداه: كنت أتخيل إنك تطالبني بالكف عن الكعبة، وإذا بك تطالبني بمكاسب شخصية. وعندها أجابه عبدالمطلب بما مؤداه: إن للبيت ربا يحميه.

هذه الإجابة تشكل بدورها مؤشرا لفشل الهجوم، مادامت القضية قد ارتبطت برب البيت.

وهناك تفصيلات اخرى عن عملية الهجوم ومقدماته وملابساته تذكرها نصوص التفسير، لا يعنينا منها إلا مؤشراتها التي تدل من جانب على أن الهجوم سيواكبه الفشل، وإلى أن القريشيين من جانب آخر لم يساهموا في رد العدوان، بقدر ما تمثل الرد في تدخل السماء، وحسمها للأمر على نحو ما فصلته القصة.

ومما تجدر ملاحظته، أن هذه التفصيلات التي حذفتها القصة لا تؤثر على دلالتها الجوهرية التي قلنا: إن القصة ألمحت إليها فنيا حينما تحدثت فحسب عن قريش، وعن رد الهجوم، وعن عناية السماء بعامة بالبيت وممن يحيطون به.

ومع ذلك ينبغي ألا يفوتنا دلالاتها التي أشرنا إليها: من ربض الفيل، وإجابة عبدالمطلب، وهروب قريش إلى رؤوس الجبال... إلى آخره، لأ نها جميعا تدلنا على أن حماية السماء تحسم المشكلة أساسا، وإلى أن تقدير وتثمين هذه الحماية، مشفوعة بنعم الأمن والشبع، ينبغي أن تـتوفر عليه قريش في تعاملها مع الله... وبخاصة أن مكة تشهد أحداثا ووقائع تـتصل برسالة الإسلام التي بشر بها محمد (صلى الله عليه وآله) وموقف قريش بالذات من هذه الرسالة.

إذن قريش وموقفها الجديد من رسالة الإسلام، هي المحط الذي ستنتهي القصة إليه على نحو ما سنلحظه.

بدأت قصة أصحاب الفيل برسم الفشل الذي رافق حملة أبرهة على الكعبة.

بيد أن فشل هذه الحملة لم يتم على يد أبطال آدميين توجهوا إلى ساحة القتال لرد العدوان، بل تم على أكف وأجنحة ومناقير وأنياب أبطال ينتسبون إلى عضوية اخرى هي: الطير.

والطيور بصفتهم أبطالا في القصة، لم يمارسوا أدوارا محددة لهم في هذه القصة فحسب، بل مارس هؤلاء الأبطال أدوارا كثيرة متنوعة في قصص اخرى،...

وفي مقدمتها داود وسليمان،... فهم حينا ـ أي الطيور ـ بصفتهم أبطالا يشاركون الآدميين في ممارسات عبادية لفظية وتأملية مثل التسبيح والتأويب في قصص داود... وهم حينا يمارسون نشاطا إعماريا، أو سياسيا أو عسكريا، كما هو شأنهم في قصص سليمان (عليه السلام)... وهم حينا يمارسون هذه الألوان من النشاط بنحو مشترك بينهم وبين الآدميين، كما في قصص سليمان... وحينا آخر يمارسون نشاطا مستقلا عن الآدميين، كما هو شأنهم في قصة أصحاب الفيل.

لقد توجه هؤلاء الأبطال، أي الطيور إلى ساحة المعركة بناء على أوامر السماء...

هذه الساحة لم تكن أرضا، بل كانت جوا.

وكما أن أبطال المعركة لم يكونوا بشرا، بل طيرا.

كذلك لم تكن ساحتهم أرضا، بل جوا...

وأسلحتهم أيضا لم تكن عادية أو مألوفة، بل كانت من السلاح الغريب أيضا.

إنه الحجارة...

إذن نحن الآن أمام أبطال، وساحة، وسلاح من نوع خاص،... من نوع يتسم بما هو غريب ومدهش ومعجز...

وإذا كان الأمر كذلك، حينئذ نتوقع أن يكون سير المعارك مثيرا كل الإثارة أيضا،... إنها معركة لم تألفها الأذهان، ولم تشاهدها العيون... معركة مثيرة تدفعنا بفضول ونهم وشوق وتطلع إلى معرفة تفصيلاتها الداعية إلى الدهشة والعجب...

فإلى تفصيلاتها...

* * *

هؤلاء الأبطال كما قلنا، هم الطير.

ولكن بأية هيئة عسكرية ؟

تقول القصة:{وأرسل عليهم طيرا أبابيل} ويعني أبابيل هو: جماعات أوزمر، أي أن الطير تقدمت إلى ساحة المعركة أسرابا محتشدة.

وللقارئ أن يستخدم مخيلته في مثل هذه الهيئة العسكرية للطيور، حيث أن الأمر قد يبدو مألوفا للعيون في نطاق تجمع الطير في الجو...

وبعض رجال عبدالمطلب قد شاهد طلائع هذا الرد الجوي على العدوان ـ وفقا لبعض النصوص المفسرة ـ. تقول الرواية المفسرة:

قال عبد المطلب لبعض مواليه: إعل الجبل، فانظر ترى شيئا ؟ فقال: أرى سوادا من قبل البحر. فقال له: يصيب بصرك أجمع ؟ فقال له: لا، واوشك أن يصيب. فلما أن قرب، قال: هو طير كثير.

إذن بدأت طلائع الزحف في شكل سواد من جهة البحر، حتى اقترب من ساحة المعركة،... وعندها شاهده البعض بوضوح، وعرف أنه طير.

غير أن هذه الطيور لم تكن عادية من حيث سماتها الخارجية، بل كانت ذات أشكال متميزة.

تقول بعض النصوص المفسرة: كان طير ساف، جاءهم من قبل البحر رؤوسها كأمثال رؤوس السباع، وأظفارها مثل أظفار السباع.

وهذا يعني من حيث الوصف الخارجي لملامح الأبطال: أبطال الطير... إن هؤلاء الأبطال قد اختيروا بنحو يتناسب مع أي بطل يقتحم المعركة. فالبطل الآدمي مثلا يتميز بكونه مفتول الساعد... وهكذا أبطال الطير...

فرؤوسهم وأظفارهم مثل رؤوس السباع وأظفارها، مما يعني أنهم أبطال من نمط خاص، تـتناسب هيأتهم الضخمة مع ضخامة المعركة التي يخوضونها...

وهذا كله فيما يتصل بملامح الأبطال.

ولكن الذي يعنينا الآن، هوطريقة قتالهم من خلال ساحة المعركة، وهي الجو، و من خلال نمط السلاح الذي استخدموه، وهو الحجارة، ومن خلال عملية استخدام السلاح نفسه...

إذن لنتابع هذه التفصيلات.

قلنا: إن الأبطال الطير كان سلاحها هو الحجارة :

{ترميهم بحجارة من سجيل}}...

ومثلما كان الأبطال من نمط خاص هو الطير، وملامحهم من نوع خاص مثل السباع، فإن سلاحهم كان من نوع خاص هو الحجارة الصلبة، شديدة ليس مثلها سائر الحجر...

وتقول النصوص المفسرة: إن كل طير كان يحمل ثلاثة أحجار،... واحدا في منقاره، واثنين في رجليه.

وهذا يعني أن سلاح الأبطال قد جهز بنحو مستكمل فيما يتصل بحمل الذخيرة... فالطائر يطير بجناحيه وهما وسيلة تحركه وأما منقاره ورجلاه فهي أدوات ثلاثة منحصرة في تركيبته، بحيث استخدم كل أداة ممكنة لديه لحمل الذخيرة، واستخدامها دفعة واحدة، أي إلقاء الأحجار الثلاثة على العدو، والمضي إلى سبيله بعد انتهاء الذخيرة.

وتضيف النصوص المفسرة، أن حجم هذه الأحجار مثل العدسة، ولكنها مثلما قلنا شديدة الصلابة.

إلا أن ما يلفت الانتباه، هو فاعلية هذا السلاح واقترانه بما هو مدهش وغريب مثل غرابة الأبطال، وملامحهم، وساحة معركتهم، وطريقة حملهم للذخيرة.

فالنصوص المفسرة تذهب إلى أن هذه الأحجار كانت تسقط على رؤوس العدوأو أجساده وتخترقها إلى الجانب الآخر.

وتقول بعض هذه النصوص: إن تأثير هذا السلاح كان ذا بعد آخر، هو نثر لحومهم تدريجيا على نحو ما يتركه مرض الجدري، بحيث كان العدو يحك جسمه منها، فيتناثر لحمه بمجرد أن يحك جسده...

إن فاعلية مثل هذا السلاح تبقى ـ مثلما قلنا ـ حافلة بما هو مثير ومدهش...

فالحجارة مثل العدسة، لكنها صلبة وسقوطها على الرؤوس والأجسام مثل السهم يخترقها إلى الجانب الآخر.

أو أنها لاذعة كل اللذع، بحيث تحمل العدو على حك جسمه، وتنثره بمجرد الحك...

إن كيميائية مثل هذا السلاح، تظل مقترنة بقدرات السماء التي أودعت في الأحجار مفعولها الكيميائي المذكور، تجانسا مع سائر قدراتها التي لا حد لها في الوقوف بالمرصاد لكل من تحدث نفسه بالتعرض لبيت الله...

والمهم أن نوع الأبطال وملامحهم، ونوع السلاح وحمله، ونوع القتال وفاعليته... كل ذلك شكل تجانسا فنيا بين أجزاء القصة، أبطالا وأحداثا على نحو ما لحظناه ونلحظه بعد ذلك في الجزء اللاحق من القصة.

* * *

ينتهي القسم الأول من قصة أصحاب الفيل بإبادة العدو إبادة تامة على يد الأبطال: أبطال الطير.

وقد سبق أن قلنا: إن العدو قد ابيد على أحد شكلين ذكرتهما نصوص التفسير.

النحو الأول من الإبادة هو: اختراق الحجارة أجسامهم وخروجها من الطرف الآخر.

أما النحو الآخر من الإبادة فهو: إصابتهم بالجدري وتمزق لحومهم، بسبب من الحك الذي أحدثته كيمياء الحجارة.

أما النص القصصي فيقول لنا: إن الأعداء أصبحوا {كعصف مأكول}.

هذه الصورة الفنية عصف مأكول ليست مجرد تركيب فني قائم على عنصر التشبيه، بل هي رمز غني بالدلالات التي تفسر نمط النهاية الكسيحة التي أصابت العدو.

ومن الحقائق المألوفة في ميدان الفن القصصي، أن عنصر الصورة، متمثلة في :

التشبيه والاستعارة والكناية، وسائر العناصر البلاغية، ومنها: الرمز بمفهومه الحديث، هذا العنصر لم يعد في معايير الفن المعاصر وقفا على الشعر، بل بدأت القصة الحديثة تستعير عناصر الشعر، لتـتوكأ بها على صياغة الأفكار القصصية،... حتى أ ن بعض القصص القصيرة الحديثة تصاغ بأكملها وفق عنصر الصورة، بحيث نلحظ القصة من بدايتها وحتى نهايتها سلسلة من الصور المتعاقبة وكأ نها قصيدة شعر.

والمهم أن قصة أصحاب الفيل اعتمدت عنصر الصورة الشعرية في رسمها لنهاية العدو، مستهدفة من ذلك تبيين أدق التفاصيل التي رافقت هزيمة العدو.

وسواء أكانت الإبادة تـتمثل في اختراق الحجارة لأجسام المندحرين، أم كانت تـتمثل في تناثر لحومهم بسبب من جدري الحجارة،... فإن النتيجة تظل متماثلة. ألا وهي إبادة العدو جسميا بشكل خاص، هو انتثار أجسادهم وتقطعها تدريجيا أو دفعة واحدة من خلال الاختراق أو الحك.

ولكن لننظر دلالات الصورة الفنية {كعصف مأكول} في تحديدها لهذه النهاية، فإنها أشد إيحاء وكشفا لعناصر الموضوع الذي نتحدث عنه.

* * *

ماذا تعني هذه الصورة الفنية:

{فجعلهم كعصف مأكول؟}

العصف هو: التبن. والمأكول: ما يبقى منه بعد لفظه إلى الخارج.

وهذا يعني أن الصورة الفنية شبهت تناثر وتقطع أجساد العدو بتبن أكلته الحيوانات،... ثم راثته، وداست الأقدام على ذلك الروث حتى تناثر هنا وهناك.

إن القارئ مدعو إلى تأمل هذه الصورة الفنية بدقة وكلنا يعرف أن معيار الجودة والإثارة في عنصر الصورة الشعرية، هو قيامها على انتقاء شيء مشترك بين طرفي الصورة، يكون أشد من غيره إثارة واستجماعا للدلالة التي تستهدفها الصورة، مع ملاحظة أن يكون التركيب للصورة متسما بما هو طريف وجديد ومبتكر من جانب، وأن يكون مألوفا في الأذهان من جانب آخر.

أما إذا لم يكن مألوفا في الأذهان، بأن كان غامضا، ملفعا بالضبابية،... أو إذا لم يكن ذا جدة وطرافة وابتكار، كأن يكون مبتذل الاستعمال، حينئذ فإن الصورة الشعرية تفقد أهميتها.

والآن حين نتجه إلى الصورة التي نحن في صددها وهي:

{فجعلهم كعصف مأكول}

نجدها مستجمعة لكل عناصر الجودة المطلوبة في صياغة الصورة الفنية وزيادة.

فهي أولا تـتسم بكونها مألوفة في الأذهان... يخبرها الجميع، ويشاهدها الكل في تجاربه المرئية: فالتبن وطريقة تناول الدواب لهذا الطعام، ثم لفظه روثا، ثم دوس الأقدام عليه، ثم تناثره على الدروب... كل ذلك يشاهده الرائي، ولا يحتاج إلى إعمال الذهن في إدراكه.

وأما كون هذه الصورة الفنية طريفة، وجديدة، فأمر واضح، مادام الأمر متصلا بانتزاع شيء يتماثل مع شيء آخر ويشاركه في تلك السمة، بنحو لم ينتبه عليه في كتابة الصورة الفنية.

وهل هناك طرافة وجدة أشد من هذه الصورة التي تقارن بين تناثر لحوم الأعداء وتقطعها وتفرقها، وبين تناثر التبن المأكول، ولفظه روثا، والدوس عليه، وتفرقه نتيجة اللفظ والدوس عليه ؟

* * *

إن أهمية الصورة الفنية المذكورة {كعصف مأكول} في قصة أصحاب الفيل تـتمثل في تضمنها رسما لكل عدو يحاول الكيد لمواطن العبادة ومساكن الله.

إن أعداء الله تناثرت أجسادهم بسبب من سلاح الحجارة التي استخدمها أبطال الطير. فإذا ذهبنا مع التفسير القائل بأن العدو عندما القيت الحجارة عليه، كانت تلذعه بنحو يضطر فيه إلى أن يحك جلده، وما أن يحك جلده حتى يتناثر لحمه، فيسقط على الأرض أجزاء متفرقة مثل أجزاء الروث المتفرق على وجه الأرض، حينئذ ندرك أهمية مثل هذه الصورة. مع ملاحظة أن كليهما: اللحم المتناثر والروث المتناثر يتسمان بالرخاوة وكراهية الرائحة المنبعثة منهما...

فضلا عن أ نهما يمثلان نهايتين قذرتين متماثلتين: النهاية القذرة للعصف المأكول، والنهاية القذرة لأعداء الله.

قذارة العصف المأكول، تـتمثل في كونها عينة مادية ملفوظة إلى الخارج.

وقذارة أعداء الله تـتمثل في كونها ظاهرة نفسية أولا، هي: محاربة الله.

وهل هناك أشد قذارة من محاربة الإنسان لمبدعه ؟

وتـتمثل ثانيا في انعكاس القذارة النفسية على القذارة الجسمية، بحيث تتحول إلى لحوم قذرة، ذات رائحة كريهة، ومنظر قبيح مشوه، يتناثر هنا وهناك.

وطبيعيا فإن هذه الصورة الفنية توحي فضلا عما تقدم بدلالات اخرى لم نشأ أن نفصل فيها خوفا من الإطالة، إلا أن القارئ مدعو كما قلنا إلى تأملها بدقة، وملاحظة عناصر الشبه بين العصف المأكول واللحوم المتناثرة في:

تفاهة كل منهما.

وفي كونهما شيئا ملفوظا إلى الخارج.

وفي كونهما شيئا يداس بالأقدام.

وفي كونهما شيئا يتناثر هنا وهناك.

وفي كونهما مشفوعين برائحة كريهة.

وفي كونهما مشفوعين بمنظر قبيح ومشوه... إلى آخره.

والمهم بعد ذلك كله، أن الدلالة الفكرية لهذه الصورة تحدد بوضوح أن الطغاة في أي زمان ومكان، قديما وحديثا سيلفهم مثل هذا المصير القذر عاجلا أو آجلا ماداموا نصبوا أنفسهم لمحاربة الله، ورسالة الإسلام، وأحباء الله...

والمهم أيضا، أن يدرك القارئ أهمية الفن العظيم في الكشف عن مثل هذه الدلالة الفكرية على نحو ما لحظناه مفصلا في صورة «وجعلهم كعصف مأكول» وفي سائر العناصر التي تضمنها القسم الأول من قصة أصحاب الفيل.