خلاف اشراف مكة ومصر
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 495- 500
22-11-2020
1462
آل بركات يستعدون محمد على بلوط في مصر
آل بركات يستعدون محمد على بلوط في مصر : ونشب الخلاف بين مساعد وجماعة من اشراف ذوي بركات في عام ١١٨٢ وعلى راسهم عبد الله بن حسين ين يحي البركاتي وتطور الخلاف فانتقل عبد الله الى وادي فاطمة واجتمع عليه ذوو بركات فقر رأيهم على محاربة مساعد ثم اتفقوا على ان يبدأوا باحتلال جدة فجمعوا جموعهم من البادية واحاطوا بسور جدة فتحصن اهلها ورموهم بالمدافع وجعلوا الكبريت المشتعل في بعض النشابات وقذفوهم به فاحترقت العشش التي كانوا ينزلون بها حول السور فظهر لعبد الله استحالة نجاحه فعاد الى وادي فاطمة (١).
وكانت مصر في هذه الاثناء قد ثارت على العثمانيين بقيادة كبير القواد العسكريين فيها محمد علي بك بلوط واستطاع محمد علي بك بلوط ان يرسل جنوده الى الشام بقيادة محمد بك ابي الذهب فيفتح اكثر البلاد فيها وقد رأى ذوو بركات ان يتصلوا بصاحب مصر الجديد ويستمدوا عونه لمساعدتهم على اجلاء ذوي زيد من امارة مكة ونقلها اليهم (٢).
وهكذا توجه عبد الله بن الحسين الى مصر واستطاع ان يقنع «محمدا عليا بك بلوط» بوجاهة رأيه ووجدها محمد علي فرصة طيبة لاتصال نفوذه بمكة فامر امير الحج المصري بان يصطحبه الى مكة وان يساعده على توليته الامارة وذلك في سنة ١١٨٣.
والذي يبدو ان امير الحج المصري عند ما انتهى الى مكة ادرك ان امر اصعب مما صوره عبد الله بن الحسين ورأى ان امير الحج الشامي يميل الى مساعدته فاخفى ما اضمره وشعر مساعد بما اخفى فارسل الى امير الحج المصري عقب الفراغ من منى بيومين ان يغادر مكة بعسكره منعا لما يحدث من التشويه فارتحل امير الحج المصري دون ان يظهر شيئا من الخلاف.
وكبر على ذوي بركات ان يخفقوا فبذلوا من اموالهم لرجال البادية حتى اجتمع منهم خلق كثير وعسكروا بهم في وادي مر في اواخر دي الحجة من السنة نفسها عام ١١٨٣.
وعلم مساعد بالامر فحصن الجبال المطلة على المعابدة وجرول وخرج للقائهم في شهر المحرم عام ١١٨٤ فاقتتلوا قتالا شديدا اسفر عن فرار آل بركات وبفرارهم عاد الامن الى استقراره في مكة.
ولم يدم امر مساعد في مكة بعد ذلك طويلا فقد وافته المنية في اواخر شهر المحرم عام ١١٨٤ بعد ان حكم مكة نحوا من عشرين سنة اذا استثنينا بعض الاشهر التي تولاها اخوه في عهده (3)
عبد الله واحمد ابناء سعيد بن زيد : وبوفاة مساعد نودي بالامارة لأخيه عبد الله بن سعيد في ٢٨ محرم عام ١١٨٤ ولم يدم فيها الا اياما ثم نازعه اخوه احمد بن سعيد فرأى عبد الله ان يسالمه حقنا للدماء فتنازل له عن الامارة فتولاها احمد في مجلس حافل بالقاضي وكبار العلماء والاشراف والاعيان.
مصر تستأنف حملتها :
ولقد كان عبد الله بن سعيد على محبته للسلم بعيد النظر عندما تنازل عن الامارة لانه كان يعلم ان ذوي بركات سوف لا يصبرون على ما نالهم من مساعد وان محمدا عليا بلوط سوف لا يتخلى عن مناصرتهم.
والواقع ان الامر كان كذلك فان الشريف عبد الله بن الحسين البركاتي ما كاد ينهزم من جدة قبيل وفاة مساعد حتى شد رجاله الى مصر وقابل فيها محمدا عليا بلوط وشكا اليه مما قاساه من الويلات فجرد محمد علي بك لنصرته حملة عسكرية من الترك والمصريين وارسلها في صحبته الى ينبع من طريق البحر بقيادة مملوكه محمد بك ابي الذهب.
واتصل خبر الحملة بمكة ولما يمضي على تولية الشريف احمد بن سعيد الا شهر واحد وبعض شهر ثم وافته الانباء ان درويشا أغا وزيره في ينبع عجز عن ملاقاتها ففر هاربا ، وان الحملة بعد ان احتلت ينبع نهبت ما فيها وان الشريف عبد الله بن حسين يتقدم الحملة في طريقه الى وادي فاطمة في جموع حاشدة من العربان.
فنشط احمد بن سعيد وارسل اهله وحريم ذوي زيد الى الطائف وندب من يستنفر القبائل لنصرته فلم يجبه الا القليل فشرع يحصن مركزه في حدود ما يستطيع (4).
عبد الله بن الحسين :
وفي اليوم الرابع عشر من ربيع الاول عام ١١٨٤ وصلت الحملة الى وادي فاطمة فندب الشريف احمد عليا بن عبد القادر الصديقي مفتي مكة والشريف عبد الله الفعر لمقابلة قائدها محمد بك ابي الذهب وبحث الاسباب التي تدعو سيده الى التدخل في شؤون الحكم بمكة فلم يجد المندوبان الا جوابا عسكريا مؤداه انه مأمور بانتزاع امارة مكة وتسليمها الى عبد الله بن الحسين البركاتي ليتولى أمرها فعاد المندوبان بما سمعا الى امير مكة.
وفي ١٦ منه تحركت الحملة من وادي فاطمة فعسكرت في الزاهر واعدت مدافعها بحيث تشرف على بئر طوى فخرج احمد في جنده وبعض من تبعه من العربان الى المصانع التي في الريع ونسميه اليوم ريع «الرسان» (5) في نهاية حارة الباب.
ثم ظهر ان لا فائدة من لقاء مثل هذا الجيش بعد ان تفرقت عنه البادية مستجيبة الى الذهب الذي يبذله غريمه في الجيش المهاجم فاودع بيته الشريف حامدا بن الحسين احد اخوان غريمه على طريقتهم في ذلك ثم غادر مكة من طريق المعابدة الى الطائف بعد ان حكمها نحو خمسين يوما.
ودخل الجيش المهاجم مكة في يوم الجمعة ١٨ منه وتفرق جنده في كل حي منها ونزل عبد الله بن الحسين في دار السعادة ثم نودي له بالامارة وأقبل المهنئون والشعراء يرتلون له آيات التبريك.
وعاثت الحملة العسكرية في مكة ولم يسلم من اذاها احد وعانت الأسواق من جورها ونهبها شيئا كثيرا وسجن قائد الحملة مفتي مكة عليا الصديقي ولم يطلقه حتى غرمه عشرين الف ريال واخذ كثيرا من اموال التجار ونهب دار الشريف مساعد في سفح اجياد وشرد من بقي من ذوي زيد في مكة (6).
ووقع حريق في دار السعادة نزل ذوي زيد فقيل انه من تدبير قائد الحملة ولكن صاحب خلاصة الكلام (7) ينفي ذلك ويقول انه لم يثبت.
واستقر الامر للشريف عبد الله بن الحسين ولم يبد منه ما يدل على ظلمه وجوره ومما يذكر انه جيء اليه بعد ولايته باموال جزيلة جباها صاحب بيت المال من السيد احمد بن علي طبيلة المتوفي وكان من اعيان جدة وكان يملك اموالا وعقارا ومراكب بحرية عديدة وقيل له ان هذا نصيب الامارة من تركة المتوفي فرفض قبول الاموال وزجر حاملها اليه وتلا قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(8).
ولم تمضي الايام حتى وافت انباء جديدة بان احمد بن سعيد بن زيد ، وقد تركناه يغادر مكة فرارا من المهاجمين قد اتصل ببعض العربان في وادي ليه وانه هاجم الطائف فاحتلها في ٢٤ منه فندب عبد الله بن الحسين بعض أقاربه من ذوي بركات على رأس حملة مشتركة من الاشراف والعربان وجنود ابي الذهب فلما علم احمد بدنوهم هرب من الطائف الى ثنية كرا (9) وحشد في طريقه من استطاع من عرب بني سعد وثقيف فعسكر بهم في عرفة فخرج جند عبد الله بن الحسين وعسكر أبي الذهب لملاقاته واحتدم القتال بين الفريقين واشتد عنفه ثم برز الى الميدان جماعة من عسكر ابي الذهب منكسين اعلامهم وصاحوا بالشريف احمد يظهرون انحيازهم له فخدع بهم وحازهم نحوه فاحتاطوا به واسروه وبذلك تم النصر لعبد الله بن الحسين وابي الذهب واستطاع الشريف احمد بعد هذا ان ينطلق من اسره فتوجه الى الليث واقام بها.
وفي ٢٠ جمادي الاولى عام ١١٨٤ ارتحل ابو الذهب في جنده الى مصر بعد ان ترك بعض الجند للحماية في جدة بقيادة حسن أغا شبكة الذي جعله واليا في جدة.
وهكذا تبدلت الامور وتوطنت الفرقة العسكرية التابعة لصاحب مصر في جدة بدلا من الفرقة العثمانية واصبح الامير في مكة مدينا بولائه لصاحب مصر بعد خليفة العثمانيين.
ولم تفت الحوادث الماضية في عضد الشريف احمد بن سعيد بن زيد فقد كان من اصحاب العزائم الماضية ، فليس غريبا ان نراه وقد ارتحل ابو الذهب عن مكة يستأنف نشاطه لأخذ الثأر فيندب الشريف ثقبة ليستنفر له القبائل من ثقيف ومن والاها ويصل من ناحيته بقبائل الجنوب حتى يحشد منها عددا طيبا ثم يتفق مع ثقبة على الاجتماع في عرفة بما حشدوا.
وقد نزلوا في عرفة في ٢١ جمادي الثانية ١١٨٤ ومنها زحفوا الى مكة في فرقتين هاجمت احداها أعلى مكة وزحفت الثانية من اسفلها فاحتدم القتال واشتدت وطأته نحو اربع ساعات ثم اسفر عن هزيمة عبد الله بن الحسين ومؤيديه من عسكر مصر (10) وبذلك فروا الى وادي فاطمة بعد ان دام حكم الشريف عبد الله لمكة شهرين وثلاثة وعشرين يوما.
_______________
(١) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(٢) عند ما اجلى العثمانيون جيوش الجراكسة عن مصر في عام ٩٢٣ ظلوا يرسلون ولاتهم للحكم فيها كما كانوا يولون قيادة الحامية بعض الصناجق من مماليك القواد العسكريين وقد ظل الامر على ذلك نحوا من قرنين اشتد في نهايتها استبداد القواد العسكريين بولاة الترك وشرعوا يولون من شاؤوا ويعزلون من شاؤوا ولما انتهت القيادة الى علي بك بلوط مملوك كبير الصناجق استطاع ان يعلن ثورته في عام ١١٨٤ ضد العثمانيين وان يؤسس لنفسه حكومة جديدة في مصر وهي الحكومة التي التجأ اليها ذوو بركات لتساعدهم على نقل الامارة في مكة اليهم وقد استجاب رئيسها للدعوة واستفاد من اتصاله بذلك.
(3) تاج تواريخ البشر للشيخ محمد سعيد الحضراوي «مخطوط»
(4) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(5) هو ريع الرسام بالميم ، ولعله سمي بذلك لان رسم البضائع الآتية من جدة كان يؤخذ هناك ، وهو احد الاكدية بمكة ، وكان اسمه (كدى) بالفتح والقصر. (ع)
(6) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(7 و8) خلاصة الكلام للسيد احمد زيني دحلان ٣٠٥
(9) كرا : هو الجبل الذي يسيل منه وادي نعمان ، وعلى ظهره مصيف هدأة الطائف ، وعليه احد طريقي. مكة الى الطائف. (ع)
(10) تذييل شفاء الغرام للشيخ عبد الستار الصديقي ٣١٠ وما بعدها.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة