1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

فضل

المؤلف:  د .شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الأدب العربي ـالعصر العباسي الثاني

الجزء والصفحة:  ص : 457ـ458

24-6-2019

1709

 

فضل (1)

كانت أمها من مولّدات اليمامة، وكانت هي من مولّدات البصرة، نشأت في دار رجل من قبيلة عبد القيس أدّبها وثقفها ثم باعها، ووقعت لرجل من النخّاسين في الكرخ ببغداد يقال له حسنويه، فاشتراها منه محمد بن الفرج الرّخّجي، وأهداها إلى المتوكل سنة 233 للهجرة. ولم يكن بين الجواري في زمانها أفصح منها ولا أشعر، ويقول فيها بعض النخاسين: كانت في نهاية الجمال والكمال. ولما دخلت على المتوكل سألها أشاعرة أنت؟ فقالت: كذلك زعم من باعني واشتراني، فضحك، وقال لها: أنشدينا شيئا من شعرك، فأنشدته تمدحه:

استقبل الملك إمام الهدى … عام ثلاث وثلاثينا

إنا لنرجو يا إمام الهدى … أن تملك الناس ثمانينا

لا قدّس الله امرءا لم يقل … عند دعائي لك آمينا

فاستحسن الأبيات، وأمر لها بجائزة وأمر عريب أن تغنيه بها، فغنت وطرب طربا شديدا. وكانت حاضرة البديهة فكان الشعراء من حاشية المتوكل ومن غيرها يتعرضون لها ببعض أبيات يلقونها عليها، فتجيزها في سرعة شديدة، وكان المتوكل نفسه يلقي عليها أحيانا بعض الأبيات فتسرع في إجازتها ببديهتها الحاضرة، من ذلك قول بعض الشعراء:

تعلمت أسباب الرّضا خوف عتبها … وعلّمها حبّى لها كيف تغضب

ولم يكد يلفظ بالبيت حتى قالت:

تصدّ وأدنو بالمودّة جاهدا … وتبعد عني بالوصال وأقرب

 

ص457

وكما كان لها مديح كان لها هجاء خصّت به معاصرتها الخنساء، ولكن جمهور أشعارها كان في الغزل، وهو غزل رقيق رقة شديدة من مثل قولها:

علم الجمال تركتني … في الحب أشهر من علم

ونصبتني يا منيتي … غرض المظنة والتّهم

فارقتني بعد الدن‍ … وّ فضرت عندي كالحلم

ما كان ضرّك لو وصل‍ … ت فخفّ عن قلبي الألم

وهي تقول لصاحبها إنك وصلتني وشهرتني بحبك ثم هجرتني وأنزلتني هذه المنزلة المخزية من القطيعة، حتى صرت وصارت أيام وصلك كأنها حلم وخيال، وهي تود لو ظفرت بحبه ثانية وظفرت بوصله، فخرجت من آلامها المبرّحة. وأكثر غزلها في معشوقها سعيد بن حميد رئيس ديوان الرسائل لعصر المستعين، وله فيها بدوره غزل كثير، وبينهما محاورات ومكاتبات شعرية طريفة، من ذلك أنه عتب عليها يوما أنها لا تقبل عليه في مجلسها ولا تذكره باسمه في غزلها، فكتبت إليه:

وعيشك لو صرّحت باسمك في الهوى … لأقصرت عن أشياء في الهزل والجدّ

ولكنني أبدي لهذا مودتي … وذاك وأخلو فيك بالبثّ والوجد

فكتب إليها سعيد:

تنامين عن ليلي وأسهره وحدي … وأنهى جفوني أن تبثّك ما عندي

فإن كنت لا تدرين ما قد فعلته … بنا فانظري ماذا على قاتل العمد

وكان لا يقلّ عنها كلفا ولا غراما، وكانا كثيرا ما يتغاضبان ويتعاتبان ويعودان إلى الرضا بعد أن يصف كل منهما هيامه بصاحبه ودموعه المتحدرة، وكانت لا تنتهي الرقاع والرسائل بينهما ذاهبة راجعة، ومما كتبته له في إحدى الرقاع:

الصّبر ينقص والسّقام يزيد … والدار دانية وأنت بعيد

أشكوك أم أشكو إليك فإنه … لا يستطيع سواهما المجهود

ص458

وكان حريّا بصاحب الأغاني أو قل بمعاصريهما أن يحتفظوا للأجيال التالية بهذه الرسائل التي اتصلت بينهما. ولكنهم لم يحتفظوا منها إلا بالقليل مع أنها تعد من طرائف الشعر العباسي. ويقال إنه بلغها أنه واصل جارية من جواري مقيان وملأت قلبه فتونا. فكتبت إليه غاضبة ساخطة:

يا عالي السّنّ سيّئ الأدب … شبت وأنت الغلام في الأدب

ويحك إن القيان كالشّرك ال‍ … منصوب بين الغرور والعطب

لا يتصدّين للفقير ولا … يتبعن إلا مواضع الذهب

فالجارية لا تحبه لشخصه وإنما تحبه لذهبه ودنانيره، وكأنها تريد أن تقطع أوصال هذه العلاقة الناشئة. حتى لا يعود إلى التفكير في تلك الجارية أبدا. ويقال إنها كانت في الغاية والنهاية من التشيع. فلما هويت سعيدا انتقلت إلى مذهبه من الانحراف عن آل الرسول عليه السلام. وكانت منذ مقتل المتوكل تمر بها أوقات حزينة تشعر فيها بالبؤس فكانت تنفّس عن نفسها بمثل قولها:

إن الزمان بذحل كان يطلبنا … ما كان أغفلنا عنه وأسهانا (2)

مالي وللدهر قد أصبحت همّته … ما لي وللدهر، ما للدهر، لا كانا

والبيتان رائعان، ويدلان كما تدل الأبيات السابقة على نبع شعري غزير.

واختلف في زمن وفاتها، فقيل سنة 258 وقيل سنة 260، ويقال إن سعيد بن حميد كان يقول بعد موتها: ما رسائلي المدوّنة عند الناس إلا من إنشائها تجلّة لها ولأدبها وملكتها الشعرية.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في فضل وأخبارها وأشعارها الأغاني (طبعة الساسي) 21/ 114، 17/ 2 وفوات الوفيات للكتبي وطبقات الشعراء لابن المعتز ص 426 والنجوم الزاهرة 3/ 28 وزهر الآداب للحصري 4/ 165 .

(2) ذحل: ثأر .

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي