1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

علي بن يحيى المنجم

المؤلف:  د .شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الأدب العربي ـالعصر العباسي الثاني

الجزء والصفحة:  ص: 378ــ380

9-7-2019

2712

 

علي (1) بن يحيى المنجم

من أصل فارسي أسلم أبوه يحيى على يد المأمون وخصّ به. ويقال إن جدّ يحيى أبرسام البزرج كان وزيرا لأردشير وصاحب أمره. وشملته عناية المأمون هو وابنه على، وتوالى عليهما برّه، وأخذ نجم الأسرة في التألق ببلاط المأمون والمعتصم، وتوثقت الصلة بين علي ومحمد بن إسحق بن إبراهيم المصعبي. ثم بينه وبين الفتح بن خاقان وزير المتوكل، ووصفه له وقدّمه إليه، وأعجب به المتوكل وقرّبه منه، حتى صار أكبر ندمائه، يساعده في ذلك علمه الواسع بالرواية والأخبار. وكان أشبه بالموسوعيين فهو يأخذ من كل علم وكل أدب بطرف. مع إحسانه اختيار الطرائف والنوادر، حتى كان المتوكل لا يصبر على بعده. ويقال إنه بلغ مجموع ما وصله به ثلاثمائة ألف دينار. وخلفه المنتصر فغلب عليه أيضا، وقدّمه على جميع جلسائه، وقلّده أعمال الحضرة، وأقرّه المستعين على ما تقلده من تلك الأعمال. ثم خلص الأمر للمعتز، فكان أول من طلبه لمنادمته علي بن يحيى، وحين قدم عليه تلقاه أجمل لقاء وخلع عليه ووصله. وقلّده الأسواق والعمارات، وقدّمه على جميع الندماء ووصله بثلاثة وثلاثين ألف دينار وقلّده قصره الكامل فبناه ووصله عند فراغه منه بخمسة آلاف دينار، وأقطعه ضيعة كبيرة. ثم أفضى الأمر إلى المعتمد، فحظى في عهده حظوة كبيرة، ووصله صلات سنيّة، وقلّده أعمال الحضرة، وما زال يحظى برعايته ورعاية أخيه الموفق حتى نهاية حياته.

وابن المنجم نموذج رفيع لندماء الخلفاء، فقد كان هناك ندماء كثيرون مضحكون كل همهم إضحاك الخلفاء وإدخال السرور على نفوسهم بما يوردون على أسماعهم من الأجوبة الهازلة أو ما يدخلون على ملابسهم وحركاتهم من الصور المضحكة.

وكان ابن المنجم مع ظرفه وما يورد على الخلفاء من النوادر والأخبار والقصص المستحبّة، بل قل مع اكتمال خصال المنادمة فيه ومعرفته بضروب الثقافات. حتى

  1.  

قيل إنه طبيب ومنجم وأديب وشاعر ومغن وجليس ومضحك. مع هذا كله كان فيه غير قليل من الوقار، وكان يعدّ من رعاة الأدب في عصره حتى كان بيته مألفا للأدباء، وكان يصل كثيرا منهم بالخلفاء والأمراء، ويستخرج لهم منهم الصلات، وكان يبلغ من عنايته بهم أن يهدي إلى الخلفاء والوزراء عنهم الهدايا الطريفة، حتى ينفحوهم بالنوال السابغ، وكان كثيرا ما يهب من ماله لمن يحرمون الصلات من الأدباء. وليس ذلك كل ما يرفع منه، فقد ألهمه تفكيره الصائب أن يستغلّ الأموال الكثيرة التي كانت تنشر عليه من المتوكل وغيره من الخلفاء في إقامة مكتبة ضخمة، مرّ بنا حديث عنها في غير هذا الموضع، وكان طلاّب العلم يقصدونها من كل مكان والكتب مبذولة لهم، وكذلك النفقة مهما طالت إقامتهم. وبذلك كان من رعاة طلاب العلم والأدب في عصره، بل لعله كان أكبر رعاتهما، ولا شك في أن ما عرف عنه من خبرة تامة بالكتب وثقافة واسعة بها هو الذي جعل الفتح بن خاقان يطلب إليه صنع مكتبة له يباهي بها معاصريه. ومن تتمة ثقافته أن يذكر له من التصانيف كتاب الشعراء القدماء والإسلاميين، وكتاب أخبار إسحق الموصلي وكتاب الطبيخ، والكتابان الأخيران يتصلان بمنادمته لاتصالهما بأخبار المغنين وبتذوّق الأطعمة.

وكان شاعرا، وله شعر كثير كما يقول ياقوت في ترجمته، غير أنه لم يكن يعجب بشعره، ولذلك لم يكثر من الاستشهاد به إلا ما جاء في سياق أخباره، ولو أنه صنع لاطلعنا بوضوح على أشعاره في الخلفاء والوزراء. ولعل أول شعر قاله ما نظمه في رثاء المأمون ومديح المعتصم، مما رواه ياقوت في ترجمته، وبدون ريب كانت له أشعار كثيرة في المتوكل ومن تلاه من الخلفاء، ونستطيع أن نتخذ صورة لهذه الأشعار قوله في المعتز حين استولى على مقاليد الخلافة:

بدا لابسا برد النبي محمد … بأحسن مما أقبل البدر طالعا

سمىّ النبي وابن وارثه الذي … به استشفعوا أكرم بذلك شافعا

وكل عزيز خشية منه خاشع … وأنت تراه خشية الله خاشعا

وهو شعر متوسط. شعر يعتمد على المناسبة الحاضرة، ولذلك كان يستساغ في

ص379

 وقتها كما تستساغ كلمات الندماء ونوادرهم وفكاهاتهم. وهكذا دائما شعرهم، فهو إنما يعجب في لحظة قوله، ولذلك كان يروى مع أخبارهم. ومن هذا الطراز نفسه قصيدته في الفتح بن خاقان التي أنشد ياقوت منها بعض أبياتها، وله وراء ذلك أشعار يصوّر بها سمو نفسه، لعل من أطرفها قوله.

سيعلم دهري إذ تنكّر أنني … صبور على نكرانه غير جازع

وأني أسوس النفس في حال عسرها … سياسة راض بالمعيشة قانع

كما كنت في حال اليسار أسوسها … سياسة عفّ في الغنى متواضع

وأمنعها الورد الذى لا يليق بي … وإن كنت ظمآنا بعيد الشّرائع

فهو تصور نفسه صابرة لا تجزع مهما ادلهمّت الخطوب، كما يصور نفسه لا تهون في حال عسر او شدة، بل تتقبّلها راضية قانعة كما تقبّلت اليسر قبلا مزدرية مغرياته في تواضع غير مسفّ دون أي إحساس باستعلاء، وإنه ليمنع نفسه الإلمام بأي ورد دنىّ مهما كان ظمآن، كاظما لظمئه، محتملا لحرارة عطشه.

وله في الطيف:

بأبي والله من طرقا … كابتسام الصبح إذ خفقا

زادني شوقا برؤيته … وحشا قلبي به حرقا

زارني طيف الحبيب فما … زاد أن أغرى بي الأرقا

وكأنما أراد أن يحاكى البحتري في كثرة أشعاره التي نظمها في الطيف. ولا شك أنه من طراز متوسط، فأجنحته ليست من القوة بحيث تستطيع أن تحلق به في الأفق الذى يحلق فيه البحتري. ومرّت بنا آنفا رعايته للأدباء والشعراء، مما جعل غير شاعر ينظم فيه بعض مدائحه، مصورا كرمه الفياض من مثل قول أبي هفان:

لربيع الزمان في الحول وقت … وابن يحيى في كل وقت ربيع

رجل عنده المكارم سوق … يشترى دهره ونحن نبيع

ص380

ولذلك حين وافاه القدر سنة 275 عن أربعة وسبعين عاما بكاه كثير من الشعراء، وفي مقدمتهم ابن بسّام، وقد أنشدنا في غير هذا الموضع مرثيته له، وهي مرثية جيدة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. انظر في حياة على بن يحيى وأشعاره معجم الأدباء 15/ 144 ومعجم الشعراء للمرزباني ص 141 والفهرست ص 211 والأغاني (طبعة الساسي) 9/ 22 وتاريخ بغداد 12/ 121 ومروج الذهب 4/ 191 والنجوم الزاهرة 3/ 73.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي