فتنة جدة
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 603 - 606
3-12-2020
1874
فتنة جدة في عهد نامق :
وفي اثناء وكالة نامق في جدة في عام ١٢٧٤ حدث حادث له جسامته المهولة ذلك ان تاجرا في جد اسمه «صالح جوهر» كان يملك مركبا في البحر وكان يرفع على سارية المركب علما انجليزيا فاراد في احد الايام ان يستغني عنه بعلم عثماني فكبر على القنصل الانجليزي ذلك فمنعه فلم يمتثل فاندفع القنصل الى المركب وانزل العلم العثماني وجعل العلم الانجليزي مكانه بعد ان اهان العلم العثماني فثارت ثائرة المسلمين في جدة وهجموا على بيت القنصل فقتلوه ونهبوا بيته وفعلوا مثل ذلك بكثير من الفرنجة في جدة فلما علم نامق باشا بالامر اسرع الى جدة وسجن المتهمين بالحادث ثم كتب الى دار السلطنة بما حدث.
ومضى شهر وبعض شهر ثم اصبح الناس في جدة على اصوات قنابل يدوي هزيمها فلما استوضحوا الأمر علموا ان مركبا حربيا انكليزيا على كثب من الميناء يقذفه بقنابل مهلكة ، ففزع الاهالي في جدة وخرجوا هاربين في جموع كثيفة الى مكة.
واتصلت الاخبار بالناس وهم في منى أيام التشريق فعم الفزع واشتد القلق ودعا نامق باشا كبار العلماء والاعيان والاشراف الى مجلس لبحث الامر فاشار المجتمعون عليه باستنفار القبائل من كل نواحي الحجاز لقتال المعتدين ، وقالوا ان مئات الالوف من هذه القبائل تستطيع رد العدوان في سبيل الله فأبي نامق ذلك عليهم وأشار بأن تصحبه لجنة منهم الى جدة لمقابلة قائد المركب الحربي ومفاوضته في الامر فقبلوا.
وانتهت اللجنة الى جدة واجتمع أعضاؤها بالقائد واستطاعوا اقناعه بتأجيل الامر حتى تصدر أوامر الخليفة بما يجب.
وفي اواخر المحرم ١٢٧٥ وصلت الى جدة لجنة مختلطة من بعض الأتراك والانكليز والفرنسيين تحمل امرا من الخليفة الى نامق باشا بتفويضها في تحقيق الحادث وتنفيذ ما تحكم به حكما قاطعا.
واظهر التحقيق ان باعث الحركة هو الشيخ عبد الله المحتسب وكبير الحضارم سعيد العامودي وقاضي جدة عبد القادر شيخ والشيخ عمر باديب والشيخ سعيد بغلف وشيخ السادة عبد الله باهرون والشيخ عبد الغفار والشيخ يوسف باناجه ، فحكمت اللجنة بقتل المحتسب والعامودي كبير الحضارم ، ونفي بقية الاشخاص الى خارج البلاد ، كما جرى الحكم بقتل ١٢ شخصا من عامة الناس ادينوا باشتراكهم في اثارة الفتنة.
وبموجب ذلك نفذ الاعدام فيمن ذكر على ملأ من الناس في أوائل ربيع الاول عام ١٢٧٥ كما نفذ حكم النفي في الباقين (١).
عبد الله بن محمد بن عبد المعين :
وكان العثمانيون قد اختاروا لامارة مكة قبيل هذا الحادث عبد الله بن محمد بن عبد المعين وكان يقيم في الاستانة كعضو في اعضاء مجلس الدولة برتبة وزير ، فلما بلغ الامر في اواخر عام ١٢٧٤ وعلم بحادث الفتنة رأى ان يؤخر سفره الى ان ينتهي أمر الكارثة ، وهكذا بقي في الاستانة ولم يصل الى جدة الا في ربيع الأول عام ١٢٧٥ بعد فراغ اللجنة من اعمالها وتنفيذ ما حكمت به.
ميزاب الكعبة :
واصطحب معه الى مكة ميزابا للكعبة محلى بالذهب صنعه العثمانيون ليجعلوه مكان الميزاب القديم وقد احتفل بوضعه في مكانه من الكعبة على اثر وصول الامير وأعيد الميزاب القديم الى الاستانة ليحفظ في معرضها.
يحاولون زيارة مكة :
وقابلت اللجنة المختلطة عبد الله بن محمد بن عبد المعين على اثر وصوله ، ورجته ان يمنحها زيارة مكة فاعتذر من ذلك ولما ألحت في طلبها أصر على الرفض في اسلوب رقيق والذي يستحق الملاحظة ان عبد الله بن محمد اصطحب معه الى مكة موظفا تركيا في رتبة فريق اسمه زكي باشا ، وقد ذكر الدحلان انه بعث به كمعاون للامير (٢) وفي هذا ما يدل على مبلغ ما تطورت اليه سيادة الاتراك في مكة.
وفي عام ١٢٧٧ زار المدينة والي مصر سعيد بن محمد علي باشا ، فسار الشريف عبد الله الى المدينة لاستقباله واحتفى به حفاوة عظمى ولما غادر المدينة الى مصر صحبه اليها حيث اقام فيها الى شوال من ذلك العام ثم عاد الى مكة (3).
وفي عام ١٢٨١ صدر أمر الاستانة بقتال بعض العصاة في عسير فسار امير مكة على رأس جيش من العرب والترك لقتالهم وأعينوا بجيش من مصر بطلب من العثمانيين ، وقد مضى الجيشان حتى خيموا في المخواة فصالحهم امير عسير وبذلك عاد الجيش المصري الى بلاده كما عاد الشريف الى مكة من طريق غامد بعد ان أقام مدة في بلاد غامد (4)
ومن طريف ما يرويه الشيخ محمد سعيد الحضراوي في كتابه تاج تواريخ البشرأن اهل عسير لما خرجوا على الطاعة وعصوا كتبوا الى الشريف عبد الله ابن محمد بن عون يقولون :
اذا كان يمنعك حر المصيف
وكرب الربيع وبرد الشتا
ويلهيك حسن زمان الخريف
فأخذك للعلم قل لي متى
فأجاب الشريف عبد الله :
اتيتك مستقبلا للمصيف
لذاك تدرعت قلب الاسد
_______________
(١) خلاصة الكلام ٣٢٢ وما بعدها
(٢) المصدر نفسه ٣٢٣
(3) افادة الأنام «مخطوط»
(4) تاج تواريخ البشر للشيخ محمد سعيد الحضراوي
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة